نظرة إلى واقع الأمن العراقي لعامي 2005 ـ 2006 وعوامل التأثير الداخلية والخارجية

تقديم

1. تعاني بعض مناطق العراق خاصة في الوسط "بغداد" وشمال الوسط وغربه، وقليل من مناطق الجنوب " بابل، الديوانية، كربلاء، البصرة" وضعا أمنيا غير مستقرا تختلف مستويات إضطرابه، من منطقة إلى أخرى، بسعة يمكن تقسيم مستوياتها، خلال الفترة الزمنية المذكورة إلى الآتي:

أ. فقدان السيطرة الكلي لأجهزة الدولة على غالبية المناطق في الأنبار، وبعض مناطق ديالى، وأحياء في بغداد مثل الأعظمية، والعامرية، والغزالية، وأبو غريب، وأخرى في بابل مثل اللطيفية، وجرف الصخر.

ب. الفقدان الجزئي لسيطرة أجهزة الدولة الضابطة على بعض المناطق في ديالى وأخرى في بغداد، وإلى حد ما بعض أحياء مدينة الصدر، وخلف السدة، ومناطق في الموصل مثل تلعفر، وبعض المناطق في بابل خاصة ريف المسيب.

ج. تبادل السيطرة على بعض المناطق في بغداد مثل حي الجامعة، وأجزاء من الشعلة، وحي العامل، وقريبا من شارع 14 رمضان، وكذلك الحال في أماكن ضمن محافظة ديالى، والموصل، وصلاح الدين، وبابل بين القوى المسلحة بالضد أحيانا، وأجهزة الدولة العسكرية والأمنية أحيانا أخرى.  

د. محاولة الإستئثار بالسلطة، ومد وإحتكار النفوذ، خارج الضوابط والسياقات الدارجة للسلطات المحلية كما يحصل في الديوانية، وكربلاء، والبصرة. 

هـ. أمتدادات سلطوية غير حكومية للسيطرة على بعض المناطق المتنازع عليها في كركوك، وديالى، والموصل.

و. إتساع رقعة الفساد الإداري والمالي صيغة باتت تستخدم من القوى المضادة للدولة بشكل منظم للإعاقة والتخريب، وإثارة الفوضى والإضطراب، وكذلك من بعض السياسيين والمسؤولين الحكوميين بقصد الكسب والتحصيل التي تفضي إلى ذات النتائج التخريبية.

ز. إنتشار أعمال العصابات، وتغلغلها في المناطق المصنفة في " أ، ب، ج، د" أعلاه، وإتجاهها لتنظيم شؤونها بشكل رصين ومحكم يهدد الأمن الإجتماعي للبلاد.

ح. تفشي ظاهرة التهريب المافيوي السياسي للنفط من قبل أحزاب مشاركة في العملية السياسية، وجماعات مسلحة، وعشائر فاعلة بات لها تأثير في الساحة البصرية على وجه الخصوص.

ط. إنحسار وجود المقرات والدوائر الحكومية المهمة، من الشارع البغدادي وأنتقال العديد منها، ومسؤوليها إلى المنطقة الخضراء.

ي. بروز ظاهرة الخطف الجماعي لمنتسبي دوائر حكومية بسيارات الأجهزة الأمنية، وبالقيافة الرسمية لمنتسبي هذه الأجهزة أثناء الدوام الرسمي.

ك. تحول بعض الدوائر الحكومية ومسؤوليها طرفا في الصراع الطائفي، وأتخاذ مقراتها أماكن حجز وتحقيق، وتنفيذ أحكام إعدام خارج سلطة القضاء الحكومي.       

2. إن مظاهر الخلل أو الإضطراب الأمني بدأت مؤشراتها العملية مع حصول الفراغ النفسي السلطوي بعد التغيير، يوم أصدرت سلطة الإحتلال "بريمر" أوامرها بحل الجيش وقوى الأمن الداخلي، وتعطيل العمل بالقوانين، بطريقة كونت أستجابات سلبية لدى العديد من الضباط والمراتب المتطوعين "سكنة مثلث الجزيرة" والحزبيين، وكذلك القريبين من النظام السابق ولاءً، وإنتماءً، لم تظهر قوتها بصورة الفعل المسلح إلا بعد أشهر عدة أشهر من التغيير، وذلك بسبب:

أ. الصدمة النفسية الشديدة التي واجهها المذكورين في (2) أعلاه بعد إدراكهم موقف الغياب السريع للحاكم صدام، وصيغة التغير السريع لنظام الحكم، أثارت قلقا شديدا دفع غالبيتهم إلى الإنزواء بين العشيرة والمنطقة والمعارف، تفاديا لإحتمالات الإيذاء والثأر والإنتقام، وبمعنى أدق كّونَ هذا القلق المثار:

أولا. تجنبا نفسيا مؤقتا لمصادر التهديد المحتملة التي يمكن أن تأتي من الأحزاب والحركات السياسية الفاعلة، ومن قوات متعددة الجنيسة، وكذلك من أفراد تسنموا المسؤولية حديثا.

ثانيا. رغبة في عدم أستفزازها "تنبيهها"، وإثارة ردود فعلها الهجومية "إمتصاص إتجاهات السلوك العدواني".

في وقت يعرفون بالفطرة الإجتماعية أن السيطرة على مخارج السلوك خلال فترة التحول قد تفقد تماما.

ب. إن النهاية السريعة للحرب، وقوة الحسم والتغيير، والدعاية الأمريكية المكثفة في الطرف الأول للحرب"التحالف الدولي".

في مقابل التسرب الواسع للقوات المقاتلة والساندة، وفقدان السيطرة والأتصال، والدعاية الخطأ في تقدير قيمة العدو حد التسفيه لمرحلة التعبئة النفسية في الطرف الثاني للحرب "حكومة صدام".

عواملٌ تفاعلت مع بعضها نفسيا فأصابت العقل الجمعي الموالي لصدام على وجه الخصوص بإضطراب التوقع حدا أنتج بشكل مؤقت:

أولا. خشية من الجندي الأمريكي بقيافته وتجهيزاته، وهيأته العامة.

ثانيا. رهبة من السلاح الأمريكي الذي يجوب الشارع والمدينة والمحلة.

وهو إنتاج أستغرق تغيير المشاعر، والصور، والتوقعات في مجاله إلى النقيض أو إلى الوعي المنطقي بكون الجندي المشار إليه  مثل غيره يمكن أن يُقتل، والسلاح المنوه عنه مثل غيره يمكن أن يُدمر، عدة أشهر، كان خلالها الراغبون بحمل السلاح بالضد أشبه بالمتفرجين غير القادرين على المبادرة بفعل القتال، مع بعض الإستثناءات البسيطة التي لم تشكل تهديدا مخلا بأمن القوات المحتلة، ولا تجاوزا معرقلا  لقدرات السلطة المركزية للدولة العراقية في الأستمرار آنذاك.    

ج. المعنويات المتدنية لضباط الجيش العراقي، وغالبية منتسبية المستمرين بالخدمة، والخسارة الجسيمة في الحرب، ومفاجئة حل الجيش من قبل الإدارة الأمريكية، كونت قدرا كبيرا من الإحباط أثار مشاعر عدوان لم يجد المعنيون مسارب توجيه لها نحو القوات الأجنبية المحتلة في الايام الأولى للتغيير، بسبب التفوق الحاسم، وقوة الصدمة آنذاك، فتحول:

قسم منها إلى الذات على شكل لوم وجلد، أصاب العديد منهم بإكتئاب دفع إلى العزلة، وقلة الهمة التي لم تعينهم على التحرك والمبادأة التي يتطلبها القتال. وتحول القسم الآخر بإتجاه الحزب، وصدام، ونظام الحكم على شكل عتاب وإنتقاد، أشتد حد الإتهام بإرتكاب الأخطاء المدمرة أحيانا، وبقدر أصاب الغالبية وبينهم الجهاز الحزبي بالإنقسام، والإعياء النفسي الذي أعاق فعل الوقوف المسلح بالضد من قوات الإحتلال والحكومة لعدة أشهر ما بعد التغيير.            

د. التخلص السريع من الضغوط النفسية المثيرة للتوتر لغالبية العراقيين الذي وفره التغيير، أدخلهم في حالة النشوة النفسية المؤقتة بقوة دفع حالت دون حصول غالبيتهم على فرص التفكير الواعي  بحقائق مثيرة تسهم عادة في تكوين مواقف سلمية كانت أو مسلحة بالضد عند البعض مثل:

أولا. الحرب التي شُنت، قوامها إحتلال ثبتت وقائعه الأمم المتحدة.

ثانيا. الإحتلال مس للسيادة الوطنية.

هذا ويعد التخلص من تلك الضغوط مسارب تنفيس لألم كان موجود "تفريغ"، وأرتياح لأمل يمكن أن يكون موجود "نشوة" أستغرق البقاء في محيطه النفسي عدة أشهر.

هـ. شعور المقاتلين العرب الوافدين إلى العراق قبل 20/3/2003 دعما لقوات الحكومة العراقية في حربها بالضد من التحالف الدولي بالخيبة من الأداء غير المتوقع لعموم القوات المسلحة والحزب كما يريدون ويعتقدون من جهة، وإنقلاب العديد من العراقيين عليهم بإستثناء منطقة الأنبار وقليل من مناطق في بغداد وديالى من جهة أخرى تسبب عمليا في الآتي:

أولا. تغيير خططهم للمقاومة، وتعميم صيغ الإرهاب.

ثانيا. التفتيش عن وسائل للعيش الآمن والدعم الإداري، والإستخباري بين السكان العراقيين.

ثالثا. إيجاد وسائل أتصال وتواصل، وتعبير معلومات مع قياداتهم في الخارج.

وهي مسببات أحتاجوا عدة أشهر لتجاوز إعاقتها لمشاريعهم في القتال.

