عـــــــام

1. تأسس الجيش العراقي عام 1921 في أجواء خاصة كان فيها المجتمع العراقي بعيدا عن إدراك ماهية الديمقراطية أو طبيعة السلوك اللازم لتطبيقها، وكُلف مع بدايات تأسيسه بمهام معينة في غالبيتها تعامل مع أحداث وقضايا تتعلق بالأمن الداخلي، فرضتها طبيعة وظروف تأسيس الدولة العراقية وشكل نظام الحكم المطلوب تحديده في المجتمع العراقي (1)، وكانت تلك البدايات وصيغ التشكيل الأولى لهذا الجيش الفتي قد تركت بصماتها عليه طيلة الفترة الزمنية.

فلو أخذنا طبيعة المهام التي كلف بها تكرارا جعلته في نهاية الأمر أداة سهلة بيد الحكومة يمكن أن تستخدمه بما يؤمن سلامتها واستقرارها.

إذ تستخدمه لضرب عشائر عربية رفضت تنفيذ قانون التجنيد الاجباري في الجنوب.

وأمرت باستخدامه لضرب الأكراد بالأسلحة الكيماوية في الشمال.

وطلبت منه استخدام معداته الهندسية لردم الأهوار.

وغالت بأستخدامه في ضرب الأنتفاضة عام 1991.

حتى بات في زمن حكم البعث للعراق أشبه بالآلة التي يسهل أستخدامها لتدمير ذاته والمجتمع العراقي بمجرد التأشير من حاكم البلاد المستبد.   

2. لكننا ورغم تلك الاستخدامات غير الصحيحة نرى أن هناك فروقا في طبيعتها بين حكومات العراق المتعاقبة جعلته جيشا يقترب مرة، ويبتعد أخرى من الحكومة والمجتمع تبعا لتلك الاستخدامات وفيها نتلمس:

أ. إن الحكومات المتعاقبة إبان الملكية الدستورية قد استخدمته أكثر من مرة ضد عشائر الجنوب والشمال، ولقمع المتظاهرين بشكل محدود في بغداد، لكن ذلك الاستخدام كان بدافع الردع، أكثر منه رغبة في الانتقام والتقتيل، فاحتفظ ورغم هذا النوع من الاستخدام بوطنيته، وإحترام الشعب لمهنيته، بالمقارنة مع توجيهه من حكومة البعث وصدام لضرب المدن بالأسلحة الثقيلة والصواريخ، وضعته بالمعاير الوطنية خصما لهذا الشعب، وطرفا معارضا لرغباته في التغيير وإعادة البناء الديمقراطي للعراق الموحد.

ب. وفي زمن الجمهوريات المتعاقبة، يبدو أن استخدامه لم يتغير كثيرا حتى في زمن عبد الكريم قاسم الذي لم ينجح في إبعاده عن التورط بأمور الداخل بعد أن وجد السيطرة باتت أن تفلت زمامها من يده، فأضاف مع توجهات إستخدامه حسابات وتوازنات في داخله لم يكن له خبرة ودراية للتعامل معها، فأدخله بعد الملكية مباشرة كأداة لا تتوقف مهامها عند حدود التعامل مع مقتضيات الأمن الداخلي فقط، بل والتدخل عاملا مهما في رسم سياسة الحكومة بعد أن كوفئ ضباطه المساهمين بالتغيير مناصب سياسية ثمنا لتضحيتهم، ومع ذلك لم يرق فعل الجيش طيلة الجمهوريات التي أعقبت الملكية إلى مستوى التحول من أداة ردع داخلية إلى أداة قمع وتدمير إلا في زمن حكم حزب البعث العربي الإشتراكي عام 1963، ومن بعده عام 1968، عندما بات الجيش مُنَفِذا جيدا لأوامر الحكومة وتوجيهات الحزب في دخول البيوت الآمنة، وهدم القرى المستقرة، وإبادة القصبات النائية دون تفريق، وضعته بمنزلة الضد في عقول العراقيين عند التفكير بعملية التغيير إلى الديمقراطية.


علاقة الجيش العراقي بالدولة

1. إن شكل العلاقة السليمة للجيش بالدولة وصلاحيات إستخدامه وأساليب ذلك الاستخدام تحددها دساتير الدول وشكل العقيدة العسكرية لجيوشها التي تنشأ تبعا للظروف ولهامش الحركة المتاح لتلك الدول والتحديدات التي تميز وضعها، وهذا واقع يتعمم على غالبية المجتمعات البشرية، ومنها الديمقراطية المستقرة على وجه الخصوص، إلا العراق الذي لم يشهد تاريخ دولته الحديثة  "بعد الاستقلال" وضوحا أو معالم تتأسس عليها علاقة دستورية بين حكوماته والجيش "عدا مرحلة الحكم الملكي نسبيا " تلك العلاقات التي أبقيت متأرجحة يمكن عدها:

علاقات ضبابية "غير واضحة المعالم" لمستوى لم تحول طبيعتها دون قيام الحكومات بإستخدامه بطريقة خاطئة ضد أبناء شعبه في الداخل، ولتهديد الجيران في الخارج.

ظرفية بأشكل متعددة تتعلق بنوع الحكومة وطبيعتها، وهي بوجه العموم يمكن تناولها تبعا للمراحل الزمنية والسياسية كما يأتي:  

أ. العهد الملكي

على الرغم من فرض صيغة الدستور بشكل مقبول بالمقارنة مع زمنه وما بعد الإنقلاب عليه، فقد تسبب عدم وجود عقيدة عسكرية واضحة المعالم للجيش العراقي (2) وأستمرار رغبة بعض الحكومات في التجاوز على الدستور، وأتجاهات صياغة التركيبة الاجتماعية للجيش بداية التأسيس، وكذلك نوايا التعامل مع آثار ثورة العشرين، ونتائج الحرب العالمية الأولى والثانية، في تشكيل نوع من العلاقة الخاصة بين الجيش والدولة في إطار يكون فيها الجيش:

أولا.  قريب من الحكومة التي تلجأ إليه في أزماتها.

ثانيـا. بعيد عن التدخل في شؤونها بحكم تركيبتها المدنية، وبتأثير مواد الدستور التي لا تسمح بذلك.

ثالثـا. قادر على التحرك بأوامرها، إذ يستطيع رئيس الوزراء وبواسطة وزير الدفاع تحريكه إلى أية جهة كانت دون أن يثير تحركه هذا تناقضا واضحا مع مواد الدستور، أو إحتجاجات البرلمان.

وبذا أعطته هذه العلاقة هامشا في التحرك وشكل من العلاقة المتوازنة بحدود معقولة.

ب. العهد الجمهوري الأول: عبد الكريم قاسم

لقد تغير شكل العلاقة بين الحكومة والجيش تماما بعد استيلاء عبد الكريم قاسم والضباط الأحرار على السلطة في 14تموز 1958 بالقوة التي تسببت في ذبح العائلة المالكة، وآخرين ثمنا للتغيير إلى الجمهورية، وبسببها أنقلبت معادلة تابعية الجيش المتوازنة للحكومة.

إلى تابعية الحكومة لسلطة الجيش.

فكان وضعا معكوسا بدلا من أن تقوم فيه الحكومة بتحريك الجيش في علاقتها الفوقية المعروفة، قام الجيش قائد التغيير بإدارة الحكومة أي تحريكها بعد أن سمح لثواره بتقاسم المناصب الحكومية أو غالبية المناصب الحكومية، حتى الخارجية منها والتربية والتعليم ، لُيكَوّنوا علاقة تلازمية مقلوبة بين الجيش والدولة، فيها الجيش:

أولا.  معني بتحريك الحكومة.

