مشكلة صدام أنه لا يتعظ من الماضي، ولم يستفد من الأخطاء، يرتكب واحدة ويصر أنها صحيحة، ويحاول أن يجبر الآخرين على تصديقه، وبعد فترة من التأثير السلبي لها عليه وعلى المجتمع، يحاول أن يبرر فعلها، ويسارع ايضا لإقناع الآخرين بذلك التبرير، وهكذا كان عند دخوله الكويت مؤكدا صحتها وضرورة اتخاذها، وبعد فترة حاول أن يعطي ذلك السلوك تفسيرا بسرقة النفط أو تدمير الاقتصاد، ثم راوغ ليعترف بالكويت وهكذا تسبب في وجود الأزمة الحالية.

ومع ذلك فقد وفر القدر إليه فرص ليبست قليلة في أن يعيد حساباته ويصحح سلوكه الخطأ عندما توقف التحالف الدولي عن ملاحقته إلى بغداد بعد 1991، وأعطاه فرصه في أن يبدأ من جديد، لكنه عاود ارتكاب نفس الأخطاء فسخر كل أموال العراق إلى شخصه وعائلته وتسليحه ليكمل نقص الضعف في داخله بقوة السلاح، وبدأ مشوار الصراع من جديد، وأضاف عوامل تعقيد للأزمة العراقية التي لم يعد أحد في الداخل والخارج قادر على التعامل معها بشكل سلمي معقول لأن أحد أطرافها صدام حسين عنيدا، لا يمكنه التصرف بشكل عقلاني صحيح.

لقد أتخذ العالم القرار 1441، وكان أمام صدام مجال للبدء بطريقة مغايرة، لكنه وبدلا من أن يبدأ أدار ظهره إلى العالم وزاد من تسليحه، وبحوثه في مجال الأسلحة المحظورة دوليا، وبدأ يتعامل مع المفتشين والأمم المتحدة مثلما يتعامل مع العراقيين معتقدا أنه قادر على غش الناس جميعا، حتى أن أحد مسؤولية قال في جلسة خاصة أنهم قادرين على صنع أسلحة تدمير شامل بوجود المفتشين الدوليين.

وكانت هذه هي الطامة الكبرى في التعامل مع الحقائق المحيطة بالأزمة العراقية التي دفع بمتغيراتها صدام إلى الحرب خيارا وحيدا.

واليوم وبعد أن أصبح الحل مرهونا بالفعل العسكري أي الحرب، أعطى الرئيس الأمريكي الطرف الأقوى فيها مهلة إلى صدام، لمدة ثمان وأربعين ساعة لمغادرة العراق ومعه أولاده الذين لا يقلون عنه إجراما، وهذا إنذار يحل جميع أوجه المشكلة، فهو بالوقت الذي يحفظ حياته التي يحبها كثيرا، يحفظ حياة العراقيين من الآثار الجانبية للحرب، ومن بعض أوجه التدمير.

وهو حل يجنب المنطقة التي طالما أكد صدام حرصه عليها، وأدعى الكفاح من أجل وحدتها، سيجنبها أيضا تأثيرات الحرب وآثارها المؤلمة.

إن الفرصة باتت تحسب بالساعات وهي تتناقص من أمامه، وتقلل من عمره الذي سوف لن يمتد أكثر من بضعة أيام، لأن تقنية الحلفاء الآن قادرة على اكتشافه وإن تخفى تحت الأرض أو في قاعات تربية الدواجن كما فعلها في العام 1991.

إن الأمر محسوم الآن فهل يتعظ صدام من أخطاءه مرة واحدة قبل فوات الأوان.


لندن: 19/3/2003