نظرة في بعض مخاوف القتال، وإجراءات السيطرة عليها

عـــــــام

1. يعرف الخوف بأنه استجابة انفعالية تستثيرها بعض المواقف الخطرة أو المنذرة بالخطر، والتي يشعر أمامها الفرد بصعوبات لمواجهتها حيث تؤدي هــذه الاستجــابات ( أي الخوف ) في حالة عدم التفكير العقلاني للتعامل معها  إلى الهرب من الموقف أو الابتعاد عن مصدره ، وعلى العكس منه فإن التفكير الهادئ، والإحساس بالقدرة على التغلب على مصدر الخطر المؤدي إلى الخوف سيؤدي إلى أن يكون سلوك المقاتل مختلفا حتما، حيث الثبات في المكان، والقتال بعنف في أحيان كثيرة.(1)

2. ومن خلال مناقشة هذا التعريف يتضح إن الخوف رد فعل طبيعي لدى الإنسان وخاصة عند التعامل مع الحالات التي تتطلب ذلك، كالخوف من حيوان مفترس، وما يهمنا هنا ليس أفكار الخوف، وتفصيلاتها بل السيطرة والشعور بالقدرة في التغلب عليها، بما يخلق مستوى من الاتزان، والثبات، وحالة من الغضب والدافعية في القتال لإزاحة أسباب الخوف، لا الهرب والتخفي، والاستسلام لمشاعر القلق والتفكير السريع المرتبك بأسبابه ونتائجه، والتي تزيد من المجهول وتعمق الخوف وتسهم في تعرض الفرد للمخاطر بنسب أكثر نتيجة سلوكه غير المستقر.

فعندما يترك الجندي موضعه أثناء تعرض العدو ، نتيجة مشاعر الخوف مثلا ، سيؤدي ذلك إلى المسير باتجاهات غير معروفة أحيانا ، كالمشي خارج خنادق المواصلات أو ترك مجموعته المتخندقة، أو التوقف دون معرفه لما يمكن أن يقوم به لاحقا. كل ذلك يؤدي إلى تعرضه إلى انفجارات القنابل، وإلى الوقوع في كمائن، وكذلك إلى القنص  مما يزيد من احتمالات إصابته وبمستوى أكثر بكثير مما لو بقى داخل ملجئه، أو مكانه الحصين وقاوم العدو بثبات وترو.


العوامل المساعدة على وجود الخوف

3. من المعروف إن الفرد يتعلم الخوف، ولا يرثه عن آبائه أو أجداده، وبما أن هذا السلوك مُتعلم نتيجة تعرضه لمواقف الحياة المتعددة ، فيكون من الطبيعي أن يتمكن الفرد أيضا من.

أ. إدراك أو تعلم أساليب التغلب عليه والتدريب على مواجهته.

ب. الثبات، وعدم الهرب منه.

ج. مقاتلة مصادره، وليس تجنبها.

4. يعد الخوف من الموت أو التشويه أو العوق من أكثر المخاوف في القوات المسلحة أثناء الحروب، والمواجهة ورغم أنها وعند التفكير بشكل سليم لا تختلف كثيرا عن ما يمكن أن يتعرض له الإنسان في حياته اليومية من مشاكل قد تؤدي إلى نفس النتائج إلا أن ظروف العمل وخاصة أثناء التوتر أو الصدام المسلح، والمعارك قد تؤدي إلى وجود عوامل متعددة تساعد على بعث الخوف أو تعميقه في الكثير من الحالات ومنها. (2)

أ. التعب والجوع.

ب. ضعف التدريب .

ج. قلة الضبط.

د. قلة المعلومات وجهل المقاتل بالموقف القتالي .

هـ. ضعف مستوى السيطرة على المقاتلين ( القيادة والسيطرة ).

و. القلق الحاد والمزمن.

ز. عدم التطبع، والتكيف لظروف الحياة العسكرية بشكل كاف.

5. لأهمية هذا الموضوع وأثره على مستوى أداء المقاتلين، ومستقبل الوحدة نفسها وسمعتها العسكرية سعى الكثير من الباحثين النفسيين، والعسكريين لدراسة الخوف بشكل دقيق وإمكانية إيجاد إجراءات تساعد في السيطرة عليه مستندين على مبدأ مهم وهو إن أساس النجاة بالنسبة للمقاتلين أثناء المعارك هو القتال بدقة وتركيز بعد أن أثبتت الإحصاءات والدراسات التي أعدت في معارك معروفة بضراوتها، إن أكثر المقاتلين نجاةَ في تلك المعارك والمواجهات، هم الأكثر صمودا، والأشد باسا، والأكثر انتباها، والأغزر نيرانا ضد العدو.

إذ إن العدو أيا كانت قوته وتسليحه خاصة أثناء الهجوم على المواضع، وقتال المدن، وحرب العصابات يحاول دائما تفادي الكثافة النارية المركزة، والمصوبة بدقة، ويجنح للاماكن الضيقة والفواصل بين الوحدات أو تلك التي تصدر منها نيران عشوائية، وغير مصوبة بدقة إضافة إلى ذلك فان التخوف من الموقف وكما ذكر سابقا يؤدي إلى عدم السيطرة ثم الهرب أو محاولة التخفي وترك الملاجئ التي هيئت بشكل جيد لإغراض الحماية، والدفاع مما يعرض المقاتل كثيرا لاحتمالات الإصابة بسبب الوهن أمام العدو .

فالتجوال أثناء رمي العدو يؤدي إلى تعرضه للتشظي والقنص والرمي المباشر ، وبذلك يقدم فرصة جيدة لقوات العدو للتسديد والتصويب عليه بشكل مباشر لسبب ظهوره كهدف واضح أمامهم.


