عاش العراقيون مأساة بسبب طبيعة النظام الحاكم حيث الظلم، والبطش والتخبط وتعدد الحروب وغيرها كثير من الأمور التي لم تعد خافية على أحد منهم في الداخل والخارج، لمستوى بات فيه أنتقاد الوضع حد الشتم بشكل واضح، وملموس في وسـائط النقل، والشوارع، والأسواق، وأماكن التجمع لعموم المدن العراقية، وبات الحوار العلني عن مساوئ صدام، وجرائم البعض من الحزبيين، والبديل الديمقراطي والتدخل الأجنبي مادة أساسية لكتابات وحوارات العراقيين في الخارج وعلى اختلاف وجهات نظرهم الفكرية واتجاهاتهم السياسية. 

وباتت هذه نقلة نوعية بعد حالة اليأس، والاقتناع بعدم جدوى التفكير باحتمالات الخلاص التي سيطرت على شريحة ليست قليلة من شعبنا لسنين طويلة، نقلة وتدرج  زادت من عوامل التعرية ضد النظام، ومهدت الطريق إلى إحتمالات تغييره، رغم إن التغيير في مجتمع مثل العراق وأزمة معقدة مثل أزمته لم يعتمد التمهيد لحدوثه على طرف واحد من أطرافها "الشعب العراقي" مع أهميته طرفا فيها، بسبب وجود أطراف أخرى في معادلة التغيير منها:

1. الجــار الـذي راهن على نظام صدام أملا في كسب مادي وسياسي من إستمرار وجوده.

2. العرب الذين أعتقدوا أن التغيير في العراق يعني حصول جملة متغيرات سياسية وإجتماعية من شأنها أن تؤثر سلبا على أوضاعهم كما أنهم يخشون إمتداد حالة الاضطراب والتوتر وعدم الاستقرار التي ترافق التغيير.

وكلاهما أي التغيير الذي قد يفضي إلى الديمقراطية أو الذي يأتي بالداعم الأجنبي أو بالثوار المغامرين لم يشجع البعض من العرب عـــلى المجازفة بتأييده، تغييرا مجهول المعالم بالمقارنة مع صدام الذي تكشفت كل أوراقه أمامهم حتى قال البعض علنا أن بقاءه ضعيفا خيرا لهم من آخرين لا يمكن التنبؤ بتوجهاتهم.

3. الدول العظمى التي انتقلت بكل ثقلها العسكري والسياسي إلى المنطقة التي يقع العراق ضمن حدودها بعد أن بذلت كثيرا من الجـهد لإقناع كافة حكوماتها "المنطقة" بتفضيل تواجدها حليفا قويا على الشقيق العربي الذي غدر بهم أو الذي وقف عاجزا عن درء عملية الغدر. 

إن هذا التداخل في الأزمة العراقية وكثرة المتغيرات المؤثرة فيها أخل بالتوازن المطلوب لمعادلة حلها "التغيير داخليا" ووضع أمام السياسة العراقية المعارضة مهام جسام لتعديل هذا التوازن (ربما لا تستطيع إنجازها في المدى المنظور) بما يؤمن تحقيق الغاية من التغيير، مهام تعتمد على إعادة تنظيم الجهد السياسي على الساحة، واستقطاب أكبر قدر من العراقيين بالداخل والخارج والقدرة على التعامل مع الجيران، والعرب والدول الكبرى ذات النفوذ، ووضعتنا عموم  العراقيين أمام المسؤولية التاريخية في أن لا نبقى  متسمرين في أماكننا متفرجين أو عاجزين بل نندفع خطوات إلى الأمام نستثمر كل ما لدينا من طاقة وتجربة وتراث حضاري، نتعامل مع قضيتنا من زاوية أخرى وتصور جديد واستراتيجية واضحة المعالم نتفق عليها ونسـعى لتحقيقها، عندها سيكون التوازن ونتائج المعادلة لصالح إعادة البناء بأقل الخسائر.

وهذه حقيقة دفعت نخبة من السياسيين العراقيين المستقلين والعسكريين النزيهين المنصفين وقوى عراقية ناهضة إلى أن يبذلوا جهدا وطنيا باتجاه التعامل معها برؤية واضحة واستراتيجية شاملة وضعوها في برنامج (منهاج) سياسي لائتلافهم بمحاور شملت مواده وفقراته معظم المتغيرات ذات الصلة بها، والتي يمكن أن تكون طرفا في معادلتها أهمها:


المحور الوطني                  

العراق وطن سكنته أقوام مختلفة منذ آلاف السنين تفاعلت فيما بينها مكونة الشعب العراقي بقومياته وطوائفه التي عاشت مع بعضهــا بسلام، وتفاهم معقول حتى العقود الأخيرة التي برزت فيها مشاكل وتوترات لم يكن الشعب العراقي بعفويته مسؤولا عنها، أدت في نهاية المطاف إلى تدميره، وهددت باستمرار بقاء وحدته الوطنية، الوحدة التي تشكل أساسا لاستمرار العيش في ربوعه بأمان، والضمان لديمومة بقاء تراثه الحضاري بسلام، والداعم القوي لتعميم العدالة والمساواة في نظامه الديمقراطي المرتقب.

أهداف لا يمكن تحقيقها إلا من خلال التطبيق الصحيح للجوانب الآتية: 

1. الديمقراطية

للعــــراق ظــــروفه الخاصة إقليميا وعربيا ودوليا، وتركيبته الاجتماعية المتباينة قوميا ومذهبيا، ونظام حكم دكتاتوري تسلطي غير نزيه توجه لاستغلال ثغراتها لمصالحه الخاصة فأوجد  وضعا مضطربا يهدد الذات الإنسانية العراقيـة بالدمار، اعتقد بسببه البعض أن العودة الانفعالية للعشيرة بعلاقاتها المتشددة تشكل ملاذا آمنا والرجعة المتطرفة إلـى الطائفة بسياقاتها العنصرية تحقق انتماءا مستقرا، والركون إلى الذاتية الأنانية بنظرتها الضيقة يخفف من البؤس والإحباط وغيرها من التناقضات التي أدت إلى شيوع الفوضى وعدم الاستقرار، يمكن أن تتزايـد شـدتهما عندما تضعف الضوابط الاجتماعية أثناء مرحلة الانتقال وما بعدها، إلا إذا تنبه لها العراقيون بشكل عـــام وساستهم علـــى وجه الخصوص، وتوجهوا جميعا إلى الدعوة لتطبيق الديمقراطية شرطا أساسيا للبناء يتقلص فيه هامـش الرغبة الذاتية والنظرة الطائفية، والوجهة العنصرية، ويتوقف الفعل العدواني غير المسيطر عليه ويسود الأمن والاستقرار .... بناء ديمقراطي يؤسس على دعائم واضحة بينها:

أ. أن يحصل بتطبيقاتها "الديمقراطية" الجميع على حقوقهم ويدركوا واجباتهم.

