الحرب النفسية في العمل العراقي المعارض

المقدمة

1. نشطت المعارضة العراقية بعد عام 1990، وتكونت عديد من فصائلها وتياراتها بعد هذا العام استجابة طبيعية للأزمة التي افتعلها صدام بعد غزوه الكويت، وما نتج عنها من وضع مأساوي تمثل بالمجاعة التي عمت غالبية العراقيين، وهجرة العقول العلمية، وتدمير البنى التحتية، واضطراب الزراعة، وخرق النظام القيمي، وغيرها معالم تخريب، وتدمير جعلت العراق ينتقل سريعا إلى أكثر الدول فقرا وإرهابا، ودكتاتورية، وخرقا لحقوق الإنسان عبر مراحل التاريخ.

2. والمعارضة العراقية التي تضاعفت جهودها السياسية، والإعلامية، والعسكرية بشكل ملموس مع الأزمة وجدت نفسها بعد قليل من بدايتها "أي الأزمة" أنها في ساحة العمل المعارض تواجه عدة معاضل تؤثر على شدة ووحدة فعلها الموجه للتغيير، وإعادة بناء العراق ديمقراطيا بينها:

أ. تمكّن صدام من التقاط أنفاسه وبسط نفوذه، وسيطرته، وعودته لبث الرعب في نفوس العراقيين في الداخل، الذين يشكلون القاعدة الأساسية لتنفيذ فعل التغيير، وبمستويات تفوق ما كان موجودا قبل الأزمة. 

ب. إن الطرف المقابل لها في الصراع أي خصمها في حكم العراق يمتلك:

أولا. جهاز حزبي واسع يغطي كل مساحة العراق (باستثناء منطقة كردستان التي خضعت للحماية الدولية خلال الأزمة)، فيه الأعضاء، والأنصار، والمؤيدون مستعدون لتنفيذ كافة الأوامر، رغم معنوياتهم التي تدنت كثيرا مع بدايات الأزمة.

ثانيا. أجهزة أمنية متعددة متداخلة ينتشر نفوذها على كل أرض العراق، قادرة على تأمين الحماية التعبوية للنظام، وعلى خرق الجهد المعارض بدرجة ليست قليلة، رغم إصابتها بعدوى الأمراض الاجتماعية التي انتشرت في العراق.

ثالثا. مجموعة جيوش متعامدة عبئ الواحد منها ليكون أداة ضبط وسيطرة، ومراقبة واحتواء للجيوش الأخرى، رغم ضعف انضباطها العسكري، وتردي وضعها الإداري، وتدني مستويات أدائها العسكري.

رابعا. خبرة تراكمية طويلة لكوادره المعنيين بالتعامل مع جوانب الأزمة، وارتباط وثيق  بمصيره، وسيطرة مطلقة على وسائل الضبط السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي العراقي، وقدرة على استثمار التقاطعات الدولية ذات الصلة بموضوع الأزمة، رغم فقدانهم الكثير من الثقة، والمصداقية، وحسن التقدير.

ج. وإنها "أي المعارضة" في كفة صراعها أو في طريقها الطويل تحتكم على:

أولا. رجال ينظرون إلى العراق المستقبلي بزوايا مختلفة، عراقيون يودون جميعا التغيير وإقامة النظام الديمقراطي التعددي.

لكنهم يسعون إلى تحقيقه على أسس وقواعد متباينة، ويعملون من أجل تنفيذه بوسائل وطرق متعددة ، انقسموا في نظرتهم من التغيير ونظام الحكم المقبل مع بداية الطريق إلى:

ـ نظرة إسلامية شيعية.

ـ نظرة ديمقراطية وطنية.

ـ نظرة محلية توفيقية تحاول الإبقاء على آلية الحكم الحالي "الطائفي" مع معالم تجميل محدودة.    

ثانيا. كثير من الفصائل وعديد من القوى المعارضة.

لكنها تنظيمات يصعب تجميع جهودها على الطريق باتجاه الهدف الواحد، وتيارات، يندر اتفاقها على أساليب تحقيق الهدف الواحد، على الرغم من إيمانها جميعا على ذات الهدف "أي التغيير" إلى نظام حكم جديد.

ثالثا . شخصيات، وخبرات، عراقية متناثرة غالبيتها في المهجر.

إلا أنها خبرات يصعب تجميع جهدها، وطاقاتها للمساعدة في حشد الجهد من أجل التغيير، وتوحيد فعل التغيير، على الرغم من استعدادها للمساهمة كل حسب قدراته وإمكانياته الذاتية.

رابعا. وسائل تأثير في العراقيين مادة التغيير متعددة، وأدوات للتحرك على العراقيين المعنيين به متنوعة. 

( إذ تصدر خارج العراق في وقتنا الراهن عشرات الصحف والمجلات والنشرات، للحد الذي يصعب ضبط اتجاهات القائمين عليها، وتحديد توجهاتها، وهي في معظمها لا تصل إلى الداخل، وهناك عشرات المجلات الأسبوعية، والشهرية، والفصلية التي تطبع بورق مصقول وإخراج جيد، يصعب التعرف على مموليها، وهي في مجموعها لا تتجاوز حدود العراق إلى الداخل، وهناك أكثر من إذاعة معارضة تتفاوت في كفاءتها، وتتنوع في موادها الإعلامية، قليل منها يسمع في الداخل، وقليل منها موثوق بمادته المنشورة. حتى أصبح تعددها ، وتنوعها غير مجد لتأمين تلك الغاية، رغم كونه مفيد لتوسيع دائرة التأثير في حالة العراق من الناحية العلمية).

لكن مادتها المطلوبة للتأثير غير متجانسة، وتوقيت حركتها من أجل التأثير غير متوافقة، على الرغم من كثرتها من الناحية العددية.

خامسا. قواعد، وخلايا، معارضة في الداخل، وأشخاص معارضون بشكل متفرق ينتشرون بين عموم العراقيين في الداخل.

 لكن تحركها سري  جدا، وميلها إلى المجازفة محدود جدا بسبب نوع العقوبة وطريقة التعامل، الأمر الذي تسبب في الحد من مستويات تأثيرها باتجاه استثارة العراقيين استثارة معارضة.  

د. وجدت المعارضة في طريقها إلى التغيير أنها لا تقاتل صدام سبب الأزمة فقط، بل وإنها تناضل في أكثر من محور، وتقاتل في أكثر من جبهة، وتسعى لتحقيق أكثر من هدف يتمثل بعضها بالآتي:

أولا. توحيد جبهتها الداخلية، وتجميع فصائلها ورجالها، لتجاوز حالات الفرقة والتشتت والتعدد والانقسام.