ثانيا. العمل بصيغة تؤدي له نفعا كحكومة. ( إذ أن تنفيذ الجيش لبعض الواجبات التي تتعلق بالأمن الداخلي لأغراض فرض سلطة الحكومة، ونجاحه في فرضها يعني تعزيز وجوده حاكما للبلاد، وإستمرار وجوده بهذا المعنى يعني إستمرار الحكومة).

ثالثا. حرية التحرك بكل الاتجاهات، وباستخدام كل الوسائل لتحقيق غاية الإستمر بحكم الدولة، وجعل الجيش اللاعب الأقوى في ساحتها السياسية والأمنية والاجتماعية. 

وبضوء هذه العلاقة تحرك الجيش إلى الشارع بدباباته تارة، وبمراتبه الذين تظاهروا مع الجماهيـر تارة أخرى، وبضوئها لم يكتف الضباط بتحريك الحكومة بل توجهوا مسرعين لدخول الأحزاب السياسية وقيادتها، ليحكموها هي أيضا مع حكمهم للدولة، فكونوا بخطوتهم هذه:

أول سابقة لتدخل الجيش بالسياسة، تلك الخطوة التي حرمها الدستور الملكي، ومنعتها دساتير الدول الديمقراطية والمستقرة، ومهدوا بفعلها لدكتاتورية الفرد العسكري الواحد أو الحزب القائد، وفتحوا الطريق لمحنة العراق ومأساته التي باتت شبه مستمرة. 

ج. العهد الجمهوري الثاني: حزب البعث العربي الأشتراكي

إن علاقة الجيش مع الحكومة لم تتغير صفتها بعد عبد الكريم قاسم الذي قضي عليه من قبل البعثيين وعبد السلام محمد عارف بإنقلاب نظمه ضباط منتظمين بحزب البعث، وآخرين من التيار القومي، فكان تغييرا أو إنقلابا دمويا أبقى العسكر حكاما حقيقيين للبلاد، وأوجد نوعا من العلاقة بينهم والحكومة، علاقة ترابطية تقربهم منها مسافة أكبر من تلك التي كانت موجودة زمن عبد الكريم قاسم، يكون فيها الجيش:

أولا. متعهدا رئيسيا بأعمال الأمن الداخلي لمستوى مداهمة البيوت، وأوكار الأحزاب السياسية المعارضة.

ثانيا. التحرك بكل الاتجاهات لإعطاء تصور عن قوة الحكومة التي إرتبطت بقوة الجيش.

ثالثـا. محاولة تحريك الحكومة والحزب والجيش بآلية تعتمد إبقاء العسكر أعلى القمة.  

وعلى أساس هذه العلااقة، لم يكتف الضباط قادة الإنقلاب بتقاسم المناصب الحكومية العليا كما جرى سابقا، بل وعسكروا المدنيين في مفاصل الحكومة ليكَّونوا بفكرتهم هذه:

أول سابقة في تاريخ العراق لعسكرة الدولة رغم أن تأثيرها على المجتمع كان محدودا في تلك الفترة لعدم بقاء حزب البعث في السلطة مدة طويلة تؤهلهم على تنفيذها كما يجب، لكنها أرست اللبنات الأولى، والخبرة اللازمة لتوظيفها جيدا في جمهوريتهم اللاحقة بعد 1968.

د. العهد الجمهوري الثالث: عبد السلام عارف

كانت العلاقة زمن عبد السلام محمد عارف الضابط الثاني في تسلسل قادة الإنقلاب على الملكية عام 1958 قريبة من أشكال العلاقات المذكورة في الجمهورية الثالثة، إذ لم تتبدل فيها صيغ التوزيع المعروف لبعض المناصب الوزارية على الضباط القادة، لكنها بحدود ضيقة مقارنة مع السابق، كان الجيش فيها:

أولا . يحاول إبعاد منتسبيه عن التدخل في السياسة، على أساس منع الانتماء للأحزاب السياسية، مع إبقاءه حاكما حقيقيا للدولة.

ثانيا. السعي لإيجاد توازن بين المدنيين والعسكريين دون الإخلال بقيادة الجيش للحكومة.

ثالثا. تقوية أسس الجيش ليكون أكثر فاعلية للتعامل مع مشاكل الأمن الداخلي ذات الصفة التمردية.

لكن الجمهورية الثالثة (عارف) التي لم تحقق نجاحا في الحد من النشاط السياسي لمنتسبي الجيش كما تريد لتغلغل خلايا بعض الأحزاب في المفاصل القيادية، والوحدات الفاعلة بأساليب سرية وطرق لم تستطع الحكومة وأجهزتها الأمنية البسيطة متابعتها، بادرت ولضرورات السيطرة والاستمرار بالحكم بتبديل صورة الضباط الحزبيين في المناصب العليا للجيش والدولة أو تغيير مفهوم سلطة الضابط الحزبي بسلطة الضابط من العشيرة والطائفة، ليكَّونوا بتوجههم هذا:

أول سابقة لتجسيد سلطة العشيرة والطائفة والمنطقة في الجيش بشكل واضح أو معلن، رغم أن  طائفية القيادة العسكرية كانت موجودة منذ اللحظات الأولى للتأسيس (3)، لكنها بقيت مبطنة أو مقتصرة على بعض الضباط والقادة الذين يتحركون على أساسها بخطوات يحاولون عدم إشهارها على مستوى العلن، وهذا واقع جاء بسبب رؤى الأنجليز في إدارة مشاكل العراق بعد ثورة العشرين على وجه التحديد، وتكليفهم ضباط عراقيين من الجيش العثماني بإدارة عملية التأسيس للجيش العراقي الذين أخذوا على عاتقهم إرساء أسس القبول في الكليات العسكرية والأركان، وتنظيم التجنيد الاجباري، وتحديد المهام والواجبات، حتى أن بعض الضباط الأوائل ذكروا في أحاديث لهم أن الملك فيصل الأول أدرك الخلل في التوازن بين ضباط وقادة الجيش آنذاك ووجه بفتح دورة للضباط من أبناء شيوخ العشائر، وبالمحصلة لم يلتحق فيها من أبناء شيوخ الجنوب أكثر من عشرة لأسباب يتعلق بعضها بالمقابلات التي جرت للقبول، وبموقف المرجعية الدينية في النجف التي حرمت الدخول إلى الجيش العراقي آنذاك، فتسبب ذلك بخلل واضح كما ورد أعلاه أستثمره عبد السلام عارف، وعزز وجوده صدام لاحقا (4) .   

هـ. العهد الجمهوري الرابع: عبد الرحمن عارف

وهي أمتداد للثالثة. إذ ورث اللواء عبد الرحمن عارف، شقيق رئيس الجمهورية عبد السلام المنصب بتدخل الضباط القادة الدليم في قرار التعيين، الذي أشارت إلى حسمه بعض الوقائع خلال مراسم دفن الرئيس عبد السلام عام 1966، ورجحوا كفته على كفة العقيلي وزير الدفاع، وعبد الرحمن البزاز رئيس الوزراء، وهذا توريث في الحكم أبقى العلاقة بين الجيش والحكومة قائمة كما كانت خلال الجمهورية الثالثة، وعَززت وجودها أكثر بعد نجاج الجيش في قمع إنقلاب القوميين وعارف عبد الرزاق.

