من المعروف في العلاقات والسياسة الدولية أن مواقف الدول من غيرها والأحداث تبنى عادة بضوء المصالح الاستراتيجية لتلك الدول، وعلى اساس هذه الحقيقة يمكن النظر إلى مواقف الجارتين المسلمتين تركيا وإيران من عملية تغيير نظام حكم صدام في العراق، وكذلك من إعادة الاستقرار في ربوعه بعد حصول التغيير في نيسان 2003.
أ. تعد تركيا وبكل المعايير الاستراتيجية من الدول القريبة من بؤرة الأزمة لوجودها جارة للعراق موضوع الأزمة، وقربها من الخليج العربي ساحتها، ولارتباطاتها الخاصة بالمنطقة وخارجها، وسيكون لموقفها أهمية على المستويين الداخلي والخارجي لفاعلية كفتها في التوازن الإقليمي (نهاية الألفية الثانية).
إذ تفوق مساحتها مساحة العراق وسوريا.
ويزيد عدد سكانها عنهما ودول الخليج.
وتنفق لأغراضها العسكرية ما يصل إلى 6 بلايين دولار سنويا.
وسعة تعداد قواتها المسلحة يزيد عن 600 ألف جندي مدعومين بقدرات قوامها 4000 دبابة و430 طائرة مقاتلة حديثة، و20 سفينة حربية، و16 غواصة.
اشتراك فعلي لها في بنية حلف الشمال الأطلسي.
مما جعلها من بين أبرز حلفاء الأمريكان في حرب الخليج الثانية بعد الإنجليز، والفرنسيين من خلال اتخاذها موقف المشاركة بقوات عسكرية، واستخدام قواعدها الجوية لطائرات الحلفاء.
وكانت تلك من بين أهم العوامل التي تفاعلت مع مصالحها وكونت موقفها من التغيير الذي تأسس على عدة اعتبارات بينها:
أولا. كانت تركيا تحسب العراق قبل الأزمة بمثابة حجر الزاوية، بل والقاطرة التي تشد مجمل العلاقات العربية - التركية نحو تحقيق مصالحها الشاملة، كذلك السوق التي يمكن أن تعدل بالتعامل معها وضعها الاقتصادي غير المستقر، وخسارته إثر إتخاذ موقف يفسر بالضد ينبغي أن تعوض بقدر كاف.
وعندما لم يجر تعويضها كما تريد في أعقاب حرب الخليج الثانية حاولت أن تجد لها فرصة للتعويض من خلال التأسيس على وضع العراق الخاص، وحاجة صدام إلى البقاء، واستعداده لمنحها الكثير من أجل تحقيق تلك الحاجة.
ثانيا. لا تحبذ أي وضع جديد للعراق على حساب دول المنطقة إلى المستوى الذي يمكن أن يشكل فيه تهديدا لأمنها القومي، ولا تريد له موقعا يدفع الأمريكان إلى أستبدال موقعها الاستراتيجي في السياسة الأمريكية، وحلف شمال الأطلسي.
ثالثا. وجدت في أزمة العراق والمنطقة فرصة يمكن استثمارها في عدة اتجاهات :
(1). تعزيز دورها الاستراتيجي في عموم المنطقة بعد زوال الخطر السوفيتي.
(2). تأكيد أهمية دورها في إطار التحالف الغربي الذي يمكن توظيفه لزيادة احتمالات دخولها في الجماعة الأوربية.
(3). لم تنس تركيا في خضم الأزمة وضع التركمان في العراق كأقلية تتمركز في مناطق إنتاج النفط (كركوك - الموصل) أملا في الضغط باتجاه حصولهم على أهدافهم ضمن العراق، والتأسيس على أصولهم في القدرة على التحرك في الساحة العراقية عند الشعور بتهديد مصالحها القومية.
إذ أكدت على لسان رئيس وزرائها بعد انتهاء الصفحة العسكرية لحرب الخليج الثانية على سبيل المثال (أن إعادة تكوين العراق بعد الحرب يجب أن تضمن حقوقا ديمقراطية لعموم الشعب العراقي بما في ذلك الأقلية التركية). كما قدم في ذات الوقت مشروعا لتقسيم العراق على أساس الفدرالية، ثلاث دويلات عربية وكردية وتركمانية ، كما دعا وزير دفاعها عام 2002 بشكل معلن ضم ولاية الموصل إلى تركيا وبضمنها كركوك.
