في ظل التطورات التي تشهدها القضية العراقية ، تبرز عدة عوامل تتفاعل فيما بينها لتشكل قوة دفع بإتجاه التغيير المطلوب ، ولأن الدكتاتورية التي بناها صدام طيلة الثلاثين عاما الماضية فرضت أن تكون هناك قوالب فكرية وممارسات جاهزة ، وإن كانت خاطئة إلا أنها من وجهة نظر البعض وبخاصة في الجيش والقوات المسلحة تعتبر قوالب إن لم تكن مقبولة مائة بالمائة فهي شبه ملزمة بإعتبار الطاعة للقيادة العسكرية حسب وجهة نظر العلم العسكري بعد أن منح صدام نفسه أعلى رتبة عسكرية في الجيش وهذه بحد ذاتها خطوة لصالح تطور عملية الدكتاتورية في الحكم والتي إستفاد منها صدام طيلة الفترة الماضية وفي ظل كافة الظروف وقد هيأ لها إعلامًا تقبلته أو مارسته كافة الشرائح الإجتماعية وأسهمت في التفاعل الشعبي معه. ولأن القوات المسلحة تعد حالة متميزة وإستثنائية في العمل الوطني ودورها في حماية الممتلكات الوطنية والدفاع عنها وعن الحدود الأقليمية يعتبر من المقدسات الواجب الألتزام بها إلا أن الدكتاتورية حولت مفهوم الدفاع الوطني من مفهوم يرتبط بالتهديدات الخارجية الى مفهوم يرتبط بكل ما يهدد السلطة وتم توظيف الجيش من مبدأ حماية الوطن والممتلكات والمقدسات الى أداة لقمع كل تحرك يتعارض مع رغبات الحاكم ، حتى وإن كان ذلك من أجل الديمقراطية ورفاهية الفرد أو منع السلطة الدكتاتورية من الممارسات القمعية التي مارستها وتمارسها ضد أبناء البلد .
إن النظام الدكتاتوري وهو يؤسس لدولة اللاقانون وشريعة الغاب مارس عمليات غسل الدماغ على أعوانه وجعلهم أدوات تتحرك دون الأحساس بالقيم الأنسانية أو الكرامة ، ووظف كل القدرات العلمية والعسكرية في سبيل تحويل القدرات التي خلقها في عقول البعثيين والجيش الى أداة مارسها على أبناء الشعب وإتهم كل من لا يتقولب مع الواقع الدكتاتوري بأنه خارج على النظام بل أتهم الجميع وفق هذا المبدأ بالتآمر على الدولة وكان الحكم يصدر بضوء هذا التعريف الذي وضعته السلطة والنظام وتقع عليه عقوبة الأعدام حسب اللوائح والقوانين التي أصدرها صدام دون رأي أو مشورة خبراء القانون أو علم النفس أو القادة العسكريين أو أقرب المقربين منه وهذا بحد ذاته ممارسة للدكتاتورية بأبسط صورها.
لقد وظف النظام كل إمكاناته المادية والفنية للقضاء على الروح المعنوية لا سيما في وسط القوات المسلحة وإستطاع الحصول على دعم ومساندة عدد كبير من الضباط والمراتب والصنوف وسهل ذلك بالأعلام العسكري الذي إستخدمه صدام في التعامل مع القوات المسلحة وأستند من خلاله على مؤسستين هما:
أولاً : المؤسسة الحزبية والتى شكلت مؤثرا فاعلا في حياة الشعب العراقي ، كونها جاءت من وسط مثقف مؤمن بالقضية الوطنية والقومية ، ومن وسط كادح مؤمن بأن حالة التغيير والتبدل سوف تنعكس على وضعه المادي ، مما يسهم في إنتشال هذا الوسط من حالة الفقر الى حالة الرفاهية ، ولعبت هذه المؤسسة دورا في الأتصال الجماهيري ولا سيما في أوساط العمال والفلاحين والقوات المسلحة ومارس صدام عملية الإتصال الجماهير أو المواجهي في ندواته أنت تسأل والحزب يجيب أستدرج فيها عواطف الطبيقات الشعبية والمثقفة لصالح مستقبل الأنفراد بالسلطة ، من خلال الدعاية الحزبية المدعومة بوسائل الأعلام المختلفة والتي تحصل على كل ما يسهل مهمتها إضافة لقوة الفعل المؤسسي للدولة ، حيث تم ربط مصالح الشعب وهذه الطبقات بإرادة المؤسسة الحزبية ، الأمر الذي دفع بغالبية الناس للإرتباط بهذه المؤسسات وإن كان البعض لم يكن يؤمن بكل الطروحات إلا أن المصلحة المادية التى بدأ صدام بتعميقها في هذه الأوساط ، دفعتهم لهذا السلوك تلبية لإشباع الحاجات المادية والنفسية والأنسانية في آن واحد ، وكانت المؤسسة العسكرية من بين أهم المؤسسات التي تم تعميق هذا المفهوم وهذا السلوك فيها من خلال منح الجيش بعض الأمتيازات التي دفعت بغالبية الطبقات للأرتباط بصنوف الجيش من أجل الحصول على هذه الأمتيازات التي بدأ صدام نفسه بتسويقها والترويج لها ، ولأن صدام كان يخطط بوعي للوصول الى هذه الحالة فقد إستخدمها لتعميق الفوارق الطائفية والعرقية والقبلية وقسم الولاءات بحسب الدين ومن ثم بحسب الطائفة وبحسب المنطقة والعشيرة وهكذا ، موظفا الحالة المادية تحت شعارت براقة كانت المؤسسة الحزبية الأكثر حرصا وإلتزاما بتنفيذها بل لقد أقدمت المنظمات الحزبية الى التفنن في تعميق هذه المفاهيم وأصبح البعض ممن هم أبناء طائفة معينة يمعنون في التفنن لأيذاء أبناء جلدتهم مما منح صدام الثقة للتجاوز أكثر بإتجاه الحرص على هذا السلوك ومباركته وتكريم البعثيين والمزايدين من خلال أجهزة الأعلام وهذا كان إيذانا بالتفكك الوطني وخروجا أخرق بإتجاه تدمير البنى القيمية في الأوساط الشعبية وفي الجيش على وجه الخصوص.
ثانياً : المؤسسة العسكرية ، مما لا شك فيه أن غالبية دول العالم الثالث وخلال العقود اللاحقة للحرب العالمية الثانية ، أتجهت الى لعبة الأنقلابات العسكرية المدعومة من قبل الكتلتين المتصارعتين أمريكا والأتحاد السوفياتي السابق ، ، وقد أسمهت أجهزة المخابرات في الكتلتين في تعميق مفهوم الربط بين العقيدة العسكرية وبين الطموح للوصول الى السلطة ، الأمر الذي منح الشعوب نصيبا من الخضوع لأرادة الجيش وللتبدلات التى لم تترك فرصة للتقدم او العيش بأبسط السبل مما جعل دوامة الخوف والقلق تسيطر على العقول والقدرات التي بدأت بالتراخي والإنزواء بأنتظار الإنقلاب القادم أو بأنتظار المعجزة التى باتت تحت أيدي الجيش والقوات المسلحة ،، وقد ظهرت بعض الممارسات في بعض الدول منحت الجيش سلطة واسعة بأعتبار أن المقدرات بيده.
والعراق أحد الدول التي عاشت مثل هذه المرحلة إلا أن صدام أستفاد من المؤسسة العسكرية لصالح تأكيد الدكتاتورية تحت مسميات وشعارات مختلفة ووظف لذلك مؤسسته الإعلامية بآلية عالية من التقنية والقدرا ت الفنية ،، وهنا علينا ان نؤكد ان الأعلام لا بد أن يستخدم بشكل أكثر مما إستخدمه صدام ولكن بالأتجاه المعاكس أي بأتجاه المؤسسة الحزبية والاستفادة من أساليب الحرب النفسية ومخاطبة العقل العراقي بشكل يعيده الى درجة الوعي والقدرة على التفكير ثانية بأتجاه التخلص من كابوس الدكتاتورية وبنفس الوقت بأتجاه المؤسسة العسكرية باستخدام أسلوب التعامل مع القوات المسلحة باللغة الإعلامية المفهومة لديها وتأكيد دورها في مواجهة سوء التصرف بقضية الحكم ومقاومة الأنحراف الحاصل الذي تمثله العقلية الضيقة التى إستند عليها صدام مشوها بذلك الدور الأيجابي الذي يظطلع به الجيش في أية مرحلة من مراحل الكفاح الوطني.
