المعنويات في ميدان القتال الداخلي

عام 

1. يخوض منتسبوا الجيش العراقي وباقي أفرع القوات المسلحة حربا شرسة ضد الإرهاب وأعداء العراق الذين يودون إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، وقتال داخلي من هذا النوع يبذل فيه الضابط والجندي جهودا حثيثة من أجل الانتصار على عدو يتخندق بين السكان المحليين ويلوذ بالأبرياء الآمنين يحتاج إلى القوة والصلابة، والتدريب الراقي، والاستخبارات الدقيقة، وإلى المعرفة الجيدة بأمور النفس، والمعنويات العالية التي يقع على عاتق الضباط من القادة والآمرين مسئولية تهيئتها ومن ثم تعبيرها إلى الجندي بوسائل مباشرة عن طريق اللقاءات والمحاضرات، وغير المباشرة عن طريق التعاميم والنشريات.

إن وضع العراق الحالي، وظروف إعادة بناء القوات المسلحة وهي تقاتل الإرهاب يحتم بذل الجهود الحثيثة من قبل الجميع خاصة الضباط في القيادة وهيئات الركن، وفي الميدان الذين يتحملون مسئولية تحصين منتسبيهم نفسيا، ودعم معنوياتهم عمليا، ليكونوا قاعدة ملائمة لانتصار يحقق الأمن للعراق، والرفاهية لأبنائه المتعبين، هذا وما يرد في هذه الورقة ذو صلة بالجوانب النفسية، والمعنوية أريد لها أن تكون عونا لهم في هذا المجال.   


المفهوم العام 

2. المعنويات لفظ يمر عليه كثيرا في حياتهم اليومية أناس عاديون، ويتداوله الصناعيون، والسياسيون، لكن الأكثر مرورا وتداولا له أولئك العسكريون في حياتهم العادية بالثكنات، وخلال  التمارين التي ينفذونها في نشرات تدريبهم لأنه أحد العوامل المهمة في استيعابهم وجنودهم لمفردات التدريب، وفي تعزيز الضبط، وتنمية القدرة على التحمل. وكذلك في معاركهم التي لم تتوقف منذ بدء التاريخ لأنها أي المعنويات أحد مبادئ الحرب، التي تؤكد على وجودها الجيوش ضمانا للتفوق على العدو عندما تتساوي أو تتقارب عوامل التأثير المادي ذات الصلة بالتسليح، والتجهيز، والشؤون الإدارية، والمعلومات. (1)

3. لكن المعنويات ورغم أهميتها لم تحض بالاهتمام في جوانب البحث، والدراسة بالمقارنة مع غيرها من مبادئ الحرب، وعوامل التفوق فيها أو الإخفاق، ولم يتمكن القادة العسكريون الذين يتعكزون على جوانبها كعامل لتبرير الخسارة في كثير من الأحيان من أن يصـلوا إلـى وسائل محددة تعطيهم الصـورة الأقرب إلـى معاييرها سواء لمقاتليهم، أو لعدوهم في القتال سعيا منهم لإدخالها متغيرا ملموسا في تقادير مواقفهم المكتوبة في صفحات القتال أو في قراراتهم الآنية حسبما تتطلبه المعارك الدائرة في عموم تلك الصفحات، واكتفوا في الغالب علـى التأكيد بارتفاع شأنها دون أساس علمــي لقيـاس ذلك الارتفاع، أو الطلب بالمحافظة على مستوياتها كتحصيل حاصل في جميع المواقف والظروف أو التأسيس على هبوطها كعوامل فشل في إدارة المعارك والتخطيط.

4. وعلى هذا الأساس بقي القياس الخاص بالمعنويات ثغرة في عمل العسكر، وقصور في جهد الاختصاصيين النفسيين في البيئة العسكرية (2) يراد أن يبذل المزيد من الجهد لرأب الصدع أو سد هذا النقص في مجاله جهد الإمكان.   


البحث في موضوع المعنويات 

5. إن مشكلة البحث، والدراسة في مجال المعنويات لا تتوقف عند مسألة القياس ذو الصلة بطبيعة المعنويات كمشاعر آنية متغيرة، بل وكذلك في علاقتها مـع جوانب الحيـاة العسـكرية، وطبيعتها الضاغطة حيث:

آ. الانتظار المحسوس للموت، والإماتة عندما يواجه العسكري على سبيل المثال موقف يرى أن زملاءه يستشهدون في المعركة الواحد بعد الأخر، فيدخل أو يُدخل نفسه في موقف الشد النفسي الذي يفكر فيه كثيرا بالنهاية الحتمية، وبالماضي، وعديد من الذكريات التي تزيد من القلق، والصراع الذي يخل بالسلوك إذا لم يتيسر قدر من المعنويات تحافظ على التوازن في مثل تلك المواقف الصعبة، وهو قدر لا يأتي من الذات، أو بالصدفة بل ومن خلال التدخل المخطط له من الآمرين المباشرين أو من الضباط المعنيين القادرين على تبديد ذلك القلق، وتعويضه بأمل يفوق ما في النفس من يأس وإحباط.

ب. زج الجندي في موقف يرى أنه بمواجهة عدو لا مفر من قتله لأنه قد تعود منذ أيام التدريب على فلسفة (أقتل لكي لا تقتل) فيجد أنه قد وُضع في دائرة الانفعال العاطفي الذي يثير عند البعض الحيرة، والتوتر، وتأنيب الضمير إذا لم يتوفر قدر من المعنويات تسمح للعقل بتبرير فعل القتل حدثا حتميا يستحق الإشادة، والتكريم. (3)

ج. البقاء دون نوم أو دون التمتع ولو بقليل من الراحة لعدة أيام متتالية لتنفيذ تمرين مقرر في  نشرة التدريب، أو بسبب هجوم فعلي للعدو على الموضع الدفاعي ولا مجال للتعزيز أو التبديل إلا البقاء مستيقظا، ومواصلة القتال.

