تستمر وتائر التفتيش على أرض العراق، وأماكنه الحساسة عسكرية كانت أم سيادية، ويستمر ضغط الوقت على الجهاز العصبي لكلا الطرفين المتقابلين.

فالمسئولون العراقيون في هيئات التصنيع العسكري وأجهزة البحث العلمي الخاصة، والدوائر الأمنية، وبعض السياسيين من الجانب العراقي ..... يحصون الأيام والساعات حتى تنتهي فترة التفتيش التي حددها مجلس الأمن وهم طوال ما تبقى مـــن الفترة القادمة قلقون ..... رافعين الأيادي نحو السماء في دعوة صادقة إلى الباري عز وجل في أن تنتهي المدة المحددة دون أن يعثر المفتشون الدوليون على ما يريدونه أدلة دامغة على مخالفة العراق ما ورد بالقرار 1441 .... نتيجة يمكن أن تسهم بعبور النفق المظلم وانفراج الأزمة عليهم شخصيا وعلى العراق بشكل عام.

والمفتشون الدوليون من جانبهم يجوبون أرض العراق جيئة وذهابا في السر والعلن وهم يحاولون أن يعثروا على ما يمكن عده دليلا دامغا يجرم العراق، وينهي الأزمة بالطريقة التي تم التخطيط لها في أقبية الأمم المتحدة، وغرفها الخاصة ..... وعندما لم يتحقق لهم ذلك كما يودون بدءوا يدقون على نغمة تمديد فترة التفتيش لأمد لاحق يستمر عدة شهور، وكأنهم يريدون بطلبهم هذا البقاء على أرض العراق حتى حصولهم على الدليل القاطع وإن كان حصولا بالصدفة.

أو إن الأمر قد راق لهم، جولات شبه سياحية يوميا في ربوع العراق، وفنادق من الدرجة الأولى في كل مدن العراق، وأكل شرقي دسم من أرض العراق، ورواتب آلاف الدولارات يدفعها أهل العراق ..... خير ورفاه لم يكن يحلم به أحدهم، ولم يفكر بالاستفاقة منه أحد فهرولوا جميعا إلى الأمام مطالبين بتمديد الفترة الخاصة بالتفتيش.

هكذا هو حال النزاع بين العراق من جهة والأمم المتحدة وأمريكا من جهة أخرى، نزاع تحولت أشكال تنفيذه في بعض جوانبها الفنية إلى مسائل شخصية.

يُسقط فيها طرف مخاوفه النفسية على طبيعة القضية.

ويسقط فيها الطرف الثاني تمنياته الشخصية على مجرى القضية.

وأزمة أخذت متغيراتها تتعقد بالمستوى الذي باتت تهدد حاضر الحكم في العراق ومستقبله، يريد فيها طرف درء الخطر عن وجوده فعليا تحت أي ظرف من الظروف.

ويريد فيها الطرف المقابل الاستفادة من كل تعقيداتها ماديا بأي ثمن كان.

إنه حال مؤلم سيستمر هكذا إلا إذا فهم البعض من المسئولين العراقيين عن هذا الملف الشائك أن الحل يكمن فقط في الاعتراف أنهم الطرف الأضعف في معادلة النزاع، واعتراف من هذا النوع يتطلب الكشف الكامل عن كل ما يمتلكه العراق من أسلحة ومشاريع، وأفكار تقنع الطرف المقابل بمصداقيتها، أملا في أن يوقف زحفه باتجاه العراق قبل فوات الأوان .


لندن: 12/2/2003