إن الجيش في مفاهيم صدام وسلطة البعث الحاكم عبارة عن ملكية مشاعة لا يمكن الجدل حولها وأن الطروحات التى يحرص صدام على الترويج لها هي أن فكرة البعث هي من الأفكار الناضجة والنظيفة والتي لايمكن الجدل حولها في العراق ، عليه لا يجوز ان يشارك الحزب الحاكم أي حزب آخر أو حركة سياسية فهذه الكلمة تجد حساسية عالية ليس في تفكير صدام لوحده وإنما البعث أساسا كانت طروحاته النظرية حريصة على أن لا يشاركه أحد في الحكم ولا يجوز أن يتحاور البعث مع أية كتلة سياسية أو حركة فكرية إلا بهدف تذويبها وإنهاء دورها ومن ثم يجبرها إما على التخلي عن مبادئها أو الأندماج تحت يافطة البعث ، وهناك العديد من التجارب في هذا الميدان ليس في العراق لوحده بل لقد شهدت الساحة السياسية العربية العديد من الشواهد على ذلك . وفي الوقت ذاته كان الأعلام السياسي لحزب البعث ضيقا في مسألة الديمقراطية والتعددية وقد ألبس أسلوبه هذا العديد من الأثواب التي كلها تدل على المنهج الفردي وحدد البعث بالعراق أن التربية تكون من القطاعات المغلقة لحزب البعث والجيش لا يجوز العمل السياسي فيه وأستثنى حزب البعث من ذلك والقطاع الزراعي يجب أن يكون قطاعا بعثيا والشباب يجب أن يكون قطاعا فاعلا في الحياة بشرط أن يخضع للتوجيه السياسي البعثي ..
إذن هذه السياسة التي وظف صدام لها الجيش وظف لها كذلك الجانب المادي في إضعاف هذا القطاع بهدف التسلل الى عمق معتقداته وقيمه وقوانينه والسيطرة علها بإعلام موجه وبتخطيط أسهمت فيه بعض القيادات العسكرية المقربة من صدام موحية للقيادات الدنيا والمراتب أن المصير العسكري لا يمكن أن يستقيم إلا بالأرتباط بالبعث أولا والخضوع للأرادة الأسطورية الشخصية التي ظهرت بشكل إلهي و أسطوري وهي المنقذ للأمة والمخطط لمستقبلها وعمق صدام وأعوانه هذا المفهوم حتى بات من الصعب جدا إقناع الغالبية العظمى في أن ذهاب صدام سوف لن يشكل خطرا على مستقبل البلد بل لقد ذهب البعض الى أن أية محاولة لأزالة صدام سوف تنتهي إما بدمار من يفكر بذلك أو أنها سوف تجر العراق الى بحر من الدماء.
ونتيجة للحملات الإعلامية المركزة التي وظف لها صدام كافة الإمكانات المادية والبشرية أصبح المعتقد العسكري يخضع لقوة ضغط عالية فرضت على الجميع الإلتزام بها ولا سيما الجيش الذي أعتبره صدام ملك للبعث وأن البعث ملك لصدام والنتيجة أنه لا يجوز للجيش أن يكون سوى بعثيا ًوبهذا شوه حقيقة الدور المطلوب من الجيش وطنيا وإجتماعيا وأبعده عن الواجب الوطني ووضعه في معترك الواجب الحزبي الذي يؤكد أن حماية الحزب تعني بالأساس حماية الوطن والعكس صحيح. وعلى الجميع ان يلتزم به ويعمل على تنفيذه وإدامة الصلة مع هذا المنهج حتى وإن تطلب الأمر التجاوز على المقدسات الوطنية والدينية والأجتماعية وقد وظف لذلك ما أسماه بالأعلام العسكري الذي يعتبر الآلة التي من خلالها تتم عمليات التوجيه والأرشاد ، ووظف لهذا المفهوم أجهزة متخصصة ومنح الأعلام الحصة الأكبر وأضفى على المنهج الدكتاتوري سمة القبول بإعتبار أن ما يصدر هو من فكر القائد ولا يجوز الجدل حوله ، بل يجب مناقشته بعمق وبفلسفة لكي يجد الأرضية الخصبة للتطبيق عند الأغلبية وقد اسهم الى جانب هذا الكادر العسكري من خلال منح بعض المدنيين والمشرفين على الأعلام رتبا عسكرية لتسهل على السلطة تأكيد منهجها الدكتاتوري ،، لا سيما وأن مرحلة الحرب مع إيران قد فرضت على صدام أن يداعب مشاعر العراقيين لاسيما الشيعة بإعتبار أن الحرب مع إيران حرب وطنية خوفا من بروز الظاهرة الطائفية التى كان ولا زال يخشاها .
إن البعث ورث مؤسسات إعلامية لم تكن بذي شأن في القضية الطائفية أو القضية الدينية إلا ماكان له علاقة بالمناسبات الدينية ، وهذا أعطى للنظام فرصة في إعادة هيكلة هذه المؤسسة بما يتلاءم وأهداف ومخططات صدام التي هيأ لها كل الأ جواء ويمكن أن نتبين أهم ملامح هذه المؤسسات في بداية سيطرة البعث على السلطة في أنها :
إن علاقة المؤسسة الإعلامية بالشعب كانت لا تتجاوز الترفيه والأعلام والتغطية البسيطة للمناسبات الدينية والوطنية وإحترامها لخصوصية كافة الطبقات ومنها الجيش الذي كان له برنامج إذاعي فقط وبض المقالات على صفحات الصحف .
ب. كانت المؤسسة الإعلامية تمثل لسان الحكومة مع وجود بعض المنافذ للتعليق على السياسة الحكومية ولا سيما مايتعلق بالأقتصاد والحياة المعيشية للطبقات البسيطة .
ج. إن العاملين في المؤسسة الإعلامية هم من الوسط المثقف والوسط الشعبي ولم تكن هناك أية إشارة للطائفية أو العرقية وما شابه ذلك .
د. لم يتدخل الجيش بأية مسألة إعلامية ولم يكن راعيا لمنهج إعلامي معين بل كان الجيش يتعامل مع هذه المؤسسات بروح وطنية إلا أن الحكومات منحت الإستخبارات العسكرية بعض الدور في رسم السياسة الإعلامية المتعلقة بالقضية الكردية وقضية كركوك.
هـ. إن الأعلام العسكري كان جزء من الخصوصية العسكرية التي تتعلق بالأعلام عن الأسلحة والأعلام التأريخى وما يخص المؤسسة العسكرية ولا يجوز التصريح به خارج هذه المؤسسة .
وبضوء ذلك لم تكن للجيش أية مؤسسة إعلامية مستقلة كما هو الحال في ظل الدكناتورية حيث أصبحت كل المؤسسات الوطنية خاضعة تماما للسلطة المركزية وتشرف أجهزة الأمن والمخابرات والأستخبارات العسكرية عليها إضافة للمؤسسة الإعلامية العسكرية التي خلقها النظام بهدف :
تطوير المؤسسة الإعلامية بما يتلاءم وروح التوجه نحو الدكتاتورية والسلطة الفردية ومنح المؤسسة الإعلامية العسكرية جزءا كبيرا من المهمة .
إخضاع المؤسسة الإعلامية للرقابة الإستخباراتية والأمنية وتطعيم الكادر الأعلامي بعناصر من أجهزة الأمن الخاص ومنحهم صلاحيات تتناسب والمهمة الملقاة على عاتقهم في جعل المؤسسة كاملة تخضع لأرادة الحاكم ، وصلاحياتهم تتجاوز صلاحيات القائم بالأتصال والمفترض أن يكون من ذوي الخبرة والدراية بالعمل الأعلامي والتخصص العسكري ، وذلك من أجل أن تتلاءم واجباته وروح التوجه نحو الدكتاتورية والسلطة الفردية .
وضع كافة المؤسسات الإعلامية ولا سيما الأذاعة والتلفزيون والصحف للحراسة المشددة من قبل وحدات عسكرية تابعة للحرس الخاص وجهاز الأمن الخاص ، وذلك لمنحها هيبة السلطة والتي تنعكس في نفوس حتى المارة خوفا ورعبا لتتلاءم وقدرته في منع أي تحرك أو تصرف قد تقدم عليه القوى الشعبية أو الجيش نفسه .
جعل المضمون الأعلامي للبرامج ذات صلة مباشرة بروح التوجه السياسي الذي يضمن صدام من خلاله خضوع الأغلبية لتوجيهاته في محاولة يفرض من خلالها صحة الطروحات البعثية ويعلن من خلالها الحرب ضد كل ما هو وطني أو ديني أو إجتماعي أي كل ما يتعارض مع توجيهاته يعتبر خروجا على القانون ويستحق العقاب ويكون الجيش بإستمرار الأداة المنفذة لسياسة السلطة الفردية كما حدث في ضرب مدينة الدجيل عام 1983 وضرب المدن والقرى الكردية 1986-1988 وضرب الأنتفاضة الشعبية بعد هزيمة النظام في حرب الخليج الثانية في آذار عام 1991.