ب. يعبر من خلالها الكل عن رغباتهم، وآرائهم دون تدخل من الغير.

ج. يساهم في إطارها العراقيون باتخاذ القرار على ضوء تمثيلهم، وكفاءة المقتدرين منهم.

د. يشعر في مجالها العموم أنهم جزء من نظام يشاركون فيه، ويتحملون تبعاته.

 

2. الوحدة الوطنية 

إن تشكيلة المجتمع العراقي، وتركيبته الطبقية التي غابت فيها الطبقة الوسطى، وهجرتها النخبة المثقفة، وعزلت فيها الشريحة النزيهة أخيرا، لم تعد ثغرة أو ورقة يلعب بها الأجنبي في الوقت الذي يراه مناسبا فقط، بل كانت حقيقة لعب بها حاكم بغداد من أجل استمراره في السلطة دون النظر إلى آثارها السلبية التي كونت إحساسا بالفرقة بدلا من الشعور بالوحدة، وميلا إلى التكتل بدلا من الرغبة بالتجمع، وتعميما للشعور بالأنا بدلا مـن النحن، فكانت كارثة اجتماعية  لحاضر بائس ومستقبل مجهول، الأمر الذي يتطلب جهودا حثيثة لإصلاح تخريب حاصل، والحماية من تخريب محتمل سعيا لبناء مجتمع عراقي موحد يكون فيه: 

أ. العراق وطن لكل العراقيين، ووعاء قومي، وديني، وعرقي، وعشائري لهم جميعا. 

ب. تعبر فيه الوحدة الوطنية عن إحساس بوحدة الأرض، والمياه، والأهداف، والمشاعر.

ج. يكون فيه الولاء للعراق وطنا وشعبا. 

د. تمنح فيه الحقوق كاملة لكافة القوميات، والأقليات بروح التآخي والتواد، وبالطريقة التي تشعـر الغالبية بالرضا والاستقرار.


3. العدالة الاجتماعية

لقـد عانى العراقيون طيلة العقود الثلاثة المنصرمة من القهر والذل والتفرقة والهوان على يد حاكم ظالم تسبب فــي تدمير المجتمع ونظامه القيمي لمستوى غابت فيه كثير من القيم الإيجابية مثل العدالة، والمساواة، والصدق، والأمانة والإخلاص وغيرها، وحلت محلها قيم سلبية مثل الخيانة، واللامبالاة، وعدم المسؤولية، والتنكيـل وغيرها.

فأصبح واقعا لا يمكن تجاوزه أو القفز من فوقه عند التفكير بالتغيير وإعادة البناء من بعده.

لكنــه في ذات الوقت ليس مستحيلا إذا ما وعى له العراقيون المخلصون والسياسيون النزيهون والقوى الوطنية، وحشدوا له جهودهم من الآن وافرزوا له مساحات واسعة في كتاباتهم ومحاضراتهم وهيئوا أنفسهم للتعامل معه باتجاه:

أ. أن يحس العراقيون جميعا بقيمتهم مواطنون بدرجة واحدة.

ب. تتهيأ فرص العيش، والكسب وتحقيق الذات أمام الجميع بالتساوي.

ج. أن تكون لهم القدرة على المطالبة بحقوقهم، والدفاع عنها بضمان قانوني واضح.

د. أن ينتهي إحساس العراقيين بأنهم متهمون حتى وان لم يرتكبوا إثما.      


4. التعددية السياسية

توالت على العراق بعد 14 تموز 1958 وحتى وقتنا الحاضر العديد من الحكومات العسكرية، والمدنية اليمينية أو المحسوبة على اليسار، حكمت جميعها إلا في فترات قليلة نسبيا بأسلوب الفرد الواحد أو الحزب الواحد أو الأصـل الواحد.

كذلك حاولت معظمها إبعاد القوى، والأحزاب الأخرى بحجة العمالة، والرجعية، والإمبريالية وغيرها مـعايير ساهمت وأساليب حزب البعث العراقي في إيصال البلد إلى واقعه الحالي:

تخلفا عن الركب وتأخرا عـــن العالم، وعودة إلى عصور الظلام.

على العكس من المجتمعات البشرية التي سعت في المائة سنة الأخيرة إلــى التقدم والرقي من خلال توسيع رقعة المشاركة بالقرار وتحمل مسؤولية اتخاذه، والتقليل جهد الإمكان مـن رأي الفرد الواحد وغرائزه الشخصية.

حتى أصبح بالنسبة لها أسلوب التعددية هذا منهجا عصريا ملائما لحاجات الإنسان ورغباته، ومنحا فكريا تجاوز مرحلة التوجس لكثير من تلك المجتمعات.

من هذا يمكن القـول أن ما أصاب العراق يتعلق جزء كبير منه بغياب التعددية وترسيخ سبل الإدارة الفردية.

وعلى أساسه يمكن التأكيد أن تجاوز آثارها السلبية واحتمالات الوقوع بما يشبهها مستقبل يأتي من خلال:

أ. أن يكون نظام الحكم في العراق ديمقراطيا تعدديا.

ب. أن تكون التعددية السياسية معيارا ثابتا، ونهجا واضحا في الدستور العراقي بعد التغيير.

ج. أن يكون للقوى السياسية أيا كانت اتجاهاتها دور في الحياة السياسية العراقية.

د. أن يسمح بتشكيل الأحزاب السياسية على وفق ضوابط العمل العلني.  


5. الحياة الدستورية

تعطلت الحياة الدستورية في العراق بعد قيام الجمهورية الأولى عام 1958 وبات وضع  دستور دائم للبلاد معضلة واجهت كل الحكام الذين توالوا على العراق من ذلك التاريخ وحتى نهاية القرن العشرين وبداية قرن جديد، فاستعاضوا عنها بقانون للطـوارئ أو دستور مؤقت، تم تكييفه أساسا لسلطة الفرد المطلقة فكانت الكارثة مشاكل، وحروب، وتمـرد، وعــصيان، واغتصاب للحقوق وتجاوز على الأعراف والتقاليد آخرها الحرب مع إيران واجتياح الكويت، اللتان تسببتا في تدمير العراق بصورة شبه كاملة.

لم تكن تحصل لو كان هناك دستور يقيّد سلطة الحاكم الفرد.

ولم تكن تتكرر لو كان هناك دستور يحدد الصلاحيات ويحاسب على ارتكاب الخطـــأ.

على هذا يصبح الدستور الدائم للبلاد الدعامة الأساسية لاستقرار العراق مستقبلا، دستور يفترض أن تناقشه وتتفق على فـقراته ومواده القوى السياسية في مرحلة البناء، ويستفتى عليه العراقيون في مرحلة انتقال لفترة محدودة بعدها ..... دستورا يأخذ بالاعتبار:

أ. وحدة أراضي العراق، واستقلاله السياسي.

ب. الفصل بين السلطات القضائية، والتنفيذية، والتشريعية، وتحديد سلطات رأس الدولة (ملكا أو رئيسا حسب إستفتاء شعبي) وفترة حكمه وعدد مرات الترشيح.