2. إن الاستعراض المحدود لشكل العلاقة بين الحكومات العراقية المتعاقبة والجيش العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية وجيشها في الربع الأول من القرن العشرين وحتى سيطرة حزب البعث العربي الأشتراكي" الجناح العراقي" على الحكم ثانية عام 1968 يدفع إلى استنتاج الآتي:

أ. إنها علاقة تأثرت بالظروف المحيطة والتركيبة الخاصة بالحكومة، والتوازنات الاجتماعية والطائفية التي وجدت مع تأسيسها، أكثر من تأثرها بالصيغ الرسمية والضوابط العسكرية، وقوانين ومواد الدستور المعمول بها، لتكون الصورة فيما بعد إنسجام وتناغم بين تركيبة الجيش والحكومة طائفيا.

ب. إن التناغم والانسجام بين تركيبة الحكومة والجيش طائفيا وعشائريا قربته أكثر من إدارتها وسهلت له تنفيذ توجهاتها، وجعلته أداة طيعة في يدها للتعامل مع أحداث العراق الداخلية التي غلب على طبيعتها الجانب العشائري والطائفي جنوبا، والقومي شمالا.

وفي حالتهما وجد الجيش أو قادته، وغالبية ضباطه أنهم جزء من الحكومة، ومفروض عليهم طاعتها، ووجدت الحكومة في دعمه وتقريبه وسيلة لبقائها وتحقيق مآربها، وهذا استنتاج يدعمه موقف الضباط من أحداث الأنتفاضة الشعبية عام 1991، إذ أن القادة منهم الذين توفرت لهم فرصة تاريخية للتخلص من آثار الخسارة، والانهيار التي حصلت في حرب الخليج الثانية وذلك بتقديم العون لرجال الانتفاضة أو المبادرة لقيادتها وتغيير واقع العراق وشكل نظام الحكم، وجد الغالبية أنفسهم وكأنهم مكبلين بقيود بينها الطائفية لا يمكن تجاوزها بالمجازفة في تأييد الشارع المنتفض الذي قد تؤدي نتائج عمله إلى حكومة يخسروا يختل فيها التوازن الموروث عبر كل تلك السنين، عندها فضل بعضهم السكوت، وفضل بعضهم البقاء متفرجا، وفضل البعض الآخر إنهاء الحياد والانحياز إلى الحكومة ضد الشعب فكان تدخلا ذُبح فيه الشعب العراقي في أسوء مأساة في عصره الحديث تأسست بعض جوانبها على رؤية الطائفية غير المعلنة في الجيش، وعلى العلاقة الترابطية غير الصحيحة بين الحكومة والجيش.    

ج. إن علاقة العراقيين بالسلطة ومنذ العهد العثماني علاقة تنافر وعدم انسجام، يعتمد توظيفها لصالح الدولة على قوة الحكومة وهيبتها (5):

إي أن الإنسان العراقي يكون قريبا من الدولة، يدفع لها الضرائب، ويقدم لجيشها المجندين ويبتعد عن التمرد على مركزها عندما تكون قوية، ورمز قوتها العسكر بطبيعة الحال، وهذه معالم وخصائص إنتقلت إلى الحكومات العراقية المتعاقبة التي وجدت في الجيش رمزا لقوتها في التعامل مع المواطنيين العراقيين حاجة تفوق حاجتها للتعامل مع أعداء الخارج المحتملين، الأمر الذي دفعها "أي الحكومات" إلى دعمه والتقرب إلى قيادته بآلية لا تزيد من ثقته المطلقة بالذات التي قد تفقده التوازن، ويصبح مصدر تهديد لأمنها أكثر منه داعما لإستقرارها.

د. ووجد البعض من الضباط في هذه الحاجة فرصة لاستعراض قوتهم، والتقرب إلى سلطات القرار وبعض المناصب السياسية، وبالفعل كان العديد من رؤساء الوزارات العراقية حتى في ضل الدولة الدستورية هم من مناشئ عسكرية، فكونت تلك الظروف والخصائص شكل العلاقة التي يمكن وصفها بالنفعية.

هـ. إن التغير في شكل العلاقة بين الحكومات العراقية المتعاقبة من تبادلية متوازنة " الملكية" إلى ذاتية نفعية "الجمهورية" ومن تابعية دستورية "الملكية" إلى فوقية تسلطية " الجمهورية" يؤكد على أن شكل نظام الحكم، وماهية الحاكم يؤثران على وضع الجيش وطبيعته.

ففي الوقت الذي يكون فيه الحكم مدنيا مستقرا تكون حركة الجيش مختلفة عنها في حالة وجوده مع حكومة مستبدة وديكتاتورية، يصبح  فيها أداة هدم وتخريب أكثر من كونه وسيلة لتحقيق الأمن والاستقرار، وهذا استنتاج ينطبق أكثر على وضع الجيش أيام حكم البعث العراقي، وزمن صدام حسين.  

و. العهد الجمهوري الخامس: أحمد حسن البكر 

في عهد الجمهورية الخامسة أحمد حسن البكر "الضابط المحترف" لم تختلف الأمور كثيرا في طبيعة العلاقة بين الجيش والدولة إذ بدأت فكرة التبعيث بعد الأستيلاء على الحكم، وبدأت معها فلسفة عقائدية الجيش التي أعطت العلاقة ديمومة الأستمرار إلى ما بعد عهده"صدام حسين" على الرغم من أن وضع الجيش في زمن البكر يختلف نسبيا عن وضعه أيام صدام بسبب ديمومة المعايير والضوابط العسكرية التي لم يحاول البكر التجاوز عليها بشكل كبير بسبب أصوله العسكرية، وبسسب مهنية الجيل الأول والثاني من الضباط البعثيين الذين حاولوا المحافظة على المهنية دون التجاوز على العقائدية، وعليه يمكن القول أن علاقة الجيش بالدولة العراقية في زمن البكر تأسست في الواقع على معيارين:

كان الأول ذو صلة بمفاهيم أحقية الحزب في قيادة الدولة والمجتمع، وعلى مساعيه في عملية التبعيث، وشعارته في الوحدة التي جعلت الجيش بالمحصلة رديفا للحزب وداعما لوجوده في السلطة.

وكان الثاني لما ورثه من تراكمات في العلاقة التقليدية المذكورة مع كافة الحكومات التي سبقته.

وعلى هذا الأساس كانت استعراضيته للدعوة إلى الوحدة، والتركيز على العامل القومي فيها، والتركيبة الداخلية للحزب الحاكم من بين المتغيرات  التي دفعت لصياغة نوع العلاقة في التعامل بين الحاكم والجيش باتجاه جعله "أي الجيش" تابعا، وزيادة قوة هذا التابع وتطوير إمكانياته ليؤمن البقاء في السلطة ويدعم دور الحزب الحاكم كلاعب قوي في الساحة السياسية الداخلية والخارجية.

ز. العهد الجمهوري السادس: صدام حسين     

أولا. إن مرحلة حكم صدام حسين للعراق تعد من جوانب عدة استمرارا وتكملة للمرحلة الأولى من حكم البكر، مع الاختلاف عنها في المغالاة باستخدام القسر والقسوة للوصول إلى غاياته التي تمثلت مع بداية استلامه الحكم:

(1). التوسع في تبعيث الجيش على مستوى الضباط وضباط الصف والجنود بشكل عام .