إن أي قطاع من القطاعات الشعبية ، أو أية طبقة إجتماعية تحتاج الى وسائل إتصال متخصصة لتوظفها في العلاقة مع الجمهور أو مع بقية القطاعات الأخرى وهي بحاجة لذلك للتعريف بنفسها وهذا يحتاج أن تفهم أية شريحة إجتماعية أو طبقة في المجتمع كيف تتعامل مع واقعها الخاص بها ومع الواقع الخاص ببقية الشرائح والطبقات والذي يفرض عليها أن تنشط في اللحظة المناسبة وتقدم نفسها للآخرين لكي يفهموا المهمة التي تحاول أن تقوم بها في الحياة اليومية ، ولا بد أن توفر أدواتها المناسبة واللازمة لتنفيذ مهماتها والتي تسهم أو تساعد علـــى تنفيذ المهمـــــــــة أو التعريف بها .
ولأن الجيش من بين أهم القطاعات والشرائح التي تتداخل مع بقية الشرائح الإجتماعية الأخرى فهي تخضع لخليط من الثقافات والأتجاهات والتي تحمل في الوقت نفسه تكوينها المهني الخاص بها وهذا ينعكس على معظم السلوك الذي يصدر من هذه الشريحة دون غيرها وكذلك جعلها عرضة للتأثر بالأفكار التي تدفع الى المغامرة وحب السيطرة كونها الوحيدة التي تمتلك السلاح الذي يتيح لها القانون العسكرى أن يتم حمله في أي مكان ورفعه بوجهة القوى المنافسة لها وهذا منحها فرصة التفكير السريع بالسيطرة على الأجهزة الأخرى كونها تعد الأقوى والقادر الوحيد على حسم الموقف بقوة السلاح .
والجيش يخضع لقانون الرتب والذي يمنحها القدرة على لعب الدور أي العمل بقانون الهرم الإجتماعي والذي يفرض الطاعة العمياء ومن هنا كانت المغامرة جزء من الحياة العسكرية في العديد من البلدان . لهذا فمن المفروض أن يكون الجيش على قدر كبير من الدراية بالمهمات الملقاة على عاتقه وأن يتعامل وفق القواعد والأسس التي بني من أجلها ، ولا يمكن له أن يكون مقبولا في عمله الوطني من دون الدراية بكيفية أيصال المعلومات المتعلقة بأهدافه الى الشعب ولا يستطيع أن يضطلع بالمهمات من دون توفر إمكانات الإتصال المباشر وغير المباشر مع عامة الشعب ، من هنا لابد للإعلام العسكري أن يظهر وأن تتوافر له الجهود الفنية وجهود القادة الميدانيين على وجه الخصوص لكي يرتقي الى مستوى المهمات التي جاء من أجلها .
إن الصورة المتعلقة بمهمات الجيش في بعض المراحل الحرجة من حياة الوطن والشعب قد تكون غير واضحة أو ضبابية بسبب المواقف التي قد تطرأ خلال العمليات العسكرية من بعض القادة أو المراتب ممن ليس لديهم الخبرة والقدرة على التعامل مع المواقف التي تكون حرجة الى حد ما أثناء العمليات العسكرية في الحرب مما تعطي صورة غير إيجابية عن السلوك العسكري مما يفرض أن يظهر الأعلام العسكري المتعلق بالتعريف بالمهمات القتالية فيما يتعلق بالسلوك الفردي وما يظهر من تصرفات غير إيجابية أو ما يتعلق بوجهات النظر المتباينة التي يحملها العامة عن الجيش جراء مثل هذه التصرفات .
والوحدات العسكرية التي تتواجد بشكل مستمر بعيدا عن الواقع الأجتماعي والحياة الداخلية للمجتمع لا سيما أنها أثناء الحرب قد لا تكون لديها الصورة واضحة عمّا يجري في الحياة اليومية وعدم إهتمام البعض وربما الغالبية بما يجري داخل الوحدات العسكرية البعيدة وعندما يصل الجندي الى أرض الواقع قد يصطدم بهذا الواقع فيصاب بخيبة أمل كونه يحمل تصورا أن الذي يقوم به في حماية الوطن والدفاع عن المصالح لا يتناسب والتصرفات لبعض الشرائح أو عند البعض من العامة ، وينعكس ذلك على سلوكه العام أو على درجة الإلتزام بالواجبات وهنا تلح الحاجة على وجود إعلام موجه لهذه الحالات خوفا من أن تتطور الحالة من خيبة أمل الى حالة من التصرف المعاكس والهستيريا وقد يصاحبها التمرد لدى البض قد يصل الى مستوى إستخدام السلاح لأية حالة تتعارض مع رغباته .. وعلينا في هذه الحالة العمل على التغذية الإعلامية المستمرة والتوعية بالفوارق والحالات التي قد تواجه الجيش وتحتاج الى المزيد من الأنضباط في السلوك والسيطرة على العواطف. ولأن الجيش هو جزء من المجتمع الإنساني فهو يمتلك الإحساس والمشاعر ولديه العديد من الحاجات والرغبات الفردية التي يرغب بإشباعها ولكي لا ندع هذا السلوك المتعلق بالرغبات والحاجات يطغى على كل شيء فإن التوعية ومنح الفرص للجيش في مناقشة هذه الأمور وتوجيهها لدى الأفراد أمر في غاية الأهمية ويؤكد الحاجة للأعلام الذي يسهم في تعميق التواصل بين الجيش كمجتمع له خصوصياته وبين المجتمع الوطني الأوسع الذي تتداخل فيه أمور قد لا تتفق مع الكبت الواقع على الشريحة الأوسع في الجيش وهم الجنود من ذوي المستويات البسيطة من الناحيتين الفكرية والثقافية والتي من السهل إثارة غرائزهم وعواطفهم أثناء الطوارئ وقد يظهر لديهم تصرف قد لا يتناسب مع المهمات الكبرى الملقاة على عاتق الجيش.
ولكي نضمن للجيش أن يكون نموذجا إجتماعيا علينا أن نتعامل معه من خلال المعلومات التي يجب أن نوفرها للقادة الميدانيين للتثقيف المستمر بالمهمات الإنسانية والقتالية والميدانية والعلاقة مع المجتمع أثناء الظروف الصعبة وأثناء التماس والإحتكاك بالمجتمع في ظروف الأزمات التي تظهر خلال الكوارث الطبيعية أو أثناء تعرض الوطن الى الإجتياح أو مواجهة الأزمات الإقليمية والدولية ، وهنا يقع على عاتق القادة والمفكرين العسكريين التصرف بحذر مع أية طواريء تواجه البلد ويكون للجيش دور فيها .
إن إبعاد المؤسسة العسكرية عن الضغوط النفسية الحاصلة بسبب الدوافع والحاجات ومداخلات الضغوط السياسية وخضوعه للسلطة غير الدستورية ، يتطلب بناء خاص للقوات المسلحة من خلال توفير العملية الإتصالية التي تضمن التواصل مع المجتمع لكي تزيد من الفهم لدى الجيش ومهماته إزاء المجتمع ، وعدم السماح للمغامرة غير المحسوبة من البروز في حياة الجيش والإعتماد على التوعية من خلال الأعلام العسكري الذي يعتبر هو الطريق الصحيح لمنع الإنزلاق في مهاوي مثل هذه المغامرة لا سيما على المراتب العسكرية الدنيا ويتوقف ذلك على قدرة القادة في خلق مثل هذا الإعلام وتوجيهه وإستخدام وسائله المختلفة بحذر شديد ومنع الأهواء والآراء السياسية من اللعب بالنفوس لدى هذه الشريحة أو تلك لئلا تتحول مثل هذه الأهواء الى مطب يحول البلد الى بحر من الدماء إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن الجــيش يمتلك الســلاح وهو قادر على إستخدامــه بمختلف الحالات وعلى كل المستويات . إن الحاجة للإعلام تأتي من الحاجة الى التوجيه المنطقي لهذا المجتمع وتحصينه لإبعاده من الإنجرار وراء المغريات لا سيما إذا كانت القيادة العسكرية ممن تطمح في السيطرة ولديها حب التسلط وإشباع الرغبات الفردية وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ، وتستند هذه الحاجة للإعلام الى مايلي :
1. إيجاد صلة مستمرة بين القيادات العليا والقاعدة الأجتماعية العريضة من المراتب وصغار الضباط لكي يستفيد الصغار من الخبرات المتراكمة لدى القادة ويمنع عليهم الخوض في المغامرة غير المحسوبة .
2. إن الأعلام العسكري يحمل المضامين المفهومة لدى الجميع من خلال الخبرات المشتركة بين مجتمع القيادات العليا والقيادات الدنيا وكلما كان للإعلام العسكري القدرة من الوصول الى كافة المستويات العسكرية كلما كانت العملية الإتصالية مؤثرة وتصبح القدرة على القيادة والتوجية أكثر ولها فاعليتها في برمجة العلاقة بين الرتب والأدوار وبين الأعلى والأدنى.