ثانيا. تكوين إجماع قادر على التعامل مع العامل الدولي، وتخطي التردد والضعف الذي حال دون تكوين الندية في التفاوض، والنقاش مع الأجنبي في عرض وجهة النظر المعارضة، وفي تحديد حاجات العراق المعارض مع تفهم مصالح تلك الدول وهامش حركتها.

ثالثا. العمل على إيجاد قدر من التجانس في التحرك إقليميا، للتخلص من الذاتية في التعامل مع دول الجوار وتحقيق تفهم لاستضافة العمل العراقي المعارض بحيادية واستقلالية بعيدة عن المصالح الذاتية ولعب الأوراق الآنية والمرحلية.

رابعا. المرونة في تأمين الدعم السياسي اللازم لحركتها خارجيا، والحصول على شرعية العمل الموجه ضد النظام ، بتخطي التسقيط وتوجيه الاتهامات والتقليل من القدرات.

3. إن المعارضة وفي سعيها إلى التغيير عمليا تبين لها أن الجهود الميسورة لها لا ينبغي أن تقتصر على القتال في الجبهات المذكورة أعلاه، بل وكذلك التعامل مع عديد من المتغيرات الداعمة لذلك القتال بينها على سبيل المثال:

أ. حقيقة التدخل الأمريكي الذي لا مناص من تدخله في موضوع حل الأزمة بعده أقوى اللاعبين في ساحتها أو المقتدر الوحيد على حلها، بعد أن تعددت الرؤى في مجاله بين:

أولا. تيار إسلامي رافض للتعامل بأية صيغ كانت.

وتيار إسلامي متحفظ على التعامل العلني.

ثانيا. تيار وطني يساري لا يرغب في التعامل لحسابات عديدة بينها أن الأمريكان أنفسهم لا يودونه طرفا في التعامل.

وتيار وطني يرى بضرورة تحديد صيغ التعامل على ضوء المصالح المتبادلة بين الطرفين.

ثالثا. تيار عملي يرى ضرورة السير مع الأمريكان طرفا وحيدا قادرا على طرح الحل الملائم  للأزمة. وتيار طفيلي متذبذب يقترب من الأمريكان تارة وينسحب للطرف المقابل تارة أخرى.

ب. توحيد النظر إلى العامل الإيراني في الأزمة، وتحديد صيغ التعامل معه، بعد أن اختلفت وجهات النظر حياله اختلافا حادا بين:

أولا. تيار إسلامي شيعي يرى أن العامل الإيراني حاسم في التغيير إلى نظام حكم إسلامي على  غرار التجربة الإيرانية أو قريبا منها، وهو في نظرته هذه اقترب من الإيرانيين حد الفهم المشترك.

وتيار إسلامي شيعي تكَّون أصلا في العراق، وخارجه وتعامل مع الإيرانيين فترة ليست قصيرة، وتوصل إلى استنتاج أن تعريق عوامل الأزمة مسألة ضرورية لتأمين غاية التغيير، وهو "أي التعريق" يعني من جانبه ضرورة تحييد هذا العامل جهد الإمكان، لأن تأثير وجوده بات سلبيا على هامش حركة المعارضة دوليا.

ثانيا. تيار وطني يرى في التعامل مع العامل الإيراني تعاملا لا يختلف عن العوامل الأخرى، بعيدا عن الاحتواء والتبعية. وتيار وطني آخر يرى فيه عامل تعويق ينبغي الابتعاد عنه، وعدم التعامل معه بأي حال من الأحوال.

إن مسألة اختلاف الرؤية وضرورة التوحيد لم تتوقف عند العاملين الأمريكي، والإيراني، بل وامتدت في الواقع إلى عوامل إقليمية أخرى، بينها التركي، والسعودي وأقل منه الكويتي ومن بعده السوري والأردني التي تختلف منهما الرؤى، ويختلف حيالهم القبول الذي ينعكس على طبيعة العمل المعارض.


واقع العمل المعارض 

4. إن المعارضة العراقية التي تقاتل سياسيا، وإعلاميا، وعسكريا، واستخباريا وجدت في ساحة معركتها الخارجية أنها مقيدة بأمور عديدة بينها:

أ. قلة المصادر المالية الكافية لديمومة عملها وتحسين أدائها. 

ب. كثرة المتغيرات الخارجية المؤثرة في جوانبها.

ج. شحة السلاح الملائم لقتال صدام ميدانيا.

د. ضعف التماسك في تركيبة المجتمع العراقي الذي أوجد أهداف متعددة، وأساليب للوصول إلى تلك الأهداف كذلك متعددة هي الأخرى. 

وغيرها متغيرات إذا ما أضفنا إليها قيود الذات الشخصية، وأمراضها التي انتقل البعض منها إلى السلوك المعارض، نرى أن المعارضة العراقية وإن حققت وجودا مقبولا على أرض الواقع السياسي في الصراع مع حكومة بغداد لكنها لم تصل في إدارته إلى المستوى الذي يؤهلها لفرض واقع التغيير سياسيا أو تحقيقه بقوة السلاح عسكريا كما يأمل منها الشعب العراقي.

5. هذا وبهدف تأمين الغاية من هذا البحث لا بد لنا من إلقاء نظرة تحليلية موجزة على واقع العمل المعارض في وقت إعداد هذه الدراسة، وفي مجاله نتلمس أن غالبيته ينقسم إلى:

أ. العمل المعارض في الداخل، ويتمثل بوجه عام في الآتي: 

أولا. أعمال المقاومة المنظمة التي تتركز على شكل تفجيرات متفرقة لبعض الأهداف، واغتيال بعض القيادات الحزبية، وأفراد من الأجهزة الأمنية، ونصب الكمائن، والسيطرة المؤقتة على أماكن محددة أثناء الليل.

وهي في غالبيتها تنفذ من قبل فصائل ذات توجهات دينية شيعية، وقليل منها يأتي من التنظيمات اليسارية، وأقل منها عن طريق بعض الحركات الوطنية، وأحيانا من العشائر والأشخاص غير المنتظمين سياسيا.

وهي أعمال زادت شدتها، ومستويات حدوثها، وتحسنت أساليب تنظيمها قليللا في السنوات الأخيرة، إلا أن استثمارها بقصد استثارة المجتمع العراقي للانضمام إلى المعارضة جماعيا أو دفع القوات المسلحة للتمرد والانقلاب أو الحث لبدء  العصيان المدني تمهيدا للقيام بفعل التغيير بقيَّ محدودا أو غير ممكنا بسبب:

(1). قصور أجهزة المعارضة الفنية لتوظيف الأحداث، والأفعال التي تقوم بها المعارضة للتأثير النفسي الشامل.