(2). العمل على إيجاد مفهوم النخبة في قيادته تكريتيا مع إضافات من مناطق وأصول أخرى لشخصيات منتقاة جيدا بخصائص توافقية قلقة تدفعهم إلى المبالغة في الاخلاص حدا يفوق التكارتة، يُطَعِمُ بهم الطاقم القيادي لأغراض التبرير عند الحاجة.

(3). تسليم مسئولية قيادة الفرق والفيالق والمفاصل المهمة في الجيش والدوائر الأمنية بشكل عام إلى ضباط بعثيين أحداث، لم تكن لديهم الخبرة القيادية الكافية سعيا منه للتخلص من تهديدات الانقلاب والتمرد، ورغبة في الحصول على أعلى أداء داعم لأمنه واستمر حكمه. 

(4). التوسع باستخدام فلسفة الرقابة الثورية في الجيش وذلك بحث الضباط الصغار، وضباط الصف والجنود، لمراقبة ومتابعة حركة الكبار، وتعويد الضباط الأعوان على الكتابة عن كل مايحدث وعن سلوك القادة تمهيدا لتهيئتهم إلى استلام مناصب قيادية لاحقا. 

(5). إن صدام الذي يحمل في داخله إيحاء مضادا للعسكر بسبب حياته المدنية الخاصة، ووجهات نظره التي ترى في الجيش خطرا على الثورة، لم يتوقف في تحديد العلاقة معه عند صيغة التابعية فقط، بل وأرادها أن توسم بالتابعية الذليلة (السيد والخادم) وعلى وفقها عمل على استمالة الضباط، وشراء ذمم بعضهم، وتركيعهم، خطوات مهدت لتدجين الجيش بأكمله لتسهل قيادته وتوجيهه للأغراض الخاصة.  

ثانيا. كما إن صدام الذي يعاني مشكلة الزمن أو ضغط الزمن إندفع إلى التسرع بغية الوصول إلى الغاية، فكانت خطوته الأولى بعد توليه منصب رئيس الدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، وأمين سر القطر عام 1979 تصفية الجيل الأول، والثاني من البعثيين العسكريين أسوة بالمدنيين في حادث المؤامرة السورية المفتعلة عام 1979 للتمهيد إلى صياغة الجيش العقائدي وفق مفهومه بالتبعية المطلقة لشخصه كحاكم ديكتاتور.

كما إنه لم يتوقف عند حدود إلإحالة الجماعية على التقاعد والسجن بالنسبة للضباط ، بل وتوجه في تعامله مع هدف التدجين إلى المستوى الذي يتجاوز عقائدية الجيش كما يراها الحزب، بل وتسيسه ذاتيا، بطريقة يكون هو فيها صورة القائد العسكري الأعلى، الذي يمنح، ويعطي، ويفني، ويغني بأساليب أفقدت الجيش مهنيته العسكرية، وحَرَفتْ من طبيعة العلاقة التقليدية بإتجاه الهدم المتتابع الذي تاسس على جملة ممارسات عمل على تكريسها سلوكا في المؤسسة العسكرية طيلة قيادته لها ليحصل على أستجابات يعتقدها صحيحة أو مرضية له أدت إلى التسريع بعملية التحريف في العلاقة مثل:

(1). الأستجابة النفعية.

إذ أنه وعلى سبيل المثال جعل لكل سلوك عسكري يفضي إلى خدمته شخصيا أو يؤدي إلى تقوية سلطته ثمن يدفع سريعا، مما أدى إلى أن يتادافع البعض لخدمته وقبض الثمن في سلوك يتجاوز كثيرا الضوابط والتقاليد العسكرية المعروفة في الجيش، وحدد لفعل قتل الجندي المعادي في المعركة ثمن، ولخوذته ثمن، ولسلاحه ثمن آخر، ليكَّون بتوجهاته هذه دافعية لأداء الفعل العسكري تقوم على مادية نفعية بديلة عن المهنية والوطنية التي يفترض أن تكون موجودة أصلا في السلوك العسكري. 

(2). الأستجابة التجنبية.

لقد جعل في ذات الوقت لكل سلوك يضعف سلطته أو يهدد وجوده عقوبة تصل في أكثر الأحيان إلى الإعدام، فتسبب في أن يتجنب الضباط التقرب من النقاط التي يعتقدونها مثيرة لتوتره وإن كانت في صالح الجيش والوطن.

(3). الإستجابة التابعية.

إتجه للتعامل مع العسكريين على أساس تأكيد  سلطة الحزب أعلى من سلطة الآمر العسكرية مما جعل الآمر تابعا للحزب فاقدا لهيبته العسكرية، وعمل على تقوية سلطة الأمن في الجيش على حساب سلطة الآمر/القائد، فتسبب في إضعاف سلطة القائد العسكري، وقلل من مستوى إحترامه من المعية والأقران، واتجه إلى تعميم الاعتقال الكيفي للضباط لأسباب بسيطة أحيانا، ومحاولات تسقيط البعض منهم بتجنيدهم وكلاء يتجسسون على زملائهم، وشيوع الاعتداء السافر عليهم ، وتكرار إهانتهم، الأمر الذي تسبب في نزع روح العسكرية من داخلهم، ودفعتهم إلى التصرف الآلي بتبعية إلى القيادة الأعلى والحزب بعيدا عن مناحي الضبط والقيم العسكرية.

(4). الإستجابة القلقة.

تجاوز كثيرا على الضوابط والقياسات العسكرية، ووضع الضباط القادة في دائرة الشك والحيرة عن ما يريده فعلا، وعن ما يفرحه أو يزعجه، فاصابهم بالقلق الذي أمتد عن طريق العدوى إلى عموم المؤسسة العسكرية، قلق دائم أضعف روحهم المعنوية وأخل كثيرا بتوازن حالتهم النفسية، يضاف إلي هذا تكراره إعدام ضباط بينهم قادة كبار بتهم تصل حد الخيانة والعمالة وغيرها، ومن ثم العودة للعفو عنهم، والاغداق على عوائلهم فأصيب العقل العسكر القلق بالتناشز وعدم الاستقرار.      

ثالثا. إن توجهات صدام وسعيه للحصول على أستجابات فُسرت بالعناوين السلبية المذكورة في أعلاه،

وأبتداعه معايير جديدة للقيادة في الجيش منها القدم للمنصب بدلا من الرتبة على سبيل المثال، كونت بتراكمها لفترة زمنية ليست بالقصيرة قدرا من الأضطراب الإجتماعي ُسَهِل له السيطرة على الجيش بغياب التكافل، والتواد، والروح الجماعية، والاستعداد للتضحية السائدة قيميا في عمومه قبل مجيئه "أي صدام" قائدا عاما وأدت إلى تكوين نوع من العلاقة مع الدولة لم تكن موجودة من قبل.   

رابعا. إن أكثر العوامل تأثيرا على تحديد شكل العلاقة بين الجيش والدولة ما يتعلق بعامل الوطنية التي يمثلها الجيش بمواقفه، وسلوك منتسبيه، وأداءه في الدفاع عن وطنيه، وهذه من الخصائص التي يتميز بها الجيش العراقي حقا منذ تأسيسه وإلى حد مجيئ صدام حسين الذي أخل بها كثيرا بعد أن عمل على أن يكون:

(1). التقييم العام للضباط على أساس إخلاصهم لحكمه بدلا من كفائتهم، وإخلاصهم للوطن.

