الحرب المحتملة مع حكومة العراق وخطىء المعارضة للتعامل العسكري ميدانياً .

عـــــام 

1. يشكل الهجوم الإرهابي على واشنطن ونيويورك في 11/9/2001 عاملا مساعدا لإعادة النظر في الأساليب المتبعة لإدارة الصراع في العالم بشكل عام، وفي منطقة الشرق الأوسط المثيرة للتوتر بشكل خاص، وفي مجاله تؤشر معطيات الإعلام والتحرك الدبلوماسي، والحشد العسكري إلى:

آ. أن المعنيين بإدارة الصراع على المستوى الدولي ( الأمريكان ) يعملون على إعادة النظر بسبل التعامل مع بؤر التوتر المتعددة في المنطقة ( الشرق الأوسط )، والتي بات وجود بعضها مكلفا لهم من الناحية المادية، ودافعا لوجود خطر يمكن أن يطال أراضيهم من الناحية الأخرى.

ب. وإعادة النظر هذه ستشمل من بين عدة أمور تقليص تلك البؤر المتعددة في المنطقة لعدم جدواها أسلوبا يرجح كفة الأقوى بأقل الخسائر.

2. وفي إطار التحرك واتجاهات إعادة النظر ستبقى حكومة العراق "صدام حسين" هدفا مقصودا وباحتمالات ليست قليلة لأسباب عدة بينها:

أ. وضع العراق غير المستقر المثير للتوتر وعدم الاستقرار ( حيث الإحباط واليأس المستمرين لعموم مجتمعه وفي كافة الظروف والأوقات ). 

ب. طبيعة حكومته المنتجة للإرهاب ( حيث الاستخدام المنظم للقوة أو ما يسمى بالعنف الثوري نهجا فكريا لقيادتها الحاكمة ).

ج. العداء المحكم في نفس صدام للإدارة الأمريكية ( حيث المحاولات المتكررة للانتقام، وكلما سنحت الفرصة بذلك إشباعا لرغبات مكبوتة ).

د. إدراك الإدارة الأميركية لتصاعد مؤشرات العداء الشعبي بالضد منها ( نتيجة لسياستها الخاطئة في الاحتواء للعشر سنوات السابقة ).


الغايــة 

1. تهدف هذه الدراسة وبضوء المعلومات الميسورة، واحتمالات امتداد الحرب ضد الإرهاب للساحة العراقية إلى تقديم تصور عن:

آ. المستوى المتوقع للأداء العسكري الحكومي في احتمالات حرب مقبلة.

ب. ردود الفعل المحتملة للقوات المسلحة العراقية (الجيش النظامي، قطعات الحرس الجمهوري، والحرس الخاص) عند الصدام المباشر مع قوى خارجية متفوقة.

ج. موقف الشارع العراقي في حالة الحرب.

د. خطوات الجانب المعارض لدعم أهداف الحرب في تغيير نظام الحكم، وإقامة الديمقراطية، والتعددية .

2. وهي غاية يتطلب تأمينها تناول الموضوع من زوايا مختلفة، وبعناوين متعددة حسبما مبين في سياق الدراسة.


استعدادات الحكومة للحرب 

1. لقد اكتسبت حكومة صدام خبرة جيدة للتعامل مع حالة الاستنفار، والاستعداد للحرب خلال ثلاثين سنة كانت جميعها مقسمة بين حرب فعلية وتهيؤ لأخرى محتملة، وما زالت كذلك حتى يومنا هذا، ورغم ذلك فإن إجراءاتها في هذين الجانبين سوف لن تختلف كثيرا عما قامت به في سياقات تجاربها السابقة، والتي تتمحور في :

آ. الاستنفار للحرب

إن من أسهل القرارات التي يتخذها صدام حسين والمفصل القيادي الذي يلي في العراق تلك التي تتعلق بالحيطة والحذر وحشد الجهد حتى أصبحت لأجهزته المتعددة خبرة جيدة في هذا المجال مضافة إلى خبرات ذاتية جيدة في التحسس والاستشعار عن بعد لنوايا وأهداف الخصوم، وعلى وفقها اتخذ إجراءات وقائية مقبولة بعد استفاقته من صدمة حرب الخليج الثانية استطاع بواسطتها التقليل من إثر عديد من الضربات التي تكررت، وهذا يعني أنه سيبدأ بالفعل خطوات الاستنفار في ظروف الحرب المعلنة ضد الإرهاب على الرغم من عدم وجوده على قائمتها الأولى بشكل معلن، وخطواته على المستوى الشخصي، والحكومي، والحزبي، والأمني، والعسكري ستتمحور في الآتي:

أولا . ما يتعلق بالحاكم وعائلته. 