(2). قدرة الحكومة على التعتيم الشامل على الحدث.

(3). عدم تعاون الجهات الفنية العربية، والأجنبية لتوسيع مساحة الاطلاع على الحدث.

(4). عدم رغبة العرب في التورط بأحداث قد تنتقل بفعل العدوى إلى مجتمعاتهم غير المستقرة. 

ثانيا. توزيع المنشورات، والكتابة على الجدران، وتحين الفرص للانتقاد، والتقليل من قيمة الحكومة. أعمال، وأنشطة مثيرة، وَضَع الحزب والأجهزة الأمنية خطة لتجاوز تأثيراتها:

بإقلال فترة الاطلاع عليها.

التواجد السريع في أماكن حدوثها.

تعميم العقاب على أكبر عدد يشتبه به من منفذيها.

وهي وإن كان حدوثها مرعب بالنسبة للحكومة لكن فعل تأثيرها ما زال بدائيا بسبب:

ضعف في الصياغة القصدية.

عدم الالتزام بخطط محددة في هذا الجانب.

اختلاف رؤية الفصائل، والأحزاب المعارضة في الداخل بفاعليتها وسيلة للتأثير على الحكومة.

ثالثا. نشاط دعائي ضد الحكم، وتسفيه أعماله وفضح توجهاته.

تقوم به كل التنظيمات المعارضة التي لها امتداد في الداخل، وفي كافة أنحاء العراق، لكنه في واقع الأمر بقي في إطار الأعمال العرضية لتلك التنظيمات وذلك بسبب:

(1). تفضيل غالبية الفصائل المعارضة القيام بالفعل المادي الملموس على الفعل النفسي غير الملموس، وعدم إدراكها حقيقة التأثير الكبير للفعل النفسي على النظام القائم.

(2). عدم تيسر الفنيين المتخصصين بكيفية توظيف الدعاية والاشاعة للتأثير على الحكومة، وعلى استثارة العراقي من جهة أخرى.

(3). الالتزام بوتيرة واحدة للدعاية، وتكرار نفس الأساليب قلل من رغبة المتلقين المرهقين نفسيا في المجازفة بمتابعتها.

(4). الحالة النفسية الخاصة لشرائح واسعة من العراقيين التي تتأسس على حقدهم على النظام واستعدادهم لتصديق كل ما يقال عنه، وايمانهم المطلق بصدق ما يقال، مع خوفهم المرعب على تناقله علنيا للتحسب من العقاب الشديد، وغير المعقول.      

رابعا. مواجهات عسكرية مع بعض وحدات الجيش، وتنظيمات الحزب، تقع بشكل محدود جدا بين الحين والآخر، تلجأ إليها بعض فصائل المعارضة (الدينية، الشيعية)، وبعض العشائر الجنوبية، ترد عليها الحكومة بسرعة وقسوة، وتتحين المعارضة فرص توسيعها:

مواجهات رغم تكرارها، وتوجس الحكومة من احتمالات حدوثها، وأهميتها كعامل إرهاق للجهاز العصبي الحكومي، لكنها لم تأخذ وضعا معترف به داخليا، ولم تتكرر بشكل مدروس ومنظم يسهم بحسم الصراع معها "أي الحكومة" بسبب:

(1). رد الفعل السريع للحكومة، وتفوقها في العدة والعدد والتقنية في المعركة الدائرة.

(2). تباعد هذه الأعمال زمانيا من فعل وآخر.

(3). التفرد بالعمل العسكري، حيث الرغبة عند الفصيل المعارض بالقيام بهكذا أعمال على انفراد، وبالقدرات الذاتية دون التنسيق مع قوى أخرى لأغراض الدعم والاسناد عند الحاجة، لأسباب تتعلق بالذات العالية، وبالاعتبارات الأمنية الخاصة.    

خامسا. عصيان موقعي آني على الحكومة، يحدث بالصدفة، أو كاستجابة لأعمال تقوم بها الحكومة ضد قرى ومناطق معينة.

نوع من التمرد تقوم به العشائر، وإن كان مقلقا للحكومة ، لكنه بقي عرضيا وتأثيراته آنية بسبب:

(1). حدوثه كرد فعل لفعل تقوم به الحكومة. 

(2). فعل يغلب عليه الطابع العشائري أكثر من الوطني.

(3). عدم استطاعة القوى المعارضة من توسيع رقعته وطنيا.    

سادسا. العمل التنظيمي السياسي المعارض، الذي تنفذه بعض الفصائل والأحزاب المعارضة داخل المدن والقصبات.

عمل محدود بين الجماهير العراقية على الرغم من سعة التفكير المعارض لغالبيتهم المطلقة، وعلى الرغم من كم الحقد والعدوان على الحاكم الفرد، والحكومة المستبدة في النفس العراقية، وذلك بسبب:

(1). الرعب الذي كونته الحكومة في نفوس العراقيين أرهق الإنسان العراقي، وقلل عنده الميل إلى المجازفة كأحد الشروط المهمة للعمل التنظيمي المعارض.

(2). تعامل حزب البعث مع العراقيين تنظيميا عبر الثلاثين سنة بطريقة كونت عندهم إيحاءً مضادا للعمل التنظيمي، وإن كان برنامجه سعيا للخلاص من ذلك الحزب والحكومة.

(3). عدم قدرة المعارضة على ملأ الفراغ الفكري في العقل العراقي الذي حدث بعد صدمة عام 1990 كما يجب، وعجزها على فرض نفسها بديلا عن حزب البعث في الشارع العراقي كما هو مطلوب.   

سابعا. أعمال معارضة غير منظمة يقوم بها العموم وكلما سنحت الفرصة لذلك، مثل تخريب آلة أو تعطيل ماكنة أو إعاقة عمل ما.

وهي أعمال وإن يؤشر حدوثها معارضة ضد الحكومة، لكنها غير مستساغة، ولا ترقى إلى التأثير الكبير على استقرارها، وذلك بسبب:

(1). معظم الأعمال التلقائية غير المنظمة يكون تأثيرها محدود.

(2). عدم استطاعة المعارضة تسييس مثل هكذا أعمال ودفعها باتجاهات أكثر تأثيرا على الحكومة.