(2). الولاء لشخصه وعائلته وعشيرته ومنطقته، بديلا عن الولاء للوحدة والقيادة والجيش التي إعتاد عليها العسكر سابقا.

(3). التثقيف في الجيش مقتصرا على التمجيد به والاشادة بشخصه، والتأكيد على دوره، بدلا من التأكيد على العراق، وتاريخ العراق وحاضره والمستقبل.  

(4). الأمر بتشكيل وحدات وقيادات أخرى موازية للجيش، ومتفوقة عليه تسليحا وتدريبا ودعما إداريا، تشعره بصغر حجمه أمامها، وبالشك في ولاءه للوطن المتمثل بالحاكم وعائلته.

(5). حصر مفهوم الوطن بمدينة تكريت ومن ثم بالعوجة، وأخيرا بالعائلة في آلية لتوزيع المناصب العسكرية،  والمسؤوليات، والأدوار للضباط من هذه الرقعة الضيقة للوطن.

خامسا. إن التغير الذي حصل على وضع الجيش العراقي في مجالات الضبط والمعنويات وسياقات التعامل، وسبل الإدارة والقيادة، والعلاقات والتدريب وغيرها بعد العام 1979 وضعه " الجيش " أداة طيعة في يد السياسة غير العقلانية، وبالقدر الذي مهد لحصول عدة أزمات وزاد من تعقيداتها وإدامة استمرارها، ومنها يمكن أن نستنتج: 

(1). إن لصدام نظرة خاصة في التعامل مع الجيش على أساس تدجينه باتجاه تسخيره أداة لأمنه، وليس لإعداده جيشا وطنيا قادرا على الدفاع عن حدود الوطن. 

(2). إن أساليب صدام غير المنطقية في التعامل مع الجيش هي التي دفعته لأن يكون وسيلة سهلة الإنقياد في حربه غير المبررة مع إيران، وحربه العدوانية مع الكويت، وحروبه القمعية ضد الشعب العراقي.

(3). إن صورة الجيش قد تغيرت في عقل المنتسبين وباقي العراقيين، من الجيش العراقي بوضعه التقليدي المقبول، والمدعوم شعبيا، إلى الجيش الحزبي، الصدامي غير المرغوب نفسيا.

ومن الجيش المهني بمستوى معنوياته، وإنضباطه المعقول، إلى الجيش العقائدي بوضعه العام غير المقبول.

ومن جيش بسمعة محلية وعربية جيدة، وبقدرة على أداء فعله العسكري المطلوب بمستويات تعد جيدة بالمقارنة مع الأقران، إلى جيش تلتهمه الآفات والتجاوزات والأخطاء، وبقدرات لا يستطيع فيها إلا التعامل السلبي مع الأهل والأبناء.

سادسا. على هذا الأساس يمكن القول أن صدام عمل على جعل الجيش سهل التوجيه في أن يكون اليد الطولى له حاكم مستبد، وبأسلوب تنفيذ لمهام بنفس تسلطي، وجعل علاقته مع الدولة علاقة تنفيذ لأعلى هرمها، وعلاقته بالسياسة منظمة حزبية مثله مثل باقي المنظمات، لها تمثيل"المكتب العسكري" أسوة بالتمثيل المعروف لباقي شرائح المجتمع العراقي من عمال وفلاحين ومهنيين، فتسبب في ضياع مهنيته، وسياقات تنفيذه لأمر السياسة الصحيح. 


الجيش العراقي في ضل نظام الحكم الديمقراطي 

1. إن أساليب حكومة صدام في تحديد علاقة الجيش بالسلطة، وتشكيله بصيغة المنظمة الحزبية، وإعتماد بعض ضوابطه لعسكرة مجتمع الدولة، ليُحَوِل بالتالي:

الجيش إلى خلية حزبية.

ومجتمع الدولة إلى مؤسسة عسكرية.

تختلط في وجودهما بالصيغة الجديدة الأهداف.

فلن يبق جيشا بالمفهوم العسكري للجيوش، ولم يبق مجتمع مدني عراقي بالمفهوم الاجتماعي المعروف، فكانت صياغة فريدة منها نستنتج:

أ. أن الحكومة قد غيرت كل شيئ في العراق وبينها الجيش لصالح إستمرار بقائها. 

ب. إن الجيش العراقي بوضعه المذكور بات أداة هدم وتخريب سهل تحريكها من قبل الحكومة، وباتت معاييره، وأساليبه متغيرات إرتدت إلى الذات العسكرية ليكون التخريب داخل المؤسسة  "العسكرية" بمستويات لا تقل عن تخريبها في المجتمع العراقي.

ج. تبين النظرة العامة للسياقات العسكرية وتركيبة القيادة العسكرية لنظام صدام، أنها نسخة من تلك التي أرادتها الحكومة:

أولا. تنفذ أوامرها دون نقاش أو تأخير.

ثانيا. عدم تنفيذ أية أوامر يشك في مساسها بوضع القيادة والعائلة والحاكمة.

ثالثا. قسوة متسلطة لاتتهاون في إقتطاع الشك وإن كان بالحدود الدنيا.

2. إن الاستنتاجات المذكورة تعني أن الجيش العراقي لم يعد أداة بيد الحكومة الدكتاتورية فقط، بل وأصبح هو الصورة المثلى للدكتاتور، التي إنتقلت بحكم التقمص والتقليد إلى قادة الجيش المنتخبين من قبلها ليمثلوا صورتها بتطابق في حدود كبيرة، وهذا يتطلب أن تكون مناقشة وضع الجيش في ضل الحكم الديمقراطي تبعا لمحورين:

يمثل الأول التخلص من صورة الدكتاتور.

ويمثل الثاني إعادة البناء على أسس تتوائم والنظام الديمقراطي.

ورغم أن الاصلاح وإعادة البناء في مجالهما ستكون متداخلة إلا أن مقتضيات البحث العلمي تقتضي فصلهما في العرض والمناقشة وتحديد المقترحات لأغراض التوضيح وكما يأتي:

أ. المحور الأول : التخلص من صورة الدكتاتور وتبعاته في الجيش

أولا. لم نقصد بالدكتاتورية في الجيش ما يتعلق بصيغة الأوامر الصادرة، وضرورة تنفيذها لأن صيغ التنفيذ واحدة من مستلزمات الضبط العسكري المطلوب تعزيزه في سلوك المنتسبين.

ولم نقصد بها آلية تعبير الأوامر من الأعلى إلى الأدني تدرجا وجد أصلا لتسهيل التنفيذ.

ولم نقصد بها كذلك مكانة ومنزلة القادة التراتبية التي بنيت في كافة الجيوش البشرية لتوزيع المسؤولية وتسهيل إصدار القرار.

لكننا ولأغراض هذا البحث نقصد بالدكتاتورية ذلك السلوك الذي أعتاده الضباط في إطار التسلط، وفرض الأمر الواقع، كنوع من التقمص لشخصية الحاكم القائد العام، ليكونوا على أساسها أدوات لتعبير وتنفيذ ما يريده في تحقيق أهدافه بعيدا عن المعايير والضوابط العسكرية.