ج. إبعاد القوات المسلحة، والشرطة، والأمن عن السياسة.

د. ضمان حياة برلمانية تستند على مبدأ الانتخاب الحر المباشر واحترام قرار الأغلبية، والأخذ بالاعتبار رأي الأقلية.

 

6. الحرية

تشيـر كل الوقائع أن العراق مجتمع عانى من القسر، والاضطهاد، وتكميم الأفواه، وتقييد الصحافة لمستوى اصبح فيه الفرد غير قادر على التعبير عن آرائه ووجهات نظره بصورة صحيحة ضمن نطاق عائلته، وكان فيه الطالب بالمدرسة والكلية متلق سلبي دون حوار أو نقاش، والعامل في مصنعه عاجز عن المطالبة بأبسط الحقوق، والصحفي في جريدته لا يطرح رأيا إلا في صالح الرئيس، والباحث في جامعته لا يثبت نتيجة لبحثه قد تتعارض وتوجهات الرئيس، فتعطل الإبداع في داخلنا، وتناقصت كثير من القدرات في عقولنا وماتت في شخصياتنا كل المبادرات، وهذه مسألة وإن تسببت في إيذاء الإنسان الفرد فإنها من جانب آخر أثرت سلبا على مسيرة المجتمع ومديات تقدمه، وهي على وجه العموم مسألة لا يتم تجاوزها بالتمني وإصدار القرارات وكتابة البيانات بل بمنح الحرية الشاملة التي تتأسس جوانبها المهمة على:

أ. منح الصحافة الحرية اللازمة كما هو الحال في المجتمعات المتقدمة.

ب. تمتع الأفراد والجماعات بحرية إصدار النشريات السياسية، والمتخصصة وفق ضوابط وقوانين واضحة المعالم، مع رفع الرقابة المفروضة على الكتب، والإصدارات، والرقوق السينمائية إلا ما يتعلق منها بما يسيء للأخلاق والأديان السماوية.

ج. ضمان حرية الرأي، والتعبير، والامتلاك والسفر، والتنقل، واستخدام وسائل الاتصال المتيسرة لكل أفراد المجتمع وبكافة المستويات.

د. حق الأفراد والجماعات بالتظاهر، وتشـكيل الأحزاب، والجمعيـات وممارسة الطقوس الدينية بلا تمييــز، وفق ضوابط دستورية واضحة المعالم.

7. حقوق الإنسان العراقي

لم يخف على أحد في وقتنا الراهن ما قامت به حكومة صدام من تدمير لإنسانية العراقيين ومن تشويه لآدميتـهم، بعد أن أعدمت وسجنت وشردت الكثير منهم، وفرقت بينهم في الحقوق والواجبات على أساس القومية، والدين، والمذهب، ودفعتهم إلى الموت في حروب لا معنى لها، وهجّرت البعض من قراهم ومدنهم بدوافــع العنصرية، وسفرت آخرين إلى دول الجوار بسبب الطائفية، واستخدمت أسلحتها للتدمير الشامل ضد مــواطنيها بحجة الدفاع عن العراق، ودخلت بدباباتها الأماكن المقدسة تحت ذرائع القضاء على الفتنة والتغلغل الأجنبي، وتمادت كثيرا لتغيير معالم الطبيعة في الهور والجبل لإقامة الدفاعات المناسبة، وقيدت المواطـن العراقي في الاستماع إلى الإعلام الخارجي بذريعة التحصين النفسي، ومنعت السفر إلى الخارج لمعظم سنـي حكمها لضرورات الأمن، وأباحت تجسس الجار على جاره لحماية الثورة، ووضعت أمنها أفرادا في كل زاويا التجمعات السكانية مسجدا كان أو مدرسة أو جامعة أو مصنعا لزرع الخوف في النفوس والمحافظة على حياة الرئيس.

فكان شرخا في إنسانية الإنسان لا مثيل له لكل مراحل العيش على التراب العراقي، وعبودية لا يمكن التخلص منها إلا من خلال:       

أ. معالجة الدستور المقترح لجوانب حقوق الإنسان العراقي.  

ب. دعم وتشجيع إنشاء جمعيات عراقية لحقوق الإنسان بالتعاون مع مثيلاتها العالمية.

ج. السماح للصحافة، والجمعيات العراقية، والعالمية لحقوق الإنسان من التحرك على الساحة العراقيـة  لمتابعة ما يتعلق بموضوع حقوق الإنسان دون قيود. 

د. إعادة النظر بتشكيل الأجهزة الأمنية وبكافة القوانين التي ساهمت في خرق حــقوق الإنسان، بالمستوى الذي يحافظ على أمن المواطن وحريته بعيدا عن الإخلال بحقوقه الإنسانية.

8. حل المشكلة الكردية

عانى شعبنا الكردي في العراق مشكلة تتعلق بطبيعة علاقته مع الحكومة المركزية لأكثر من خمسين سنة، حـدثت لأسباب بعضها خارجية، وبعضها الآخر داخلية ذات صلة بقلة النضج الحضاري، والقصور في الرؤية من قبل قسم من الحكومات العراقية أو جهل القسم الآخر منها بأساليب التعامل الصحيح معها، الأمر الذي زاد من مأساة وخسائر الأكراد العراقيين المادية، والبشرية ومن بعدهم العرب وأقليات عراقية أخرى من ناحية، ونقلها مشكلــة تجاوزت إمكانات حلها حدود العراق، حكومة كانت أو أحزاب وقوى وطنية كردية بعد أن دوّلت من ناحية أخرى.

هذا وإن إبقائها مشكلة قائمة سوف لن يضر بالأكراد وحدهم بل وبالشعب العراقي بكافة قومياته لأنها ستكون مجالا للقتل، والتشريد، والاستنزاف والكره، والحقد التي تعيق إعادة بناء العراق بناءا صحيحا بعد خراب طال أمده.

هذا وعلى الرغم من أن حل مثل هذه المشكلة المعقدة ليس يسيرا لكنه ممكنا عند النظر إليها والتعامل معـها تعــاملا واقعـيا، عـقلانيا، قانونيـا، عراقيا، وعلى أسس  منها:       

أ. الاعتراف بأن للأكراد قوميتهم الأصيلة ومجتمعهم المتجانس لـغويا ودينيا، وعرقيا بالقدر الذي يؤهلهم إدارة شؤونهم بالطريقة التي يروها مناسبة ضمن العراق الموحد.

ب. للمنطقة الكردية خصوصيتها الجغرافية، والسكانية، والاجتماعـــية وخبرة أهلها النضالية التي يمكن أن تكون سبل الإدارة فيها تجربة رائدة لمناطق العراق الأخرى.  

ج. إن واقع المنطقة الكردية (كردستان العراق) وطبيعة العراق العامـة والظروف الإقليمية والدولة تساعد على قيام إدارة فيدرالية، يكون فيها الاقتصاد، والدفاع، والخارجية من مهام الحكومة المركزية، ويأخذ فيها بالاعتبار وضع الاقليات القومية غير الكردية وحقوقهم في منطقتها.