(3). ميل العديد من العراقيين إلى معارضة الحكومة بطريقتهم الخاصة وبأسلوب يعتمد الفردية المطلقة تفاديا لعقدة افتضاح النوايا التي بدأت تتعامل معها الأجهزة الأمنية حقائق واقعة في بعض الأحيان خاصة وإن (الحكومة امتلكت منذ مجي صدام للسلطة عام 1979 حق التأويل، وفيه بدأت تفسر السلوك العراقي على أساس النوايا وتعاقبه على الافتراض دون الاستناد على الأدلة، وتكرار هذه الصيغ من العقوبات، وشدتها كَّون سلوكا خاصا يعتمد الذاتية في معارضة الحكومة أو التوجه للعمل كل بطريقته الخاصة، وبسرية عالية، وهذه مع رد الحكومة القاسي لأي صيغة عمل معارضة أدت إلى شيوع التوجه الفردي في التعامل المعارض، وهو صيغة أو مرض من أمراض المعارضة امتدت تأثيراته إلى الفصائل المعارضة التي بات أغلبها يرغب في القيام بمهامه بعيدا عن حلفائه والآخرين).

ب . العمل المعارض في الخارج . ويتمثل بالآتي:     

أولا. التحرك السياسي لإيجاد شرعية قوية للعمل المعارض على المستوى الدولي والإقليمي، وفي هذا المجال نجد تفاوت ملموس في مديات تحقيق النتائج لهذا التحرك.

ففي الوقت الذي حققت فيه بعض التيارات الوطنية وبجهود فردية نتائج ملموسة، نجد أن تيارات أخرى توقفت منتصف الطريق لتكون حجر عثرة أمام الجهود المبذولة للاستمرار بهذا العمل الضروري لتكوين صيغة الفعل المعارض، والحصول على دعم دولي لديمومته. ويعود ذلك لعدة أسباب بينها:

(1). التفاوت الكبير في القدرات الفردية للمعارضين.

(2). كثرة القوى والتيارات المعارضة، وتعددها. 

(3). عدم اتساق مستويات النضج الفكري السياسي عند قادة وفصائل المعارضة.

(4). التأثيرات الجانبية للعامل الدولي في هذا المجال. 

ثانيا. التوجه الإعلامي لكسب الرأي العام العالمي للقضية العراقية من جهة والتأثير على المجتمع  العراقي من جهة أخرى، وهذا عمل تقوم به غالبية الفصائل والتيارات العراقية المعارضة، لكنه جهد ما يزال ضعيفا لأسباب عدة بينها:

(1). قلة التخصيصات المالية.

(2). عدم تيسر الأجهزة الفنية الملائمة.

(3). صعوبة التعامل على أساس التخصص الفني والعلمي الدقيق في العمل المعارض الذي يعتمد  أصلا على الرغبة، والتضحية، والمبادرة الذاتية، والرضا والاقتناع. 

ثالثا. المساعي الخاصة بتوفير الدعم المادي لمعارضة الداخل ولإنسيابية حركة الخارج، وهذا أمر من أكثر الأمور تعقديدا وتقييدا لحركة المعارضة الخارجية والداخلية على حد سواء وذلك بسبب:

(1). تخوف البرجوازية العراقية وترددها في تقديم الدعم المالي المناسب لقوى المعارضة.

(2). كثرة أطراف المعارضة وتعدد فصائلها زاد من اتجاهات تحركها في هذا الجانب، وزيادة التحرك قلل عمليا نسب العوائد على الجميع.

(3). الوضع المالي المتدني لعموم العراقيين في الخارج، وشيوع حالات الفقر في الداخل حد كثيرا من هامش التبرع المفترض وجوده لدعم العمل المعارض.

(4). عدم القدرة على استثمار العائد المالي المتأتي من الالتزامات الدينية، وصعوبات إقناع المراجع والمتبرعين في توظيفه لأغراض وطنية. 

رابعا. محاولة التغلغل إلى الداخل وتكوين قواعد قادرة للعمل الفاعل عند الحاجة، وهي جهود إذا ما استثنينا بعض الفصائل الإسلامية الشيعية فإن النتائج المتحققة لا ترقى إلى التأثير الملموس على السلطة نتيجة إلى:

(1). ضعف الدعاية المعارضة.

(2). عدم الاقتناع بالاتجاهات الفكرية غير الدينية عوامل لتحريك الجمهور المعارض.

(3). الاضطراب القيمي في المجتمع العراقي، وتشوه معنى الالتزام الوطني.

(4). مصاعب الاتصال والتواصل بين الخارج والداخل.

(5). قلة التخصيصات المالية الموظفة لدعم العمل الداخلي.

خامسا. التحرك إقليميا لإيجاد قواعد ومكاتب للمعارضة قريبة من الداخل، وقادرة على دعم الفاعلين فيه، وهذه وإن حققت بعض الفصائل تقدما ملموسا فيها، أخفقت أخرى لأسباب بينها:

(1). محاولة الدول المحيطة بالعراق والقريبة منه عدم التورط بالأزمة العراقية المعقدة.

(2). محاولة بعض الدول الإقليمية فرض توجهاتها الخاصة على الفصائل المعارضة المتواجدة على أراضيها.

(3). ضعف التنسيق بين قوى المعارضة العراقية المتواجدة على الساحات الإقليمية.

(4). عدم امتلاك المعارضة أوراق مناسبة للضغط الإقليمي .

(5). عدم ملائمة الموقف الدولي حتى الوقت الراهن لنقل الفعل المعارض إلى مستوى التنفيذ الفعلي.      


الشعب العراقي والعمل المعارض       

4. المعارضة مصطلح في السياسة يصف موقف الفرد والجماعة بالضد من صيغ وأساليب ونظم الحكم، تأخذ أشكالا وأساليب تختلف باختلاف شكل نظم الحكم القائمة وأساليبها في التعامل مع الرأي الآخر.

وبالعراق ونتيجة لتعسف الحكومة، وشكل التركيبة الاجتماعية غير المتجانسة للمجتمع العراقي، وطبيعة الشخصية العراقية التي ترسبت في داخلها بعض الشوائب الاجتماعية جعلت صيغ المعارضة تتميز بخصوصية تقترب من خصوصية العراق، ونظام حكمه وطبيعة شعبه، تتمثل بالآتي: 

أ. المعارضة الفكرية 

ونقصد هنا أن الإنسان يكون معارضا لنظام الحكم عقليا، أي أن تفكيره ووجهات نظره وآراءه الموجودة في العقل معارضة، وهذه حالة رغم أهميتها لدفع الإنسان للقيام بالفعل المعارض لكنها في العراق وبسبب التقييد الفكري الناجم عن شدة العقوبة دفعت إلى أن يكون الغالبية العظمى من العراقيين معارضين داخليا "أي مع أنفسهم" ينتقدون الحكومة وأعمالها بخجل وفي نطاق محدود جدا، يتجنبون الإشادة العلنية بالعمل المعارض، يؤدون بعض الأعمال التي تفضي بالنتيجة إلى زيادة التخريب، بشكل فردي ومغلف.