ب. إلا أن علاقة تركيا بالأزمة تختلف من زاوية المشاركة، ففي الوقت الذي أنهت بعد الحرب الخليجية الثانية غالبية الدول تحالفها، وسحبت قواتها من المنطقة باستثناء الأمريكان وأقل منهم الإنجليز، فإن تركيا أبقت مشاركتها فاعلة من خلال التخصيص الاستراتيجي لقاعدة أنجرليك الجوية لطائرات الحلفاء التي تنفذ مهام حظر الطيران شمال الخط 36، بسبب تقديرات خاصة بها ضمنت على أساها ثمنا يتمثل في:
أولا. إطفاء قسم من الديون المستحقة للولايات المتحدة الأمريكية.
ثانيا.مرور معظم النفط المصدر من العراق لاتفاق النفط مقابل الغذاء والدواء عبر أنبوب النفط العراقي التركي.
ثالثا. السماح لآلاف الشاحنات الحوضية بنقل المنتجات النفطية العراقية لبيعه في أراضيها مقابل مواد، وتجهيزات ومنتجات تركية.
رابعا. موافقة غربية أمريكية لتحرك قطعاتها في شمال العراق لمطاردة منتسبي حزب العمال الكردستاني "التركي" وفي أي وقت تراه مناسبا.
ج. كان ذلك ثمنا من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية مثاليا بالنسبة إليها، وكـذلك من الناحية السياسية بعد أن خلصها من أية ضغوط محتملة من العراق وسوريا والعرب في تحركها تجاه الإسرائيليين والغرب، وهو وضع ساهم بتكوين وجهة نظرها من عملية التغيير على النحو الآتي:
أولا. عدم الاكتراث بتفاصيل، ومتغيرات الوضع في العراق لما بعد الحرب الخليجية الثانية أو بمعنى آخر الرغبة باستمرار التوتر في الوضع الداخلي والعلاقات الخارجية للعراق ما دام الاستمرار يخدم مصالحها العليا.
ثانيا.عدم الميل إلى تغيير نظام الحكم في العراق تغييرا جذريا عن طريق الجهد المعارض، لأنه تغيير ينذر بخلق واقع قد يحصل فيه الأكراد على الفيدرالية التي ترى فيها استثارة لأكرادها، واضطرابا لاستقرار منطقتهم بشكل يسحبها إلى خوض صراع سوف لن تتوقف معالمه عند حدود معينة، رغم دعمها لأهداف فصائل معارضة عراقية تركمانية بالفدرالية المحتملة للتركمان أسوة بالأكراد (خيار الضرورة).
د. لكن تركيا ورغم وجهة نظرها المذكورة في أعلاه فإنها نجحت في مد جسور ليس مع حكومة صدام فقط، بل وكذلك مع الحزبين الكرديين الرئيسين (الحاكمين) في كردستان العراق (الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الديمقراطي الكردساتاني)، سعيا منها لتحجيم فاعلية حزب العمال الكردستاني المعارض، ولأن يكون لها حضورا في تصوراتهما لأية حلول ممكنة لوضع منطقتهم في إطار عموم الأزمة.
هـ. إن تركيا ورغم قناعتها بصواب نظرتها في التعامل مع جوانب الأزمة فإن تحالفها مع الأمريكان، وعضويتها في حلف شمال الأطلسي، وسعيها للانضمام إلى المجتمع الأوربي جعلها أكثر مرونة من غيرها في تغيير تلك النظرة، وبما يتناسب ووجهة النظر الأوربية، والأمريكية عندما تحين الفرصة أو يطلب منها ذلك تحت الضغط المحسوب.
و. أما موقفها من استقرار العراق، لمرحلة ما بعد التغيير، فإنه يتوقف على عدة عوامل بينها:
أولا. سعة الكسب الذي يمكن أن يحصل عليه الأكراد في العراق، ومدى تهديده للأمن القومي التركي.
ثانيا. مقدار حصة التركمان في الدولة العراقية الجديدة.
ثالثا. طبيعة العلاقة المستقبلية للعراق مع الأمريكان، والدول المحيطة.
رابعا. حصة الشركات التركية في عملية إعادة الإعمار.
ز. إن تركيا التي فضلت عدم المشاركة في الجهد الحليف في الحرب الخليجية الثالثة، وجدت نفسها مقيدة بالعوامل المذكورة لتحديد طبيعة موقفها من استقرار العراق لمرحلة ما بعد صدام والذي يتمثل في الرغبة بتحقيقه أي الاستقرار سريعا لأنه بشكل عام سيفتح لها مجالات واسعة للتعامل التجاري، وأفق لعلاقات جيدة قد تصل إلى مستوى التحالفات، وتعاون عملي في مجالات مكافحة الارهاب.