رغم إن صدام يتعامل مع أمنه الشخصي، وكأنه في دائرة الخطر المستمر، لكنه في مثل هذه الأيام يكون أكثر حذرا في تحركه ضمن تلك الدائرة الضيقة جدا، إذ يتجه إلى بعض الأماكن الحصينة غير المعتادة في دائرته تلك، دون أن يستقر في واحدة منها، ويحدد الاتصال به بأقل عدد ممكن، ويجري تقييد الاتصالات الهاتفية به من الأطراف المقابلة إلا من القلة (جدا) المسموح لهم مسبقا وبسبل فنية تحول دون إمكانية متابعتها عن بعد، وفي مثل هذه الظروف عادة ما يكون قصي همزة الوصل بين جهد الدولة، وبينه أي الحاكم ومن بعده عبد حمود(السكرتير).

أما بالنسبة إلى أمن العائلة في حالة الاستنفار فهناك خطط منفصلة خاصة بها تعتمد أساسا على عدم التواجد في قصورها الرسمية، والانتقال إلى أخرى بديلة مع تحديد حركه أفرادها، وكذلك الاتصال بهم، مع تهيئة عدد كاف من السيارات، والحمايات الخاصة باللباس المدني للطوارئ.

ثانيا. الجهاز الحكومي

ليس لعموم الجهاز الحكومي العراقي دور فاعل في عملية التهيؤ والاستنفار، إلا تلك الدوائر والمؤسسات ذات الصلة بالمجهود الحربي مثل:

(1). النقل حيث التهيؤ للاستفادة من الشاحنات، وسيارات الحمل، والقطارات أحيانا لأغراض نقل العسكر ومعداتهم إلى مناطق تحشدهم، وكذلك لأغراض المناورة بهم بين مناطق التهديد على الرغم من قدم بعضها وكثرة الأعطال في بعضها الآخر.

(2). الاتصالات. إذ تتطلب الحاجة إلى بعض الموظفين والفنيين لنصب هواتف في مواقع جديدة ، ونقل أخرى، وكذلك التنسيق مع الأجهزة الأمنية فيما يتعلق بالمراقبة الفنية. 

(3). التصنيع العسكري. وهي الإدارة شبه العسكرية المشمولة بأوامر الإنذار مع كل حالة استنفار ودورها عادة ما يكون مزدوجا وحسب طبيعة الموقف.

إذ سيتوجه منتسبوها إلى تفكيك المعدات الثقيلة والمكائن المهمة، والمواد الأولية الخاصة بإنتاج بعض الأسلحة المهمة، ونقلها إلى أماكن أخرى بعيدة عن احتمالات إستهدافها، وكذلك السعي لمضاعفة الجهود لإنتاج بعض الأعتدة والمعدات والأدوات الاحتياطية التي تقتضي حاجة الظرف القائم إليها. 

ثالثا. الحزب 

تعطى الأوامر للجهاز الحزبي في ظروف الاستنفار للتواجد في المقرات الحزبية، وإذا ما كان توقع الدولة لضربة مقبلة وشيكة، أو حرب قريبة باحتمالات عالية فإن تواجد الحزبيين سيكون بأسلحتهم، ويبدأون بالأنتشار كنقاط للحراسة والمراقبة، خاصة في الأحياء الفقيرة وفي الريف والطرق الخارجية، كذلك يكلف الجهاز الحزبي بمراقبة الأشخاص الذين يشك بولائهم ـ أي الذين يحتمل أن ينتقلوا إلى الجهد المعارض عند سنوح الفرصة.

