الضباط المتقاعدون دراسة أولية حول الرواتب والشعور بعدم المساواة .

عــــــام 

1. يشكل المتقاعدون العسكريون من الضباط على وجه الخصوص شريحة من المجتمع العراقي قدمت في مرحلة من مراحل حياتها خدمة لهذا البلد، وهي وإن أنهت علاقتها بالجيش تبقى سواء بالنسبة إلى العراق أو الدول الأخرى في العالم:

آ. جزء من المنظومة العسكرية، ومعين احتياطي وقت الأزمات من ناحية.

ب. معيار تقييم وقياس مستقبلي للحال بالنسبة إلى المستمرين بالخدمة.

الأمر الذي يدفع إلى النظر إلى وضعهم ليس من الباب الوظيفي أو الإنساني المجرد، بل وكذلك من الأبواب الأخرى ذات الصلة بالجوانب المعنوية والوطنية.


تعامل صدام مع الضباط المتقاعدين

2. لقد تعامل صدام مع الإنسان العراقي على أساس:

آ. تأثيره المباشر على الأمن العام لشخصه والعائلة والنظام "أي كيفية تسخيره عنصر فاعل لتحقيق ذلك الأمن المطلوب للاستمرار بالحكم وتجنب الخرق والتهديد".

ب. تأثيره غير المباشر على ديمومة الأمن والاستقرار "أي كيفية تعطيله أو إبعاده عنصر قد يكون مؤثرا بالضد من تلك الغاية".

3. إن الضباط وفقا لخدمتهم المسلحة يمتلكون المعلومة والخبرة اللتان تعدان ركني العملية الأمنية وعلى هذا الأساس تعامل صدام مع تقاعدهم تعاملا فيه بعض الخصوصية عن التقاعد المألوف لباقي شرائح المجتمع العراقي قوامه:

آ. إبقاء اكبر عدد منهم جهد الإمكان ضمن دائرة الضبط والتقييد والسيطرة العسكرية من خلال الإعادة إلى الخدمة والتوزيع على المنظمات، والجيوش المتعددة بهدف وضعهم تحت الضوء المستمر، وتقييدهم بقيود السلوك العسكري، والاستفادة من جهود بعضهم في عملية فرض الأمن، والتدريب.

ب. تقديم المكارم والهبات وبعض ميزات الخدمة "الرواتب والمخصصات" لدفعهم إلى التسابق من أجل تحقيق الهدف المطلوب، والتشبث بالبقاء ضمن دائرة التقيد.

ج. إفقار وإذلال من لا يستجيب لتوجهاته في الحشر ضمن الدائرة المذكورة "الضبط والتقييد والسيطرة" بتحديد مصادر الرزق إذ يتقاضى ضابط سارع للعودة إلى جيش النخوة من المتقاعدين في الشهر على سبيل المثال أكثر من خمسين ألف دينار، وربما أضعاف هذا الرقم في حينه، مع قطعة أرض بيعت في وقتها بعدة ملايين في الوقت الذي يحصل زميل له متقاعد رفض العودة فقط ثمانية آلاف دينار مع مراقبة، ولوم، وتهديد للمصير بين الحين والآخر.

4. لقد توصل صدام وأجهزته الأمنية المتعددة إلى أن الغاية المذكورة يتأمن جانب منها من خلال إلغاء فكرة التقاعد بالنسبة إلى الضباط، وإعادة الكثير منهم إلى الخدمة بغض النظر عن العمر والرتبة والمنصب، واتخذ القرار بذلك بعد عام 1997، وبسببه انقسم الضباط كشريحة اجتماعية إلى:

آ. مستفيدين جريا وراء العيش عادوا إلى الخدمة وهم الأغلبية.

ب.رافضين العودة إلى الخدمة والانخراط بدائرة الضبط والتقييد متحملين ضغوط العيش الصعبة من خلال البقاء في حالة التقاعد المجحف وهم أقلية.

ج.غير آبهين بما يجري يفضلون العزلة وعدم التفاعل مع الأهداف والغايات وهم المرضى وكبار السن، ولا يتجاوز عددهم البضع من المئات.


واقع التقاعد وحساباته التقليدية

5. إن سلم الرواتب في الدولة العراقية للعسكر والمدنيين قد اضطرب نهاية ثمانينات القرن الماضي وحتى سقوط النظام في نيسان 2003، حتى أصبحت:

آ. الإضافات والمخصصات والحوافز هي العمود الفقري للراتب.

ب. الفروق بين الأقران والمراكز الوظيفية كبيرة جدا.

ج. راتب الضابط المستمر في الخدمة يفوق كثيرا راتب المتقاعد.

وهذه معطيات كانت على العكس من نتيجة الحسابات التي وضعها المشرع للعسكريين، والتي تقضي أن يستلم المتقاعد الذي أكمل الخدمة أو الذي أحيل لأسباب صحية نفس راتبه الأخير، وأحيانا أكثر منه بقليل بعد إيقاف حسم القطوعات التقاعدية، وهذا ما لا يريده صدام لتأمين الغاية المذكورة.    