3. إن الحاجة للأعلام العسكري مهمة صعبة كونها تتعدد من حيث الأبعاد والأهداف وأهم ما يواجهها تخليص الجيش من الإنجراف في تيارات العمل السياسي ، وهذا يقع على قادة الضبط العسكري المؤمنين بأن الجيش له خصوصياته وله واجباته البعيدة الى حد ما عن ميدان العمل السياسي.
4. والحاجة للأعلام العسكري يفترض أن تكون هناك مؤسسات لها الحصانة وغير قابلة أيضا للتسييس لأن المهمة الملقاة على عاتق هكذا مؤسسات قد تفشل إذا ما تم الربط بين العملية الإتصالية الخاصة بالمجتمع العسكري وبين الفكر السياسي الذي يتعارض مع طبيعة وغايات الجيش. فالأعلام الذي يُوّظف في هذه المؤسسة ، هو الإعلام الذي يحترم القيم ويحافظ على التوازن الفكري لدى الأفراد ويقلل من الضغوط النفسية وحالات القلق والأضطراب .
إننا حين نتحدث عن الحاجة للأعلام في الوسط العسكري علينا ان نؤكد بأن هذا الأعلام يجب أن ينقسم من حيث المهمة الملقاة على عاتقه الى قسمين :
الأول : مايتعلق بالإعلام الموجه الى الجمهور من غير العسكريين وهو ما نقصد به التعريف بالجيش والمهمات التي يضطلع بها والدور الأيجابي في التعامل مع القطاعات الأخرى والتعاون معها في مواجهة الحاجة للدفاع عن الوطن ، والتي تجعل العملية الإتصالية ناجحة بفعل توسيع المشترك في العملية الإتصالية والتأكيد على أن الإعلام العسكري جزء من العملية الإجتماعية الأوسع وهي العملية التي تشكل حجر الأساس في التفاهم بين طبقات وقطاعات الشعب المختلفة .
الثاني : مايتعلق بالحاجة الى مخطبة العقل الإنساني في القوات المسلحة ، حيث يجب أن تتوفر لغة للمخاطبة تستمد مفرداتها من الحياة اليومية للجيش وهي اللغة التي تكون أكثر فهما من غيرها ، وأن يحرص الإعلام العسكري داخل المؤسسة العسكرية على ترسيخ القيم العسكرية الحقيقية مضافا لها القيم الإجتماعية التي يرضى عنها المجتمع الذي هو المعين المستمر للجيش وهو السند الأقوى له.
وبضوء ذلك فإن الإعلام إذا ما تمت عملية توظيفه بشكل إيجابي ، فإنه يصبح قادرا على خلق عقلية متفتحة تبعد هذا القطاع عن العمل السياسي والأطماع الفردية ويقلل من إحتمالات الإنحرافات الفردية أو الجماعية .
والعراق وهو يمر بمرحلة غاية في الدقة والتعقيد ، فإنه يحتاج الى الإعلام الموجه ضد الدكتاتورية والفردية ونعتقد جازمين هنا بأن التحرك الجماهيري مرهونا بالتحرك العسكري القادر أن يوقف الأنفراد بالسلطة وهنا تبدأ مهمة الإعلام العسكري بالتبلور والنضوج ، أي أننا الآن بحاجة الى إعادة تأهيل العقل العراقي للإنتفاض والتحرر من القيود الجامدة التي فرضتها إرادة الفرد الواحد تحت إدعاءات أن العراق لا يمكن أن يستقر بدون شخصية مثل شخصية صدام وهذا أول مايجب التأكيد عليه من الأعلام العسكري ، لان أجهزة الأعلام المدنية أصبحت الآن عاجزة تماما عن خلق أية حالة تأثير في الأوساط الشعبية وعلينا التأكيد أن الشعب عندما تصدر له إشارة من الجيش فإنه يحس بالإطمئنان وتصبح لديه القدرة على التحرك بخطى متسارعة أكثر من أي وقت آخر.
والعراق وهو يمر بمرحلة الحاجة للتغيير ، فإنه بحاجة الى من يخطط بإتجاه تحريك العقل العراقي الذي بات أسير المفاهيم والمقولات التي لم تستطع المعارضة العراقية أن تبدل هذه المفاهيم بسهولة والسبب يكمن في ان إعلام المعارضة أيضا بات هو الآخر يعاني من أزمة حقيقية تتمثل في الدوران بذات الحلقة التي كان صدام قد حرص عليها مثل الطائفية وتبادل الإتهامات والتقليل من شأن البعض والخوض في بعض التفاصيل التي تعيق العمل مثل بحث أمور تتعلق ببعض القائمين على العملية الإعلامية للمعارضة وحرص البعض على تعميق المفهوم العشائرى والطائفي مقتفين بذلك آثار صدام في هذا الميدان . كما أن الأعلام العسكري وهو الأكثر تأثيرا في العمل المعارض تم تغييبه تماما بسبب ضعف الإمكانات الفنية والإنجراف من قبل بعض الحركات الى محاولة تقليد أو محاكاة بعض الحركات الأخرى ، وتجاهل الدور الإيجابي للإعلام العسكري مما شكل ذلك خللا واضحا ضد المصلحة الحقيقية للقضية الوطنية .
وإذا رجعنا الى الجيش فهو من المفترض ان يكون جهة الرصد للخلل والإنحراف وإمكانية ان يلعب دورا في كبح جماح السلطة الدكتاتورية إلا أن العقلية الخاضعة لتأثير السيطرة والسير تحت مظلة الشعارات جعلت عملية المساهمة تتأخر أو أنها قد لاتسهم في المرحلة أو أنها تنتظر الفرصة السحرية التي تأتي من المساهمة الدولية في دفع عجلة التغيير وهنا سوف تكون العملية الإعلامية للجيش شبه قاصرة عن أداء دورها لا سيما إذا تركناها للصدف أو للظهور بعد بدأ العملية الكبرى التي من المحتمل أن تسهم أمريكا فيها وهذا هو المرجح الآن . وهذا يحتم ان نطرح الحاجة للأعلام الميداني والذي يرتكز على :
أ. خلق تواصل بين الجيش وبقية القطاعات بهدف التنسيق في المواقف وهذا وإن ظهر في مرحلة التغيير فأن هناك العديد من المطبات التي سوف تواجه هذا الإعلام كونه يظهر بشكل آني وقد يكون غير فاعلا او غير مدروسا لأن حالة العفوية وعدم التخطيط قد لا ينتج عنها ما هو مؤمل من العمل الإعلامي للجيش وهو المطلوب منه أن يحرك الجيش بأسره بإتجاه الفعل المشترك ضد النظام .
ب. إعادة الأعلام الى مستوى المرحلة المطلوبة وبهذا تتداخل العملية الإعلامية مع التنسيق في العملية العسكرية التي تحتاج الى الفعل العسكري والإعلامي في خط متوازِ ، ونحتاج لجهد غير إعتيادي على مستوى التنظيم القيادي ومستوى التفكير السريع وإتخاذ القرارات.
ج. إن توفر الإمكانات البشرية والفنية لدى الجيش غير محدودة ولكن في مرحلة التغيير تحتاج الى التنظيم والإستقلالية في إتخاذ القرارات والمواقف غير القلقة والرصينة وحسب خطورة الموقف.
د. إن إعادة الوعي وتأهيل العقل العسكرى والمدني في مرحلة ماقبل التغيير ومرحلة التغيير يقع على عاتق الأعلام العسكري إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أن تأثير وقوة الإعلام العسكري تفوق قدرة الشعارات والخطب الرنانة في مراحل القتال والمواجهة العسكرية مع النظام .
هـ. إن اللغة المطلوبة في محتوى ومضمون الإعلام العسكري وبخاصة في مرحلة التهيئة للإنقضاض على النظام ، هي اللغة الإعلامية القادرة على فرز ما يمكن الإستفادة منه لتوظيفه ضد النظام في مرحلة ما قبل المواجهة ومرحلة إنهيار أركان النظام .
إن التركيز على المواقف والممارسات الخاطئة التي إقترفها النظام ضد أبناء الشعب في الشمال والجنوب في القنوات الإعلامية ولا سيما العسكرية منها تهئ الفرصة للقيادت المقاتلة أن تستدرج عواطف الجيش وتثوير حالة الحقد لديهم ضد صدام وعلى الإعلام أن يكرر وبإستمرار الأساليب والمواقف الخاطئة للبعث الحاكم والقيادات الحزبية المتخاذلة والتي أسهمت في تأزيم الأوضاع الداخلية من خلال الممارسات والأساليب العدوانية ضد الشيعة وضد الأكراد وضد القوى الوطنية التي حملت لواء المعارضة ولم تنجرف مع التيار الذي يحمل هدايا ومكارم صدام المدفوعة الثمن من دماء وأرواح أبناء العراق وشخصياته الدينية والوطنية .