أ. قامت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ومع بداياتها طرحت شعارات تتمحور حول تصدير الثورة إلى الخارج، وخاصة إلى الدول العربية، والإسلامية التي تتواجد فيها جالية شيعية أعتقد الإيرانيون أنها أرضا خصبة لنشر أفكارهم، واعتقدت حكومة صدام، وبعض الدول العربية القريبة أن أنظمتها مستهدفة كمجال للتنفيذ الفعلي لتلك الأفكار، ساعدهم على تعزيز هذا الاعتقاد الحماس الثوري لبعض الإيرانيين، ومفردات التسميم السياسي التي بدأت تأتي من الغرب مؤكدة ذلك الحماس، وبذا تكَّون إيحاءً مضادا للثورة في الأيام الأولى لحدوثها، تطور إلى رغبة للقيام بعمل ما، ومن ثم استعدادا للقيام به لإفشالها "الثورة" أو إجبارها على الارتداد إلى الداخل، وتناسي الامتداد إلى الخارج على أقل تقدير.
فكانت حرب الخليج الأولى "الإيرانية العراقية":
برؤى غربية " أمريكية".
تمويل عربي خليجي.
أداة تنفيذ "موت" عراقية.
أنتهت بعد ثمان سنوات بصيغة التعادل السلبي ( إذ أنه ورغم الخسارة شبه المتعادلة في نتيجة الحرب التي دارت بين الدولتين، لكنها بالنسبة إلى العراق كانت خسارة حاول العالم الغربي التقليل من شأنها إعلاميا، وأحيانا إبراز بعض النقاط التي صيغت إيجابية لصالح صدام وحكومته اللذان بذلا جهدا كبيرا في إخراجها حقائق تقريبية لإقناع العراقيين والعرب وأنفسهم بصحة وجودها، خطوة يبدو أنها كانت مدروسة للتمهيد إلى قرار الحرب الخليجية الثانية، وتكوين أزمة في ساحة العراق على المستويين الداخلي والخارجي.
ب. لقد انتهت الحرب "الخليج الأولى" من الناحية العسكرية لكن بعض آثارها، والمتعلقات ذات الصلة بها استمرت لتبقي مشاعر العدوان ماثلة في النفوس لكلا البلدين بينها الأسرى والمفقودين وتعويضات الحرب، وإرهاصات التنازل التكتيكي عن بعض المناطق الحدودية، والعودة إلى اتفاقية الجزائر عام 1975.
وكذلك تطبيع العلاقات .... الخ من متعلقات كانت من بين الأسباب التي استثمرت من الخارج لإبقاء العراق في حالة توتر وانفعال، ووضعت إيران في موقف الحرج طيلة السنوات التي أعقبت نهاية الحرب.
ج. لكن إيران ورغم وزنها الإقليمي في المنطقة الذي يتأسس (حتى نهاية الألفية الثانية) على سكان يزيد عددهم عـــن 70 مليون نسمة، وإنفاقه عسكري يتجاوز 4 بلايين دولار ســـنويا، وتـعداد لقواتها المسلحة يصل إلى 500 ألف جندي بالإضافة إلى 350 ألف من الاحتياط المدعوم بدبابات، يصل تعدادها إلى 1440 دبابة، و300 طائرة مقاتلة قاذفة، وقدرة صاروخية استراتيجية، قد أدركت إنها قريبة من حافة بركان في العراق يعد التقرب منه ولوج في الكارثة، والابتعاد عنـه تنازل عــن المبادئ والأهداف.
وبالتالي تصرفت قبل حرب الخليج الثانية وأثنائها بحيادية دقيقة طمأنت العراق ليستمر في معاقبة الكويت والسعودية أطراف الحرب الأولى غير المعلنة، ويدمر نفسه تدميرا عجزت هي عن القيام به لثمان سنوات، ويحـقق لهـا بالمحصلة أكثر من مائة وعشرين طائرة عراقية مختلفة الأنواع (أقلعت من العراق لتحط في إيران تفاديا لتدميرها بعد أن اقتنعت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية صعوبة استخدامها في القتال الجاري مع الحلفاء) أملا في أن تُقنع المتشددين باعتمادها بديلا عن التعويضات التي طالبوا العراق بدفعها، ويحقق لها إضعافا للعراق والدول العربية القريبة في توازنهم الإقليمي معها.