6. لقد حدث التغيير في 9/4/2003 وسقط النظام، وحُلّ الجيش العراقي، ونتج عنه فيما يتعلق برواتب الضباط:

آ. يستلم الضباط المستمرين بالخدمة والذين أعادهم صدام إليها لأغراضه الخاصة من كافة الفئات في المنظمات والجيوش إعانات مالية محددة، ويستلم الضباط المتقاعدين"الذين رفضوا الانصياع لرغباته" بينهم من في الفئتين (ب، و ج) من المادة 4 أعلاه إعانات مالية محدودة، وبالمقارنة بين الإعانتين التي أرادها الحلفاء مبلغا لتغطية أمور العيش يكون الفرق شاسعا لصالح من كان في خدمة النظام، ومجحفا لمن رفض أن يكون فيها من المتقاعدين. 

ب. إن المقارنة بين عائدات من خدم ومن لم يخدم لم تتوقف عند فروقات الإعانات بل تمتد في جذورها إلى المخزون الذي يمتلكه العديد من في الفئة الأولى من سيولة نقدية وبيوت ومزارع ومصالح تجارية، على العكس من في الفئتين الأخريين الذين باعوا بيوتهم وموجوداتهم ليعيشوا سنوات العوز الأخيرة، وهذه مقارنة أشعرت الكثيرين بالحيف وأثارت في نفوسهم مشاعر الحيرة الوطنية، والإحساس بالخيبة لمستوى التفكير بأنهم حوربوا في زمن صدام وغبنوا في الزمن الذي أعقبه. 

  

التعامل المنصف مع الحالة 

7. إن سلم الرواتب في الدولة العراقية ومنها الجيش على وجه الخصوص وواقعها معقد بطريقة يصعب تحقيق العدالة المطلقة في مجالها، لكن الحياة والظروف المحيطة وغاية الدولة ما بعد السقوط تبقي المجال مفتوحا باستمرار لتحقيق قدر ولو بســيط منها، وتحقيقـه هنا يكون مقبولا عندما يتم تناول هذا الموضوع الشائك من عدة زوايا أهمها:

آ. أن يحقق الراتب إمكانية معقولة في العيش الكريم.

ب. أن يرفع "الراتب"الحيف على الذين عانوا منه" الضباط المتقاعدون" زمن صدام بسبب رفضهم أن ينخرطوا في مجالات خدمته.

ج. إعادة تقييم المواقف الوطنية بالنسبة إلى الضباط الذين أحالهم صدام على التقاعد منذ فترات طويلة والذين سجنهم بسبب مواقفهم بالضد من نظامه الديكتاتوري.

د. أن يشعر الجميع بالمساواة المعقولة في العائد والتقييم المنطقي للنتائج على أساس الخدمة العسكرية الفعلية، والتدرج الوظيفي والرتبي الصحيح، بعيدا عن القياسات التي وضعها النظام السابق لغايات خاصة.


التوصيات

8. لتحديد طبيعة الموضوع، وكيفية تجاوزه بقدر مقبول من العدالة منسجما وظروف البلاد المالية والاقتصادية يمكن الايصاء بتشكيل لجنة من وزارة الدفاع والمالية لدراسة موضوع رواتب الضباط المستمرين في الخدمة لغاية 9/4/2003، والمحالين على التقاعد وفق صيغة مالية تأخذ بعين الاعتبار:

آ. أن يحسب الراتب للجميع على أساس سني الخدمة الفعلية.

ب. أن تحقق الصيغة المساواة بين الضباط الذين أخرجهم صدام من الخدمة وبين الذي أبقاهم فيها لتأمين غاية الاستمرار في الحكم اعتبارا من عام 1968 وحتى عام 2003.

ج. أن يأخذ بالاعتبار الحساب الدقيق لسنوات الخدمة مع استثناء السني المضافة إليها من قدم ورتب جاءت عن طريق المكرمات والهبات التي أغدق بها صدام على البعض في أوقات الحروب وغيرها.

د. أن يأخذ بالاعتبار عدم احتساب المناصب القيادية للبعض عاملا في حسابات التقاعد وخاصة الذين جاء بهم صدام لأغراضه الخاصة.

د. التعيين بوظائف مدنية بالنسبة إلى الرتب الصغيرة غير المستوفية شروط الإحالة على التقاعد في حال عدم القدرة على استيعابهم في وحدات الجيش الجديد. 


الخاتمة 

9. إن سلم الرواتب وحساباته بالنسبة إلى العسكريين، وغيرهم جعلها صدام وطيلة فترة حكمه تتأسس على معيار الولاء والقرب من محيط العائلة والعشيرة، وعلى أساسها أصبح الجندي في الحرس الجمهوري مثلا يتقاضى راتبا يفوق الضابط في الجيش النظامي، والسائق قد يتقاضى ضعف راتب الضابط الذي يسوق له، وهكذا أضاف أعباء على الدولة والإنسان العراقي على حد سواء، أعباء تستحق السعي إلى تجاوزها، وبما ينسجم مع توجهات الدولة الحالية لتحقيق العدالة في مجتمع فقدت منه لخمس وثلاثين عاما متواصلة.