د. أن يشكل الوضع في كردستان العراق بإدارته الفيدرالية تعزيزا للأمن القومي العراقي، ومجـالا لمساهمة الأكراد في إعادة بناء العراق الديمقراطي الموحد.    


المحور العربي   

العراق شعب غالبيته من العرب، وبلد له مكانته المتميزة في المنطقة العربية، أرتبطت مصالحه الاستراتيجية بالوطن العربي على مر الزمن. خضع لضغوط وظروف خاصة أبقته في علاقة غير مستقرة معهم "العرب" لسنين عدة بينها الثلاثة عشرة الأخيرة التي تميزت باجتياح حكومته لأراض عربية رغم مناداتها بميثاق شرف عربي، وتآمرها على دول عربية رغم دعواتها للوحدة العربية، وتبديدها الثروة العربية رغم طرحها مشاريع لتقوية المنطقة، فأضرت  بالعرب والعراقيين على حد سواء وأوجدت اتجاهات تفكير وميول إنسحابية، ومعالم صراع عقلي بين الانتماء العربي والواقع القطري، حالة تتطلب منا نحن العراقيين النظر إلى واقعها القائم نظرة عملية تأخذ بالاعتبار الجوانب التالية:


1. الخصوصية العراقية

إن التركيبة السكانية للعراقيين المشار إليها في أعلاه، والوضع النفسي الذي تكّون لديهم بعد حرب الخليج إثـر خلط الأوراق وأساليب التعامل مع أزمتهم عربيا، زادت من نسب الإحساس بحلول الوقت المناسب لإعادة النظر بكثير من الاعتبارات التي تحدد طبيعة العلاقة بالغير من العرب وغير العرب، وهي ردود فعــل رغم كونها آنية، لكنها تمثل رغبات ينبغي أخذها بالاعتبار عند التعامل مع واقع العراق خلال مرحلة الانتقال وما بعدها، الواقع الذي سيتحمل فيه العراقيون عبء البناء، وسيحتاج فيه العراق إلى جهودهم جميعا للنهوض بـــه ثانيـة، وسيتطلب فيه الأمر إلى جل همتهم لتجاوز آثار المحنة، وإلى استمرار كفاحهم للحاق بركب الحضارة الذي تخلفوا عنه عشرات السنين، وتلك مسئولية كبيرة لا يمكن النهوض بها على المستوى العراقي إلا من خلال الآتي: 

أ. أن يكون القرار العراقي مستقلا ضمن حدود أوضاعه الداخلية وعلاقاته العربية والدولية.

ب. أن يكون جهد الدولة منصبا على إعادة قدرة العراق، ومكانة العراق ومستقبله. 

ج. أن تكون هذه الخصوصية مجالا لتكوين علاقة مستقرة بحدود معقولة مع العرب تبعده عن احتمالات التناحر والصراع  مع أي منهم.

د. أن تكون نتائج إعادة البناء لتحسين وضع الإنسان العراقي، وتعويضه سني البؤس والشقاء.   


2. الخصوصية العربية

إن ظروف العراق، وعلاقاته مع العرب في وقتنا الراهن على المستويين:

السياسي حـيث العلاقات غير المستقرة مع عموم الدول العربية.

والاقتصادي حيث الفوضى والخلل في التبادل التجاري والديون المترتبة، والأستحقاقات المطلوبة.

ظروف تركت فـي الذاكرة العربية والعراقية آثارا سلبية يكمن تجاوزها في المستقبل القريب إذا ما أخذ بنظر الاعتبار الآتي:

أ. التأكيد على أن العراق دولة عربية، وتوجهاته مع الإجماع العربي سعيا لتحقيق الاستقرار والسلام بعيدا عن إثارة التوتر والاضطراب.

ب . الإشارة باستمرار على أن الضرر الذي أصاب بعض الدول العربية والخراب الذي عم العراق لم يكن الشعب العراقي مسؤولا عنه، بل صدام وبعض المقربين منه.

ج. التنويه على كافة الأصعدة على أن المساعدة في إعادة العراق إلى وضعه الطبيعــي ومـكانته الصحيحة عامل يسهم في تقوية العرب واستقرارهم.

د. التعاون مع العرب (في حدود مصالح العراق أولا) لإيجاد صيغ علاقات عملية فيما بينهم بعيدة عن التآمر والاستغلال والفوقية والتدخل بالشؤون الداخلية.  


3. الخصوصية الإقليمية 

يقع العـراق شمال الخليج العربي الذي تشكل مجموعة دوله العربية مجلس التعاون الخليجي، ويقع شرق سوريا الجمهورية الاشتراكية ذات التوجه القومي، ويقع كذلك شرق الأردن الملكية الدستورية، وغرب إيران الجمهــورية الإسلامية، وجنـوب تركيا الجمهورية العلمانية، وجميعها دول ومجتمعات لها خصوصياتها، وطبيعة نظمها التي تنسجم وظروفها وتقاليدها وقيمها.

وعلى وجه العموم فإن موقع العراق هذا منحه خصوصية فيها امتداد للخليج، وعلاقة بالصحراء، وقرب لسوريا، وشرعية تاريخية مع المملكة الأردنية، وجيرة لإيران ومشاركة بالمقدسات، وكذلك لتركيا وتقاسم للمياه، لم تستطع حكومة صدام التعامل معها بشكل صحيح بل على العكس من ذلك عاشت على تناقضاتها، بمهاجمة الخليج، ومخاصمة سوريا، ومحاربة إيران، ومهادنة تركيا والتآمر على الأردن، فأوصلت العراق إلى ما هو عليه الآن:

ضعف في الإمكانات. 

بؤس في المشاعر. 

إقلال في القدرات. 

وأخيرا فقدان لقيمة الخصوصية المحلية التي يصعب إعادتها عامل قوة واستقرار ما لم يتم النظر إليها من الزوايا التالية:

أ. تحسين العلاقة مع دول وشعوب المنطقة وفي مقدمتهما الكويت والسعودية والأردن، ومن ثم باقي دول مجلس التعاون الخليجي.

ب. حل كافة القضايا والمشاكل العالقة مع إيران، والعمل على أن تكون الأماكن المقدسة المشتركة لكلا الشعبين المسلمين دعائم للأخوة والتعاون، والاستقرار.

ج. تمتين العلاقة مع سوريا على أساس حسن الجوار والمصالح المشتركة.

د. إيجاد مزيد من المصالح المتبادلة مع تركيا والتفتيش عن مصادر رديفة لمياه دجلة والفرات.