3. إن الأستجابات المذكورة ذات الصلة بتفعيل الأعمال المسلحة بالضد من الدولة وقوات الإحتلال لم تكون وحدها في ساحة التأثير لتأجيل الفعل المسلح أشهر عدة لما بعد التغيير، إذ وتفاعلت معها عوامل ذات أمتداد خارجي، دولي وإقليمي، إحتاجت هي الأخرى وقتا لا يقل عن الوقت الذي أستغرقته تلك العوامل المرتبطة بالداخل بهدف:

أ. إعادة حساباتها في التعامل مع خطر التواجد الإمريكي بنهج التفكير المتسم بقدر من التهديد الصريح، قريبا من حدودها.

ب. نقل الحسابات إلى مواقف، وقرارات، وتنفذ أوامر التدخل طرفا مقاتلا بإداوت الإنابة، وتقديم التسهيلات، والدعم المالي والإداري، والفني في ساحة إحتراب يحتمل أن يزحف خطرها بكل الإتجاهات.

4. إن تلك العوامل، والظروف، والاسباب بجانبيها الخارجي والداخلي كانت كافية لمنح المجتمع العراقي فترة هدوء قلقة، مهدت أساسا للإنتقال إلى الإضطراب الأمني التي بدأت مؤشراته واضحة نهاية عام 2004 وزادت شدته عام 2005، وتضاعفت مستوياتها "أي الشدة" نهاية عام 2006، لمستوى:

أ. الإعاقة العمدية لبرامج الدولة ومؤسساتها في إعادة البناء والإعمار.

ب. عدم الرضا لغالبية شرائح المجتمع العراقي عن صيغة الوضع الذي أنتجه التغيير، للحد الذي أتجه فيه الكثيرين إلى المقارنة غير المنطقية بين الحاضر والماضي لصالح الماضي، رغم كل السيئات التي سببها الماضي، ومسؤول عن أستمرار بعضها إلى الحاضر.  

ج. إيجاد قدر واضح من العدوانية الشعبية بإتجاه الرموز السياسية التي تحملت مسؤولية إدارة الدولة والمجتمع بعد التغيير.

د. إتساع مساحة المقاومة المسلحة لقوات الإحتلال، وأجهزة الأمن العراقية الضابطة، وإنحسار هامش المقاومة السلمية للإحتلال.

هـ. تغير الصورة العقلية السياسية "التي كونها العراقي للإمريكي بعد إزالة ضغوط الحكم السابق" بالنسبة إلى معظم شرائح الوسط، المتفرجة، من:

المُخَلص، والمُحرر، في الأيام الأولى للحرب والتغيير إلى المُحتل، الطامع، بعد أشهر من الإدارة المباشرة، وكثر الأخطاء.

وتغير الصورة العقلية السياسية الإيجابية التي تكونت للمعارضة العراقية عند العديد من الشرائح الشعبية خلال مرحلة ما قبل وأثناء التغيير، بإتجاه السلب لمستوى باتت تُذَم أخطائها، وتجاوزات البعض من رموزها على مستوى العلن في الحوارات، والجلسات الخاصة، والإعلام المحايد والمؤيد للتغيير، وبمساحة أو متصل متدرج طرفه الأيمن:

تلك المعارضة الوطنية المناضلة التي جاءت بقصد المساهمة في التغيير وبناء المجتمع الأفضل.

وطرفه الأيسر، إتهام صريح بالإستغلال، والإستئثار، وإبتكار المحاصصة، والنفعية، ومؤازرة الإحتلال، وتعزيز وجوده في نهب البلاد.    

و. إنكفاء الجهد الدولي لإعانة العراق، ومساعدته في مشاريع إعادة البناء.

ز. وضع القوى السياسية الفاعلة في الشارع العراقي سواء المشاركة في الحكم أو الداعمة له في حرج التعامل مع واقع الإحتلال.  

ح. المزيد من التنحي العربي للدعم والمشاركة في إيجاد الحلول.

ط. القلق العارم في عموم المجتمع العراقي والتوجه إلى الهجرة الجماعية خارج البلاد.

ي. توفر حجج لكثير من أعضاء الحزب "البعث العربي الإشتراكي" دفعتهم إلى الخروج من الصدمة، وتطبيب جراحهم، والسعي لإعادة تنظيم إمكاناتهم في إعادة فاعلية الحزب للمشاركة بالأعمال المسلحة، ومحاولة تنسيق حصولها مع أطراف أخرى.      

5. إنه وضعٌ وصف بالإضطراب الأمني في بعض مناطق العراق، تؤثر فيه عوامل داخلية وخارجية، سيكون تسليط الضوء عليها من بين أحد الغايات الرئيسة لهذه الورقة بقصد التعريف بها، تعريفا قد يساعد المعنيين في التعامل وإيجاد الحلول، وباقي المتلقين من العراقيين لإدراك طبيعة ذاك التعامل، وماهية الحلول.  


معالم الإضطراب الأمني لعامي 2005 ـ 2006

1. هناك في واقع الحال أوجه متعددة للخلل أو الإضطراب الأمني للسنتين المذكورتين تتمثل بعض معالمه الأكثر تأثيرا بتكرار حصول الأعمال الآتية:

أ. العمليات الانتحارية:

أولا. سيارات مفخخة يتم تفجيرها بواسطة انتحاريين أو عن بعد.

ثانيا. أحزمة ناسفة.

ثالثا. دراجات بخارية.

ب. العبوات الناسفة:

أولا. متفجرات صنع محلي.

ثانيا. ألغام، وعتاد حربي من بقايا الجيش العراقي الذي نهبت مخازنه، بعد أنتهاء الحرب ووقف القتال.   

ثالثا. عبوات ذكية من دول المحيط.

ج. اختطـاف أجـانب، وعـراقيين لأغراض الضغط السياسي على القوات المتعددة الجنسية، ودولها بقصد:

أولا . المساومة للحصول على أموال.

ثانيا. مقاتلتها، والقوات العراقية من الجيش وقوى الأمن الداخلي على حد سواء.

ثالثا. الردع للحيلولة دون الاقتراب من العراق. 

د. القتل، والاغتيال بأنواعها:

أولا. العادي للثأر، والسرقة، والانتقام، والصدفة.

ثانيا. المنظم لأغراض سياسية، وطائفية، وعرقية.

ثالثا. العشوائي لقاء ثمن مدفوع.

رابعا. الانتقائـي للعلمـاء، وأساتذة الجامعات، والعسكريين المحترفين والطيارين، وأعضاء من حزب البعث العربي الإشتراكي.  

هـ. خرق أمني للأجهزة، والمؤسسات الأمنية، والعسكرية بقصد:

أولا . إعاقة عملها وتحركها في الميدان القتالي والأستخباري.

ثانيا. بث الإشاعات المحبطة، والترويج لأعمال الضد دعائيا.

ثالثا. تخريب الذمم، وتوسيع الفساد الإداري، وتدمير البنى التحتية.

و. التهجير الذي يأخذ عدة أشكال بينها:

أولا. من محلة إلى أخرى داخل المحافظة. 

ثانيا. من مدينة إلى أخرى داخل العراق.

ثالثا. من العراق إلى خارجه.

ز. الابتزاز بأنوع أكثرها شيوعا:

أولا. أعمال عصابات لأغراض الكسب المالي.

ثانيا. أعمال عصابات، وأفراد بالإنابة عن قوى سياسية، وإرهابية لقاء ثمن مدفوع.

ثالثا. توجهات فردية لإستخدام القوة بقصد الحصول على أموال.

رابعا. أستخدام التهديد لأغراض الضغط بإتجاه التنحي أو الكف عن أنشطة سياسية.

ح. التجريف الطائفي لتحقيق:

أولا. تنقية المحلة أو الحي طائفيا.

ثانيا. العزل بين المحال والمناطق طائفيا.

ثالثا. تحقيق أكبر قدر من التفوق في إطار بغداد طائفيا.

2. إن معالم الإضطراب الأمني لم تقتصر على الأعمال المذكورة في (1) أعلاه، بل ودخلت معها عوامل أخرى معززة لإثارة التوتر والإضطراب بينها النفوذ المليشياتي الذي أتسعت رقعته على حساب السلطة الإفتراضية للدولة وقوانينها الفاعلة لمعظم أشكاله التي تقع ضمن التصنيف الآتي:

أ. مليشيات الأحزاب السياسية التي قاتلت صدام حسين، وأشتركت في عملية التغيير، وصنفت كذلك من قبل إدارة الإحتلال بالقانون الرقم 91 في 2 نيسان 2004، الذي أجاز التعامل معها من قبل الحكومة بأتجاه دمج بعض أفرادها في المؤسسات الأمنية والعسكرية، وإحالة البعض على التقاعد، وإعادة تأهيل البعض الآخر للحصول على وظائف مدنية وهي:  

أولا. الحزب الديمقراطي الكردستاني "بيش مركة".

ثانيا.الاتحاد الوطني الكردستاني "بيش مركة".

ثالثا. المجلس الأعلى للثورة الإسلامية "قوات بدر".

رابعا. الحزب الإسلامي العراقي.

خامسا.الحزب الشيوعي العراقي "الأنصار".

سادسا.حزب الله في العراق.

سابعا.حزب الـدعوة الإسلامية (أنسحب من المشروع لانتهاء فاعلية مليشياته) ومن ثم عاود الإتصال ثانية نهاية عام 2005.

ثامنا.المؤتمر الوطني العراقي (أنسحب من المشروع لانتهاء فاعلية مليشياته) ومن ثم عاود الإتصال ثانية نهاية 2005.

تاسعا.حـركة الـوفاق الوطني (انسحبت من المشروع لانتهاء فاعلية مليشياتها).