إلا أن هذا الحياد الحساس كاد أن يخترق إبان الانتفاضة بسبب التواجد النوعي لبعض فصائل المعارضة العراقية على الأرض الإيرانية، وإقامة جالية عراقية ليست قليلة على أراضيها، لكنها ضغطت باتجاه الالتزام به نتيجة لتحذيرات الأمريكان الذين لا يرغبون بأي تقارب إيراني وحكومة عراقية محتملة، ولحسابات داخلية وإقليمية وجدت فيها أن عدم التدخل (إلا في مجالات محدودة، وسرية) والانتظار هو الأكثر أمانا في ظروف التأزم غير الاعتيادية.
د. كما إن إيران التي اقتنعت بالنتائج التدميرية لحرب الخليج الثانية بالنسبة للعراق، والكويت في آن معا حاولت بعد انتهائها أن تستثمر فرص الكسب الاقتصادي المتاح شأنها شأن الغير في المنطقة والبعيدين عنها، ولو بشكل محدود، وذلك بفتح حدودها للبضائع العراقية المعروضة بأرخص الأثمان، والسماح بتصدير أخرى إلى العراق، مع العمل على شراء النفط العراقي بأسعار تصل إلى أقل من نصف سعره في السوق العالمية، وإعادة بيعه نفطا إيرانيا حقق لها أرباحا جيدة، وحقق لحكومة العراق سيولة لازمة لديمومة وجودها الأمني والاستخباري.
وهذه تطورات استفادت منها إيران أيضا في الوصول إلى تفاهم ولو مؤقت مع حكومة صدام للتقليل مــن النشاط العسكري لمجاهـــدي خلق المعارضة ضد أهداف في العمق الإيراني، وبحدود ملموسة، مقابل الحد من نشاط وعمليات المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وعدد من الفصائل الإسلامية المعارضة في العمق العراقي والمدعومة من قبلها.
( هذا استنتاج تأسس على حقيقة باتت واضحة بعد العام 1998 عندما تطورت العمليات العسكرية المتبادلة بين البلدين لمستوى سميت في حينها حرب الإنابة بينهما، نتلمس فيها قيام مجاهدي خلق على سبيل المثال بعملية قصف بالهاونات على أهداف حكومية داخل طهران، تعقبها بعد فترة ليست بعيدة قيام خلايا للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وقوى معارضة أخرى بضرب القصور الرئاسية وأهداف أمنية داخل بغداد، وهكذا تكررت الحالة أكثر من مرة، وحدوثها لا ينفي وجود التفاهم المذكور، بل ويؤكد وجوده ورقة يحاول كل طرف التلويح بها للطرف المقابل بين الحين والآخر بغية الحصول على فرص أفضل للضغط تساعده في تأمين مكاسب أكثر في مضمار الصراع الواسع بين الطرفين المتناحرين).
هـ. إن الظروف، والملابسات، والتحديدات المذكورة كونت موقفا لدى الإيرانيين من التغيير في العراق لا يقل تعقيدا عن مواقف الدول الأخرى، يتمثل بمرحلتين زمنيتين:
موقف للفترة الزمنية التي أعقبت حرب الخليج الثانية وحتى نهاية عام 2001 يتأسس على الرغبة في إنهاء أزمة العراق بصيغة التغيير الجذري لحكومة العراق تغييرا يؤمن:
أولا. بطلان حجج استمرار التواجد الأمريكي المقلق في جوارها.
ثانيا. إنهاء شكل الصراع الدائر بين البلدين والتخلص من أعباء العراقيين اللاجئين، والمسفرين المتبقين على أراضيها.
ثالثا. مساعدتها على التفرغ إلى إعادة بناء اقتصاد بلدها الذي يعاني مشاكل عديدة.
و. لكن التغيير الذي تتمناه إيران تحاول أن لا تكون طرفا فيه لعدة أسباب أهمها:
أولا. إن وجودها المباشر في عملية التغيير خيار يعني التنسيق مع الشيطان الأمريكي الأكبر، الذي يَعِدُ بالتغيير والقادر على دعم تحقيقه.
وهذا أمر لا يتلاءم وتوجهاتها الشرعية، والفكرية، والاستراتيجية.
ثانيا.إي نوع من المشاركة لها دون التنسيق مع الأمريكان، وإن كانت غير مباشرة يعني التجاوز على الخطوط الحمراء التي رسموها للتعامل مع موضوعه " التغيير ".