4. الأمن القومي

يعيش الإنسان حالة صراع مع نفسه ومع القريبين منه تحولت مع الزمن إلى معالم صـراع بين الشعوب والمجتمعات والدول، وستستمر كذلك مع استمرار الحياة، وعلى أساسه كانت الحروب وعلى وفقه كانت الاتفاقات ومن بين جوانبه وجدت اتجاهات التحالف والتكتل التي أضحت اتــجاها يميــز عصرنا الحالي، وهذه في مجملها تطورات إن ابتعد عنها العرب أو واحد منهم سيجد نفسه بمواجهة الضغــــوط التي لا يستطيع مواجهتها على انفراد.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن النظرة إلى المنطقة العربية وبينهـــا العـراق تبين أنها منطقة تشترك وبدرجة ليست قليلة بذات الهموم والأهداف والمصالح وسبل التهديد التي تجعــل منها في نهاية المطاف منطقة أمن مشترك، يشكل وجود العراق فيه مع خصوصياته الداخلية والمحلية معالم قوة توفر بدورها للعراق: 

أ. فرصة لدعم توازنه غير المستقر مع الآخرين من غير العرب.

ب. منحه القوة اللازمة للاستمرار بتنشيط اقتصاده المتدهور سواء بإلغاء الديون أو تأجيلها أو الحصول على قروض بشروط تسديد يسيرة.

ج. زيادة مجالات فاعليته من خلال المساهمة في مشاريع إعادة البناء والتعمير.

د. تسهيل سبل تعامله مع دول العالم الأخرى بالاستفادة من الضغط والضمان العربي للدول الدائنــــة للعراق بتأجيل وجدولة ديونها والحصول منها على تسهيلات في التعامل التجاري اللازم لإعادة بناء قدراته.


5. القضية الفلسطينية

كانت قضية فلسطين ولأكثر من نصف قرن القضية الأولى للدول العربية سواء تلك التي أخذتها مجالا لتكوين هوية وطنية لنظمها أو التي تعاملت معها واقعا مفروضا يمكن في مجاله تحويل أو تبديد مشاعر الغضب والعدوان نحو الخارج أو تلك التي نفذت في إطارها مخططات مرسومة من أصحاب النفوذ أو التـــي ساهمت جديا في النضال الوطني لدعمها بالمال والرجال بلا حدود، حتى وجد العرب أنفسهم مشغولون بتطوراتها، يتغنون ويتوعدون، فأوصلوها إلى مستويات الحل السلمي الذي ينسجم ومعطيات العصر ورغبة الفلسطينيين أصحاب الشأن، هذا ورغم أن بؤرتها قضية تطفو على السطح كانت  فلسطين والوجود الفعلي للدولة العبرية لكن آثارها امتدت لتشمل المنطقة العربية وبدرجات متفاوتة تعتمد في معظم جوانبها على مديات القرب أو البعد منها، فكونت بالنتيجة مواقف للعرب منها متباينة هي أيضا تبعا لتلك المديات.

وعلى وجه العموم فإن تطورات القضية  والرغبة الدولية الجادة في حلها سلميا وقناعة الغالبية من الفلسطينيين بجدوى هذه الحلول في الوقت الحاضر تتطلب أن يكــون الموقف منها منسجما وهذا الواقع وضمن اعتبارات متعددة من أهمها:

أ. مازال العالم وإسرائيل إلى حد ما يعدّون قضية فلسطين قضية عربية في إطارها العام، وجزء من التحرك الجاري للتعامل معها يحاول التوصل إلى موقف عربي شامل ينسجم والتوجه الدولي لحلها سلميا، وبالتالي فان موقف الدول العربية وبينه العراق لا بد وأن يكون مع الإجماع العربي أي كانت اتجاهاته.

ب. رغم الشمولية العربية للقضية الفلسطينية إلا أن أهلها الفلسطينيون قد تحملوا وزرها تشريدا، وتجويعا، واضطهادا، وقدموا لها وما زالوا آلاف الشهداء، وقادوا بأنفسهم ثورة التحرير، فاصبحوا والحالة هذه الأولى بتقدير مصلحتهم، وما على العرب إلا تأييد القرارات التي يتخذونها بصدد قضيتهم.

ج. الصراع العربي الإسرائيلي بشكله التقليدي "المسلح" قارب على الانتهاء، لكنه سيتخذ على المـدى المستقبلي اتجاهات أخرى اقتصادية، وعلمية، وتقنية لا يسمح في مجالها الانفراد برأي يخالف هـذه النتيجة أو يحاول الوقوف ضدها بالطرق التي اعتاد استخدامها طيلة المرحلة السابقة.

د. أن تكون الجامعة العربية جهة التوفيق بالرأي في هذا الجانب لتكوين إجماع في إطاره.


المحور الدولي   

العراق موقعا مهما من الناحية الجيوبولتيكية، إذ يشكل حلقة الوصل مع آسيا والباب الشمالي للخليج العربي الغني بالنفط والركن الشرقي للأمة العربية، وهو موقع وضعه في دائرة التأثير والتأثر في أحداث المنطقة، إذ اشترك ومنذ البداية في الحروب العربية الإسرائيلية  عام 1948 وما بعدها وعدَّ مع إيران خطا دفاعيا أماميا ضد اتساع الشيوعية وتغلغلها، وأخذ على عاتقه محاولة تدمير الثورة الإسلامية في إيران وتحجيمها، وتحمل عبء الإخلال بالتوازن العربي الإسرائيلي مع بداية التسعينات لتمهيد عقد اتفاقات السلام، واستّخدمَ بنفس الاتجاه أداة لتدمير الإجماع العربي واستنزاف الأموال والقدرات العربية، ووضع حقل تجارب للنظام الدولي الجديد وتعبير الرسائل للمجتمعات الأخرى لأغراض الردع النفسي، وهذه جميعها متغيرات دفع لها الشعب العراقي ثمنا لم يكن يدفعه بهذا القدر لو امتلك مقاليد الحكم ديمقراطيا، وساهم من جانبه في تكوين السياسيين العراقيين بمستوى من النضج الذي يتسق ومعطيات العالم المتحضر، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن آثار تلك المتغيرات سيبقى بعضها ماثلا حتى بعد عملية التغيير ليضيف على الحكومات العراقية القادمة مسؤولية التصحيح والعلاج، ويلزمها باتباع سياسة مرنة في تعاملها مع العالم، سياسة ستكون بالا تجاه الصحيح عندما تأخذ بالاعتبار: 


1. تجريم نظام صدام  

أ. حاول صدام حسين أن يوحد في الانتماء بينه وبين العراق، وحاول من جهة أخرى أن يعطي لقراراته وتصرفاته شرعية معينة تبقيه حاكما مدى الحياة، ساعده على هذا التوجه بعض الأنظمة الإقليمية والدولية لتكبيل العراق وتدميره لاعتبارات سياسية خاصة، وساعده أيضا تصرف بعض العراقيين وقسم من الفصائل المعارضـة بتوسيعهم معــــالم الشــــك والاتهام لعموم المسئولين العاملين في حكومته السابقة وظيفيا، والحزبيين الموجودين في تنظيمات البعـث مسايرةً، والعسكريين المنتسبين للقوات المسلحة وجوبيا والمنفذين لبعض أوامرها انضباطيا، فزادوا بعملهم هــذا نسب الخوف في داخل النفس العراقية، ودفعوا العديد من العراقيين المعول على بعضهم بحكم المنصب فـي عملية التغيير والبناء لأن يكونوا في قارب واحد مع صدام، وأصبح هو بحكم التعميم هذا جزء من كل ليس من السهل اختراقه، وان أخترق فإن كلفة الاختراق ستكون قتل وتدمير وأخذ  بالثأر لا طائل له، مـن هذا يتطلب النظر إلى المسألة والتعامل معها من زاويتين: آ. الزاوية التي تتعلق بالعمل خلال المرحلة المؤقتة:

أولا. تركيز الجهد للفصل بين صدام والدولة العراقية على كافة الأصعدة والمستويات.

