عديد من العراقيين انتموا إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، بعد أن أطلعوا على بعض أهدافه في العدالة، والمساواة، والوحدة، وآخرين أجبروا على الانتماء بطرق الترهيب والترغيب، عندما لم يقبل طالب في الكلية إلا من كان بعثيا، ولا يستلم عراقي وظيفة إلا منتميا إلى الحزب القائد، ويفصل من وظيفته الحساسة أو ينقل منها من لم يدخل صفوف الحزب بعثيا، ومن يعاقب حزبيا يعاقب وظيفيا فيقطع رزقه الشحيح.

وهكذا وجد الكثير من العراقيين أنهم أصبحوا بعثيين، وأصبح الحزب بسبب هذه الكثرة غير مسيطر على أعضاءه وأنصاره ومؤيده، وتحول بالنتيجة إلى مؤسسة أمنية انتهازية تؤدي واجبات محددة في أثناء الحرب والأزمات أكثرها تكرارا تلك التي تتعلق بالسيطرة على الشارع العراقي وأعمال الحراسة والدوريات، ومراقبة الإنزال الجوي المحتمل في بعض الأماكن المهمة وغيرها أعمال، زادتها حكومة صدام درجة في الأيام الأخيرة عندما أمرت بإشراك الحزبيين في قتال المدن دفاعا، وكذلك في محاولات الهجوم لاستعادة من تسقط منها بسبب دخول الحلفاء أو حدوث التمرد والانتفاض من قبل العراقيين، وهذا واجب جديد لم يتعود عليه الحزبيين الذين تجاوز غالبيتهم سن الخدمة العسكرية.

الأمر الذي دفع المعنيين في الحكومة إلى الأمر بفتح الدورات الخاصة بهم، وتكثيف التدريب الخاص بين صفوفهم لاكتساب اللياقة البدنية والمعرفة المهنية، وفوق هذا وذاك تكليفهم بأعمال الحراسة والدورية ليلا، وبشكل يفوق التحمل قياسا لأعمارهم وبما ينسجم وقلق القيادة التي تتمادى في إصدار رسائل التحذير وبرقيات الحيطة حتى أُرهقَ الحزبيون، وهبطت معنوياتهم إلى الحد الذي يتمنى كثير منهم حصول الهجوم، وقبول النتيجة أي كانت ليتخلصوا من حال مؤلم يعيشونه تشتتا بين ساعات التدريب وأوقات الحراسة والتواجد في المقرات، حتى بدأ العديد منهم يتذمر مع نفسه والقريبين منه، ويردد إلى متى سيبقى ورفاقه على هذه الحال، وهل من أمل في أن يعودوا إلى حياتهم الطبيعية كما كانوا من قبل انتمائهم إلى حزب البعث الذي استنزف كل جهدهم ووقتهم وحياتهم التي يتهددها الخطر.

إن واقع الحزبيين القاسي هذا اليوم يضعهم في مواجهة خيارات صعبة، في أيام غير طبيعية.

إذ أن التكاسل أو التقاعس الآن يعني اتهاما بالتخاذل يفضي إلى الموت، والهروب اليوم مسألة صعبة في عراق تحكمه الأجهزة الأمنية بلا رحمة.

وبذا لم يبق من خيار إلا الانتظار حتى اليوم الأول للحرب أو بعده بقليل حيث ستفقد الأجهزة الأمنية سلطتها، وتفقد الحكومة قدرتها، عندها يصبح الابتعاد عن الفرقة والشعبة الحزبية أمرا مهما للنجاة بالحياة قبل فوات الأوان.  


لندن: 16/3/2003