رابعا. الأجهزة الأمنية

تمارس الأجهزة الأمنية واجباتها الاعتيادية في حالات الاستنفار، لأن سياقات عملها في الظروف الطبيعية هي أقرب إلى وقائع الإنذار منها إلى الدوام الرسمي التقليدي، ومع ذلك فلهذه الأجهزة مهام مضافة في عملية التهـيؤ والاسـتنفار، منهـا مضاعفـة الدوريات الخاصة فــي الأحياء المدنيـة ( بالنسبة للأمن والمخابرات )، وبالنسبة إلى الاستخبارات العسكرية تتوجه لتسيير دوريات رصد ومراقبة للمعسكرات الموجودة في بغداد والقريبة منها، مع تكثيف المراقبة الشخصية والإلكترونية على الضباط من رتب القادة، وبعض الضباط المتقاعدين من تلك الرتب.

خامسا. القوات المسلحة

إن الإنذار بالنسبة غلى القوات المسلحة يعني التهيؤ والاستعداد وسد النقص، وفي درجاته (الإنذار) القصوى استلام الأعتدة ( للوحدات الموجودة خارج بغداد)، وفي ظروفها يجري عادة مراجعة واقع الوحدات والتشكيلات، ومحاولة سد نقصها من الأفراد والأسلحة والتجهيزات.

وحالة الاستنفار تعني أيضا التهيؤ والاستعداد التي تتحرك بموجبها بعض الوحدات إلى أماكن حشدها أو إلى أماكن دفاعية ، أو إلى مواقع معدة مسبقا لتأمين خطط الأمن المركزية، كما هو الحال بالنسبة لوحدات الحرس الخاص وقطعات الحرس الجمهوري.

سادسا. المليشيات

إن حالة الاستنفار بالنسبة إلى تشكيلات الجيش الشعبي، وجيش القدس وفدائيو صدام تعني الانتشار في الشارع العراقي، ومن ثم التحرك باتجاه بؤر الاضطراب المتوقعة في الوسط والجنوب وخطوط التماس مع كردستان.

2. إدارة الحرب 

سوف لن تختلف إدارة صدام لأية حرب مقبلة عن أساليبه السابقة في الإدارة، لأنه قد حقق نجاحا في عمومها لما يتعلق بأمنه الشخصي واستمرار حكمه. وإحساسه بهذا النجاح دفعه لأن يوجه أهم أدواتها الفاعلة (القيادة العامة للقوات المسلحة) و(قيادة الحرس الجمهوري) في العقدين الماضيين بشكل ينسجم وخصائصه الشخصية في (التسلط، الشك، عدم الثقة، التطرف، الحزم، الشعور بالعظمة، والاعتقاد المفرط بصحة الرأي) (1)، وهي خصائص أثارت القلق في نفوس أعضاء تلك القيادة وكذلك الشعور بالتهديد المستمرين، الأمر الذي دفعهم لأن يكّيفوا أساليبها ووسائلها لما يشبع خصائص صدام الشخصية، وبمحصلة تفاعل الاتجاهين تكونت لهذه القيادة مواصفات أو معالم مميزة فيها من الإيجاب لصالح ديمومة وحماية أمن النظام غير القليل، وفيها كذلك من الثغرات والسلب فيما يتصل بالأداء وبحال القوات المسلحة غير القليل أيضا وكما يأتي:

آ . الخصائص التي يشكل وجودها قوة للنظام 

القيادة العامة للقوات المسلحة تشكيل بدأ التعامل به عمليا بعد استلام صدام رئاسة الدولة وإبان الحرب مع إيران على وجه الخصوص، وتجمع في عضويتها:

  • وزير الدفاع.
  • رئيس أركان الجيش ومعاونه للعمليات.
  • مدير الاستخبارات العسكرية العامة.
  • قائد القوة الجوية.
  • مدير طيران الجيش.
  • مدير التوجيه السياسي كناطقا رسميا.

ولها أمين للسر يرتبط بصدام (القائد العام) مباشرة . وتشكيلها بهذه الصورة أدت إلى:

أولا. أن تكون مفاصل القرار العسكري أثناء القتال الفعلي في مكان واحد يساعد على إنضاج القرار واستكمال مستلزماته بشكل مقبول في ظروف التعامل مع صدام حسين .

ثانيا. وجودها قريبة من مركز القرار السياسي، وبقيادة صدام مباشرة أعطى قراراتها فاعلية في التنفيذ السريع والمباشر.