ب. القوات المليشياتية الفاعلة على الساحة العراقية التي نشأت بعد الإحتلال، ودخلت ساحة الصراع بقوة دفع أكبر من تلك الموجودة في السابق مثل جيش المهدي الذي لم يُعَرفْ أو يشمل بالقانون المذكور لأسباب أهمها:

أولا. وقت الإعلان عن فاعليته "إنشاءه" في 18/ 7 / 2003 جاء بعد التغيير، فأصبح غير مشمولا بأحد غايات إصدار القانون المذكور"91" كما يرى مشرعه، والتي تتمحور حول إنصاف من قاتل صدام.

ثانيا. كانت مواقفه منذ الأيام الإولى للظهور، بالضد من بعض أجهزة الحكومة، وقوات متعددة الجنسية، فصنفت حينها بالمعادية التي لا يجوز التعامل معها بنفس سياقات التعامل مع المذكورين في (أ) أعلاه.

ج. قوات تعمل على الساحة العراقية لتحقيق أهداف معينة، ولو بشكل محدود يمكن أن ينطبق عليها وصف المليشيات ولو بحدود ضيقة مثل الحمايات الخاصة لبعض المسؤوليين، وقسم من البرلمانيين الذي يزيد عدد منتسيها أحيانا عن ألف مسلح يستلم راتبه، وأرزاقه من الحكومة، وهي قوات "مليشيات" ثبت قيام قسم منها بتنفذ أعمال قتالية، وأستخبارية لصالح المسؤول المعني بوجودها أو لصالح جهات أخرى داخلية أو أجنبية استطاعت أختراق بعض أفرادها بدون علم المسؤول.   


المناطق الأكثر إضطرابا لعامي 2005 ـ 2006 

على الرغم من أن العراق بات ساحة مفتوحة للعمل المسلح المضاد، إلا إن مناطق منه قد تميزت بالهدوء النسبي منذ التغيير وحتى بداية عام 2006، وأخرى شهدت قدرا كبيرا من الاضطراب وعدم الإستقرار تزداد شدته أحيانا وتخف أحيان أخرى، يمكن تقسيمها تبعا لشدة الإضطراب كما يأتي:

1. مثلث الجزيرة:

أ. محور الفلوجة، الرمادي، مفرق الحدود العراقية الأردنية، والعراقية السورية.

ب. محور التاجي، سامراء، تكريت، بيجي، الموصل، تلعفر.

ج. محور بعقوبة، العظيم، كركوك.

وهو أضطراب يتأسس قسم منه على مفاهيم دينية طائفية سلفية، ممزوجة بمشاعر كره للغرب والأمريكان تقوده القاعدة، وينفذ أهدافه عراقيون، وعرب، لا يمكن التعامل معه إلا بالقتال في الميدان.

ويتأسس القسم الآخر منه على مساعي المقاومة بمفاهيم تغلب عليها المشاعر الوطنية، وهي على العموم مقاومة يمكن التفاهم والتعامل معها خارج سوح القتال، مع الأخذ بالإعتبار عدم إمكانية التغاضي عن وجودها قوى مؤثرة على الأمن في أجزاء مهمة في العراق.  

2. الوسط:

أ. بغداد: الدورة، العامرية، أبو غريب ، السيدية ، الغزالية، حي الجامعة، الأعظمية، مدينة الصدر.

ب. بابل: اليوسفية ، اللطيفية ، الإسكندرية، جبلة، جرف الصخر، ريف المسيب.

ج. الديوانية: عموم مركز المحافظة "مدينة الديوانية" يمتد أحيانا إلى خارجها تبعا لتطور الظروف.

د. كربلاء: عموم مركز المحافظة" مدينة كربلاء"، بتذبذب غير متسق يعتمد على طبيعة وقوة أطراف الصراع.  

إن الإضطراب في الوسط يتشعب في أمتدادته وأصوله وغاياته، ففي الوقت الذي تكون أصابع القاعدة والتطرف الديني السلفي موجودة في ساحة بغداد وبعض المناطق الساخنة في بابل، نجد أن للمقاومة أصابعها أيضا في نفس الساحة، لكنها أمتدادات وأصول تتتغير تماما كلما أتجهنا جنوبا لتكون في الديوانية صراعا محليا "بينيا" للسيطرة ومد النفوذ إلى مفاصل الإدارة العليا في المحافظة وأجهزتها الأمنية الضابطة، وهي كذلك في كربلاء مضافا إليها مساعي السيطرة على إدارة المراقد المقدسة ومواردها المالية.

هذا وإن أحد أهم أطراف هذا النوع من الصراع المثير للإضطراب الأمني في هذه المنطقة ذات التجانس الإجتماعي عالي المستوى مليشيا جيش المهدي، واحيانا جماعات منشقة عن قيادته الفعلية، وهو صراع يمكن التعامل معه من خلال الضغوط التي تمارسها المراجع الدينية، والتفاهمات التي تجريها على مستوياتها الهرمية العليا.

ومن بعدها قوة السلطة المحلية وحياديتها.

دون التنازل عن وسائل وإجراءات الردع القتالي، والقانوني التي يفترض أن تسير مع تلك الأوجه الأخرى بنفس المسار.    

وهو بوجه العموم صراع مرشح أن يتسع في حال عدم التعامل معه جديا ليسبب نوعا من الإضطراب تقترب شدته من ذلك الذي تسببه القاعدة، وتفوق آثاره تلك الآثار التي تسببها المقاومة في الجدار الأمني الحكومي. 

3. الجنوب:

أ. البصرة:

ويتداخل في محيطها الإضطراب الذي يتأسس على صراع قوامه السيطرة على تهريب النفط،  بين أطراف سياسية مساهمة في العملية السياسية، وأخرى خارجة عنها، وثالثة عشائرية، ومن ثم مافيات محلية ترتبط بأخرى دولية، وكذلك صراع بين قوى خارجية بتمثيلاتها الداخلية، وجميعها أشكال من الصراع المثير للإضطراب تكمن خطورته:

 بالدوافع المادية الضمنية القوية لإدامة الإستمرار.

وبالعلاقات الموجودة لغالبية أطرافه مع الخارج دول، وجماعات، وشخصيات تحتم الضرورة مشاركتها في عملية التصريف المضمون للتهريب.   

وبالرغبة الواسعة لأهالي، ومسؤولين حكوميين وسياسيين في المشاركة، والأستمرار بالمحافظة على مستوياتها وسيلة كسب مجزية.

ب. العمارة:

لا تختلف العمارة في طبيعة الصراع الدائر بمحيطها "على النفوذ" عن غيرها في مناطق الجنوب الأخرى" بأستثناء البصرة" لكنه بوجه العموم من المستوى غير المثير للإضطراب بشكل مخل للأمن بسبب عدم التوازن بين الأطراف، أي رجحان كفة على الأخرى بشكل كبير حتى نهاية عام 2006 لكنه صراع يمكن أن يكون مثيرا للإضطراب في حال تعديل هذا التوازن في كفته ذات الصلة بدعم وتقوية جيش المهدي على وجه الخصوص.

ج. إن الصراع المثير للإضطراب في المنطة الجنوبية بوجه عام يتميز بكونه:

أولا. أكثر خطورة من باقي مناطق العراق إذا ما أتسعت رقعته إلى باقي محافظات الجنوب لوجود كثافة بشرية تفوق مناطق العراق الأخرى يؤدي إتساع الإضطراب في محيطها إلى إنقسامات تخل بتجانسها الإجتماعي القابل للتحريك من قبل الحكومة أو المراجع بالإتجاهات التي تريد.

ثانيا. تكمن خطورته أيضا في أن زيادة شدته بالحدود غير المسيطر عليها سيتسبب في أن تخسر الحكومة التي أنتخبت بأصوات غالبيتها من الوسط والجنوب دعم وتأييد ناخبيها الأمر الذي قد يتسبب في سقوطها بسهولة، وحصول فراغ سياسي يصعب ملئه في ظروف التقييدات السياسية الحاصلة.

ثالثا. كما إن هذا المستوى من الإضطراب وفي هذه المنطقة النفطية الحساسة أصبح أكثر عرضة للتدخل الخارجي الإيراني.    

رابعا. لكنه وبنفس الوقت أسهل حلا لعلاقة بعض جوانبه بالدين الذي تؤسس غالبية أطرافه على الفقه الجعفري مرتكزات تعاملها في التنظيم والتثقيف والإعلام من جهة، وترجع غالبية تنظيماته السياسية، والإجتماعية هرميا إلى مراجع دينية يمكنها التفاهم فيما بينها إذا ما أرادت وشعرت بالخطر، كما إن لأطراف سياسية في الحكومة العراقية علاقات متميزة بإيران يمكن أستثمارها لصالح الحد من تدخلها في المنطقة إذا ما عجزت الحكومة العراقية وأمريكا عن تحقيق هذه المهمة عبر قنواتهما الدبلوماسية التقليدية.

خامسا. كما إنه إضطراب يمكن التعامل معه بنفس معطيات التعامل ذات الصلة بالعامل الديني، والردع السلطوي، مع السعي لإختيار المسؤولين في البصرة على وجه الخصوص من ذوي السمعة الحسنة، والنزاهة المطلقة، وإعطاء فسحة أوسع للإعلام في أن يتمتع بسلطته في الكشف والتعرية، والتوجيه.


عوامل التأثير الداخلية في إثارة الإضطراب الأمني

1. من التقسيم الوارد لمناطق الإضطراب يتبين إن رقعته المتأتية من فعل المقاومة المسلحة، وعمليت الإرهاب، وأعمال العصابات، وتجاوزات الفساد، وصراع المصالح قد بدأت مؤشراتها بعد فترة قليلة من التغير، وظهرت جلية عام 2004 "أحداث الفلوجة، والنجف" وأجتاحت غالبية المناطق المكونة لمثلث الجزيرة عام 2005، لتمتد إلى بعض مناطق بغداد في نفس العام، متجهة جنوبا نحو بعض مناطق الوسط وأقصى الجنوب عام 2006.