إن ذلك يجعل الإعلام ولاسيما الإعلام العسكري يتفوق على أساليب النظام الدعائية كون القيادة العسكرية التي تأخذ على عاتقها تفجير الموقف مع النظام هي الوحيدة التي تفهم مواطن الضعف والقوة التي تتوافر في صفوف المؤيدين للنظام والذين ربما يكون مغرر بهم أو أنهم لا تتوافر لديهم القدرة على فرز المواقف وإتخاذ القرار الفردي أو الجماعي فيما يتعلق بالمواجهة او عدم المواجهة ، وهذا ما حدث في بداية الإنتفاضة عام 1991 حيث كان من المفترض أن تتكاتف الجهود الوطنية منذ إنطلاقة الإنتفاضة لكن الذي حدث أن بعض المؤيدين لفكرة التغيير كانوا يراقبون الوضع وهم مترددين في المساهمة وبخاصة من السنة الذين كان دورهم إيجابي لولا أنهم تأخر البعض ممن يحمل الحقد على النظام بإنتظار ان يحسم الموقف في الجنوب لكي يستكمل أبنا غرب وشمال بغداد المهمة لصالح عملية إنهاء سلطة صدام ، ولكن عندما تبين للدول الكبرى أن الإتجاه العام للإنتفاضة هو إتجاه شيعي في الجنوب وعرقي في الشمال تغيرت المواقف لصالح النظام فتم ضرب الإنتفاضة وإجهاض قدرتها على الإستمرار .
ولأن النظام سوف يستخدم أعلى التقنيات الفنية واللغة الإعلامية والدعاية المضادة ضد المعارضة فعلى الجيش أن يستخدم هو الآخر كل ما يمكن إستخدامه من أساليب الحرب النفسية والإعلام المضاد في سبيل التأثير على الصفوف التي ربما تكون في بداية الأمر مهزوزة ولكن النظام وبفعل الموقف الدولي أو الإقليمي ربما يستعيد جزء من قواه المنهارة ويتحرك بأتجاه رص صفوفه والتي سوف يدعمها بالمغريات المادية وإشباع الرغبات لدى البعض وهو ذات الشيء الذي حدث إبان ضربة التحالف الدولي لبغداد حيث لجأ صدام خلال الأيام الأولى إما الى منح الرتب أو الترويج للمكاسب المادية أو توزيع هدايا النصر قبل أن يتم حسم الموقف العسكري وهذه كلها دروس لا زالت راسخة في أذهان النفعيين والراكضين وراء المغريات .
إن فهم هذه الحالة تحتاج الى المزيد من التركيز على الشذوذ الخلقى والإنحرافات العائلية وتدني المستويات الفكرية والظلم الواقع على الطبقات الشعبية والسياسات اللامتوازنة والتهجير والتعريب والتبعيث وكلها امور تدعم الأعلام وتمنح المعارضة الفرصة للتأثير على الصفوف المتراصفة مع النظام .
ولأجل إضعاف الموقف الذي ربما يستفيد منه صدام وأعوانه في مرحلة المواجهة الحاسمة إلإ أنه لا بد للإعلام بوجه عام والإعلام العسكري بوجه خاص من فضح الأساليب التي إبتدعها النظام في تصفية الحركة الوطنية وتذكير الشعب بأن المصير ذاته ربما سيكون لمن يقف مع النظام اليوم وغدا في المطحنة ، وعليه يجب كشف المخطط العدواني ضد الشعب العراقي وبشكل خاص ضد الفئات الدينية والفئات المثقفة وضد الأكراد وضد القادة العسكريين المعروفين بولائهم له في المراحل الأولى لسيطرته على السلطة .
ولكي نجدد في الذاكرة العراقية المواقف التي تضعف النظام وتفتت الجبهة الداخلية له لا بد من العمل على فضح أساليب النظام والظلم الذي أوقعه على الشعب وقواه الدينية والسياسية وهذا يترتب على عاتق الخبراء ومن القادة العسكريين حصرا لكشف المخطط الخفي في حرب الخليج الأولى ضد إيران وبيان الأهداف التي كان صدام يسعى وراءها في مثل هذه الحرب ، كون العسكريون ومن الرتب المتقدمة في الجيش العراقي لديها الكثير من الخفايا والمثالب التي تضعف صدام في هذه المرحلة بالذات وعلى الأعلام العسكري ان يستثمر مثل هذه الأمور ويوظفها ضد الجبهة الداخلية التي تكون مهزوزة في بداية المواجهة وكلما طالت المواجهة فإن النظام سوف يعيد ترتيب صفوفه وربما يكون أشرس من أي وقت مضى إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن صدام حصرا لديه الإستعداد لفعل كل شيء من أجل البقاء .
إن الإذاعة والصحافة العسكرية والمنشورات وأجهزة الحرب النفسية والتي تقع ضمن مسؤولية القيادات العسكرية في لحظة المواجهة ، لا بد وان تلعب دورا مهما في الطرق على سندان الجبهة الداخلية للنظام وتفكيك الروابط الأسرية للقيادات المتعاونة مع النظام لتقليل إمكانية أن يعمل بالإتجاه المعاكس ويضرب المعارضة من الداخل ، وهنا قد يطرأ التفاوت في الترتيبات الإعلامية ما بين الأجهزة المدنية والعسكرية ، ولكن المادة التي يمكن أن تكون العامل المشترك بين كافة الأجهزة ، والتي يجب ان تشرف عليها أجهزة الأعلام العسكري ، وهي تقويض أركان النظام بالتأكيد المستمر على أهمية إنهاء الدكتاتورية والعمل بالدستور الدائم ومنح الحريات الصحفية والدينية والممارسات الشعبية العامة قدرا أوسع وهو ما يطمح له الغالبية العظمى من أبناء الشعب .
وبالرغم من أن المرحلة تحمل الكثير من المفاجئات غير المحسوبة إلا أنها لا بد أن تكون مرحلة الحسم والتي يقع على عاتق الجيش العبء الأكبر منها ، وأن ترسخ في إعلامها أن الجيش لا يمكن أن يبقى سياجا للنظام والشعب يعيش الفقر والبؤس ، والوطن مهدد بأمنه وسلامته الوطنية في حين أن الهم الوحيد لصدام هو البقاء وتدمير ما تبقى من الُبنى التحتية والقيم الإجتماعية ، من هذا المنطلق لا بد للإعلام بشكل عام أن يركز على ذلك وأن الإعلام العسكري له الفاعلية الأكثر إذا ما تم القيام به على الوجه الصحيح وتوظيف القدرات القيادية للقادة العسكريين الذين يمتلكون الخبرات الفنية العالية ، لأنه لا يجوز أن يقوم الكادر المدني على الإعلام العسكري إلا فيما يخص بعض الجوانب الفنية والتقنية التي قد لا تتوفر في الوسط العسكري .
مما لا شك فيه أن الإعلام الدولي يمر اليوم بمرحلة إنضاج عملية التغيير المطلوبة في العراق وقد يطال التغيير دولا أخرى لاسيما وأن مسألة الإرهاب باتت تؤرق القيادات الأمريكية والأوربية ، وإذا ما تم حسم القضية الفلسطينية فإن النظام العراقي ونظم أخرى تنتظر التغيير ، إلا أن طول فترة الحصار على العراق وعدم وفاء القرار الدولي بإلتزاماته في قضية حقوق الإنسان في العراق بضوء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 688 وما يتعلق بفقرات أخرى في القرارات الصادرة بعد هزيمة النظام في حرب الخليج الثانية ، خلقت تشاؤما ويأسا في الأوساط العراقية وربما وصل اليأس الى قلب المعارضة العراقية ، والأمر هنا يتطلب أن نضع في حسابنا ان الإعلام الدولي ربما لا يقدم لنا وصفة جاهزة للتصرف بها والطرق على رأس الشعب العراقي لتثويره ، بل على العكس إن الشعب وقواه بإنتظار ان يكون الإعلام المعارض هو المحرك الوحيد في الساحة الداخلية والخارجية والدعم المعنوي مطلوب في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى .
إن ما يقع على عاتقنا هو أن نجد المحرك الإعلامي لتوظيفه بإتجاه العمل على خلخلة الوضع الداخلى والإستفادة قدر الإمكان من فرصة التصعيد الأمريكية ضد النظام العراقي والتحرك بأسرع مما هو مطلوب بإستخدام أساليب الحرب النفسية وكشف بعض الخفايا لا سيما المعروفة من قبل الجيش لزعزعة أركان النظام داخليا وخارجيا ، والآن وقد توفرت بعض الخطوات الدولية بمحاكمة بعض أركان النظام السابقين ممن عمل في الجيش تمنح لنا الفرصة للتأكيد أن المسؤولين في النظام ممن تلوثت أيديهم بالدماء البريئة يجب أن يحاسبوا حتى وإن كانوا الآن خارج ميدان السلطة فإن حسابهم مطلوب وواجب مما يزيد الشعور لدى البعض بالخوف والإضطراب ويضع النظام في زاوية حرجة للغاية لا سيما وأن النظام لا زال يراهن على البعض ممن هم في المعارضة وممن لا زالوا على استعداد للتعاون معه.
والخطوة الآن المطلوبة هو أن نبدأ الحملة الإعلامية التي يجب أن تكون حملة عسكرية إعلامية وان نضع الجيش والضباط والمسؤولين عن التنظيمات العسكرية في قلب هذه الحملة لتعرية النظام وكشف الحقائق التي تشكل المسامير الأولى في نعش النظام ، ولكن لا زال البعض يتحفظ عليها إنطلاقا من :
أ. أنها قد لا تشكل أهمية للمعارضة وأن طرحها يضر أكثر مما ينفع ولذلك يتحفظ عليها لإعتبارات شخصية لا زال يقدرها من وجهة نظره .
ب. إن البعض من الذين يمتلكون هذه المعلومات يعتبرها من وجهة نظره أنها معلومات وطنية وأن طرحها يعتبر بمثابة الخيانة ، ومن الناحية النفسية لا يستطيع تحمل مثل ذلك لإعتبارات عديدة لا يستطيع الحوار حولها .
ج. إن البعض لا زال ينظر الى أن أي مساس بالقضايا التي تخص أمن صدام ربما تنعكس على أهله أو عشيرته أو ممتلكاته ، أو الخوف على بعض العسكريين الذين لا زالوا في الجيش وأن هذه المعلومات لها طبيعة مزدوجة بالنسبة له .
د. إن العديد من حاملي المعلومات التي تخص النظام بشكل عام وصدام بشكل خاص لا زالوا داخليا ومن الناحية النفسية ربما يتطلعون الى أن صدام ونظامه ربما يستعيد وعيده ويتحاور مع المعارضة وقد تشكل المعلومات التي يمتلكونها حجر عثرة في طريقهم إذا ما تغيرت الحياة الداخلية في العراق .
وإذا ما أحسنا إستخدام هذه المعلومات وتم وضعها بأيدي القادة العسكريين في المعارضة ووظفت بالشكل الأمثل فإنها ستكون بداية للحملة الإعلامية للتغيير وتؤثر على الوضع الداخلي بشكل يضمن لأي تحرك عسكري إما على خطوط التماس في كردستان أو في الداخل تقدما بإتجاه سحب البساط من تحت أقدام صدام أولا ونظامه ثانيا .
ولأن التهيئة الإعلامية الدولية قد أخذت مداها الى حد ما باتجاه التغيير المرتقب في العراق إلا أن إعلام المعارضة لا زال يعاني من ضعف البناء من حيث الشكل والمضمون ولا زالت بعض السمات غير الإيجابية تظهر في المضامين الإعلامية الصادرة من المعارضة العراقية وعليه يمكن ملاحظة ذلك فيما يلي:
أ. لم يتم تركيز الإعلام على وحدة المعارضة الجغرافية أو العرقية أوالدينية بل أنه يعاني من خلل واضح في التجزئة التي تغذيها بعض التيارات والإتجاهات والقوى الدولية والإقليمية .
ب. إن إعلام المعارضة يعيش على بعض جزئيات التوجه الطائفي والعرقي التي رسخ أسسها صدام داخليا وهذا يشكل عامل له تأثيره الحالي والمستقبلي على مستقبل العراق ووحدة المعارضة.
ج. إن الإعلام العسكري لم يلج ارض الممارسة التطبيقية بالمستوى المطلوب وبشكل خاص في الخارج إلا ماندر وهنا تجدر الإشارة الى أن القدرات العسكرية المتواجدة في الخارج وفي منطقة كردستان لديها القدرة على التحرك لتأسيس إعلام عسكري فاعل .
د. لا زالت بعض التيارات السياسية المعارضة والحركات العراقية لم تعط الجيش أهميته في عملية التغيير الأمر الذي خلق حالة من عدم التواصل بين الجيش والحركات السياسية الأخرى.
ولكي نهيء للمعركة الحاسمة مع النظام لإسقاطه فلا بد من الإعتراف الآن أن العملية لا بد وأن تكون عسكرية من جميع جوانبها ، وهنا لا بد للعمل الإعلامي أن ينشط في الجوانب العسكرية لأن أي إعلام الآن يصدر من القوي المنظمة عسكرىا يشكل حالة من التحفز وبشكل خاص في الداخل كما أنه عامل مهم لخلخلة صفوف النظام ولأن النظام يفهم كيف يتعامل مع الجيش في جميع المراحل إستطاع أن يقي نفسه من الخطر المبيت في صفوف الجيش لذلك ليس من الغرابة أن الأمن العسكري الآن يشكل عماد حياة النظام وقدراته الذاتية داخل هذا القطاع المهم .
وعندما نتقدم بالإتجاه الصحيح للتحرك الإعلامي الموجه أولا للجيش في هذه المرحلة وللأجهزة الفاعلة في الداخل والتي تشد من عزيمة النظام ثانيا ، لا بد لنا من ضرورة أن نجعل الأعلام العسكري الذي نبدأ به أن يتضمن التأكيد على :
أولا : أن الجيش قوة وطنية مسلحة لصالح التغيير والوقوف بوجه الإنحراف والتطرف والدكتاتورية وأن الدور الفاعل في عملية التغيير ليس دورا سياسيا بل أنه دور عسكري لصالح قوى المعارضة الفاعلة ، والتي تعمل لمصلحة الشعب العراقي وأن دورالجيش سوف ينتهي حال إستقرار الأوضاع وتطبيق الدستور والقوانين التي تم وضعها والتي تؤكد على الديمقراطية والمساواة أمام القانون.
ثانيا : إن الجيش ليس فصيلا سياسيا ، بل هو كتلة وطنية وشعبية مهماتها حماية الوطن من أي إعتداء خارجي حقيقي ولا تتدخل في السلطة إلا في حالة وجود إنحراف وعدم تطبيق الدستور والقوانين الوطنية .
ثالثا : التأكيد على ان المرحلة ليست مرحلة مغانم أو مصالح بقدر ما هي مرحلة المهمة الوطنية التي لا ينتظر من ورائها مكافآت أو مصالح مادية ، وأن المصلحة الحقيقية لهذا الدور هو الدفاع عن مصالح الشعب في كل مكان وزمان .
رابعا : إن الجيش هو السياج المنيع بوجه أية حالة فوضى أو أضطراب أو العبث بالممتلكات الوطنية ، وأنه سوف يتدخل عندما يشعر قادته من خلال إتصالهم بالشعب أن الحالة العامة للأمن والإستقرار الوطني في خطر ، والجيش وهو يساهم في عملية التغيير سوف لن يكون غافلا إزاء الأطماع والمخاطر الخارجية التي ربما تهدد أمن وسلامة الوطن والشعب .
إن الحالة المطلوبة عند البدء بالحملة الإعلامية السابقة والمرافقة لعملية التغيير هي ترجمة الطروحات الخاصة بالفكر العسكري وهي القادرة على زيادة التلاحم الشعبي ، وبضوئها تتأكد المهمة أن الحملة آخذة مجراها الصحيح والفاعل ولكي نكون أكثر دقة فإن إمكانية أن يرافق عملية التغيير بروز أكثر من خطر وعلى الإعلام العسكري وإعلام الحركات السياسية والأحزاب المؤتلفة أن ينبه الى أن الجيوب المنحرفة والتي ربما قد تظهر مستغلة الفرصة للتأثير في الموقف إما لصالح صدام بإنتظار أن تدرس أوضاعها جيدا للإنقضاض على العملية بكاملها وتوظيفها لصالحها الخاص أو العمل لصالح صدام للإستفادة من الفرص المادية التي سوف يكون صدام بها كريما جدا كوننا ندرك أن صدام سوف يستخدم كافة الأساليب الدنيئة للتأثير على الموقف الداخلي . وعلينا ان ننظر الى النظام على أنه ليس في حالة إفلاس مادي أو إفلاس جماهيري كما يصوره لنا الإعلام الدولي وإعلام بعض الأطراف المحايدة ، بل أنه يمتلك الكثير وهذه مسألة تقع على عاتق الإعلام العسكري بالذات كون القيادات العسكرية أكثر قدرة على تمييز الحالة وتأشيرها من خلال ما تمتلكه من خبرات في التعامل مع صدام وأساليبه .