( صحيح أن تنفيذ الأوامر في العسكرية أمر مفروغ منه، ومع ذلك هناك فسح في كل الجيوش مسموح للأدنى مناقشة أوامر الأعلى وخططه التي يصعب تنفيذها عمليا أو التي تؤدي إلى خسائر عالية المستوى، وغيرها، وهو سماح لا يجيز العصيان في التنفيذ، وهذه حاله لم يعد مسموحا بالحديث عنها في الجيش العراقي الذي أُشبعَ عقل منتسبيه بفلسفة الحزب القائمة على نفذ ثم ناقش التي جاء بها في سبعينات القرن الماضي لتحل محل المعايير المعتادة للضبط العسكري وسياقات تنفيذ الأوامر، حتى أصبحت مفردات هذه الفلسفة معيارا لفرض ما يريده القائد والحزب دون نقاش).      

ثانيا. وعموما فإن هذا السلوك أو بصماته في سياقات إعداد القادة العسكريين باتت شائعة طيلة حكم صدام حسين يجري تعزيز وجودها باستمرار، وهي بصمات يفترض تصحيحها أو التخلص منها في الخطوات الأولى لإعادة تنظيم الجيش العراقي وتأهيلة ما بعد التغيير إلى الديمقراطية، وبالاتجاهات التالية. 

(1). إن عملية الاصلاح والتعديل في الجيش والقوات المسلحة سترتبط بعض جوانبها بطريقة وشكل التغيير المستقبلي في العراق.

فإن تم بإنقلاب عن طريق الحرس الجمهوري "وهو أمر مستبعد" على سبيل المثال سيكون المساس بوجوده أحد أدوات الحاكم في النظام الجديد غير مسموحا، وإن كان النظم الذي يفضي إليه دمقراطيا بتقدير المنقلبين أو قريب من الديمقراطية.

وإن كان التغيير عن طريق الجيش العراقي التقليدي "وهو غير ممكن" فإن التعامل مع عملية الاصلاح وإعادة البناء ستكون أسهل.

أما إذا كان التغيير بأسلوب العصيان المدني والثورة الشعبية" يمكن ان يحدث في حال تزايد الضغوط، وتوفر دعم إعلامي عربي وأجنبي" فإن عملية إعادة البناء ورغم استعداد الجيش لتنفيذها لكنها ستكون معقدة بسبب كثرة الخسائر المحتملة التي سيتكبدها "أي الجيش" وسينتهي تنظيم الحرس الجمهوري وتلغى بعض وحدات الجيش بحكم الواقع والمواقف المحتملة. 

وإذا كان التغيير بأيادي عراقية شكلت جيشا للتحرير بدأ عملياته ضد النظام بالمهارشة والقضم التدريجي لقواته " يصعب تحقيقه إلا في حال تيسر دعم دولي" فإن الصورة المتوقعة ستكون إلتحاقا لوحدات عسكرية من الجيش تؤسس قاعدة للجيش العراقي الذي يلائم بحكم واقعه النظام الديمقراطي الجديد.

أما إذا كان التغيير عن طريق الحرب والتدخل الخارجي "الأمر الأكثر ترجيحا" فإن حسابات الجيش العراقي ستخضع للتوازنات والأعتبارات المحلية والأقليمية والدولية التي يحددها المحاربون المنتصرون في احة المعركة وليس السياسيون العراقيون.

وعلى وجه العموم، وأيا كانت طرق التغيير وأساليبه فإن التخلص من صورة الدكتاتور التي تمثلت في بعض كبار القادة، وبعض القيادات العسكرية الأقرب إلى حماية النظام مثل الحرس الجمهوري والحرس الخاص، يتطلب أولا إعادة تنظيمها، لتكون بعيدة عن تهديد النظام الديمقراطي من ناحية، وبعيدة عن تمثيل الصورة القديمة للنظام الدكتاتوري من ناحية أخرى، وهذا يعني أن الحرس الجمهوري سيكون المرشح الأول لعملية التقويم وإعادة التنظيم، وهذه مسألة ليست سهلة، كونه يشكل قوة لا يستهان بها تسليحا وتدريبا وتجهيزا بالمقارنة مع الجيش التقليدي.

كما أن الحرس قد تشكلت قياداته ومقراته في العموم بصيغ الطائفية والمناطقية التي ستدفعهم إلى القتال ضد أية إصلاحات تهدد وجودهم ومستقبلهم ومكاسبهم على حساب الجيش العراقي، عندما تسمح الظروف بذلك، الأمر الذي يتطلب في مسألة التعامل مع واقع الحرس الجمهوري والحرس الخاص دراسة منفصلة أو أكثر من دراسة عن كيفية التعامل والاستيعاب.

(2). تبدا خطوات الإصلاح عند الانتقال إلى الديمقراطية وضمن معايير إعادة التنظيم والتأهيل، بإعادة عسكرة الجيش، وتقوية المهنية العسكرية في الإدارة وفي نفوس الضباط لتمتد إلى مستوى المراتب بخطوات تدريجية أهمها .

(أولا). إعادة ترتيب إرتباط الجيش بالحكومة، وإلغاء فكرة القيادة العامة للقوات المسلحة كبديل لرئاسة أركان الجيش، وتعزيز دورها ـ أي رئاسة الأركان في إعادة البناء العسكري.

(ثانيا). إختيار القيادة العليا للجيش بدقة متناهية من أولئك الضباط المعروفين بنزاهتهم ووطنيتهم، وحسن نواياهم، وكفائتهم، وقدمهم العسكري الملائم لتولي تلك المناصب، وإن يكون بعضهم من بين المتقاعدين التي تساعد صحتهم البدنية على القيام بمثل هذه المهام ولو مؤقتا.   

(ثالثا). إعادة وحدات الجيش إلى ثكناتها "تبعا للموقف العام للحكومة الجديدة والتهديدات الفعلية والمحتملة" ليعيد الجيش إلى ذاكرته الحياة العسكرية التقليدية، التي تساعده سريعا لإعادة التنظيم.

(رابعا).إراحة الجيش وذلك بإبعاده عن التوتر والأزمات، وإعطاء فرصة كافية للتدريب باتجاه الضبط وإعادة الثقة بالنفس مفردات يهيئها العسكر، والاختصاصيين الفنيين قبل مرحلة التغيير أو مترابطة معها على أقل تقدير.

(خامسا). التخلص من الترهل الموجود في الجيش وذلك بهيكلة الوحدات التي تزيد عن حدود قدرة العراق البشرية والمادية، ودمج بعضها بالبعض الآخر لتكوين جيش عصري بتسليح يلائم الدفاع، وتجهيز يسهل هذه المهمة.

(سادسا). التركيز على جوانب الضبط العسكري، وإعطاء الآمر منزلته العسكرية الصحيحة، وتحميله والقادة تسلسلا مسؤولية إعادة الضبط وتحسين مستوياتها بطرق التدريب والتوجيه المتبعة أصوليا.

(3). إعطاء الجانب الفكري والنفسي والمعنوي، دورا في الجهود المخصصة لإصلاح الجيش وإعادة تأهيله لا تقل مستوياتها عن تلك المخصصة لمسائل الضبط والتدريب والتجهيز، وأن تأتي متلازمة مع خطواتها في كل المراحل.

(4). أن تأخذ الحكومة وقيادة الجيش بعد التغيير إلى الديمقراطية حساسية التعامل مع الضباط القادة والأعوان، وأن تصدر تعليماتها للإبتعاد عن الانتقام والثأر والقصاص وتوجيه الاتهامات، التي عادة ما ترافق ظروف التغيير، وأن يترك قرار التعامل مع التهم المخلة إلى القضاء العسكري.  