ويتبين أن دوافع نشأتها، وأمتدادتها، واتساع محيطها متعددة، والعوامل المؤثرة في وجودها وإدامة هذا الوجود متداخلة أكثرها أحتمالا هي:  

أ. الشعور بخسارة المواطنة الأولى والمركز المتقدم، والجاه، الذي أحسه البعض من أبناء مثلث الجزيرة بعد التغيير مباشرة، وفي مجاله تبين وقائع الأحداث ذات الصلة بالإضطراب الأمني أنه وكلما كانت هذه المشاعر شديدة الوطأة عند الأهالي والجماعات في منطقة ما، كلما بكرت في حدوث الإضطراب وزادت شدته ضمن محيطها.

ب. الإنعكاسات السلبية لحل الجيش العراقي، والأجهزة الأمنية، والتقييم الذاتي لتبعاتها التي تراوحت عند البعض من الشعور بخدش الرمزية الوطنية، إلى الإهانة والإهمال المتعمد، والغبن الواضح للحقوق، وتوقع البطالة والعوز المادي، والتي شكلت أحد المثيرات الدافعة للتمرد والإضطراب، إذ يلاحظ أنه وكلما كان التقييم عالي في منطقة معينة كلما أقترب أهلها من المقيمين والقريبين منهم حدود الإستثارة المسلحة بالضد من سلطة المركز.  

ج. التوجهات غير المعلنة لبعض القوى الحزبية، والدينية في مناطق الشعور بالخسارة المبينة في (أ) أعلاه لتوظيف بقايا المقاتلين العرب والوافدين الجدد من قوى الإرهاب في مشاريعها للضغط المسلح على قوات الإحتلال، والسلطة المركزية لتعويض الخسارة، وتحقيق مكاسب، وتقليل كم الربح عند الجانب المقابل، ولأن خبرتها في هذا النوع من الإستخدام قليلة، وأساليبها في إدارة القتال في مجاله ضعيفة، وإن كفاءة قوى الإرهاب هي الأرجح، ومصادر إمدادهم المالي والإستخباري هي الأوفر، تغير الموقف وحدث العكس حيث الأستخدام المنظم لأهالي تلك المناطق من قبل القوى الإرهابية المنظمة بمستويات كونت توجهات للتطرف الديني الطائفي، ومفاهيم للدين السلفي أسهمت مع غيرها من العوامل لأحدثت الإضطراب الأمني وزيادة رقعته.   

د. بقايا قادة حزب البعث العربي الاشتراكي، وكوادره المتقدمة التي لم تغادر العراق، والتي حصلت على الحماية الجيدة من أهلها، وعشائرها في المناطق المذكورة، تمكنت من أن تؤسس قواعد للإستقطاب، والعمل، والتنسيق مع قوى مسلحة محلية، وأخرى وافدة عربية لإفشال تجربة التغيير إلى الديمقراطية بالقوة المسلحة.

هـ. ومع كل هذا التداخل والتشعب في العوامل الداخلية المؤثرة في إثارة الإضطراب وعدم الإستقرار لا ينبغي إغفال الجانب الوطني الذي أحسه البعض غير القليل من الشرائح الإجتماعية المصنفة في الجانب المعارض للحرب والتغيير، ومن أولئك الواقفين على الحياد الوسطي الذين أقتنعوا معا بالمقاومة المسلحة فرفعوا السلاح بالضد من قوات الإحتلال، أداة تعزيز لهذه الوطنية التي يمكن عدها عاملا مهما من عوامل التأثير.              

2. لم تتوقف مسألة إثارة الإضطراب الأمني في العراق للمرحلة الزمنية المبينة عند العوامل المذكورة في (1) أعلاه والتي يمكن عدها عوامل دفع أساسية، إذ تبين الوقائع والأحدث وجود عوامل أخرى ساعدت على الإثارة عندما تضافر وجودها مع تلك الأساسية  مثل:

أ. عمليات الانعــزال التي صاحبت الشروع بالعملية السياسية بعد التغيير لسكنة بعض المناطق دفعت بإتجاه إستغلالها من أطراف خارجية وأخرى داخلية لإثارة الإضطراب كنوع من التصريف المتاح لإنفعالات العزلة، ومحاولات ميسورة لفك طوقها بالقوة.

ب. خطأ إدارة الإحتلال في التعامل مع المجتمع العراقي خلال الحرب، وما بعدها مباشرة، والإصرار على الأستمرار بوقائع الخطأ رغم التعرف على الكثير من جوانبه المؤثرة سلبا في أحيان ليست قليلة، كذلك عدم معرفتها أو عدم إكتمال معرفتها بطبيعة المجتمـع العراقي، وتقصير المستشارين العراقيين المرافقين للقوات الأجنبية المشاركة في الحرب بما يتعلق بإيصالها سليمة كما تقتضي الضرورة المهنية على أقل تقدير.

ج. إكتشافات الإفاقة من صدمة التغيير، وبروز أفكار شاعت بين الجمهور الواسع مثل:

أولا. إن خسارة الحرب في الميدان حقيقة يدفع ثمنها العراقيون، وسيستمرون بدفع الثمن في أكثر من مجال.

ثانيا. الديمقراطية كما صورت وهم لا يمكن تحقيقة بالزمن المنظور، وثمن لا يمكن دفعه والمجتمع يأن من تكاليف أثمان باهظة من زمن صدام.

ثالثا. الساسة الجدد ليس كما يُعتقد أنهم يختلفون عن من سبقهم، وأخطاء بعضهم وفسادهم تفوق أخطاء القريبين من صدام. 

رابعا. مشاكل العراق الجديد البسيطة في المجالات الخدمية والمعيشية والاتصال لم تستطع إدارة الإحتلال والحكومات المتعاقبة من حلها، فكيف يمكنها حل المعاضل الجسام.

خامسا. أصبح العراق برضا المحتل ساحة حرب تشارك فيها الكثير من الدول ويراد للعراقيين أن يقاتلوا فيها بعضهم البعض بالإنابة.

سادسا. الإنقسامات الطائفية والصراع في مجالها يغذيه بعض الساسة الجدد لحساباتهم الخاصة وحسابات دول يعملون لها.

.....الخ من أفكار سلبية الطابع توسع أنتشارها، وفشلت أجهزة إعلام الدولة، ووسائل الأحزاب المشاركة، وقوات الإحتلال في:

(1). التخفيف من تأثيراتها أفكار تشكل السلوك المعارض، وتبرر للبعض أستخدام السلاح.

(2). إيقاف التسارع في تغيير المواقف ونهج التفكير لبعض من المؤيدين للتغير في توجههم إلى حياد الوسط "خسارة قاعدة تأييد شعبية كان لها تأثير إيجابي على ديمومة الإستقرار"، والعديد من الواقفين على الحياد في إقترابهم من الإصطفاف والضد الناقد.

(3). إعاقة الإنتقال من المعارضة السلمية كنهج فكري عند البعض إلى المعارضة بأستخدام السلاح.

د.عـدم امتلاك سـلطة المركـز حتى نهاية عام 2004 معالم القـوة الضابطة "جيش وأجهزة أمنية ذات جاهزية كافية لردع الأعمال المسلحة والتخريب الإرهابي" التي تعود عموم العراقيين الاستجابة لقوتها بالطاعة والإمتثال حد الرضوخ شبه التام في كثير من الأحيان.

هـ. فشل المؤسسة السياسية الحاكمة في حل مشاكل أستمرت عالقة مثل حقوق منتسبي الجيش السابق، وقانون الإجتثاث، والقصور في التعامل مع مواضيع حساسة مثل العزلة، والطائفية، والفساد الإداري، والمليشيات، ومساعي الإستئثار، والبطالة، والفيدرالية، وتعديل الدستور، وغيرها أصبحت عوامل مساعدة للإثارة، وعدم الرضا لشرائح، ومناطق سهلت أمر تجنيد الشباب من بين سكانها لصالح بعض قوى المقاومة المسلحة، وكذلك  قوى الإرهاب، والعمل المافيوي المثيرة للإضطراب.

و. مغادرة الجمهور السريع والمفاجئ "تصدع قيود وعيه" من دوامة العيش تحت سلطة الخوف الشديد زمن صدام حسين، إلى الحرية المطلقة "الإنفلات" بالغياب الكامل لأجهزة الضبط التقليدية، والمعايير القيمية لمرحلة التغيير وما بعدها.

ز. إبقاء السلاح "بندقية كلاشنكوف، ومسدس" بيد المواطنين بقانون شرعه بريمير بقصد المساعدة في الدفاع عن النفس، وتغاضي قوات الإحتلال طيلة الأشهر الأولى لعمل دورياتها في المدن والقصبات عن بيع وشراء السلاح العلني في الشوارع والساحات العامة، مما سهل عملية تداوله وأستخدامه لأغراض جاوزت مسألة الدفاع المشروع عن النفس إلى الأستخدام المنظم في عمليات إثارة التوتر والإضطراب، وتنفيذ الثأر والانتقام، وتسبب في أنتعاش تجارته، وأستثمارها من قبل القوى المضادة لتجميعه أداة فاعلة للإخلال بالأمن والأستقرار.    

ح. تأخر السيطرة علـى خـزين الجيش العـراقي من الأسلحة، والأعتدة، والمتفجرات، وتركه للنهب المتواصل من قبل العشائر، والمليشيات، والأفراد، والجهات المنظمة بالضد من عملية التغيير، وهو عمل أغرق الساحة العراقية باسلحة تكفي هذه الحرب الداخلية عشرات السنين، وإن تمت السيطرة على المنافذ الخارجية لتوريد السلاح غير الشرعي.