والمرحلة التي نحن بصددها وهي مرحلة غاية في الصعوبة لأن الجيش سوف يواجه حالة تختلف تماما عن أية حالة أخرى في العمل القتالي ضد الأعداء الخارجيين فهنا سوف تتداخل المواقف وتبرز العلاقات الإجتماعية والدينية والوطنية والعشائرية ويقع على عاتق القادة العسكريين عملية الفرز والسيطرة والضبط بإتجاهين ضبط الجبهة الداخلية على مستوى الوطن بأكمله والجبهة القتالية المتداخلة والمتمثلة بالجيش الواقع تحت أمرة صدام والمصالح الفردية ، ولكي نكون أكثر دقة فإن الجيش العراقي وقادته ليسوا بذي تجربة في قتال التمرد والإنشقاقات بالمعني الحقيقي حيث أن العراق وبإستثناء فترة القتال في شمال العراق خلال الستينات فإنه من الناحية الوطنية لم يواجه لا حربا أهلية ولا حرب عصابات المدن في الجانب الوطني ، وهذه المهمة صعبة وتحتاج الى قدر كاف من الحذر والتصرف بروية وضبط النفس والتعامل مع المستجدات بروح الصبر والوطنية العالية كما أن الحالة التي سوف تواجه الجيش هي التعامل مع متغير العشيرة والطائفة والمنطقة والعلاقات الأسرية وغيرها .
والأعلام العسكري في تلك اللحظات يحتاجه الجيش أكثر من أي وقت مضى ، وعليه أن يركز جهده في كيفية التعامل مع المواقف والمستجدات ويزيد من زخم الهجوم مع العمل على السيطرة وضبط النفس في جانب القوات المهاجمة ويضع في الإعتبار جملة أهداف يبدأ بالتركيز عليها للسيطرة الكاملة على الموقف ومعالجته بعلمية ، ويتمثل ذلك في :
أولا : إن الهدف من العمليات العسكرية يجب أن ينحصر في إسقاط النظام وسد المنافذ عليه وإبعاد إمكانية تعدد المحاور القتالية .
ثانيا : يجب أن يستند الأعلام العسكري على المحافظة على القيم الأخلاقية وإحترام المجتمع وعدم التجاوز على كل ما يمس هذه القيم أو يجرها ، فالمــــحرمات والمقدسات والقيم العشائرية والدينية كلها أدوات للإعلام العـــسكري يجب أن يركز عليها ويبعد أية إمكانية أن يتجاوز البعض على هذه القيم أو يثير حفيظة الشعب . ثالثا : التأكيد على أخطاء النظام ووسائل إعلامه باستخدام أسلوب المحاججة وكشف زيف الإدعاءات التي تبنتها وتتبناها أثناء الهجوم على مواقع النظام ومواقع أركانه .
رابعا : الضغط المباشر على القضايا الحساسة التي يخشاها النظام ومحاولة التركيز على كل ما يكشف للشعب حقيقة صدام وتصرفاته ومراقبة سلوكه في حالة الهياج الشعبي ضده وكيفية التصرف من قبل البعثيين والحرس الخاص والتذكير بالأساليب الدموية للنظام في قمع إنتفاضة آذار 1991 وعمليات الأنفال وحلبجة والأهوار لكي يكون ذلك مثار غضب الشارع العراقي حال إشتداد حدة القتال مع النظام .
خامسا : عدم التسامح مع أركان النظام في لحظة من اللحظات التي ربما سوف يدعوا لها البعض بل علينا أن نفرز من خلال وسائل الإعلام العسكرية والمدنية أن أركان النظام كل لا يتجزأ والتسامح سوف يكون مع المغلوب على أمرهم وأن العمليات العسكرية ضد النظام سوف تكشف مثل هذه الحالات .
وإذا كانت الصعوبات المتوقعة سوف تظهر خلال مرحلة التغيير والتي سوف تتداخل فيها المواقف الوطنية وغير الوطنية فإن أجهزة الإعلام العسكرية والمدنية سوف تواجه مهمة صعبة للغاية ، هذه المهمة تحتاج الى قدر كبير من التروي وضبط النفس والسيطرة على السلوك الفردي والجماعي ولا سيما في قطاع القوات المسلحة لما أشرنا إليه في أن السلوك العسكري قد يضطرب وتبرز التهورات الفردية وتشكل لا حقا مجموعات أو جيوب لها مخاطرها تحتاج الى المعالجة السريعة بتطويقها وعدم إشهارها أو المناداة بها ، وعلى الإعلام المدني كذلك التصرف بما يعزز الجبهة الداخلية ويبعد إمكانية الإنقسامات الإجتماعية بالإعتماد على المنهج الطائفي أو العشائري أو الإقليمي أو حتى المهني في العديد من الإحتمالات .
إذا إفترضنا أن مرحلة الصراع بين النظام بكل أدواته وبكل ما أوتي من قوة وشراسة ، قد انتهت لصالح القوى الوطنية المعارضة فإن المرحلة اللاحقة سوف تكون أكثر أهمية وخطورة لإعتبارات أن عملية المواجهة الحاسمة مع النظام قد أفرزت العديد من الإفرازات الإجتماعية والسياسية والنفسية التي سوف تكون من مهمة الجيش أولا للسيطرة على مثل هذه الظواهر والإفرازات إذا ما تجـــــاوزت حدودها القانونية والدستورية . وهنا تعتبر العملية الإعلامية برمتها وبشقيـــــها المدني والعسكري عملية ذات أبعاد مهمة في تقرير مستقبل العراق ومستقبل الحياة السياسية ، فالجندي والفلاح والمثقف سوف ينتظرون في هذه المرحلة المزيد من الوضوح في الأهداف والخطط التي لها القدرة على الخروج الى الواقع التطبيقي والتخلص من فيض الشعارات والكلام الخطابي .
إن المؤسسة العسكرية بإعلامها المكتوب والمسموع والمرئي سوف تسهم مع بقية المؤسسات الإعلامية والثقافية والإجتماعية والتربوية والإقتصادية في كشـــــــــف الخطط المستقبلية وتسلط الضوء على دور هذه المؤسسات في المرحلة المقبلة إلا أن مايتعلق بالإعلام العسكري سوف يكون ذات مهمات مزدوجة بسبب أن الحالة شبه العسكرية التي سوف يتطلب الوضع البقاء عليها فترة قد تطول بسبب حالة الطواريء وإحتمالات بروز تيارات أو كتل مغامرة وطامعة بالسلطة سواء من داخل التحالف الوطني أومن بقايا النظام المنهار لاسيما وان العديد من العسكريين العاملين في أجهزة صدام سوف تتعرض مصالحهم الى التدمير ويراودهم الشعور بأن المرحلة الدستورية سوف لن توفر لهم الفرص ذاتها في عهد صدام مما يجعل اللجوء الى المغامرة هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن يعوضوا بها خسائرهم المادية والمعنوية .
وعلى الإعلام العسكري في بداية هذه المرحلة ان يتصرف بإتجاهين :
الأول : مخاطبة القوات المسلحة بلغة هادئة ومقبولة وأن تصدر البيانات التي توضح الحدود المسموح بها للجيش أن يتصرف بها ، وعدم السماح للحالة الجديدة ان تفرز مثل أحداث الشواف عام 1959 وأحداث كردستان خلال الستينات وإنتفاضة آذار عام 1991 والتي تحولت فيها مهمات الجيش الى مهمات قمع وطني لحماية النظام الحاكم وليس تعديل الإنحراف حيث أن حالة غزو الكويت عام 1990 تفرض لوحدها أن يتحرك الجيش لمنع إستمرار صدام في تدمير المنطقة بالشكل الذي آلت اليه الآن وخلال الإثني عشرة سنة الماضية .
الثاني : أن تكون لغة الخطاب الإعلامي للمؤسسة الإعلامية العسكرية تنطلق من أنها مع الشعب وأن الجيش ليس أداة سياسية بيد حركة أو فئة وإنما دوره الوطني يبقى في تعديل الإنحراف ومنع التفرد بالسلطة وهنا لا بد من لغة تصدر من القادة العسكريين الى القطاعات المدنية والشعبية لكي تبتعد عن التشنج والمهاجمة وإستعراض القوة ، بل الحرص على أن تكون المرحلة مرحلة تآلف وطني وتكامل بين الجيش والشعب يعملان لصالح الإستقرار في الحياة العامة وأن يقدم الجيش كل ما يجعل المواطن يشعر بالإطمئنان لكي ينطلق بإتجاه الحياة الجديدة .