( إذ يقوم العديد من الموظفين في جهاز الدولة بعدم إنجاز المعاملات الخاصة بالمواطنين، وعدم إنجازها يؤدي إلى زيادة الحقد على الحكومة، ويقوم آخرون بالتبذير في طاقات الدولة، والتبذير فيها إضعاف لإمكانيات الحكومة، ويغالي آخرون في عدم تحمل المسؤولية في أعمالهم الروتينية، وعدم تحملها إعاقة يربك وضع الحكومة، ويلجأ البعض إلى الإهمال غير المكشوف لعملهم، والإهمال يؤذي الحكومة .... الخ من الأعمال الكثيرة التي يمكن وصف القائمين بها أنهم يؤدون عملا معارضا غير منظما، وإنهم يتوجسون من تنظيم عملهم المعارض).

وبسببه وامور أخرى متراكمة أصبح الغالبية:

يريدون من يتكلم عنهم وهم صامتون.

ومن يشتم بدلا عنهم وهم بعيدون.

وإذا ما استعرضنا واقع العراق نجد أن عموم العراقيين يقعون ضمن هذا التصنيف بينهم مسئولين في الحكومة وكوادر متقدمة في الحزب الحاكم.

ب. المعارضة العملية

ويقصد بها أن يكون سلوك المعني معارضا، أي أنه يتكلم بشكل مسموع كلاما معارضا، ويكتب كتابة معارضة، ويحاور غيره من العراقيين وغير العراقيين حوارا معارضا، وينتمي إلى التيارات السياسية والفصائل المعارضة، ويهيئ نفسه للقيام بالفعل المعارض عسكريا كان أم سياسيا أو إعلاميا، وهذا وصف ينطبق على القلة من بين العراقيين، وهي نسبة في واقع الأمر لا تتلاءم وشدة الخراب الحاصل في البلد وطبيعة الظلم السائد، وسببه يعود على الأغلب  إلى:

أولا. شكل نظام الحكم الفردي، العشائري، شجع سلوك التجنب، والذاتية عند غالبية العراقيين.

ثانيا. النشاط الفاعل لأجهزة النظام الأمنية وقسوة تصرفها مع الفعل المعارض تسبب في الانسحاب من الساحة العملية إلى الساحة العقلية.

ثالثا. طبيعة الشخصية العراقية التي تتمحور بعض خصائصها السلبية حول الفردية والبقاء على التل في الصراع مع الحكومة. 

رابعا. القصور في التحرك النفسي الإعلامي المعارض لاستثارة المجتمع العراقي، ودفعه للإنتقال من هامش التفكير إلى مجال الفعل.  

ج. المعارضة النخبة

إن نوعي المعارضة المذكورة والعوامل المسببة لها كونت بالنتيجة معارضة النخبة أو المعارضة القائدة ، وفيها أصبحت المعارضة العراقية تمتاز بوجود قيادات تؤدي عملها بشكل معقول، مدركة لما يحيط بها بمستوى مقبول، تتحمل مسئوليتها الوطنية بشكل جيد، مع قاعدة بعيدة عنها في الأداء والإدراك وتحمل المسئولية، وفيما بينهما غابت المستويات الوسط  أو الكوادر الوسط التي يقع على عاتقها التوفيق بين المستويين، وتسهيل انسيابية الأوامر والتوجيهات الخاصة بالفعل المعارض.


الاستنتاجات       

5. إن تقسيمات الصفة المعارضة بين معارضة بالتفكير وأخرى بالفعل، وغياب الكادر الوسط في العمل المعارض، وكثرة المتغيرات المؤثرة في موضوع الأزمة العراقية، وطبيعة التركيبة الاجتماعية، والشخصية العراقية، وغيرها من العوامل والمصاعب والعقبات المذكورة في أعلاه تدفع إلى جملة من الاستنتاجات أهمها:

أ. إن مساحة المعارضة العراقية في غالبيتها تتشكل من جهد فكري لا يرقى إلى الفعل العملي، الأمر الذي تسبب في حدوث بعض معالم التقصير في العمل الميداني المعارض.  

ب. إن العراقيين الذين يعارضون بالتفكير حبسوا أنفسهم في دوائر عقلية مغلقة ساعدت إجراءات الحكومة في وجودها، وبمرور الوقت تعودوا عليها، وأصبحوا لا يريدون الخروج منها والاعتراف بالتقصير، وبدلا من ملامة أنفسهم والشعور بوخز الضمير تحولت نقدا لقوى وفصائل المعارضة الفاعلة على الساحة وتهربا من التفاعل معها.

ب. أثمرت جهود الحكومة النفسية على إيجاد نوع من الاقتران الشرطي في العقل الجمعي العراقي بين اسم المعارضة في الداخل ومعالم الموت والتشريد والسجن، أدى إلى عزوف الكثير من العراقيين عن التعامل معها، وابتعادهم عن طريقها الخاص بالتغيير وإعادة البناء الديمقراطي.

ج. إن الخوف الشديد من السلطة، مع اتصاف الشخصية العراقية بالميل إلى الفردية أدى مع ظروف العمل وتعقيداته إلى تكوين عديد من الفصائل والتنظيمات والتيارات المعارضة، أكثر من الحاجة الفعلية للعمل المعارض، وكأن البعض من القائمين عليها والساعين إلى وجودها يدارون الخوف من السلطة بمحاولة امتلاك السلطة، وإن كانت قيادة لفصيل معارض من عدة أشخاص.

د. إن المعارضة العراقية وبالمقارنة بين واقعها ومقدار حضورها وشكل عملها بين الفترة الحالية وفترة ما قبل الحرب الخليجية الثانية، وبالقياس إلى ظروف العراق المحلية والإقليمية والدولية قد أنجزت عديد من الإنجازات، وحققت بعض الأعمال بشكل ملموس، لكنها بوجه العموم لا ترقى إلى فرض وجودها على الساحة، ولم تصل إلى مستوى الند في تعاملها مع الآخرين.

هـ. إن واقع الفرقة والتشتت الذي تعيشه المعارضة العراقية، وكثرة الاجتهاد وعدم الاتفاق أفقدها القدرة على إيجاد الرمز:

أولا. شخصية سياسية أو دينية معارضة قادرة على الجمع والتوجيه من أجل حشد الطاقات المعارضة باتجاه هدف التغيير وإقامة النظام الديمقراطي.

ثانيا. صيغة تنظيم معارض قادر على قيادة الجمع، وتوحيد الفعل من أجل إسقاط النظام القائم ، وإقامة البديل الديمقراطي.