ط. الخروقات الأمنية في جسم المؤسسة العسكرية والأمنية الجديدة من قبل المليشيات والقوى المسلحة بالضد التي تسببت في أعمال أغتيال وتخريب وتعويق وتعبير معلومات، تعد من العوامل المساعدة على الإخلال بالأمن، وتنشيط دوافع الفوضى والإضطراب الأمني. 

ي. أخطاء إستراتيجية في التعامل مع مقتضيات الأمن القومي العراقي لمرحلة ما بعد السقوط، الناتجة عن:

أولا. الإفتقار إلى الخبرة المهنية في التعامل مع هذا الموضوع بعد حل الأجهزة الأمنية وتشكيل أخرى أعتمدت في معظمها "بأستثناء جهاز المخابرات الوطني وبشكل محدود" على كوادر، تأسس أختيارها على الولاء الحزبي والطائفي خارج التخصص المهني والكفاءة الذاتية.

ثانيأ. التعامل العاطفي مع التهديدات الإقليمية من قبل البعض في الأجهزة الأمنية "أي التحيز الإنفعالي المسبق في تحليل وتفسير نوايا التهديد الإقليمي، ومستويات التدخل في الشأن العراقي. 

ثالثا. غياب الجيش العراقي كأكبر قوة ضابطة دون التفكير بالحلول البديلة آنيا، ومن ثم زج وحداته المشكلة حديثا في ساحة المعركة لمقاتلة الإرهاب قبل إكتمال جاهزيتها.

رابعا. التخلي عن جميع الأوراق السياسية للضغط والتعامل مع دول الإقليم بسبب:

(1). عدم المعرفة بطريقة أستخدامها من غالبية الأطراف السياسية التي حُملتْ المسؤولية قبل أكتسابها الخبرة اللازمة لإدارة البلاد في ظروفها الأمنية الصعبة.

(2). عدم التعريف بأستخدامها وربما عدم الرغبة بأستخدامها من قبل البعض القليل "المستمرين في في الخدمة في مفاصل القرار من موظفي الدرجات العليا والخاصة المحسوبين على نظام الحكم السابق" كنوع من التفادي النفسي لإثارة بعض أطراف السلطة أو نتيجة للرغبة اللاشعورية في أفشال التجربة السياسية في الحكم. 

ك. البـطء فـي إنشـاء أجهزة أمنية معنية بمكافحة الاضطراب الأمني، وأعمال الإرهاب، والتعقيد الحاصل بعملية الإنشاء والتطويع، والتسليح والتجهيز، وأفتقار المتفق على إنشائها للخبرات المهنية، والمعدات الفنية، على الرغم من إنتشار أعمال مخلة بالأمن وإثارة الإضطراب.

3. وهناك عوامل داخلية أيضا بالإضافة إلى العوامل المحددة في أعلاه أسهمت في الدفع بأتجاه التأزيم وإثارة الإضطراب بشكل غير مباشر بينها:  

أ. التكوين الضدي المسبق للأجنبي في الفكر العراقي الحديث، خاصة في الفترة الزمنية التي أعقبت التغيير من الحكم الملكي إلى النظام الجمهوري عام 1958، وكذلك في الفترة التي تلت أستلام  حزب البعث العربي الإشتراكي للحكم عام 1968، وهو تكوين بمستوى من الرسوخ أعيد نشاطه في الذاكرة بعد فترة الإستفاقة من الصدمة وبالمستوى الذي:

أولا. أشعر العديد من العراقيين بعد أنتهاء مفعول الصدمة بعدم الثقة بالأجنبي، وعدم الإطمئنان للأمريكي القادم وإن أدعى التحرير، شعور حسم الصراع العقلي عند البعض بأتجاه الإنحياز في التوجه إلى أستخدام السلاح وسيلة للتخلص من وجوده غير المرغوب. 

ثانيا. هيأ العديد من العراقيين الشاعرين بالخسارة النسبية من عملية التغيير، والواقفين في الوسط من المحايدين بين المرحلتين الزمنيتين لقبول الدعاية المضادة لعملية التغيير، والتأثر بالتهويل من نتائجها المستقبلية، وهو نوع من التأثرٌ قرب البعض منهم مسافة أكبر إلى الصف المسلح بالضد، وزاد من توجههم للمشاركة القتالية أو الأستخبارية أو الإدارية والمالية أو الإعلامية والنفسية.

ب. ضعف التجانس في تركيبة المجتمع العراقي، وأخطاء الإدارة في التعامل مع حقيقته، زاد من آثاره الفاعلة، وأسهم في توسيع الهوة بين طوائف أعتقدت أنها مستفيدة وعليها أن تحافظ على المكاسب ولو بالقتال، وأخرى متضررة لا يمكنها التعويض إلا باثارة الإضطراب والتحالف مع كل من يحمل السلاح.  

ج. قلة النضج في استيعاب مفهوم الديمقراطية، وتطور العملية السياسية، بعد أن فسرت خطواتها تفسيرات متعددة تساعد في بعض أوجهها على التمادي في الخطأ، وتساعد بعض أوجهها الأخرى على الأحتجاج وعدم القبول بالصح.

تناقضٌ مثير يصعب حسمه أو التوفيق بين أبعاده في الزمن القريب، من جهة ويسهل أستغلاله من القوى الخارجية والقوى السياسية الداخلية غير المنسجمة وأستقرار العراق من جهة أخرى.

د. شكل نظام الحكم أو إدارة الدولة الذي وجد بعد التغيير، والتأسيس في أستمراره على مفهوم التوافق قيد هامش حركة الحكومة وجميع الأطراف المساهمة في العملية السياسية، وأضعف قدراتها العامة على الضبط والتأثير، وهو قيد أصبحت بوجوده:

جميع الأطراف المشاركة مؤثرة يصعب تجاوزها.

وجميعها معيقة لا يمكن القفز من على وجودها في الميدان.

وهو قيد من زاوية أخرى يسمح بتسلل العاملين بالضد من الحكومة ويزيد من فاعليتهم في المعركة الدائرة بالضد من الإرهاب.   

هـ.عدم تطبيق قانون مكافحة الإرهاب المُشَرعْ عام 2005 بشكل دقيق ليشمل الإعلام المحرض، والشخصيات، والأحزاب المحرضة بالضد مــن الحكومة، والنظام الجديد.


عوامل التأثير الخارجية في إثارة الإضطراب الأمني

كان العراق لأكثر من نصف قرن لما قبل الحرب الأخيرة عام 2003 بؤرة توتر وإضطراب، زادت شدتها بعد التغيير حدا بات فيها العراق ساحة حرب تستقطب التدخل الخارجي، وتدفع إلى تواجده في محيطها، والمشاركة فيها لأعتبارت متعددة كونت مع بعضها عوامل تأثير في إثارة الإضطراب وتوسيع رقعته تدريجيا، أكثرها وضوحا:   

1. الإيحاء بأن التغيير إلى الديمقراطية في العراق بطريقة إسقاط الحاكم المرغوب إسقاطه داخليا سيكون بداية إلى صياغة شرق أوسط جديد، تدفع ثمنه أنظمة، ومجتمعات قريبة من محيطه جغرافيا وثقافيا، وجدت نفسها مضطرة إلى التدخل دفاعا عن نفسها إتجاه هذه النوايا المبيتة حسبما تراه واضحا في الإيحاء، ووجدت كذلك أن لها حصة فيما يحدور ويحدث بساحة القتال بحكم الضرورات الحتمية لأمنها القومي.

2. إبقاء سلطة الإحتلال الحدود البرية مفتوحة دون أية ضوابط للدخول والمغادرة لأشهر بعد التغيير لحسابات قد يكون بينها الدفع لأن يكون العراق ساحة قتال فاعلة للإرهاب أو لتحقيق ما يسمى بالفوضى الخلاقة كما يعتقد البعض، تسبب في:

أ. مهد للشباب الراغبين في السير على خطى المقاتليين الإسلاميين أملا في التكفير عن الذنوب والدخول السريع إلى الجنة الموعودة، والساعين إلى الإنتقام، واصحاب الأيديولوجيات والأهداف البعيدة المدى، للمجيئ إلى العراق بعد أن وفر لهم وضع الحدود المفتوحة فرص سهلة للعبور، والتنقل وإعادة التنظيم بتشكيلات أُستغلَ بعضها من دول خارجية كأدوات في تدخلها المذكور.

ب. سهل عمليات إدامة الدعم، والتعزيز، والتعويض الخارجي.

ج. أغرى أهالي المناطق القريبة من الحدودد والممتدة بأتجاهها ماديا وعاطفيا لإحتضان بؤر باتت تزداد أعدادها، وتقوى إمكانياتها في إحداث فعل القتال المسلح بالضد من سلطة المركز، والقيام بأعمال التخريب "إرهاب".

3. النكسات التي تعرض لها الإرهاب السلفي في أفغانستان، والجزائر، والسعودية، والشيشان، والباكستان، وغيرها وجد في الساحة العراقية متنفسا للتعويض ورد الاعتبار.

ووجد بين البعض من أهالي المناطق الحدودية لما بعد صدمة التغيير حضنا مناسبا لتأسيس قواعد العمل القتالي والانطلاق منها إلى باقي أنحاء العراق.

ووجد المعنيون بالحرب ضد الإرهاب "الجانب الأمريكي" الوقت متاح لسحب قواعد الإرهاب إلى الساحة العراقية المهيأة للإقتتال، وتحقيق النصر كما مخطط له أن يكون.

ووجد المعادين للإمريكان من الدول المحيطة ضرورة إبقاء العراق مستنقع قتال تغوص فيه القوات الأجنبية "الأمريكية" بالمستوى الذي يحد من قدرتها في التوسع صوب حدودهم التي تستشعر التهديد.