ب. المحور الثاني : إعادة بناء الجيش على أسس تتوائم والنظام الديمقراطي

أولا. إن هذه المرحلة الثانية متممة لتلك الأولى، ومتادخلة معها كما ورد في أعلاه، لكن أهمية الأجراءات فيها قد تأتي أسبقة لاحقة في بعض الأحيان، وتبعا لطبيعة الظرف ومواتاتها بعد التغيير، ومع ذلك فإن صورة العسكرية العراقية ووضع الجيش في عراق الديمقراطية لا بد وأن يأخذ فيه المعنيون الجوانب الآتية بنظر الاعتبار.

(1). إتمام ما يتعلق بالعقيدة العسكرية العراقية التي تأخذ بنظر الاعتبار وضع العراق بطبيعته الداخلية متعددة القوميات والطوائف، وظروفه الخارجية كبلد عربي تعيش داخله قوميات غير عربية بنسبة تقترب من الخمس، ومن ثم إسلامي، على أن تركز هذه العقيدة على مهام للجيش، تبعده عن التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، وتبرز دوره في الدفاع عن حدود العراق وأمنه الخارجي، وأن يبدأ تدريس هذه العقيدة بتفاصيلها في الكليات العسكرية والأركن بشكل مركز.

(2). إعادة تنظيم علاقة الجيش بالحكومة بشكل متوازن، يُبعد فيها السياسيون عن التدخل في شؤونه المهنية، ويُبعد هو عن التدخل في شؤون الحكومة، وفي هذه العلاقة تُثبَت صلاحيات إستنفاره، والقرار على إدخاله الحرب والحركات على وفق مواد الدستور الذي سيقام لدولة العراق الديمقراطي. وتبعا للصلاحيات المحددة لرئيس الحكومة والدولة والبرلمان.

(3). يفضل أن لا تعطى صلاحيات إعلان الحرب لرئيس الدولة في النظام الديمقراطي، وتبقى عند البرلمان حصرا.

(4). يعطى الدور الأساسي لقيادة الجيش إلى رئاسة الأركان، ويعطى لوزير الدفاع مهام تنفيذ سياسة الحكومة لما يتعلق منها بالجيش، على أن تحدد الصلاحيات لكلا الطرفين بشكل واضح.

(5). أن تنظم علاقة الجيش بالحكومة بقوانين وضوابط تبقيه على الحياد، لتجاوز التأثيرات الجانبية لتوجهات ونوايا الأحزاب التي تحكم بعد الفوز بالانتخاب، خاصة في مرحلة إنضاج الديمقراطية التي ستأخذ وقتا ليس قليلا، وفي هذا المجال ينبغي إصدار القوانين التي تمنع إشتغال الضباط المستمرين بالخدمة في العمل السياسي، ومن يتثبت إنتماءه لحزب حاكم أو مشارك في الحكم أو معارض للحكومة بالأدلة القاطعة يحال إلى القضاء العسكري الذي يفصل بموضوعه تبعا للمواد المثبتة في قانون العقوبات العسكري، ومن يرغب من العسكر إلى الترشيح للبرلمان أو التسجيل في الجمعيات والهيئات ذات الطبيعة السياسية يلزم قانونا بتقديم استقالته من الخدمة العسكرية لهذا السبب.

(6). أن تتجاوز الحكومة الديمقراطية آفة الطائفية والمناطقية، وتلزم الجيش بتجاوزها بخطوات مدروسة.


الإمكانية المتاحة لإعادة بناء الجيش بما يلائم الحكم الديمقراطي 

1. الديمقراطية مصطلح يعبر تطبيقها ضمنيا عن قيام المجتمع المدني (6) ، الذي يعني في وقتنا الراهن التساوي في المعاملة بين أبناء البلد الواحد بإعتبارهم مواطنيين، لا رعايا، ولا ذميين، اي أنهم أكفاء في الحقوق والواجبات تبعا للقوانين السارية والدستور، وفكرة المجتمع المدني تعني من جانب آخر أن المجتمع ليس كما يظن البعض من الثوريين أنه كيان نوعي.

ولا كما يظن السلفيون أنه وجود روحي، بل هو في واقع الحال حالة مادية حقيقية يمكن فهمها وإدراكها إنسانيا، والتعامل معها فعليا، وهذا فهم شامل للديمقراطية لا ينبغي أن يكون بعيدا عن المجتمع العراقي، وبينه العسكريون، بل ويفترض أن يكون حجر الأساس لمساعي تطبيقها، تطبيقا يحدد شكل العلاقة مع العسكر، خاصة وإن العراق، سيواجه وباحتمالات كبيرة مع أولى خطوات التغيير ثورة في إبراز مظاهر السلب للدكتاتورية، وهياج شعبي عارم لإسقاط قيود الحكم الفردي التعسفي، وبمعنى أوسع سينفتح المجال واسعا لإضطراب ما قبل الاستقرار الديمقراطي، الذي قد يجر العراق إلى بعض الفوضى وقد يسحب العسكر لأن يكونوا طرفا فيها، ويعيدوا العراق إلى نقطة البداية ديكتاتورية ثورية تفرضها الظروف المرحلية، الأمر الذي لابد وأن يجري التركيز فيه على توعية العراقيين بتلك الأبعاد والاحتمالات، وأن ينشطوا في ضوء فهمهم هذا جميعا لإستيعاب المعنى التطبيقي لهذا المفهوم، أي تفهم السلوك الديمقراطي.

2. إن فهم معنى السلوك الديمقراطي والتعود عليه من الان مسألة مهمة سواء بالنسبة للقوى المعارضة التي يمكن أن تقود التغيير أو تشارك فيه، أو بالنسبة إلى العراقيين الآخرين الذين دفعوا ثمن الديكتاتورية والذين  سيجنون ثمار تطبيق الديمقراطية في حال نجاح تطبيقها بالشكل الصحيح، وفي ضل هذا الفهم والتمهيد لتطبيقه يبقى العسكريون الحلقة الأخطر في التعامل، والأسهل بتحديد الصيغ والنتائج فيما يتعلق بمسألة التأثر بموضوع الديمقراطية، لأنه ومهما تكلمنا عن شكل العلاقة بين الحكومة وبينهم، وسبل تحديدها سيستمرون أداة للسياسة التي ستستخدمها "الحكومة" وفقا للدستور، عليع سيتأثرون بطبيعة إدارة الدولة ديمقراطيا أو ديكتاتوريا، لأنهم سيتلمسون بحسهم العالي تلك الطبيعة منذ اللحظات الأولى للتغيير، وهذا عبئ سيقع على الحكومة الديمقراطية التي ستدير عملية تأثره بأوامرها الصريحة وعدالتها في إدارة المجتمع ونواياها للتعامل الصحيح معه، وكل ذلك سينفذه العسكريون بسهولة عن طريق الأوامر التي تعودوا تنفيذها.

على هذا الأساس علينا الأشارة أن المشكلة الأولى تكمن في شكل الحكومة ومدى إلتزامها السلوك الديمقراطي، بعيدا عن الشعارات والتبريرات التي تلازم التغيير، لأننا نرى وفي إستعراض تاريخ الثورات في العالم أنها بدأت بدعوات الديمقراطية لترتد بعد التغيير عندما تجد الحكومة الجديدة نفسها وتحت دعوى الأمن والضرورة الثورية، أنها قد غرقت تدريجيا بمستنقع الدكتاتورية التي رأت في بدايته تبريرا يتأسس على الرغبة في تنشأة الوليد الديمقراطي، وفي نهايته قلقا على موته بعد النضج، ليبقى المجتمع في دائرة مغلقة تعبر عن الدكتاتورية بمعاني وتبريرات مختلفة، يكون فيها الجيش الأداة الأكثر تضررا.