التعامل مع حالة الخوف 

6. تؤكد التجارب، والخبرات إن التعامل مع الخوف ومحاولة تبديده تقع معظم مسؤوليتها على الآمرين تبعا من الآمر المباشر للجندي ( آمر الحضيرة ) صعودا لآمر الفيصل، والسرية، والفوج أو الكتيبة ثم القيادات العليا ويمكن أن تساهم بعض الإجراءات في السيطرة على سلوك الخوف أو تعلم بعض الأساليب للتعامل مع هذه الحالة والسعي لتجاوزه ومنها :

أ. إشراك العسكري في نشاطات مختلفة مهما كان نوعها لان الفراغ، وعدم وجود نشاط يعني إمعان التفكير في مصادر الخطر وبالتالي زيادة الخوف، ولا يعني هذا إرهاق المقاتل عضليا.

ب. محاوله تزويد المقاتل بمعلومات صحيحة عن العدو، وكلما كان ذلك ممكنا للتقليل من هامش المجهول لديه .

ج. القدوة في السلوك بالنسبة للآمرين وبكافه المستويات أي أن يستعرض الآمر على اقل تقدير سلوك الشجاعة وان لا يظهر مشاعر الخوف التي قد يحس بها أحيانا على اقل تقدير.

د. عزل الأفراد الذين يظهرون مخاوف واضحة ومحاوله إبعادهم بأسرع ما يمكن أي إبعادهم عن الآخرين. ثم معالجه حالتهم لاحقا وعدم تركهم لان ذلك قد يسبب لهم تعودا على هذا السلوك حيث يجدون فيه نوعا من الخلاص من الموقف.

هـ. التركيز دائما على قيم الشجاعة والبطولة وحسن استخدام السلاح والأرض لتفادي إصابات العدو وتهيئه الظروف لتكبيد العدو خسائر أكثر.

و.خلق حالة من التلاحم بين أفراد الوحدة العسكرية وتعريف بعضهم للبعض الآخر وتعميق تلك المعرفة وتكوين الصداقات لان كل التجارب تشير إلى أن الخوف يقل لدى المجموعات التي يعرف أفرادها بعضهم بعضا ويثق احدهم بالآخر.

ز. السعي لخلق حاله من الاعتزاز بالوحدة أو التشكيل أو الفرقة للدفاع عن الأرض والعرض والشرف وما يؤديه العسكري من خدمه فيها تمتاز بالبطولة.

ح. أن يقوم الآمرون المباشرين وخاصة آمر الحضيرة والفصيل بحث المراتب لأن يدربوا أنفسهم على السيطرة على مشاعر الخوف، وتجاهل المخاطر الخارجية وإنكارها على الذات وان يقتنع المقاتل بان مهنته العسكرية، والقتال أساس تلك المهنة .

ي. القيام ببعض الأعمال، والنشاطات المطمئنة للمقاتل في موضعه كتهيئه الأسلحة، وفحص المخازن، وتفتيش الأرض القريبة من احتمالات وجود ألغام ومتفجرات، والأسلاك الشائكة، وأعمال الرصد، والاستطلاع، والتحصين، وتعويده على اليقظة والحذر المستمرين في الخطوط الأمامية من خلال ممارسات وأعمال تجري يوميا وبشكل دائم ،بحيث لا يجد صعوبة عند زيادة الحذر في الأوقات الضرورية وبما يساعد على انهماك المقاتلين في مواجهه التهديد المرتقب، والاطمئنان بأنهم بذلــوا جهودا متميزة فـــي إعداد تلك مواضعهم القتالية مما يزيد من دافعتهم في القتال .

ك. تهيئه السوائل في مواضع القتال (كالماء، والحساء، وغيرها) وحث المقاتلين على تناولها ، لان ذلك يخفف من نسبة الإفرازات في بعض الغدد في الدم، والتي لها ارتباط في استثارة الخوف إذ أن بعضها ذات أسس بايوكيمياوية. (3)


الخاتمة 

7. مهما تكن الإجراءات والظروف التي تؤدي إلى الخوف بالنسبة لبعض المقاتلين، وكذلك الوسائل الخارجية في السيطرة عليها، فإن العامل الداخلي أو الذاتي يبقى هو الأكثر أهميه في التعامل معها،(4) فالفرد نفسه وإصراره على تجاوز هذه الحالة والتدريب عليها لعدة مرات مسألة مهمة ، إذ يجد نفسه لاحقا في مواقف ولديه من القدرة، والاتزان للتصرف الشجاع وبشكل يؤدي إلى الفخر والاعتزاز بالنفس إذ إن الشجاعة مفخرة واستقرار للضمير، والدفاع عن الوطن واجب، وأساس البقاء على قيد الحياة هو القدرة على قتل العدو بالوقت المناسب، والمكان المناسب .

أما الخوف فيؤدي العكس من ذلك ، أي إعطاء الفرص للعدو أن يقتل قبل أن يقتل. 


المصادر 

1. العبيدي، سعد دراسة للمخاوف المرضية ـ الرهاب ـ والعلاج المعرفي لها، رسالة دكتوراه، جامعة بغداد، العراق.

2. . مخاوف القتال وإجراءات السيطرة عليها، البصائر، العدد 5 1987، إصدار مديرية البحوث والخدمات النفسية، وزارة الدفاع، بغداد.

3. Lindsley, D.B. Psychophysiology and motivation. In M.R. Jones (ed.),Nebraska symposium on motivation. Lincoln, Neb, : Univ. Nebraska press, 1957, pp. 44-105.

4. العبيدي، سعد (1987) رفع الحاله المعنويه، بغداد، الندوه العلميه العسكريه الثالثه(ص11). 


2006