4. التغيير بطريقة الحرب الخاطفة وشدة الخسائر في البنى التحتية للبلاد كون قلقا عارما في عموم المجتمعات العربية والإسلامية القريبة والبعيدة، ودفع العديد منها إلى:

أ. السعي وأجهزتها الإعلامية الرسمية للتدخل في إبقاء مصادر هذا القلق ومسبباته ماثلة في محيط العراق، تقاتل في ساحته أطراف كثيرة، وبأمتدادات دعم خارجية متشعبة تبدأ من الجامع في الحي والمدينة ولا تنتهي بأعلى مستويات الدولة.

ب. الإنحياز بالضد من الوضع الجديد بالعراق إنتقل إلى الشارع العربي الذي تهيأ بعضه لأن يغذي الإرهاب والأعمال المسلحة الجارية.

ج. الوقوف الإقليمي في غير صالح التهدءة في العراق.

وهي على وجه العموم معالم قلق وتوجهات للتعامل مع دوافع تسريبه "تنفيسه" ألتقت مع:

الغياب الملموس لفاعلية الإعلام المحايد، والمنصف لنقل الحقيقة، والقيام بعمليات التهدئة والتوجيه النفسي للقبول بالواقع الجديد.

دخول بعض وسائل الإعلام العربية والعراقية طرفا في عملية التشظي بين الطوائف والأقوام، وفي الإثارة والتحريض لإدامة الإقتتال.

الدعم المالي المتواصل من المنظمات، والأشخاص، والحكومات إلى قوى وهيئات، ومنظمات سياسية، واجتماعية في المناطق الساخنة داخل العراق.

فتسببت في إنتشار مشاعر المقاومة وعدوى الإرهاب من خلال الدعم المعنوي الإعلامي، وكذلك المالي الذي يتحول قسم منه نتيجة الخرق، والتعاطف، والتناحر الطائفي، والتهديد إلى مصدر تمويل لتجنيد مقاتلين جدد بالضد من الحكومة، وتسديد حاجة المقاتلين الأخرين، وتنفيذ أعمال تخريب وقتل بتكليف على أساس القطعة لقاء ثمن مدفوع تشكل جميعها عوامل مؤثرة في إثارة الإضطراب الأمني.

5. الرغبة في تقوية النفوذ، وتوسيع المصالح في عراق مفتوح، وسوق رائجة، وثروات طائلة سحبت البعض من المحيط الإقليمي على وجه الخصوص إلى تقديم العون على أساس طائفي، وقومي، ومصلحي زاد من شدة التأزم، والاحتقان أحد روافد الإرهاب وعدم الاستقرار.

6. طول الحدود العراقية وطبيعتها الجغرافية ساعدت على أعمال التسلل والتهريب، حتى تكونت شبكات، وجماعات منظمة تدير تهريب الأسلحة، والإرهابيين، ووسائل التخريب من وإلى العراق لمصالح ذاتية، وأخرى طائفية، بالإضافة إلى تهريب النفط والبضائع الأخرى، وأستخدام عائداتها المالية في التمويل لأغراض الحماية، وتقوية النفوذ، والدفاع الذاتي عن المتحقق.

7. بقاء بعض معالم التوتر، والصراع في المنطقة عصية على الحل (خاصة العربي الإسرائيلي) يزيد من الإحباط الذي يولد عدوانا عند شرائح غير قليلة من العرب والمسلمين، وعندما لم يجد الموغلين به مجالا لإخراجه بأعمال ضد إسرائيل لأسباب فنية وجغرافية، يتجهون إلى أستبدالها بأهداف غربية، وأمريكية سهلة في محيط العراق الذي يعتقدون أنه ضمن دائرة النفوذ.


الجهد الميسور للتعامل مع واقع الإضطراب الأمني

1. في التركيبة الحديثة لمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية أعيد تشكيل الدوائر الآتية كسلطة أمن ضابطة هي:

أ. وزارة الدفاع. جهة تنفيذية، لها بحدود عشر عشرة فرق "حتى عام 2006" أغلبها مشاة وواحدة مدرعة، تتوزع من الموصل شمالا وحتى البصرة جنوبا، بأستثناء أقليم كردستان، يختلف المحللون العسكريون، والخبراء من قوات متعددة الجنسية، والضباط العراقيون في تقدير مستوى جاهزيتها، خاصة وإن أغلبها أقحم في مقاتلة الإرهاب خلال فترة التشكيل والتهيئة، ومع ذلك فإن مستويات الجاهزية وإن تم الإختلاف حول تقديراتها الحقيقية يمكن التأكيد وبضوء الإنجازات المتحققة، وطبيعة القتال الداخلي المعقد، وسياقات التنفيذ الميداني، أنها في تحسن، والوزارة ممثلة برئاسة أركان الجيش تؤدي مهامها الأمنية من خلال:  

أولا. التنسيق والتعاون مع قوات متعددة الجنسية، والاشتراك معها في تنفيذ مهام قتال فعلية، واسناد متبادل، خاصة من الطيران الذي لم يكتمل وجوده القتالي في الجيش العراقي حتى نهاية العام المذكور.

ثانيا. توزيع المسئوليات الأمنية مع وزارة الداخلية، قواطع عمل تدار مباشرة من قيادات، ووحدات تتبع كل وزارة، لا تخلو من بعض الإحتكاكات والتجاوزات بين الحين والآخر.

ثالثا. الاتصال المباشر مع العشائر، والوجهاء في نطاق مسئولياتها لتطويق الإرهاب، والحد من أتساع أعماله.

ب. وزارة الداخلية. جهة تنفيذية، شكلت بعد ما يقارب السنة على التغيير وحدات قتالية على مستوى الألوية، للتدخل ومكافحة الإرهاب، تتعاون مع قوات وزارة الدفاع، ومتعددة الجنسية في تحمل المسؤولية داخل بغداد على وجه الخصوص، مع نقل بعض وحداتها خارج المحافظة لأداء بعض المهام عند الحاجة، من أهم مشاكلها التي تؤثر على الأداء الخاص بالضبط والسيطرة بالإضافة إلى موضوع الجاهزية الذي لا يختلف كثيرا عن جاهزية وحدات وزارة الدفاع مسألة الخرق الأمني لبعض الأحزاب والمليشيات التي أضعفت قدراتها كثيرا، وعرقلت جهودها المفروضة في حسم بعض المواقف سريعا، ومع ذلك هناك جهود من داخل الحكومة، والوزارة وخارجها لتطويق هذه المشكلة، إذا ما فُعلتْ جديا، ستقلل من أثر هذا العامل على الجانب المهني، وعلى مستقبل هذه التشكيلات.

ج. جهاز المخابرات الوطني. وإن كانت مهامه تتعلق بالعمل الخارجي ومكافحة التجسس، لكنه مهتم بمتابعة الإرهاب على الساحة العراقية وأمتدادات التدخل الخارجي خاصة من جانب إيران،  التي تصب في نفس غاية المؤسسات الأخرى في ضبط الأمن.

د. وزارة الدولة لشؤون الأمن الوطني، وهي وزارة غير تنفيذية تهتم بأمور تتعلق بمتابعة الإرهاب، وتأثيرها في مجاله والقضايا المتعلقة بالأمن في النواحي الأخرى يكاد أن يكون محدودا.

هـ. مجلس الأمن الوطني، جهة أستشارية لمجلس الوزراء يشرف على العديد من اللجان ذات الصلة بالأمن الوطني، وينسق أعمالها في تقارير ترفع إلى المجلس، كما يسعى إلى تنسيق بعض الجهود المتيسرة للجهات المذكورة لصالح الأمن الوطني.

2. تتواجد على الأرض العراقية قوات متعددية الجنسية بقيادة أمريكية تتوزع في مناطق متفرقة من العراق تسهم تلك القوات في موضوع الأمن من خلال عدة أنشطة أهمها:

أ. تقديم الدعم والإسناد الجوي والمعلوماتي، والفني، والمدفعي للقوات العراقية، وحسب الحاجة لتنفيذ مهام قتالية ذات طابع أمني.

ب. الاشتراك مع القوات العراقية في أعمال القتال بالضد من الإرهابيين، والمسلحين في عموم مناطق العراق.

ج. الانتشار في مناطق محددة لأغراض ضبط الحدود، والسيطرة عليها.

د. تدريب القوات العراقية، وتأهيلها فنيا للتعامل مع الملف الأمني عراقيا.

هـ. البقاء قوة احتياط للتدخل الطارئ في حالات القتال الحرج بين القوات العراقية، والقوى المضادة.

ز. تقديم المشـورة لمفاصــل القيادة، وهيئات الركن في مجالات التدريب، والتسليح، وغيرها.

ح. السيطرة على، وحماية الأجواء العراقية.


الإستنتاجات

1. إن عملية التقييم الصحيح للوضع الأمني في العراق معقدة وشائكة، لا تعتمد فقط على عدد العمليات الإرهابية في الساحة، ولا على كم التخريب في البنى التحتية، وأعداد القتلى والمفقودين، والنوايا المبيتة، بل ومنها جميعا، وكم النتائج المتحققة على الأرض من الأهداف المرسومة لجانبي المعادلة الأمنية بطرفها الأول: الإرهابيون، والقوى المسلحة بالضد من جهة.

وطرفها الثاني: الحكومة بمؤسساتها الضابطة من جهة أخرى.

2. وعلى هذا الأساس، وبالنظرة إلى تطورات الموقف وطبيعة النتائج المتأتية من تفاعل طرفي المعادلة المذكورة في أعلاه يمكن أن يكون التقييم الأقرب إلى الواقع للوضع الأمني حتى نهاية عام 2006 كما يأتي:

آ. هناك وضع أمني مضطرب في قسم من مناطق العراق تحاول قوى الإرهاب، والجهات المسلحة بالضد من الحكومة، والمقاومة مد تأثيراتها إلى باقي مناطق العراق الأخرى التي تتمتع بقدر من الاستقرار، وهي بحسابات اليوم لم تحقق أهدافها الإستراتيجية، والتعبوية في هذا المجال.