و. إن الظروف الدولية والإقليمية التي لم تساعد المعارضة على نقل فعلها الخاص بالتغيير إلى الداخل في المرحلة السابقة، لم تستثمرها المعارضة في اتجاهات أخرى تتعلق بتحسين صورتها، ولم الشمل من حولها، وتقليل عدوانية العراقيين عليها.

ز. أن معظم عمل المعارضة ذات الشأن بالتعامل مع الأزمة العراقية يتركز على القيام بالفعل العسكري المعارض وتكوين خلايا داخلية معارضة، دون التفكير بالصيغ المناسبة لتعزيز هذا العمل وذلك بتخليص العراقيين من ترددهم وخوفهم، ومن ثم دفعهم بشكل غير مباشر إلى الانتظام بالعمل المعارض.

ح . إن ما يقلق حكومة صدام، ويرهقها ليس اغتيال مسئول حكومي فقط، ولا نصب سيطرة عسكرية على طريق عام فحسب، بل وكذلك توزيع المنشورات بكثافة عالية، والكتابة على الجدران بنطاق واسع، وترويج الإشاعات التحريضية بشكل مقنن، وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة النفسية التي تفتقر إلى تنفيذها قوى المعارضة بأساليب علمية حديثة.                

ط. إن الظروف التي يعيشها العراق في وقتنا الراهن، وكم العدوان في النفس الداخلية، ونظرة المجتمع العراقي لحكومته السلبية يهيئه مجتمعا مناسبا للإنتقال إلى الخطوات العملية من أجل التغيير، إذا ما تجاوزت المعارضة بعض السلبيات، وأعادت النظر في أساليبها ومعالم تحركها، وتمكنت من استثمار الفرص المتاحة.

ي. إن الإيغال بالخطأ عند البعض من المعارضين أحيانا، والاستسلام للواقع غير الطبيعي أحيانا أخرى، والإصرار على البقاء في حدود التقصير وعدم التطور تدلل على عدم قدرة المعارضة من استثمار الجهد العلمي التخصصي لسد هذه الثغرة الواسعة في عمله الحالي.


التعامل مع الواقع   

6. إن التحليل المذكور أعلاه لواقع العمل المعارض يعطينا تصور عن معالم القوة، التي يفترض أن تستثمرها المعارضة في سياقات التعامل معها لتعزيزها وتزيد من فاعليتها للتأثير، وهذا خارج صدد البحث الحالي، ويعطينا من جانب آخر أوجه القصور التي ينبغي السعي للتقليل منها جهد الإمكان، وأوجه القصور في العمل المعارض وغير المعارض هي متعددة المجالات، عليه يتطلب المنطق العلمي تجزئتها وتصنيفها إلى نوعية، ليتسنى تحديد المقترحات الملائمة للتعامل معها، وفي مجال عملنا المعارض فإننا سنحاول تجاوز ما يتعلق بالجوانب السياسية والإدارية والمالية، وأخرى غيرها ذات صلة بالعمل المعارض، ونركز تبعا لغاية بحثنا هذا على الجانب النفسي للعمل المعارض لأن الاعتقاد السائد في الأوساط العلمية الاجتماعية والنفسية يتمثل في أن:

أ. الفرقة والتشتت، والذاتية، والأنانية، وفيما يقابلها من التضحية، والغيرية، والنحن الجمعية هي معطيات نفسية تكونت في الذات لبشرية إثر التعرض لمثيرات عبر مرحلة زمنية، وعملية التقليل من شأنها في السلوك المعارض على وجه التحديد هي معطيات نفسية تعتمد إعادة التعريض لمتغيرات أخرى وبصورة علمية دقيقة.

ب. إن الفعل المعارض ضد حكم صدام حسين في بغداد وإن كان عسكري الطابع فإنه بحاجة إلى تهيئة من يقوم به نفسيا، وبحاجة إلى التمهيد لزيادة شدة تأثيره في المجتمع، وبحاجة إلى تهيئة المجتمع العراقي لقبوله، وهذه جهود يقع عبئ القيام بتنفيذها على الجانب النفسي. 

ج. إن موقف المجتمع العراقي غير الملائم من الفعل المعارض خاصة ما يتعلق منه بالخوف من العقاب الشديد إثر تحقيقه، يحتاج إلى جهد واسع النطاق لتقليل شدة الخوف وزيادة قناعة المجتمع بأحقية العمل المعارض في التغيير والتخلص من النظام القائم، وهذه جهود تتركز على المعطيات النفسية.

د. إن الاضطرابات التي تسللت إلى العمل المعارض، والتي يحول بعضها دون تطويره بحاجة إلى دراسة وبحث مستمرين، وإلى سعي جاد للتخلص منها في أقرب وقت ممكن، وهذه تعتمد في معظمها على الاتجاهات النفسية.

هـ. العمل المعارض يتأسس في بعض جوانبه على المعرفة الصحيحة لآراء المجتمع العراقي، ورغباته وتطلعاته وتوجهاته، وكذلك المجتمعات القريبة منه وتلك التي تؤثر على واقعه، وهذه جهود علمية تتطلب معرفة نفسية واجتماعية.

و. الإعلام الموجه ضد الحكومة بقصد إضعافها وزيادة قلقها وتوترها، والمعنون إلى المجتمع العراقي بقصد شد أزره وتوحيده، واستثارة مشاعره الوطنية، بحاجة إلى مفردات مختارة إختيارا علميا دقيقا، وإلى تنسيق بين القصص والحكايات الموجودة تنسيقا علميا صحيحا، وإلى تقديم وتأخير للأحداث والصور والعبارات بطريقة علمية مضبوطة، وهي في معظمها تتأسس على النظريات النفسية والاجتماعية.

ز. وجود الرمز في العمل المعارض مسألة مهمة جدا، وهي في حالة العراق قضية معقدة جدا، وتفعيلها على أرض الواقع يحتاج إلى تضافر كثير من الجهود بينها النفسية.

ح. موقف التفرج والمعارضة الفكرية يتطلب سعي حثيث لنقل العراقيين إلى المساهمة والتفاعل ويتطلب جهود لإكسابهم قدر ة على فهم، وإدراك ما يحيط بهم ليكونوا قادرين على التخلص من الشوائب، ويقتضي التغذية الفكرية بكم من المعرفة والإيمان اللازمتين لإبعادهم عن التأثيرات المحتملة لتوجهات الحكومة الإعلامية والنفسية، وهذه جهود تتأسس على العمل النفسي. 