أو بسبب القيام بهجوم على مواضع العدو تطورت الأحداث في ثناياه فحتمت أن يستغرق تنفيذه عدة أيام لا يمكن التعويض خلالها بجنود آخرين، ولا منحهم فرصة الاستراحة أو النوم إلا الاستمرار بكامل الاستعداد الذي يمهد للإعياء أن يتسلل إلى الجهاز النفسي إذا لم يتوفر قدر من المعنويات يحول دون ذلك.

6. وغيرها مواقف عديدة تعتبر ضاغطة في الحياة، واعتبارها بهذا الشكل يعني الحاجة قائمة، وبشكل شبه مستمر إلى عملية التكيف النفسي والعضوي إلى عواملها، وتكيف من هذا النوع لا يحدث دون التمتع بقدر من المعنويات التي توفرها:

أ. الوحدة في بيئتها المحيطة.

ب. قيادة الآمرين الجيدة.

ج. إدارة المؤسسة العسكرية الفاعلة.

د. الجهد الفني للمختصين بالمعنويات من خلال ما يقدمونه أو يقترحونه لأغراض الدعم المعنوي باللقاء، والزيارة، والهدية، والتشجيع، والنشرة، والفلم المناسب، وغيرها من وسائل وأدوات تمتلكها الجيوش الحديثة في مساعيها لتعزيز الحالة المعنوية عند المنتسبين.


أثر المعنويات على الفعل والأداء العسكري 

7. تلك بعض من الشواهد التي يؤكد ذكرها أن المعنويات عامل مهم في تحديد نتائج الفعل العسكري في حالتين.

آ. السلم لما يتعلق بالتكيف، واستيعاب معـالم التـدريب، واكتسـاب الخبرات، تمهيدا إلى التهيؤ لخوض المعارك، والقتال المستقبلي بطريقة تقترب من الفعل الآلي جهد الإمكان.

ب. الحرب لما له صلة بالاستمرار في القتال، ومواصلة الصمود، وتجنب الإصابة بصدمات المعركة، وتقبل الواقع الضاغط، والنتائج السلبية للقتال أحيانا، وفقدان الزملاء والأعزاء وغيرها أمور في وضع قتالي يراد له أن يكون بعيدا عن التوتر، والاضطراب جهد الإمكان.  

8. من هذا يمكن التأكيد على أن الاطلاع على الأدبيات النفسية في جانب المعنويات مهم لأنه يضع أمام الضابط مادة عن المعنويات تساعده على إدراك معنى تأثيرها، ومصاعب الاستدلال عليها، في ظروف صعبة يحدث خلالها أحيانا:

آ. قيام القادة والآمرون بالتفتيش عن وسيلة للحكم على الوضع الفعلي لمعنويات منتسبين يدفعونهم إلى القيام بفعل يشعرهم باحتمالات الموت في كل خطوة من خطواته.

ب. توجه المعنيون عن الجانب المعنوي للتفتيش عن وسيلة تقييم دقيقة يوم يسألون في كل لحظة أو مرحلة قتال عن المعنويات، ويطالبون بالسند الموجود لدعم تقديراتهم عنها.


الخاتمة  

9. إن المعنويات مشاعر بالرضا عن الحال الذي يكون فيه المقاتل، وارتياح بما يحققه في القتال الدفاعي صمودا، وفي الهجومي تدميرا للعدو في مواضعه القتالية، وهي على هذا الأساس آنية أي تتبدل، وتتغير في لحظات تبعا لعاملين رئيسين. (4)

آ. العامل الخارجي ذو الصلة بأسلوب القيادة، وتطورات المعركة، ونوع النتائج المتحققة، ومدخلات السياسة العامة للدولة وغيرها.

ب. العامل الداخلي أي النفسي لما يتعلق منه بشخصية العسكري الضابط، وضابط الصف، والجندي، وخصائصه النفسية، وقدرته الذاتية على التحمل وغيرها.

9. إن المعنويات كمشاعر غير ثابتة تؤثر كثيرا في السلوك الإنساني بشكل عام، والعسكري على وجه الخصوص إذ أن ارتفاعها يؤدي إلى الاندفاع بأداء أفضل، وعلى العكس من ذلك فإن هبوطها يؤدي إلى الإحباط، والوهن، والحزن وكثرة التشكي التي تعيق جميعها أداء المقاتل المطلوب في المواقف الصعبة، وعلى هذا الأساس تعطي الجيوش الحديثة أهمية كبيرة لموضوع رفعها، والمحافظة على مستوياتها، وتقييمها في كافة صفحات القتال. (5)

 

المصادر 

1. الاضطرابات النفسية في الحرب، كراس خاص، مديرية البحوث والخدمات النفسية، 1987.

2. سعد، العبيدي ( ب ـ ت ) المعنويات في الميدان، نظرة في التقويم  والقياس، تحت الطبع، بغداد، العراق.

3.مديرية البحوث والخدمات النفسية (1987) الحزم ومستلزماته النفسية، محاضرة مطبوعة على الرونيو.

4. روبرت ماغنيس (1987) روحية المقاتل،ترجمة مديريه التطوير القتالي، بغداد.

5. (1) العبيدي، سعد  (1989) ملاحظات في التقييم المعنوي، مديريه التوجيه المعنوي ، بغداد     

 

بغداد       2/2/2007