ب. تشتد حالة الاضطراب الأمني، وتقل مستوياتها تبعا لعوامل عدة من أهمها:

أولا . تطورات العملية السياسية، وخطواتها الملائمة للواقع المعاش.

ثانيا. مقدار الدعم المالي، والإعلامي الخارجي للمسلحين، وقوى الإرهاب.

ثالثا. مستوى إدراك أهالي المناطق المذكورة لآثار الإرهاب الكارثية، والقتال بالضد من الحكومة.

رابعا. إمكانية الحكومة وحلفائها المشاركين بالعلمية السياسية وجديتهم في تحييد ومن ثم سحب أبناء المناطق الساخنة للمشاركة في الجهد الأمني والسياسي العام، وتحمل المسئولية الوطنية في مجالها لسد منافذ الإحتضان المعروفة للإرهاب.

خامسا. السيطرة الفعلية على الحدود من جهتيها العراقية، والتعاون الأمني مع دول الجوار لسدها أو السيطرة عليها في الجانب المقابل.

 ج. يقاتل الإرهابيون في الساحة بصفحات قتال منظمة أحيانا، وعشوائية في غالب الأحيان، وينتقلون من الواحدة إلى الأخرى تبعا للظروف، وهامش التحرك المتاح.

د. لم يحصل الفرد العراقي على فرصة التهيئة النفسية الملائمة للتعاون مع الأجهزة الأمنية في مكافحة الإرهاب إلى المستوى الذي يسهم في التقليل من حركته وآثاره، بسبب:

أولا. عدم وجود أجهزة متخصصة لدى مؤسسات الدولة العراقية لهذا الغرض.

ثانيا. التلون غير المتوافق وطنيا لبعض أدوات الإعلام الداخلي، وسعة تشتتها.

ثالثا. النوايا غير النزيهة لبعض توجهات الإعلام الخارجي.  

هـ. تحقق قوات وزارتي الدفاع، والداخلية نموا معقولا في القدرات القتالية سينعكس إيجابا على نتائج القتال بالضد من الإرهابيين في الأمد القريب.

و. تحاول الأجهزة المعنية في الحكومة تطوير إمكانياتها الفنية والتقنية، مثل الحدود، والهجـرة والجوازات، والإقامة مما يؤهلها متابعة وضبط حركة الوافدين، وتدقيق مدى عــلاقتهم بالإرهـاب والأعمال المسلحة، لكنها لم تصل إلى المستوى المطلوب فنيا، ولم تتخلص من معالم التعويق إداريا  حتى هذه المرحلة الزمنية، وسيسهم وصولها المقبول في جانبيهما "الإداري والفني" في الحد من إتساع رقعة الإرهاب وتطويقه خطوة مهمة للتغلب عليه في ساحة قتال معقدة.

ز. رغم إن الحكومة حققت تقدما ملموسا بنواياها لضبط الخروقات الأمنية في أجهزتها المختصة، وفي توجهاتها للحد من أعمال الفساد إلا إن عموم إجراءاتها لم تكن كافية حتى الوقت الحاضر لتطويق الإرهاب، والأعمال المسلحة بالضد من هيئتها، ومساعيها في إعادة البناء المطلوب للشخصية الوطنية العراقية.

ح. إن الأجهزة الأمنية الحالية غير مؤهلة بما يكفي حتى نهاية عام 2006 للتعامل الرادع مع قوى الإرهاب، كما إن الأجهزة الاستخبارية الموجودة لا تملك قاعدة المعلومات المناسبة، ولا الخبرة الكافية للمساعدة في عملية الردع المطلوب، وهذه عوامل ستعيق قدرة الحكومة على الحسم في ميدان القتال الفعلي لفترة لاحقة لا تقل عن السنتين من الآن.     

ط. أكثر الأمور تهديدا للأمن الوطني العراقي حتى الآن تتمثل في معظمها بالآتي:

أولا. انتقال أعمال وبؤر الإرهاب إلى الوسط، والجنوب الآمن نسبيا من خلال التأثر، والإغراء المادي، والعقائدي، والسلطوي.

ثانيا. عدم حل أو السيطرة على مسببات الصراع الدولي داخل الساحة العراقية بين أمريكا وإيران من جهة، وامريكا وسوريا من جهة أخرى على وجه الخصوص، سيبقي هامش التدخل الخارجي موجودا ومؤثرا، وقد يوسعه بمحيط تأثير أكثر مما هو موجود في وقتنا الراهن في المنطقة الممتدة من بغداد في الوسط إلى البصرة في الجنوب، الأكثر خطورة على أمن العراق ومستقبله السياسي.  

ثانيا. البطالة أحد الأسباب التي دفعت قسم من الشباب إلى التوجه للعمل المسلح في مناطق التوتر خاصة، وهي آفة يمكن أن تسحب آخرين في الوسط، والجنوب في حال استمرارها لأن يشكلوا تنظيمات بالضد من الحكومة تصبح مهيأة لتقبل الدعم، والإيحاء الخارجي والداخلي لتنفيذ مهام  مسلحة لأغراض داخلية خاصة أو خارجية بالإنابة.

ثالثا. إن الأكثر احتمالا لإثارة القلق، والتأثير على الأمن الوطني هو الاقتتال الداخلي ليس بين الطوائف، والمذاهب، والأقوام، الذي يعد موجودا في بغداد ومناطق قريبة تتشكل تركيبتها الإجتماعية من تعددات مختلفة فقط.

وإنما الإقتتال بين أبناء الطائفة الواحدة الذي يمهد حصوله المحتمل (بدرجة توقع تزيد عن الوسط) إلى حرب طاحنة يقع المجتمع العراقي على حافاتها الخطرة حاليا، والذي تحاول بعض الأطراف الخارجية جر العراقيين إلى مأساتها لحسابات توازن أقليمي، ومصالح دولية بعيدة المدى.

رابعا. التجزأة الحاصلة بالولاء الوطني العراقي على مستوى الأحزاب، والكتل والحركات السياسية، دفع بعضها إلى الإمتداد طويلا إلى الخارج بهدف الحصول على الدعم، والأسناد الكافي لديمومة البقاء والتأثير، ودفع البعض من قادتها إلى أتخاذ الخارج قاعدة ضغط على الحكومة والداخل، وهو أمتداد وأستعانة شوهت العديد من الصور والمواقف، وحالت دون التعاون المفروض لدول مؤثرة في الخارج مع حكومة عراقية يؤدي التعامل معها وتقويتها إلى الحد من الإضطراب الأمني.   

ي. رغم التداخل في المهام والواجبات، وحســاسية العمــل فــي المـدن، والمناطــق بيـن الجهــات الرئيسية المســئولة عن تحقيق الأمن من قوات متعددة الجنسية، ووزارة الدفاع، والداخلية فإنـه عمــل لــم يشهد أية تقاطعات أو مواجهات مضادة، الأمر الذي يؤشر:

أولا. استعدادات مقبولة على المستوى القيادي لتفهم طبيعة الوضع الأمني.

ثانيا. تقبل جيد للوضع العسكري القتالي على المستوى القاعدي "المنتسبين".

ثالثا. إمكانات للتعاون مفتوحة لتحقيق خطوات أفضل في بسط الأمن والإستقرار في المستقبل المنظور.          

3. إن وقائع العمل الإرهابي وتطوراته في العراق إذا ما حقق القائمون عليه "القاعدة"  بعض النجاحات الميدانية في تأسيس قواعد الدولة الإسـلامية السـلفية، وإجهاض محـاولات الإنتقال إلــى الديمقراطية، وهو الإحتمال الذي يصعب تحقيقه، سيكون هناك تسرب حتمي لأعمالها، وافرادها، وافكارها إلى دول الجوار بحكم النشوة المتأتية من تحقيق هذا الإحتمال، والرغبة في التوسع ومد النفوذ إلى الخارج القريب.

وإذا ما فشلت بتحقيق أي من أهدافها الاستراتيجية، وخسرت المعركة الدائرة في العراق، وهو الإحتمال الأكثر رجحانا، سيكون هناك تسرب أيضا للأشخاص، والأعمال، والنوايا إلى ذات الدول وأخرى غيرها "بدافعية أقل" من خلال الإنكفاء على الذات، والعودة والارتداد إلى البيئة الأصلية.  

وهو تسرب لابد من قيام أجهزة الدولة العراقية المعنية بالتأكيد عليه، والتحذير من إحتمالات حصوله وثائقيا في محاضر تعاونها وتنسيقها مع دول الجوار، لزيادة دافعيتهم في التعاون بمجال المكافحة وضبط الحدود  تحت ضغط الضرورة الحتمية التي ستنعكس إيجابا على الوضع القادم في العراق.       

4. مهما كانت حالة الاضطراب في الوقت الراهن، فهناك العديد من العوامل الإيجابية يمكن أن تسهم في التخفيف من حدته خطوة أولى تمهد إلى الاستقرار في المستقبل ليس البعيد من الآن خطوات لاحقة بينها:

أ. إقرار التعديلات الدستورية، والإصرار على الالتزام بمواد الدستور.

ب. التقيد بخطوات إعادة البناء الديمقراطي كاهداف عامة، والتخلي عن التوجهات الذاتية لتقوية الحزب والكتلة والطائفة على حساب الحكومة والوطن.

ج. الاعتراف بالتوافق صيغة تسمح في المشاركة بالحكم، دون التنازل عن الأستحقاقات الإنتخابية وسيلة لإدارة الحكم، والسعي لإيجاد آليات مناسبة لتنفيذ فلسفة التوافق، تسهم في تجاوز معطيات التقييد في التشريع، وإصدار القرار.

د. الإقـرار بانسحـاب القوات الأجنبية، وإقران تحقيق ذلك بتحسن أداء وقدرات القوات العراقية. 