ثانيا. وضعه وعائلته " أولاده" في موقع الإتهام.  

ثالثا. تجاوز الصاق تهم التخريب، والتدمير بالآخرين إلا في حدود ضيقة ومعروفة.   

ب. الزاوية ذات الصلة بالجهود اللازمة لما بعد مرحلة الانتقال وفيها يجري العمل على:

آولا. تحميل صدام والقريبين منه مسئولية ما جرى للعراق، والمنطقة والعالم مسؤولية تعفي العراقيين وقسم كبير من البعثيين، والمسؤوليين الحكوميين من أية تبعات تثير الفتن، وتوغل الأحقاد.  

ثانيا. تركيز الجهد على الجوانب القانونية الدولية التي تدعم موقف الشعب العراقي في التخلص مـن تبعات نظام حكم صدام حسين.

ثالثا. حشد الجهد لدعم مشاريع إعادة بناء العراق على المستوى الدولي.          

رابعا. تقديم صدام حسين وجودا أو عملا والمدانين معه إلى القضاء لمحاكمتهم مجرمين ضـد الإنسانية. 


2. الالتزام بالاتفاقات الدولية 

اتخذت بحق العراق كثير من القرارات الدولية إثر غزو حكومته الكويت وإصرارها على عدم الانسحاب منه، وهي قرارات سبق وان اتخـذت مثيلات لها بحق دول أخرى مثل ألمانيا بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، ويوغسلافيا إبان حروبها الأهليــة وغيرهـما وإمعانا بالنظر في مثل هذه العقوبات يتبين أنها اتخذت بشكل محكم ودقيق، وعقدت مــع حكومات وليس مع حكام "أشخاص" ووفق آلية معقدة تحد من هامش حركة المعاقب في التجاوز عليها، لكنها ومن جانب آخر أعطت فرص للدول المعاقبة أن تلتزم بشروط محددة، وتتحرك في إطار معين  يمكن أن يساهم في تطورها بمجالات تنعكس بشكل غير مباشر على تقدمها ورفاه أبنائها، كما جرى بالنسبـــة لتطور اليابان وألمانيا اقتصاديا وتقنيا "في المجالات غير العسكرية" على الرغم من تغير الحكومات المســؤولة عنها بعد الحرب، إلا أن التطور الذي حصل فيها وبوجود العقوبات الدولية اعتمد بشكل أساس على كفاءة ونزاهة ووطنية حكوماتها الجديدة التي قادت مرحلة انتقال أوصلتها إلى تجاوز الكثير مــــن الآثار السلبية لتلك العقوبات وهي دروس لا بد لعراق ما بعد التغيير أن يستفيد منها ويأخذ بالاعتبار الآتي:  

أ. التنفيذ الكامل للقرارات الدولية، وفــي كــل المجالات التي اتخذت فيها، مع الدعوة لإعادة النظر ببعضها جهد الإمكان.

ب. التحرك الدولي سياسيا وقانونيا للتخفيف من آثارها كلما كان ذلك ممكنا.

ج. الاستفادة من الجهد العربي في مجال الدعم باتجاه التخفيف من الآثار السلبية لتلك القرارات.

د. تكييف الصناعة والزراعة والاقتصاد العراقي بما يتلاءم وحقيقة تلك القرارات الدولية.


3. الانفتاح على العالم

حـاول صدام وحكومته اللعب في السياسة الخارجية على أساس المحاور والانفتاح لكتلة دون أخرى، ورغــم أن هذه السياسة لم ينفرد بها العراق في حقبة ما بعد الخمسينات لاعتبارات دولية.

لكنها أثبتت في نهاية المطاف خطئها بعد أن ارتبطت السياسة الخارجية بقوى غير كفوئة، والاقتصاد بكتل غير رصينة، والصناعــة بتقنية غير متطورة، والتجارة بموازين غير متكافئة، فكانت كلفة المسايرة والانغلاق عالية والخسائر لا تقـــدر بثمـن، حاول البعض من الذين اتبعوها في تلك الحقبة الزمنية تصحيح مساراتهم والانفتاح على دول العالم بضوء إمكاناتهم وقدرتهم على التحرك دون أن يلزموا أنفسهم بتحديدات مسبقة.

فحققوا لدولهم وشعوبهم التطــور المعقول نسبيا وعَوضوّا بعض الفاقد والخسائر الحاصلة بسبب تلك الأخطاء.

وهذه سياسة "الانفتاح" لابد لعراق ما بعد التغيير أن ينتهجها على أسس بينها:

أ. التعامل مع جميع الدول والمجتمعات على أساس المصالح المتبـادلة.

ب. محاولة إيجاد مصالح مشتركة مع أكثر من طرف دولي. 

ج. تجاوز سياسة العداء المسبق أو المستمر في التعامل مع الغير.

د. استثمار كل ما هو متاح ومن أي مكان في العالم لإعادة بناء العــراق.


4. حيادية التوجه

بدأ العراق تعامله الدولي بعد 14 تموز 1958 منحازا إلى الشرق "عدا فترات قليلة" بعد طول انحياز إلى الغرب منذ تأسيس الحكم الوطني في العراق عام 1921، واستمر كذلك تتقاذفه المصالح الآنية الضيقة والرؤية الفردية المحدودة، حتى انتهاء الشرق كتلة دولية ساهم وجودها في نوع من التوازن الذي حاولت حكومات مثل حكومة صدام استغلاله لتوسيع هامش حركتها محليا وإقليميا ودوليا، وهو انحياز كان على الأغلب متطرفا فيه التعاطف والتأييد والتنازل لأحد الأطراف، وفيه تصاعد للقطيعة والعدوانية وعدم التواد مع الطرف الأخر، فوضعوا أولئك الحكام، وبينهم صدام دولهم في دائرة للجذب والتنافر وبؤر للصراع والتوتر، كانت نتيجتها خسائر للثروات وخرق للأمن واضطراب للاستقرار وتخلف عن الحاضر، دفعت الشعوب ثمنها، هذا ورغم انتهاء المحاور وحلول ما يسمى بالقطب الواحد إلا أن حركة الدول الكبرى ورغبتها في تأمين مصالحا على حساب المحور الواحد ستبقى قائمة، والصراع بينها سيستمر موجودا ولو بشكل غير ظاهر، عليه لم يتبق للدول النامية مثل العراق مجالا للتحرك السليم إلا من خلال الآتي:

أ. محاولة إيجاد نوع من الحيادية في المواقف اتجاه الدول الكبرى جهد الإمكان.

