قررت الحكومة قبل أكثر من شهرين، إصدار عفو عام عن نزلاء السجون  المحكومين، والمتهمين الموقوفين على ذمة التحقيق بينهم السياسيين، وإفرج على أثرها عن آلاف العراقيين من السجون وأماكن الحجز المتعددة، وإستبشر الناس، يأملون أن يكون عهدا لعراق تقل فيه المداهمات وسط الظلام، وتنتهي أوامر الحبس والإعتقال بلا أدلة إتهام، وتغلق غالبية السجون إلا تلك المخصصة للقتلة واللصوص والمر تشين والمزوريين.

لقد عاد الكثير من المسجونين والمحتجزين إلى ذويهم، وتخلصت الدولة من أعباء آلاف العاطلين وهم في أعمار العطاء والإنتاج، رجعوا إلى ذويهم بعد إنتظار طويل، وإلتحق كثير منهم إلى عمله السابق محاولا بدأ حياة جديدة بعيدا عن أسوار السجن المرعبة.

إن عملية العفو وإطلاق السراح وبالقدر التي أسعدت عوائل عديدة كانت تنتظر أولياء أمورها، وزوجات تنتظر بشوق أزواجها، وأبناء يتلهفون لآبائهم، لكنها وفي الجانب الآخر فجعت أمهات، وزوجات، وأبناء، وآباء، واشقاء آخرين لم يعود ذويهم، فتوجه البعض بسبب هول الفاجعة إلى أبو غريب السجن المركزي في بغداد، وذهب البعض الآخر إلى الأمن العامة والمخابرات، وكذلك إلى السجون الفرعية لأجهزة الأمن في المحافظات، وقفوا بمواجهتها أيام عديدة، يسألون عن معنى العفو الذي لم يعيد إليهم من يريدون، وما زال الأمل يحدوهم في أن يجدوه وقد خرج من تلك الأبواب الموصدة، رافعين أيديهم إلى الباري عز وجل لأن يفرج كربتهم وهم في أسوء حال.

راجع قسم منهم مدراء تلك السجون، وهم واثقون أن إبنهم كان فيها نزيلا بعد أن أخبرهم زملاء له عاشوا معه في نفس العنبر قبل سنة أو أكثر بقليل، لكن الإجابات في أكثر الأحيان لا تتعدى الإصرار على عدم الوجود . دون أن يفهم السجان أن من يفقد عزيزا لا يسمع تلك العبارة، ولا يمكن أن ييأس إلا بعد إطلاعه على دليل ملموس.

وبدلا عن التملص واللف والدوران ينبغي أن تبادر الدوائر المختصة في إخبار العوائل المعنية بموت إبنهم فيما إذا مات أثناء التحقيق، وبمكان دفنه المعلوم إن دفن فعلا لأن المسلمين على وجه العموم لا يهدأ لهم بال إلا بعد التأكد من إتمام عملية الدفن أصوليا، كذلك إشعار ذوي المسجونين الذين تم إستثنائهم من العفو وهم مشمولين بفقراته عسى أن يبقوا قليلا من الأمل في داخلهم للمستقبل المجهول.

أو أن تبادر تلك الأجهزة وهو الخيار الأمثل في هذه الظروف الحرجة من تاريخ العراق بإطلاق سراح ما تبقى من المسجونين وتفتح صفحة جديدة قبل فوات الأوان.


لندن: 11/2/2003