عليه وفي مثل حال العراق ينبغي أن تكون البداية في شكل الحكومة وأساليب تعاملها الديمقراطي في كل مجالات الحياة العراقية هي الخطوة الأولى، عندها سيجد العسكريون أنفسهم ينفذون أمر الحكومة الديمقراطية، وإن كانت على حساب دور سيفقدوا فيه بعض سلطاتهم التي أكتسبوها لمرحلة ما قبل التغيير، وهذه مهمة ستكون أصعب من إعداد الجيش لمرحلة الديمقراطية لأن الآثار السلبية التي خلفها النظام في الذات العراقية أعاقت النضج اللازم لتعميم سلوك الديمقراطية في مجالين مهمين هما:

أ. النفسي

إذ كونت أساليب حكومة صدام في التعامل الخطأ مع العراقيين أمراضا إجتماعية ليست قليلة يتمثل بعضها :

أولآ. بالاعتداد العالي بالذات الفردية.

ثانيا. الثقة المفرطة بالنفس.

ثالثا. الآنية وقصر النظر في التعامل مع الأمور المهنة.

رابعا. أمراض الحربين الشائعة ذات الصلة بتصدع الضمير وضعف الروح الوطنية، وغيرها.

ب. القيمي

إذ نتج عن تصرفات الحكومة الحالية غير الصحيح مع أحداث العراق وهمومه، ومشاكله خرق فاضح للنظام القيمي كونت مع غيرها من معالم الخطأ في إدارة العراق إضطرابا في بيئته الاجتماعية، وأسست واقعا هشا قد يعيق التطبيق الصحيح لهذا الحل " الديمقراطية " أو يجعله حلا غير مجدٍ في ظروف التغيير، وهذا إحتمال وارد بنسب ليست قلية، يدفع إلى التفكير بضرورة التمهيد الجاد للديمقراطية "اي إيجاد فترة فترة زمنية للإنتقال إلى الديمقراطي".

رغم أن العراقيين يتفقون جميعا على ضرورة تطبيقها أو يتعطشون إلى سرعة تطبيقها، وتنادي عموم الفصائل المعارضة بضرورة الأخذ بها، لكنه ورغم هذا الاتفاق والمناداة، فإن موضوع الديمقراطية من بين المواضيع المعقدة من حيث التطبيق الفعلي في مجتمع مثل العراق، فيه الخصائص الشخصية للأفراد قد حورتها الحكومة، وفيه التركيبة الإجتماعية لعموم السكان قد أخَلت بها الحكومة، الأمر الذي ستواجه فيه الحكومة المقبلة مصاعب ليست قليلة في هذا الجانب.


الخـاتمـــــــة 

1. الديمقراطية سلوك يسهل أستيعاب مفرداته، ونهج تفكير يسهل تقبله، لكنه ومن الناحية التطبيقية واقع شائك ومعقد، لأن استيعابه فقط لا يكفي لأن يكون عاملا وحيدا لنجاح ذلك التطبيق، بل تقتضي الحاجة هنا للاقتناع بضرورته بمستوى يدفع الى تغيير معتقدي، ونضج حضاري يعي فيه الأنسان حقوقه ويدافع عنها.

ويدرك واجباته ويلتزم بتأديتها.

ويفهم فيه العسكريون دورهم وحدودهم ليقاتلوا من أجلها.

2. والديمقراطية التي تعني المساواة لابد أن تُؤَمِن الحرية .... الحرية الشاملة للفرد والمجتمع بشكل متداخل يحمي فيه المجتمع الحرية الفردية لمواطنيه (7)، وتكون فيه حرية المجتمع سياجا ومظلة للحرية الفردية، ومكونا من مكونات ثقافته العامة بالمستوى الذي يقتنع فيه الجميع، ويعملون على تجسيده واقع يضمن بقاء العسكريون على الحياد في معارك الديمقراطية والحرية التي يبدأ بعضها بطرق سلمية تقليدية.

3. كما أن الديمقراطية مفهوم لا يتعلق بشكل الانتخابات وطريقة اختيار الحاكم فقط، بل هي عنوان شامل لمعظم مفردات الحياة وعموم معطيات إدارة المجتمع بدء من الأسرة وأسلوب تمشيتها، مرورا بالإعلام وسبل تناوله، والتعليم وطرق تحقيقه، والعلاقات الدولية وكيفية إدارتها، وإنتهاء بفهم العسكريون لأدوارهم، وتأديتهم لواجباتهم في الدفاع عن ديمقراطية الدولة بحيادية عالية الدقة. 

4. وأخيرا فأن النظرة الدقيقة لمثل هكذا بحوث ذات طبيعة إنسانية، ينبغي في مجالها الأخذ بالاعتبار أنها تعطي صورة مقاربة لما مطلوب عرضه وبدقة معقولة، أي غير متكاملة لأن المتغيرات المؤثرة فيها عديدة ومتنوعة، ولا يمكن السيطرة عليها جميعا، لأننا ومهما رسمنا صورة للجيش المستقبلي في دولة الديمقراطية بالعراق، فإن متغير واحد يتعلق بإثارة إضطرابات داخلية مضادة للديمقراطية بتأثيرات العوامل الاقليمية والدولية يؤدي بالحكومة إلى إبقاء الجيش على سابق عهده من حيث التنظيم والتسليح، وربما الاستخدام بتبريرات الدفاع عن الديمقراطية، وهذا يدفع إلى التأكيد على الآتي:

أ. إن موضوع الجيش سيبقى الحلقة الأكثر حساسية بعد التغيير، وحساسيته هذه تزداد شدتها أو تقل تبعا لشكل النظام القادم ومدى إلتزامه بالتطبيقات الفعلية للديمقراطية.

ب. إن الديمقراطية وحدها كفيلة بإنقاذ الجيش العراقي من محنة أمراضه الحالية، وإستخداماته غير الشرعية، وهي التي يمكن أن تبقيه على الحياد، مدافعا عن الوطن العراقي، بعيدا عن توريطه أداة قمع داخلية. 


المصادر 

1. سعد العبيدي (2001) التخريب القيمي في الجيش العراقي لمرحلة حكم البعث في العراق، وقائع مؤتمر حقوق الإنسان، لندن.

2. ع . ر أحمـــد الزيـدي ( 1993 ) أزمة القيادة في الغراق ، دار الرافد لندن .

3. مؤسسة الدراسات الإسلامية ( 1411هـ ) العراق بين الماضي والحاضر والمستقبل.

4. علي الـــوردي  ( 1996 ) دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، المكتبة الحيدرية، طهران.

5. علي الـــــوردي ( 1979 ) لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، الجزء السادس ، بغداد .

6. برتــــــران ، بادي( 1992 ) الدولتـان ـ السلطة والمجتمع في الغرب وفي بلاد الإسلام، ترجمة لطيــف فرج، القاهرة، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع.

7. جـــلال ، شـوقي ( 1999) العقل الأمريكي يفكر (من الحرية الفردية إلى مسخ الكائنات)، القاهرة، مكتبة مدبولي.