عرف عن العسكري العراقي ضابطا كان أم جنديا شجاعته في كل الحروب التي خاضها عبر تاريخ العراق الحديث والقديم على حد سواء، فكان بالإضافة إلى رباطة جأشه صبورا، جريئا، مبادرا، منفذا للأوامر في أحلك الظروف.

والشجاعة وإن كانت صفة فيها قدر من الاستمرارية التي على ضوئها يمكن القول أن منتسبي الجيش الفلاني شجعانا، ومنتسبي الجيش الآخر أقل شجاعة أو حتى غير شجعان، فإنها خاصية غير مطلقة قد يتوقف على أساسها العسكري في الحرب منتصف الطريق بين الجرأة والتردد حسب حالته المعنوية، والموقف العسكري المحيط به.

والشجاعة التي اقترنت بالجرأة والإقدام في المعركة، لم يتحدد مفهومها في هذا الإطار فقط لأن القرار الصحيح أثناء القتال، وإن كان انسحابا في الظروف الصعبة على سبيل المثال، يعد شجاعة، والتسليم بالأمر الواقع في موقف يتفوق فيه الخصم بمراحل كبيرة تعد شجاعة من قبل القائد الذي يحاول أن يجنب جنوده وجيشه الخسارة غير المبررة.

ومن هذه الرؤية يؤكد المختصون العسكريون، والباحثون في مجال الحروب أن وقوف جيش ما بقدرته المتواضعة بمواجهة جيش آخر يتفوق عليه بعدة مراحل لا يعد شجاعة بل انتحارا بكل المقاييس العسكرية والإنسانية.

والبقاء في وضع الحيرة في ساحة المعركة بين فكي كماشة طرفها الأول جيش الخصم المتفوق بالعدة والعدد وطرفها الثاني أجهزة أمن وانضباط عسكري، ورفاق حزبيين لا يفهمون إلا لغة الشك، والإعدام، لا يعد شجاعة، بل استسلاما مؤلما لليأس والموت البطيء ، وخسارة للنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.

وتنفيذ أوامر الدفاع غير المتوازن لوحدات لا تملك مستلزمات صد الهجمات المتفوقة ماديا وتقنيا، ولجنود لم يزودوا بالتجهيزات والأسلحة المناسبة لخوض معركة الدفاع لا يمكن وصفها شجاعة، بل دفعا للموت المحقق دون ثمن.

إن الموقف في الحرب المقبلة سيكون معقدا وقاسيا، فيه التكافؤ مفقودا، والنوايا مبيتة، والخسارة قاسية، مما يستلزم التنبه إلى كل الدقائق والتفاصيل والتحسب إلى كل الاحتمالات والتهيؤ المسبق لاتخاذ القرارات التي تنجينا من غدر الغفلة إذا ما أخذنا بالاعتبار أن الهدف المعلن للحرب لم يتحدد بإيذاء الجندي العراقي ولا التنكيل بالضابط العراقي، بل قتل الرأس الحالي للنظام، وتغيير الحكم عسى أن ينعم فيه كل العراقيين بالسلام، ويعود العسكري إلى ثكنته عزيزا مكرما قادرا على الدفاع عن الوطن في الملمات، وليس حارسا إلى حاكم سوف لن يجد من يحرسه بعد ساعة الصفر بأيام.

لكن عودة العسكر شجعانا سالمين إلى الأهل والوطن تعتمد على قرارهم بعدم الامتثال إلى أوامر الموت الصادرة من صدام قبل فوات الأوان.


لندن: 25/2/2003