طرابلس 10/3/1998
1. لكل فكرة دوافع انبعاثها ومعطيات نقلها أو إخراجها إلى حيز التطبيق، وكانت دوافع فكرة تأسيس التجمع العراقي الموحد (حركـة فكرية ســياسية وطنية عراقية) قد جاءت مــن بيـن الرغبة الجادة للتعامــل العلمـي الصحيح مع واقع العراق ومشاكل أبناءه التي أصبح تجاوزها عسيرا على الحكم الحالـي واستمرار وجــودها مأســاة يعيشــها الـجــميع، وكــارثة تهــدد وجـودهم أينمــا كانوا، منها على سبيل المثال:
أ. إزدياد الشعور بالحيف، والظلم، والاضطهــاد لعمــوم العراقييــن داخــل الوطن وخارجه، لمستوى بات يشكل ضغطا شديدا على حياتهم بكافة جوانبها.
ب. المستقبل غير الآمن للأجيال اللاحقة الـذي يهدد بضياعهم لعدم قدرة المجتمع، والعائلة ضمان أبسط مستلزمات تهيئتهم للتعامل معه.
ج. التشتت والفرقة والانسحاب والفردية، وغيرها مــن الصــفات الســـلبية التــي تشكلت في السلوك أخيرا، وباتت عوامل تؤثر سلبا علـى الوجــود، حد الإحساس بالذل والدونية التي لم نعتّدها من قبل.
د. اختراق النظام القيمي ومن ثم تدميره في العقدين الأخيرين الــذي جعل الحياة علــى وفـق المعايير والأسس التي يعممها الحزب وقيادته صعبة، وغـير ممكنة في كثير من الأحيان.
هـ. الوضــع الاقتصــادي والصحــي، والأمـــني الصعب، والمعقد الذي نشأ بسـبب استمرار الحصار وعــدم قــدرة الــدولة علــى تجــاوز آثاره السلبية في تفشي الأمراض، وازدياد نسب الوفيات وشيوع معالم التخلف وغيرها.
2. إن معطيات نقل الفكرة المذكورة إلــى حــيز التطبيق تعد ميسورة نتيجة إدراك العراقيين فشل حــزب البعث، وقيادته الحالية في إدارة الدولة والمجتمع بسبب كثرة الأخــطاء المــرتكبة والإصرار على ارتكابها، وكذلك نتيجة وفرة دعاتها وأعمــدة تطبيقهــا مــن المثقفيـن الوطنييـن والأكاديميين النزيهين وبأعداد معقولة ورغبـات ليســت قليلــة.
إلا أن الرغبة وحدها وتوفر العدد بشكل متفرق لا يكفيان لتلبيــــة تلك الغــاية دون وجودهما في تنظيم يوحـد الفعل ويقوي مــن شدة تأثيره باتجاه التغيير نحو الأحسن. خاصة وان المجتمع العــراقي بشــكل عام يضع في اعتباره قدرتهم أي المثقفين والأكاديميين على تقديم العون فـــي إعادة بناء كيانه على أسس علمية صحيحة تتسق ومعطيات العصر الذي نعيشـه حاليا لما يتمتعون به من إمكانات عـلـى إدراك الواقــع واستشـراف المستقبل ومرونة عالية للتعامل مع المتغيرات ذات الصلة بهما، هذا بالإضافة إلى أن التخلص من دائرة الخوف والرعب التي نعيشها ومن ثم توحيد قوانا المتاحة أو لم شملنا المتمزق باتجاه القيام بفعل التغيير، لا يمكن أن يتم دون جهود حثيثة لتغير القناعات وتعديل السلوك وترميم النظام القيمي، التي يكون فيها للمثقفين والأكاديميين والوطنيين المنظمين الدور الفاعل.
هذا من جانب ومن الجانب الآخر فان المجتمعات العصرية في ظل التوازنات الحالية واتجاهات التعامل مع العّولمة المطروحة لا يمكن إدارتها من قبل المغامرين، والثوريين الذين تربعوا على عروش السلطة في الدول النامية، وتلك التي تحررت حديثا لفترات طويلة، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى المثقفين والمتخصصين والأكاديميين لتحقيق مهام التعامل مع موضوعها.
كما إن التغيير لمجتمع أفضل هدف لو تحقق عمليا في العراق فهو بحاجة للدفاع عن استمرار تحقيقه فكريا لأن الرغبة بالتغيير وحدها لا تكفي ضمانا للنجاح في مجتمع عانى كثيرا من الفرقة والتسلط والتخريب التي يحتاج أمر محوها من الذاكرة المتعبة دعاة أكفاء قادرين على تقويم الاعوجاج ورأب الصدع والمساهمة بإنضاج المجتمع، وتهيئته فكريا واجتمـاعيـا للتعامل مع الديمقراطية كسلوك يومي في كافة مجالات الحياة، ومنهجـا حيويـا لتجاوز المشاكل العالقة، والرواسب التي تكدست وتكلست عبر عشرات السنيــن، وهذه مسئولية لا يقوى على تحملها غير الوطنيين الواعين العارفين بأمـر العــراق، الذيـن تابعـوا الأحداث وخبـروا جـوانب التأثير فيها، المثقفون المبصـرون بحاضرنا المعـاش، وبمستلـزمـات إقـامـة وطــن ديمقــراطي موحد مستقبلا.
3 .إن هدف بناء العراق الديمقراطي مستقبلا، ومـا يتصل بعمليــة المحافظة علــى ديمومته يتطلب تكاتف كل الجهود الوطنية المتاحة على الــساحة العراقيــة، تلك الجهود المشــتتة المبعثــرة غيـــر المــؤثرة حــاليا والتـي تحتم المرحلة تنظيمها، وترتيبها في إطار ملائم يعطيها قوة الدفع اللازمة لفعــل التأثير من جهة ويهيئها مسبقــا للتعامل مـــع الآثار الجـانبية محتملة الحدوث في مرحلة ما بعد التطبيق من جهة أخرى، وهذه من بين أهم الدوافع التي حدت بأساتذة ومتخصصين عراقيين للتأسيس هذا التجمع السياسي أملا في أن يكون لبنة في جدار السياسة المعارضة الساعية للتغيير وإعادة بناء العراق الديمقراطي الموحد.
د. سعد العبيدي
الأمين العام