وفي حالة أنتهاء مرحلة التغيير فإن المرحلة الجديدة ربما تكون في أية لحظة مرحلة إنفلات والسبب يكمن ، وكلنا دراية به ، أن طبيعة الكبت والحرمان التي يعاني منها الفرد في ظل حكم صدام سوف تجعل الكل يفكر بل يريد العصا السحرية التي بلحظة تقدم كل شيء والحقيقة أن المرحلة ستكون من الصعوبة بمكان لأننا إذا أطلقنا العنان للغرائز والأطماع الشخصية وإشباع الرغبات فإن العراق سوف يغرق من جديد بدوامة الدكتاتورية ويغرق ببحر من الدماء .
والى جانب هذا فإن المصالح الإقليمية والدولية سوف تبرز في الوضع الجديد لأن البعض قد يتضرر من إنهيار حكومة صدام والبعض الآخر سوف يستفيد من الوضع الجديد وكل طرف سوف يتحرك بإتجاه مصالحه وعلى الجيش بقياداته المختلفة أن ينظر للأمر من وجهة نظر المصالح وأن يتصرف بروية إزاءها وهنا تقع مهمة جديدة على الجيش وإعلامه العسكري لأن الجيش سوف يستمر الى ما لا نهاية إما مشارك في الحدث أو مراقب له فإذا كان مشاركا فعلى القيادات العسكرية السيطرة على كل المنافذ التي ربما تشكل منافذ لرياح عاصفة او هوجاء ، وإذا إفترضنا أنه يراقب الأمور عن كثب فإن مهمته ستكون التدخل في اللحظة المباشرة لمنع التصرف غير الدستوري وغير الوطني سواء من خارج العراق او من داخله .
إن التوعية بالمهمات العسكرية القتالية وغير القتالية في مرحلة ما بعد التغيـــــير تتطلب أن يكون الإعلام العسكري منصبا على التوعية المباشرة والحوار الداخلي بين قياداته المختلفة لإبعاد الجيش عن الإنزلاق في مهاوي المصالح الضيقــة والأطماع بالإنفراد بالسلطة او الإستمرار بالأعمال العسكرية ضد أية ظاهــرة سياسية او إجتماعية لأن ذلك سوف يشق الصف الوطني ويبعد أهداف التغيير عن أرض الواقع وعليه فإن ما يترتب على القيادات العسكرية والإعلام العسكري النجاح بالمهمة من خلال :
أ. المصداقية والقدرة على الإقناع وعدم الخوض في التهريج الإعلامي لصالح أي طرف على حساب المصلحة الوطنية .
ب. أن يؤكد دائما على ان الجيش ليس فصيلا سياسيا وأن القوات المسلحة هي كيان وطني يحمي الوطن ولا يحمي السياسية إلا بقدر ما يتعلق منها بالجانب الوطني وتطبيق الدستور .
ج. تنمية المؤسسة الإعلامية العسكرية وتوظيف كافة الإمكانات لها وكل ما يبعدها عن الخضوع لجهة معينة .
د. التأكيد المستمر على أن الجيش العراقي هو عراقي ووطني دون وجود ظواهر دينية أو طائفية أو عرقية أو عشائرية فيه ، وأن الجيش يحترم هذه الظواهر ويمنع أي تدخل ضدها داخل المجتمع بل على الجيش والقوى السياسية المحافظة على كل مايجعل الوحدة الوطنية أكثر إمكانية في ظل دولة الدستور .
هـ. أن يتحول الإعلام العسكري من خندق القضاء على الدكتاتورية الى خندق الحياد السياسي داخل الحياة الإجتماعية ، ولكن ذلك لا يعني أن يتخلى الجيش عن دوره في معالجة الخلل والإنحرافات التي قد تظهر أو قد يصاب بها البعض في مرحلة ما بعد التغيير .
إن إغراءات السلطة التي سوف يصاب بها البعض ممن كانوا بعيدين عنها وفجأة يجدون أنفسهم فيها قد تسحب البعض الى معترك التفكير الدكتاتوري وعلينا جميعا وبالتعاون مع الجيش أن نمنع أية ظاهرة قبل أن تستفحل وتشتد ، لأن صدام بدأ بها وإنتهى الى الإنفراد بالسلطة لأنه لم يجد رادعا بل وجدنا جمـيعا نصفق له ونبارك أية خطوة يقدم عليها كما هو الحال في حربي الخليج الأولى والثانية لأنه لو كان هناك لواء من ألوية الجيش العراقي قد أعلن تمرده على صدام خلال فترة إحتلال الكويت لتغيرت موازين القوى جميعا لصالح الـــــعراق والمنطقة بأسرها ، ولكن العالم وجدالجيش العراقي وبعض قادته ، وللأسف الشديد ، غارقين في تمجيد خطوة صدام وغارقين في المغانم الشخصية التي كشفت عن حقيقة الجوع والشهوات والملذات الشخصية وكان صدام يدرك ذلك وأستغل الإعلام لها أسوأ إستغلال ، من هنا لا بد من الإشارة الى ضرورة ضبط المرحلة وبشكل خاص ضبط الجيش وضبط القوى السياسية قبل أن يحدث أي إنحراف في السلوك الشخصي أو الجماعي تحت ضغط مغريات الحياة ومغريات السلطة .
في سياق الحديث عن الإعلام العسكري لا بد من التأكيد على أهمية هذا الجانب الذي ربما لم تكن القوات المسلحة موفقة في تنميته بالمعنى الحقيقي ، أي أن يكون ذات تأثير في الحياة العسكرية والسبب كما رأينا أن الوضع السياسي ولا سيما في العراق تحت ظروف سيطرة الحزب الواحد وتنامي المنهج الدكتاتوري قد إنعكس من ناحية الشكل والمضمون على هذا الإعلام وإعاقته عن المساهمة في حياة الإنسان الجندي الذي هو بالأساس رهن الإشارة الوطنية وقد أكدت كل الأدبيات العسكرية على أن الجندي يضحي بمستوى لا يمكن أن نجده لدى الفئات الإجتماعية الأخرى ، وهو أقل من يجني من ثمار عمله الميداني حيث ربما يكون الموت حليفه في أية لحظة في حين ان الفلاح او العامل لا تصل لديه التضحية بهذا المستوى .
إن الإعلام العسكري يشكل ركيزة أساسية كما لا حظنا في الحياة العسكرية والمدنية فهو بحاجة الى تنمية ودعم فني وبشري لكي يؤدي دوره المرسوم له في الحياة العامة للبلد وكلما واجهنا الحياة العسكرية وأهميتها تبرز لدينا أهمية الإعلام كونه يغذي الروح العسكرية بالمعين المعنوي والفكري ، وفي مرحلة مهمة كالتي يمر بها بلدنا العراق فإن الإعلام العسكري يبرز كموجه ومؤثر بأتجاهين : داخل الحياة العسكرية وداخل الحياة العامة للمجتمع ، ولأننا نواجه الدكتاتورية والحاجة الى التغيير في جو تتصارع فيه التيارات السياسية وإتجاهات الحركات المعارضة ، فإن الإعلام العسكري سوف يسهم مع وضد عملية التغيير ، حيث لا يجب الإستهانة بقدرات النظام بل نؤكد هنا أن إمكانات النظام عشرات أضعاف إمكانات المعارضة ولكن بإستخدام الإعلام العلمي والعسكري فإن دقيقة أو ساعة من الإعلام الحقيقي المستند الى الأسس العلمية تعصف بإمكانات النظام بلحظة واحدة .
وللخلاصة النهائية نؤكد أن الإعلام العسكري بجملته هو قضية مهمة لا بد من الحرص على التعامل معها بحذر شديد في مرحلة التهيئة للتغيير ومرحلة التغيير ذاتها ومرحلة ما بعد التغيير كونه يتمثل في الآتي :
أولا : قدرته على حسم المواقف الصعبة والتي يواجهها القادة العسكريون في الميدان .
ثانيا : قدرته في المساهمة بخلق حالة الإنهيار في وسط صفوف الجبهة المقابلة لنا وهي جبهة رصينة من جانب وأضعف من خيط العنكبوت من جانب آخر .
ثالثا : يحمل مضمونا إيجابيا يستخدم في الإسناد النفسي والدعم المعنوي للجيش في حالة المواجهة مع الطرف المقابل .
رابعا : يديم زخم سيل المعلومات ويواصل القتال في الخنادق وعليه تقع مهمة تحديث المعلومات وأيصالها وتبادلها في الوقت التي تعجز فيه الأجهزة الفنية من القيام بذلك.
خامسا: القدرة على تهيئة الفرصة لتفسير الكثير من الإشكالات الفنية والقتالية من خلال توظيف الوسائل والقنوات المتعددة للإعلام .
إن الحاجة للإعلام ليست من قبيل الترف الفكري أو من المسائل التي يمكن أن تكون ثانوية في العمل الميداني ، ولهذا لا بد للجيش أن يجد له أجهزة متطورة من الناحية التقنية والبشرية لتحقيق أعلى قدر من التأثير في الحياة العامة للقوات المسلحة بشكل عام .