وفي هذه الحالة ستتحمل أعباء الرد الأمريكي المحتمل لقوات تتواجد عدة كيلومترات عن أراضيها، ومياهها الإقليمية، وهذا ما لاطاقة لها به.
ز. والتغيير أيضا لا تود أن يكون غير إسلامي، ولا من خارج التيارات العراقية المعارضة التي تتعامل معها رغم قناعتها أن هذه التيارات لوحدها غير قادرة على التغيير من الداخل في ذلك الوقت.
وتلك كانت متغيرات جعلت في نهاية الأمر أن يكون موقف إيران من التغيير حتى أيلول عام 2001 يتمثل في الاتي:
وقوفا في صف الذين ينتظرون التطور في المواقف الدولية، والإقليمية عسى أن يهيئ فرصة للتغيير كما تراه هي مناسبا، وبعكسه فإن الانتظار الطويل مع حكومة العراق الضعيفة أقل خسارة من الخيارات الأخرى، والتعامل معها لعبة شد الحبل أقل كلفة بالنسبة لها من كل الوسائل الأخرى المتيسرة في ذلك الوقت.
إن موقف إيران من عموم المنطقة قد تغير نسبيا مع بداية الألفية الثالثة إذ أنها بدأت بعلاقات جديدة مع دولها (خاصة بعد تولي الإصلاحي السيد محمد خاتمي الرئاسة) أدخلتها مرحلة جديدة من تخفيف التوترات، وعلى أثرها لم تلوح بتصدير الثورة، وعوضا عن ذلك توجهت لتحسين صورة الثورة الإسلامية، مدعمة بنزعة واقعية ملحوظة في خطابها السياسي، وبسببها أصبحت أقرب للمنطقة والعرب من أي وقت مضى، وهو أقتراب قد يتحول في حال إستمرار نهج الإصلاح في المستقبل ليس البعيد من مصدر تهديد إلى رصيد محتمل للأمن الإقليمي والقومي العربي، إذا ما استطاعت تجاوز موضوع احتلالها للجزر الإماراتية في الخليج.
إن موقف إيران مثله مثل المواقف الأخرى للدول العربية قد تغير من صدام ونظام الحكم بعد أحداث 11 أيلول، وسعي الأمريكان لتغيير سياستهم اتجاهه عمليا، ووضعها معه وكوريا في محور الشر، فأصبح أكثر ميلا لتخفيف التوتر معه أي صدام، والإعلان صراحة عدم موافقتها على الحرب ضده، وبعد أن حصلت الحرب والتغيير فسرته وجود للنفوذ الأمريكي على حدودها، وبقاء للقوات الأمريكية التي ستعسكر بأماكن ليست بعيدة من تلك الحدود، عندها تصبح محصورة من غالبية الجهات بقوات أو نفوذ أمريكي، وهذا من أكثر الأمور إقلاقا للإيرانيين.
لكن إيران ورغم موقفها القلق هذا لم تقطع الصلة مع أطراف من المعارضة العراقية، ولم تمنعهم من التعامل مع الأمريكان، ومشاركتهم الفاعلة في إدارة البلاد مرحليا، ولم تغير وجهة نظرها من الأستقرار التي تتمحور في أن قادة التغيير "الأمريكان" يضعونهم "أي الإيرانيين" بين الحين والآخر من بين أهدافهم المقبلة، الأمر الذي يقلقهم، ويدفعهم إلى التحسب لكل الإحتمالات، كما إن طريقة التغيير وشكل نظام الحكم المرتقب في العراق لا يطمئنها وهي التي تمتلك أطول حدود برية مع العراق، الأمر الذي دفع إلى أن تكون مصالحها العليا ليست مع التهدءة بدون ثمن، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أن الأستقرار والتهدءة لمرحلة ما بعد التغيير مباشرة تعطي أمريكا صفة المخلص والمحرر والقادر على إحداث فعل التغيير في المكان الذي يريد.
وبالتالي أصبحت مصلحتها القومية عمليا مع إبقاء العراق ساحة حرب مستمرة هي أحد لاعبيها الرئيسيين، وإبقاء أمريكا طرفا مستنزفا بها، غير قادرا على الامتداد إلى الجار القريب.
1. النصراوي ، عباس ( 1992 ) الاقتصاد العراقي بعد حرب الخليج .
2. العبيدي، سعد (2003) نوايا، وحروب، دار المعارف، بيروت.
3. الائتلاف الوطني العراقي(2002) الأزمة السياسية في العراق، كراس العدد 3.
حزيران 2003