هـ. التحرك حكوميا لإدامة قوة الدفع الدولية المتيسرة لزيادة جاهزية المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، والعمل بجدية على جعلها محايدة"غير مسيسة".

و. السعي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية، قوية بأقل ما يمكن من قيود التوافق المهيمنة.

ز. التحرك إعلاميا على مستوى الداخل والخارج لتوحيد نظرة العراقيين إلى الإرهاب، ومساعدتهم نفسيا لإدراك:

أولا. طبيعته، وأهدافه القريبة والبعيدة.

ثانيا. مستويات تأثيراته الفعلية داخليا، وخارجيا.

ثالثا. الثمن الذي سيدفعونه بسبب وجوده وأنتشاره، دونما تفريق بين مذهب وطائفة، وقوم، ودين.

ح. التقدم حثيثا باتجاه تحقيق الاستقلال الكامل للحكومة، وقواتها المسلحة، وأجهزتها المختصة في جوانب الأمن، والاقتصاد، وغيرها من المجالات المهمة.

ط. الإسراع في حل المشاكل العالقة توافقيا مثل مسألة كركوك، والنفط، وتوزيع الثروة، وغيرها.


الخاتمة  

1. إن الواقع الأمني في العراق معقد وشائك، تؤثر فيه، وتتأثر به العديد من العوامل الداخلية والخارجية، يصعب تسطيرها أو إلقاء الضوء على جميعها في ورقة مثل هذه، حاولتْ أن تركز على الصور الأقرب إلى الواقع فيما يتعلق بالأمن الذي يعد حتى كتابتها مضطربا في عراق يخطو ببطء شديد نحو الإستقرار، وتطبيق الديمقراطية. 

2. إن التجزأة أو الفصل الذي تم في أعلاه بين العوامل الداخلية والخارجية، قد جاء في الواقع  لأغراض نظرية يقصد بها، مساعدة المتتبع على الإلمام بالتفاصيل، لأن حقائق الواقع في الأمن العراقي تؤشر تداخلها بمستوى باتت فيه معظم العوامل تؤثر وتتأثر بالأخرى، كما تجدر الإشارة إلى أن تأثيرات العامل الخارجي فيها هي الأقوى، وإن أمتداداته باتت من السعة قدرا تحرك الداخل سياسيا، وأجتماعيا، وأمنيا، حدا يمكن فيه القول:

أ. أن الحالة العراقية مشكلة دولية، يكمن حلها أو الجانب الكبير من حلها في الوقت الراهن بين أقبية السياسة الدولية، والإقليمية.

ب. إن ما متيسر من عوامل الداخل، ومسموح للتحرك في مجالها ضمن حدود الداخل سيكون في الإطار التنفيذي لحلول متفق عليها غالبا في الخارج، ومطلوب تنفيذها غالبا في الداخل بهامش مناورة محدود.

ج. إن الأمر سيبقى هكذا إلى مرحلة زمنية قد تطول أو تقصر تبعا لعوامل متعددة بينها التفاهمات الممكنة بين أمريكا الدولة الأقوى وجميع دول الإقليم "بضمنها إسرائيل" التي باتت تمتلك جميعها حصة في ساحة الصراع الدائر، ومشاركة في القتال المحتدم بأدوات تنفيذ عراقية.

3. ومع كل تلك العوامل في الإثارة، وسبل الحل للإضطرابات الأمنية التي عمت الساحة العراقية للعامين المذكورين، والتي من المحتمل أن تستمر عدة سنوات لاحقة، فإن التخلص منها أي الحصول على الإستقرار كما يوده العراقيون لا يمكن أن يتحقق بذكر العوامل، وتحليل الأسباب، ووضع الحلول والمقترحات بمتناول المعنيين وسلطات القرار التي حاولت الورقة تقديمها، دون حصول عملية النضج الكافي للتمهيد إلى الإدراك الواعي "السليم"، كعامل مساعد.

والنضج المقصود هنا عامل نفسي فاعل ينبغي النظر من خلاله إلى هذه الأزمة المعقدة نظرة قوامها حاجة المجتمع العراقي مثل غيره من المجتمعات التي مرت بنفس ظروف الإضطراب إلى فترة زمنية لتغيير المفاهيم "نضج" تكون شدة المثيرات خلالها كافية لتصحيح الإدراك غير الصحيح للتعامل مع المشكلة، وآثارها، وعوامل التأثير في وجودها وأستمرارها، كون الإضطراب سلوك تتشكل بعض أنواعه في كثير من المواقف من الإدراك الخطأ "الواهم"   

إن المرحلة المقصودة يمكن تشبيهها مجازا بعبور زمني لجسر إفتراضي تتخللها مصاعب "مثيرات صدمية" طيلة فترة المرور من فوقه.  

تفضي إلى الإنتقال الحتمي "نضج يكفي لتصحيح الإدراك".

من زمن الفوضى والإضطراب "إدراك خطأ".

إلى زمن الأمن والإستقرار " إدراك سليم".

وهو من الناحية العملية نضج للقدرة العقلية يكفي لتحقيق حالة الإدراك الواعي السليم وبمستوى  يسهم في تشكيل سلوك جديد بمخرجات جديدة تبتعد عن تلك التي تنتج الإضطراب.

إنها مرحلة نضج وتنفيس لإنفعالات العدوان في النفس العراقية يحتاجها المجتمع في عبوره الحتمي إلى الزمن القادم بخطوات سير على الجسر عادة ما تكون بطيئة، وصعبة، وخطيرة يتعرض خلالها إلى العديد من الصدمات بمستويات شدة قادرة على تحقيق الإستفاقة التي تعيده بوجود متغيرات وعوامل البيئة المحيطة إلى إدراكه الواعي بمخاطر الإضطراب، ومع ذلك فإن خطوات السير"النضج" البطيئة يمكن أن تسرعها نتائج الأحداث، وصحة التعامل، والظروف الأخرى المحيطة بها كما في الأمثلة التوضيحية الآتية:

عندما يشترك أحدهم بالقتل الطائفي المخل بالأمن على سبيل المثال سيدرك عندما يتعرض إلى صدمة القتل المقابل لأفراد عائلته وبعض من أصدقاءه بذات الدافع الطائفي "وبوجود منبهات إجتماعية إيجابية مثل النصائح، إعلام التهدءة، الفتاوى الدينية" أن هذا النوع من القتل لا يجدي نفعا في حل الخلافات، وإنه خطأ لا بد من تجاوزه في الطريق إلى الإستقرار. وهو نضج تدرجي يمكن أن يعين صاحبه من التقرب إلى الضفة الأخرى من الجسر.  

وعندما يتجه أحد لأستخدام السلاح المخل بالأمن لإضعاف السلطة المركزية للدولة بهدف تحقيق مطالب وغايات سياسية أو محلية ذاتية، وأن قريته أو محلته تتعرض يوما إلى أعتداء مسلحين غرباء، دون أن تتمكن الشرطة المحلية أو الوحدة العسكرية القريبة التي أسهم بإضعاف قدرتها في التدخل لنجدته وأبناء قريته، قد يدرك يوما، بعد تتابع أحداث مثيلة "نضج" أن حاجته والمجتمع حتمية إلى سلطة مركز قوية يعيش هو بضلها آمنا دون الحاجة إلى حمل السلاح.

وعندما يسعى قيادي في حزب سياسي لنشر أعضاء حزبه في الوحدة العسكرية أو مديرية الشرطة الموجودة في المدينة التي له فيها نفوذ لتحقيق أهداف خاصة بالحزب مثلا، ويوم يواجه تحجيما لنفوذه في المدينة المجاورة بسبب سلوك مشابه لحزب آخر أو تفوق لغير حزبه في أنتخابات محلية يتبدل بسببها النفوذ، ويلجأ على أساسها آمر الوحدة، ومدير الشرطة إلى تسريح أفراد حزبه، وإدخال غيرهم من الحزب الفائز صاحب النفوذ الجديد، يمكن أن يقترب هذا السياسي وقيادات حزبه من إدراك حقيقة أن السعي لتسيس العسكر، وقوات الأمن الداخلي خطأ، وإخلال بالضوابط المهنية، وإنحياز مؤقت غير مجدي، وإن إبقاء الجيش والشرطة على الحياد بعيدا عن السياسة أكثر ضمانا لأمنه وباقي أفراد حزبه والبلاد.

وهكذا تتسع الأمثلة لتوصلنا إلى قناعة أن الإضطراب الأمني في أي مكان وزمان حالة تنتجها  المصالح والتناقضات، وأشكال الصراع، وإنفعالات العدوان، والسلوك الخطأ في التعامل مع معطياتها بسبب الإدراك غير السليم، لتضحى في نهاية المطاف مرحلة زمنية حتمية تطول أو تقصر تبعا إلى:

أ.غزارة المثيرات المساعادة للعبور من على الجسر "النضج" إلى الزمن الآمن في الضفة الأخرى، وقدرتها على إحداث صدمة التوعية المطلوبة.

ب.مقدار التنبيهات التي تتفاعل مع المثيرات المتيسرة على الجسر مثل الإعلام، والتربية، والمعايير القيمية، والتدخل المنصف خارجيا وداخلا، ونزاهة السياسيين وقابلياتهم في تقديم الحلول، ومقدار الإعياء النفسي، وغيرها الكثير.

ج. كم المتحقق من الأهداف الاستراتيجية لبعض الأطراف المشاركة في ساحتها، ومقدار قناعة البعض الأخر بإستحالة التحقيق.   

جميعها عوامل تتفاعل فيما بينها لتنتج الواقع الأمني المستقبلي الذي سيتجه في العراق إلى الإستقرار الحتمي بسرعة تعتمد على إكتمال عملية النضج، وكم المتحقق من الأهداف.   

6  كانون ثاني 2007