... الخ من المعطيات التي تؤكد أن العمل العراقي المعارض بحاجة إلى الجهد العلمي النفسي المنظم ليضيف إلى الجهود الموجودة حاليا وزنا آخرا يؤدي إلى نقله خطوات باتجاه النجاح والتخلص من الواقع الحالي، وهو جهد لا بد وأن يؤطر بصيغة تنظيم هيكلي بملاك وواجبات وصلاحيات تنسجم والواقع الحالي للمعارضة العراقية، وفي مجاله يمكن إقتراح صيغة مركز للعمليات النفسية يعد تنظيمه وارتباطه وطريقة عمله بالنقاش مع الجهة المعنية.             

المـركـز العراقي للعمليات النفسية

التأهيل والواجبات 

رئيس المركز 

1. التأهيل: حاصل على شهادة عليا في أحد فروع علم النفس. 

2. الواجبات:

أ. إدارة شؤون المركز بشكل عام.

ب. تمثيل المركز في المؤتمرات واللقاءات العلمية.

ج. التنسيق مع الجهات المعارضة والبحثية فيما يتعلق بعمل المركز.

نائب رئيس المركز 

1. التأهيل: حاصل على شهادة عليا في مجال علم النفس أو الاجتماع.

2. الواجبات:

أ. الإشراف على الجانب الأمني للمركز.

ب. القيام بواجبات رئيس المركز في حالة غيابه.

ج. الإشراف على الأمور الإدارية في المركز.


الأقسام

قسم الترجمة  

1. التنظيم

أ. رئيس القسم. حاصل على شهادة عليا بإحدى اللغات الأوربية (الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية). 

ب. نائب رئيس القسم . حاصل على شهادة عليا باللغة الإنجليزية.

ج. مترجم لغة فرنسية. خريج فرنسي، له خبرة بالترجمة من وإلى الفرنسية.

د. مترجم لغة ألمانية. خريج ألماني، له خبرة بالترجمة من وإلى الألمانية.

2. الواجبات

أ. ترجمة كل ما يتعلق بعمل المركز.

ب. الترجمة الفورية والمباشرة في المؤتمرات والندوات التي يقيمها المركز.

ج. الترجمة في اللقاءات الخاصة برئيس المركز وباقي منتسبي الأقسام عند الحاجة.

د. التنسيق مع قسم المعلومات وتلبية حاجته للترجمة عند الضرورة.

قسم المعلومات 

1. التنظيم

أ. رئيس القسم. خريج كلية مدنية أو عسكرية.

ب. ناب رئيس القسم. خريج كلية.   

ج. باحث. خريج حاسبات أو له إلمام بالعمل عليها وعلى شبكة الانترنيت.

د. منظم أرشيف. خريج قسم المكتبات أو له خبرة في التعامل بالمعلومات.

2. الواجبات

أ.  جمع المعلومات السرية والعلنية ذات الصلة بعمل المركز بالوسائل الفنية والبشرية المتاحة

ب. التنسيق مع الجهات المعلوماتية في المعارضة لما يتعلق بالعمــــــل التخصصي للمــــركز

وبموافقة أمانة المركز.

ج. تلبية حاجة الأقسام الأخرى إلى المعلومات التخصصية ذات الصلة بعمل المركز.  

د. تحليل المعلومات النفسية الخام التي يتم الحصول عليها وتصنيفها حسب أهميتها ودرجة الوثوق بها. 

قسم البحوث والدراسات 

1. التنظيم

أ. رئيس القسم. حاصل على شهادة عليا في التربية أو علم النفس أو علم الاجتماع.

ب. نائب رئيس القسم. حاصل على شهادة عليا في القياسات النفسية.

ج. باحث اختصاص إعلام. 

د . باحث في المجال الاجتماعي .

هـ. باحث في العلوم السياسية.

و. باحث اختصاص إحصاء. 

2 . الواجبات

أ.  إعداد البحوث والدراسات حسب الخطة السنوية للمركز.

ب. اقتراح البحوث المطلوب إعدادها وحسب المواقف والظروف.

ج. إصدار النشرات الدورية الخاصة لأغراض التوعية. 

د. اقتراح الندوات والمؤتمرات التي يمكن أن يقوم بها المركز والإشراف على تنظيمها.

هـ. تزويد القيادة بتقارير دورية عن اتجاهات الرأي العام العراقي في المواضيع الهامة.

و. تزويد القيادة بتقارير عن اتجاهات الرأي العام العالمي لما يتعلق بالشؤون العراقية. 

قسم الأمن النفسي  

 1. التنظيم

أ. رئيس القسم، حاصل على شهادة عليا في علم النفس.

ب. نائب رئيس القسم، أخصائي في الطب النفسي. 

ج. باحث في علم النفس السريري " الإكلينيكي ".

د. باحث في الخدمة الاجتماعية.

هـ. باحث في علم النفس الجنائي.   

2. الواجبات

أ.  تحديد اتجاهات الخرق النفسي الاجتماعي للمعارضة.

ب. اقتراح أساليب التعامل مع الخرق النفسي الاجتماعي.

ج. دراسة وبحث الآفات الاجتماعية الضارة بالمجتمع العراقي.

د. تزويد القيادة بتقارير دورية عن احتمالات الخرق الحاصلة أو اتجاهاتها. 

هـ. متابعة الوضع القيمي للمجتمع العراقي، وتأشير التغيرات الحاصلة فيه.

قسم التحصين النفسي

1 . التنظيم

أ. رئيس القسم . حاصل على شهادة عليا في علم النفس السريري " الإكلينيكي "

ب. نائب رئيس القسم. حاصل على شهادة عليا في علم الاجتماع.

ج.  باحث. اختصاص علم النفس الاجتماعي.

د. باحث. اختصاص خدمة اجتماعية.

هـ. باحث. اختصاص علم النفس التعليمي. 

2. الواجبات

أ. تقديم المقترحات الخاصة بالتحصين النفسي والدعم المعنوي للإنسان العراقي.

ب. التنسيق مع أجهزة الإعلام المحلية في تناول الاتجاهات ذات الصلة بالتوعية والتحصين النفسي.

ج. تقديم الدعم النفسي اللازم للمنظمات والجناعات المعارضة لما يساعدها في تحقيق أهدافها في إعداد الإنسان العراقي المعارض.    

د. تقديم الإسناد النفسي اللازم للجهات المعنية بنشر وترسيخ الفكر المعارض.  

هـ. إصدار النشريات الخاصة بتحقيق أهداف هذا القسم.

قسم العمليات النفسية 

1. التنظيم

أ. رئيس القسم . حاصل على شهادة عليا في علم النفس.

ب. نائب رئيس القسم. حاصل على شهادة عليا في علم الاجتماع.

ج.  باحث في العمليات النفسية الستراتيجية.

د. باحث في العمليات النفسية التعبوية.

2. الواجبات

أ. تحليل اتجاهات ونوايا حكومة صدام والدول المعادية الآنية والمستقبلية.