ب. عدم المغالاة في الارتماء أو المراهنة على دولة واحدة وإن كانت صاحبة النفوذ الأقوى في المنطقة.

ج. المرونة في التعامل مع الواقع، على ضوء المصلحة العامة للوطـن.

د. الاستفادة من أي تكتل اقتصادي سياسي إقليمي أو عربي فيه نوع من الحماية من تأثيرات الكتـل الدولية الأخرى.      


5. التوازن والاستقرار

إن العـراق وعلـى مدى نصف قرن لم يشهد استقرارا بالمعنى الصحيح فكانت 14 تموز 1958 بداية لاضطراب الوضع فـي الداخل وعدم التوازن في الخارج، تلاها انقلاب 8 شباط 1963 وبداية المذابح المخططة للشيوعيين والقوميين على يد البعثيين قــادة الانقلاب، ومن ثم انقلاب 18 تشرين 1963 والتوجه الطائفي لقادته العسكريين والسياسيين حتـــى العام 1966 الذي شهد نوعا معقولا من الاتزان انتهى بمجيء البعثيين ثانية في انقلاب عام 1968 واستمرارهـــم بسياسة إثارة التوتر والأزمات الداخلية والمحاور الخارجية، فأوصلوا العراق إلى حالة الدمار الشامل وأصابوه بكـارثة لم يشهد لها التاريخ مثيلا .... حالة يتطلب تجاوزها من الوقت عشرات السنين ومن جهد العراقيين الكثيـر، ومن العراق إتباع سياسة عقلانية تقوم على الجوانب التالية:

أ. إقامة علاقات حسن جوار مع الجميع دون ما استثناء .     

ب. عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والشعوب الأخرى.

ج. أن توظف ثروات العراق لمصلحة العراق، وتستثمر بطريقة وطنية يكون فيها "العراق" مجالا للاستقرار.

د. التعامل مع الجميع على ضوء المصالح المتبادلة.


6. تجاوز آثار الحروب 

دخلت حكومة صدام الحرب مع إيران لمدة ثمان سنوات (1980 ـ 1988) حاولت خلالها أن تعطي تصورا بـأن دخولها حال دون تصدير الثورة الإيرانية للعراق والمنطقة، ومنع الإيرانيين من التدخل في الشؤون الداخلية العراقية، وتهيئة الفرصة لإعادة حقوق العراق في شط العرب والأهواز، وكانت النتيجة بالنسبة للعراق أكثر من مليون خسارة بشرية وبحدود 150 مليار دولار ديون على العراق وتضخم غير معقول وعودة إلى نقطة البداية.

وكرر صدام خطأه القاتل فــي اجتياحه الكويت عام 1990 بحجة تآمرها على تدمير الاقتصاد العراقي وسرقتها نفط العراق وضمهـا لأراض عراقية، وكانت النتيجة مئات الآلاف من الإصابات البشرية وأكثر من 500 مليار دولار كلف وخسائر مادية وتضخم نسبته عدة آلاف بالمائة، وحصار مستمر وتخلف عشــرات السنين، وهجرة أكثر من أربعة ملايين عراقي من الشباب والعقول والمهنيين والفنيين، وتهديد بتقسيـم العراق وتمادي في الاستبداد والدكتاتورية.

تلك كانت مشاكل حربين متتاليتين أقحم صدام فيهما العراق فحطمه شعب أصيل وتاريخ عريق، مشاكل ستعوق إعادة بناء العراق ثانية، إذا لم يتم حشد الجهد لتجاوز آثارها وبأسرع ما يمكن وذلك من خلال:     

أ. التفاوض مع إيران والكويت بروح الأخوة والجيرة لما يتعلق بكافة المتغيرات ذات الصلة بالحرب معهما بما يحول دون تكرار التجربة المأساوية.

ب. حشد الجهد الإعلامي والسياسي اللازم لمحو الآثار النفسية المترسبة في نفوس شعوب المنطقة، وخلق أجواء من التقبل والالتقاء.   

ج. التعاون مع إيران والكويت في التحرك لتقليل الآثار الجانبية للقرارات الدولية على الشعب العراقي.

د. توحيد الجهد السياسي العراقي لإيجاد سبل للتفاهم والتعامل مع إيران والكويت في الوقت الحاضر، تتأسس على النظرة المشتركة من واقع العراق، يمكن أن تفيد في دعم مشاريع إعادة البناء وتمهد الطريق لحل كافة المشاكل المتعلقة مستقبلا.


7. تعقيدات الأزمة العراقية

العراق بلد تعرض لضغوط شديدة من ناحية، وطويلة الأمد من ناحية أخرى، أفرزت بحكم وجودها مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية يتطلب حلها تفاعل عاملين "داخلي وخارجي" لكنها في العراق وبسبب تركيبته الخاصة وظروفه غير الطبيعية التي تم التنويه لمعظمها في أعلاه أصبح الحل المطلوب لجوانبها غاية في التعقيد والاختلاف في النظرة.

فعلى المستوى الداخلي حسم الجنوب العراقي على سبيل المثال موقفه من النظام الحاكم في بغداد، وقاد إنتفاضة شاملة في 1 أذار1991، بينما بقي البعض من أبناء الوسط، وعرب الشمال متفرجين أو منتظرين احتمالات الإصلاح على وفق أسس وسياقات تبتعد عن مفهوم الانتفاضة.

في حين وقف الأكراد في كردستان العراق بالضد من كل الحكومات المركزية مطالبين بحقوقهم القومية، حتى وجدوا أنفسهم في خندق واحد مع الجنوب إبان الانتفاضة فحققوا وضعا آمنا بمساعدة دولية اكتفوا بموجبه بالأمر الواقع فارضين حالة خاصة يأملوا أن تساعدهم في تحديد معالم مستقبلهم السياسي كما يريدون.

وبنفس الاتجاه يرى أبناء الجنوب انهم عوملوا طائفيا من قبل النظام السابق فأحسوا كمواطنين من الدرجة الثانية،  فتوجه المثقفون والسياسيون وأبناء العشائر ورجال الدين منهم إلى الدعوة العلنية للتغيير إلى نظام ديمقراطي تعددي عادل يعيد لهم اعتبارهم كمواطنين من الدرجة الأولى مثل غيرهم من أبناء العراق، بينما لم يحس هذه المشاعر البعض من سكنة بغداد ومحافظات الوسط الغربي والشمال وكذلك غالبية ضباط القوات المسلحة خاصة القادة وضباط الأجهزة الأمنية والقيادات الحزبية، وبسببها لم يتحمس قسم منهم للمعارضة والتغيير الشامل الذي قد يفقده مكتسبات تتعلق بتوزيع الثروة والمناصب والجاه إلا إذا كان مدركا لنتيجة المعادلة المنطقية التي يكون طرفها الأول مكاسب آنية زائلة، وطرفها الثاني خسائر مستقبلية جسيمة.

