يمر العراق اليوم بمرحلة انتقال لم تشرع فيه قوانين تتعلق بحرية التعبير والإعلام، وإذا ما أردنا التكلم عن موضوعهما في هذه المرحلة أو الفترة الزمنية يمكن القول أنها في العراق وبسبب إدارته إدارة مباشرة من قبل قوى الاحتلال (التحالف) للفترة من 9/4/2003 حتى وقتنا الراهن يمكن النظر إليها من زاويتين.
1. الأولى: لم يصل الأمريكان إلى مستوى التشريع في مجال الإعلام، ولم يحاولوا الخوض في تفاصيل تشريعاته وضوابطه القديمة التي كانت سارية إبان حكم صدام وحزب البعث للعراق، والتي كانت بوجه عام مقيدة لحرية التعبير.
إذ لا يسمح لأحد أن يعبر عن رأي يخالف رأي الحزب ورئيس الدولة في كافة مجالات الحياة.
كذلك بالنسبة للإعلام الذي يعد موجها توجيها مركزيا من قبل الرئاسة ومن ثم وزارة الإعلام، ومديرياتها ودوائرها المختصة بطريقة محكمة لا يستطيع أحد من الإعلاميين أو وسائل الإعلام أن يبتعد عن التوجيهات المركزية للحد الذي نجد فيه مخرجات الصحافة والإعلام تكاد أن تكون واحدة أو شبه متطابقة في كثير من الأحيان، ومن يخل بذلك وإن كان بدون قصد يعاقب ليس بحرمانه من الكتابة وإبداء الرأي، وإنما بالسجن، وربما الموت في بعض الأحيان.
2. الثانية: تعامل الأمريكان مع موضوع الحرية والإعلام بعد التغيير على وفق التجربة أو المفاهيم الأمريكية التي قوامها:
أ. تمتع الفرد والجماعة بحرية التعبير( على أن لا يؤثر هذا التعبير على الآخرين، وأن لا يتم فيه التجاوز على قيم محددة).
ب. ابتعاد وسائل الإعلام عن التوجيه المباشر من قبل الدولة( رغم تأثر تلك الوسائل بقوى الضغط السياسي والمالي بشكل غير مباشر).
وعلى هذا الأساس سمحت سلطة الاحتلال لجميع العراقيين أن يصدروا صحفا دون أية معايير حتى وإن كانت تتعلق بالجانب الفني، أو بالمعنى الأدق لم تمنع أحدا من أن يصدر صحيفة أو مجلة أو مطبوع حتى قفز عدد الصحف التي لا تتجاوز العشرة صحف قبل التغيير إلى مئات بعده.
كذلك لم تصدر سلطة الاحتلال أية أوامر أو قوانين تلزم العاملين في مجال الصحافة التقيد بها، إلا إنها وبعد أن شعرت بعدم وجود الدافع الذاتي للتقيد بمعايير الحرية كما هو موجود في مجتمعها والغرب بوجه عام، توجهت إلى المراقبة العامة لحركة الصحافة في الأشهر الأخيرة خاصة ما يتعلق منها بالتحريض الذي درجت على ممارسته بعض الصحف أو الصحفيين والكتاب الذين وجدوا في جو الحرية مجالا للتعبير عن وجهات نظرهم بطريقة عدها الأمريكان عامل إثارة لعدوانية العراقيين بالضد من الاحتلال وسلطة الحكم، وعلى أساسه أنذرت صحفا بالكف عن التحريض، وأغلقت أخرى تجاوزت على الالتزام في مجاله.
إن تعامل الأمريكان بضوء خبرتهم الأمريكية لم تقتصر على الصحف، والمجلات، والإصدارات الأخرى، بل وشملت كذلك الإعلام المسموع إذ لم تفرض قيودا على الأشخاص والأحزاب في مجال فتح الإذاعات التي تلمس العراقيون وجود العيد منها بعد التغيير، رغم أنها أي سلطة الاحتلال وفي الشهر الأخير طلبت من القائمين عليها والراغبين بفتح إذاعات أخرى الحصول على موافقتهم بغية تخصيص الترددات اللازمة كونها محددة من الناحية الفنية.
وما ينطبق على الإذاعات يمكن تعميمه على الفضائيات التي تنقل أحداث العراق بحرية معقولة بالمقارنة مع مرحلة ما قبل التغيير، رغم تعرض البعض من مراسليها العراقيين وغير العراقيين إلى الاعتقال لأسباب عدها الأمريكان أمنية الطابع، وتعرض البعض منها إلى الانتقاد العلني.
من هذا يرى الائتلاف الوطني العراقي أن عدم وجود القوانين والتشريعات وإن أسهم في تمتع العراقيين بالحرية التي لم يعيشوها لفترة زمنية طويلة، إلا إنه وفي نفس الوقت أدى إلى حدوث أخطاء وتجاوزات تنعكس على حالة الضبط التي يحتاجها المجتمع في مرحلة الانتقال.
الأمر الذي يؤكد حاجة العراق إلى التشريع السريع في هذا المجال.
بغداد: 12/7/ 2003
د. سعد العبيدي
الناطق الرسمي