ب. تحليل الإشاعات المنتشرة داخل العراق وخارجه وتزويد القيادة بتقارير عن أهدافها.

ج. صياغة الإشاعات الموجهة لغرض التقليل من اثر الإشاعات الموجودة أو بقصد التعامل مع حدث معين. 

د. التنسيق مع أجهزة الإعلام فيما يتعلق بتعامل المعارضة "الستراتيجي" مع الحرب النفسية للحكومة.

هـ. التهيؤ لصياغة، وإعداد مفردات الحرب النفسية التعبوية في حالة حدوث الحرب.    


الخاتمة  

1. لقد سيطرت على العالم ولفترات زمنية طوية ستراتيجية الصراع المسلح أو القتال الفعلي، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية وما بعدها قليلا، عندما وجد الكبار في هذا العالم أن أسلحة الدمار الشامل قد زادت فاعلية تدميرها وانتشرت في العديد من الدول وبات استخدامها في الحرب خسارة لكل أطراف الصراع، هذا بالإضافة إلى الكلفة المادية العالية لمثل تلك الحروب واتجاهات رفضها في عموم المجتمعات البشرية، الأمر الذي دفعهم "الدول الكبرى" إلى التفكير بوسائل بديلة لها قدرة على تكوين القناعات والأفكار والتصورات والرغبات"معطيات نفسية" تعينها بشكل غير مباشر على تأمين أهدافها المطلوبة في السيطرة وفرض الإرادة وتحقيق المصالح، وقد ساعدها التطور الحاصل في جوانب الاتصالات وتقنية المعلومات وسبل التعامل على المضي في تحقيق هذا التوجه بعد أن أصبح العالم أصغر حجما وأكثر تقبلا.

2. إن التحول الحاصل في الاستراتيجية من الحرب عسكريا إلى الحرب نفسيا، لم يلغ استخدام القوة بشكل نهائي رغم محاولة استبعادها جهد الإمكان، بل وجعلها "استخدام القوة أو التهديد باستخدامها عند الضرورة " وسيلة نفسية تساعد على تحقيق غايات التقبل للأفكار والقناعات المطلوبة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى عند المقارنة في موضوع شدة التأثير وديمومته بين نوعي الحرب المذكورتين وجد المعنيون أن تكوين القناعات ولوي الارادات التي يفرضها العسكر بالقوة في الحروب التقليدية لم يدم تأثيرها طويلا إذ سرعان ما يجري رفضها أو التمرد عليها عند الشعور باختلال التوازن في القوة، كذلك فإنها أي الحرب التقليدية تثير الكثير من الانفعالات السلبية بالضد من أهدافها والقائمين عليها وان كانوا منتصرين في صراعهم المسلح، في حين تتكون العديد من أنواع الآراء والاتجاهات والقناعات في الاستراتيجية النفسية "ولو بشكل بطيء وتدريجي" دون إدراك المستهدفين أو وعي منهم بمقاصدها، وبالتالي سيكون زوالها بطيء  ويحتاج الكثير من جهود التوعية والتحصين التي عادة ما تكون محدودة في غالبية المجتمعات المستهدفة، خاصة وإن الاستراتيجية النفسية التي تستخدمها الدول الكبرى في وقتنا الراهن تعتمد أساليب متنوعة غير مباشرة ترتكز على الاقتصاد والثقافة والتجارة والسياسة والعلم والتقنية والعسكر وغيرها، وهي على هذا الأساس أصبحت في وضع تحاصر فيه المجتمعات المستهدفة التي لم يبق لها خيار سوى السعي للتعامل مع نوايا وتوجهات تلك الدول بأساليب نفسية مضادة، قوامها الرصد والتحليل والدعم والإسناد والتحصين لمواطنيها والمجتمع بشكل مستمر يتيح لها فرص منع الأعداء من تحقيق أهدافهم أو الإقلال من فعل التأثير النفسي المعادي، وبعكسه ستجد مثل هذه المجتمعات المستهدفة أن التغير قد حصل بصورة يصعب التعامل معها بعد تحقيق أهدافها كاملة.         

3. إن الوضع في العراق سواء ما كان منه المتعلق بالجانب الحكومي الذي يدير فيه صدام البلاد بطريقة قسرية:

أنتجت الخوف العام الذي حاصر الإنسان العراقي ودفعه بعيدا عن العمل المعارض.

كونت نوع من العزل النفسي والحصار، أبقت العراقي بعيد عن تأثيرات العالم الآخر التي بدأت تصل إلى الجميع بمساعدة وسائل الإتصال والإعلام المعولمة.

أو ما يتصل منه في جانب المعارضة التي وجدت نفسها بعد الشروع الفاعل لنشاطها بداية التسعينات أنها مقيدة بقيود يتمثل بعضها:

قيود المصالح الدولية التي تحدد من حركتها بما يؤمن المصالح بعيدة المدى.

قيود دول الإقليم التي ترى معظمها "مع بعض الأستثناءات البسيطة مثل سوريا" في نشاط المعارضة إثارة لإنشطة مضادة هي في غنى عن حصولها.            

قيود الخصائص الشخصية التي دفعت إلى التشتت والتبعثر أكثر من التوحد والتجميع. 

وهو وضع يصعب التعامل معه تعاملا عاديا، ويفرض على المتعاملين من جانب المعارضة التأسيس على قواعد علمية في التعامل، يتأسس قسم منها على المعطيات النفسية التي باتت تحرك العديد من معالم التعامل في عموم المجتمعات البشرية. 


المصادر 

1. السيد سعيد ، محمد ، مجلة العربي الكويتية ، العدد 494 يناير 2000 ص73 .

2 . العظم، صادق جلال ( 1996 ) ما هي العولمة، ورقة بحث مقدمة للمنظمة العربية للتربية الثقافة والعلوم ، تونس. 

3. حنوش، زكي: مستقبل حقوق الإنسان والشعوب فـي ظل النظام العالمـي الجديد، الفكر العربي العدد 90 خريف 1997 ، ص231 .

4. محسن، محمد : دعاية المقاومة في مواجهة الدعاية الإسرائيلية ، الفكر العربي العدد 89 صيف 1997 ص222 .

5 . العبيدي ، سعد ( 1990 ) الحرب النفسية في الميدان ، بحث غير منشور .

6 . حسن زعرور: اتجاهات الشركات متعددة الجنسيات في ظل ثورة التكنولوجيا والإعلام، الفكر العربي العدد 89 ، صيف 1997 ، ص201 .

7. أحمد رشتي، جيهان ( ب ، ت )  الأسس العلمية لنظريات الإعلام، دار الفكر العرب