وعلى المستوى الخارجي لم يكن التعقيد أقل درجة من الداخل.

فالنظرة إلى المشكلة العراقية من الزاوية الغربية مثلا نجد فيها أن الغرب لم يكونوا معنيين بموت شعب أو دمار حضارة بقدر سعيهم لتحقيق مصالحهم التي قد يستلزم تأمينها بقاء معالم الدكتاتورية ولو مؤقتا على الرغم من أن وجودها يشكل مخالفة صريحة لمعتقداتهم الفكرية والأخلاقية أو صياغة نظام حكم ما بعدها يؤمن فقط المصالح الخاصة.

وينظر إليها الإيرانيون نظرة يتحسسون فيها من التواجد الغربي الذي سيكون على الحدود المباشرة لدولتهم واحتمالات تهديده لثورتهم الإسلامية، فبات الفعل القادم منهم مكبلا بقيود لا تنسجم أحيانا وفلسفتهم الثورية ورؤياهم الدينية وتعاطفهم المفروض ومظالم الشعب العراقي.

بينما يراها الأتراك من زاوية المشكلة الكردية المشتركة لكلا الدولتين، وبسببها حاولوا مد الجسور مع حكومة صدام بالوقت الذي نفذوا قرارات الحظر الجوي ضدها.

وهذه مواقف وزوايا نظر تختلف جميعها عن نظرة العرب إلى المشكلة التي انقسموا في إطارها على ضوء قربهم من العراق "بؤرتها المركزية" أو ابتعادهم عنه، فاصبح البعض منهم أي العرب متمنين التغيير لوجه صدام فقط على أن يبقى النظام السياسي والطائفي على طبيعته.

وأصر البعض الآخر في أكثر من موقف على بقاء صدام ضعيفا على رأس نظام غير قادر على التأثير، بينما جاهر قسم منهم بضرورة التغيير إلى نظام يسهم في إعادة التــوازن العربي الإسرائيلي، فالتقوا جميعا في رؤياهم بضرورة ترك العراق على حاله، والدعوة إلى أن يكون التغيير داخليا بعيدا عنهم.

وهكذا الحال بالنسبة لدول أخرى مثل روسيا والصين وفرنسا، وألمانيا التي نظرت إلى المشكلة من زاوية الحصول على مغانم وجدت  نفسها غير قادرة على الحصول عليها  في حال إنجاح التغيير بدفع من الأمريكان.  

إن الاختلاف بالنظرة إلى المشكلة، أدى بطبيعة الحال إلى الاختلاف بتصور الحلول اللازمة لها، وبمقدار الجهد المبذول للمساهمة بصياغتها أو بتنفيذ بعض فقرات حلولها المقترحة، هذا وإذا ما عدنا إلى مشكلتنا واختلاف النظرة إليها في الداخل وأضفنا إليه ضغوط العوز والجوع والقهر والتمييز والخوف والتشتت والأنانية وعدم تحمل المسؤولية وضعف الروح الوطنية وتدني مستوى النضج السياسي التي تكونت بسبب وجود النظام وقسوته، ووضعناها كعوامل داخلية للتفاعل مع النظرة والجهد الخارجي، نصل إلى تفسير معلوم للقصور الحاصل في الموقف الدولي، وإدراك معقول للاضطراب الشائع في وضع العراقيين وفهم منطقي لانقسام الفصائل السياسية وتشتتها وإصابتها بأمراض الانتقاد والتجريح والاتهام وتغليب الرأي المنفرد وكثرة الاجتهاد وتشعبه والرغبة بالوصاية على الشعب العراقي.

ومنها نصل إلى الاستنتاجات التالية:

أ. إن نجاح فعل التغيير يتأسس أولا على تغير في داخلنا، لما علق بأنفسنا من شوائب، وإصلاح لسلوكنا المليئ بالمغالاة بالنقد والتبرير وتحوير لنظرتنا باتجاه تفضيل مصلحة العراق على مصالحنا الشخصية.

ب. إن دعم العالم الخارجي لنا كقوى سياسية لا يتم إلا بعد اقتناع أصحاب النفوذ أننا بتنا قوة فعلها موحد ومؤثر في حاضر العراق ومستقبله، سيؤدي تجاوزها خسارة لهم تفوق كل المقادير.

ج .إعادة النظر ببرامجنا السياسية على ضوء معطيات الواقع الحالي واتجاهات الشمول والمرونة والتشاور والديمقراطية والتعددية، كخطوة أولى يمكن أن تقودنا إلى المزيد من الخطوات اللاحقة نحو البناء الفاعل.

د. توحيد الفعل السياسي بطريقة تبقي التباين بوجهات النظر والاختلاف بالرؤية مقبولا ومسيطرا عليـــه، يشكل الأساس في تهيئة الفعل المناسب لإعدة البناء وبأقل ما يمكن من الخسائر.

هـ. التنسيق بين القوى السياسية لإيجاد تصور مشترك أو حد أدنى من الاتفاق حول النهج السياسي المستقبلي للعراق ودستوره الدائم كفيل بالحد من التأثيرات المحتملة للفراغ السياسي الذي سصاحب عمليـــة التغيير، وما يتمخض عنه من مشاكل وخسائر غير منظورة.


نظرة عامة

الائتلاف الوطني العراقي وتبعا لجملة تصوراته أعلاه وطبيعة تشكيلته التنظيمية من مستقلين واساتذة جامعيين وعسكريين يطرح برنامجه السياسي هذا بمحاور محددة، وفقرات وبنود قابلة للتحوير والتعديل حسب الظروف، وتطور مستويات العمل داخل تنظيمه وخارجه، وهو بمحصلته النهائية:

1. تأطير لعمل مقترح واجتهاد يحاول الائتلاف وضعه إضافة لما موجود على الساحة الفكرية العراقية الغنية بطروحاتها ومشاريعها المقترحة.

2. محاولة جادة لمعالجة جانب من جوانب العمل السياسي المطلوب تكامله لتحقيق البناء.

3. مجال لدعم وتعزيز الجهود المبذولة ورغبة للتعاون مع الوطنيين العاملين على الساحة الوطنية العراقية باتجاه توحيدها.

إن الائتلاف الوطني العراقي يرى أن خطابه السياسي هذا ليس تعبيرا عن رغبة العراقيين بكافة شرائحهم للتغيير، ومن ثم إعادة بناء العراق الديمقراطي فقط بل وسعيا جادا لتجسيدها حقيقة واقعة في وقت بات فيه التغيير وإعادة الناء الصحيح الحل الوحيد للخلاص من المحنة وإنقاذ ما تبقى من العراق العظيم.


لندن: 13/8/2000


د. سعد العبيدي

الناطق الرسمي