ثالثا. تشكيلتها الشاملة وارتباطها برأس هرم السلطة وسع صلاحياتها في تسخير جهد الدولة لصالح المعركة وتبعا لحاجتها.

رابعا. مسئوليتها في قيادة المعارك حتم قيامها بفتح مقرات ميدانية في جميع قواطع العمليات مجهزة تجهيزا جيدا، إذ يسهل تواجد الأعضاء فيها إدارة المعركة مباشرة، وكما يريدها القائد العاام.

خامسا.التواجد المباشر في ساحة المعركة لأعضائها، يكّون حالة من الضغط على قادة الفيالق والفرق باتجاه التنفيذ الحرفي، والدقيق للأوامر الصادرة، وبدافعية قسرية لا تقبل التهاون أو التأخير. 

سادسا. اقتراب أعضائها من الجو الحقيقي للمعركة يوفر فرص أفضل للقادة الميدانيين في تأمين بعض احتياجاتهم، وبسرعة أكبر نسبيا.ِ 

ب. الخصائص التي يؤثر وجودها سلبا على الوضع العام للقوات المسلحة 

لم تكن تشكيلة القيادة العامة المذكورة هي الملائمة لوضع إدارة معركة ناجحة بالقياسات العسكرية، ولم تكن أساليبها في قيادة المعارك هي الصحيحة لإدارة معركة بالمعايير التعبوية الفاعلة، وبالتالي ستتسبب ـ تلك الأوضاع والأساليب ـ في بروز العديد من الثغرات، والسلبيات التي تضر بواقع القوات المسلحة وبقدرتها على القتال من جهة، وستوفر فرص جيدة للخصم "الحلفاء والمعارضة" في استثمارها ثغرات مؤثرة في المعركة المقبلة بإتجاه زيادة الضرر بالنظام من جهة أخرى، ومن أهمها:

أولا. أنهت تشكيلة القيادة العامة دور بعض المفاصل المهمة في قيادة الجيش مثل رئيس الأركان، ومدير دائرة العمليات، وغيرهم آخرون أصبحوا مجرد ضباط ركن في تلك التشكيلة.

ثانيا. إن صيغة القيادة العامة، وأسلوب عملها غيّرَ من تدرج هرم المسئولية التقليدية في الجيش، وفي حالتها القائمة تعومْ المسئولية في حالات الفشل، أو تلقى تبعاتها على الغير من غير المسئولين فعلا، بينما يبدأ الصراع الخفي لإدعاء النجاح، والنتائج في كلتا الحالتين تخريب للنفوس في الظروف الحرجة.

ثالثا. إن قرب أعضاء القيادة العامة من صدام يعرضهم إلى الضغوط شبه المستمرة ، وإلى التجريح والمهانة في أحيان ليست قليلة، وكردود فعل من جانبهم للتخفيف عن معاناتهم في هذه الحالة ستقمص أغلبهم أساليبه غير الصحيحة في التعامل مع مفاصل القيادة الأدنى، وبالتالي سينقلوا إلى عموم الجيش ذات الضغوط والأساليب التي غيبت تطبيقاتها في السابق معايير الثقة، والإيثار، والتضحية، والتكافل، والوطنية، وروح الجماعة اللازمة لإدامة المعنويات والأداء الجيد في المعركة. 

رابعا. تعمل القيادة العامة بأسلوب الفريق، وهذا يعني اجتماع أعضائها لاتخاذ القرارات ولإدارة شئون الحرب والمعارك، الأمر الذي يقتضي بقائهم في مكان واحد لفترة طويلة، خاصة أيام المعارك الشديدة، وإذا ما ساعدت الظروف على بقائهم كذلك سيكون من السهولة استهدافهم من خصم يمتلك تقنية رصد وحرب إلكترونية متقدمة، وخسارتهم جميعا بضربة واحدة ستربك القيادة والسيطرة كأحد المبادئ المهمة للحرب.

خامسا. إن تواجد أعضاء القيادة العامة في الميدان يدفعهم غالبا إلى التدخل المباشر في معركة قائد الفيلق والفرقة، واللواء في أحيان قليلة ( وهو تدخل مرغوب من صدام ) لكن حصوله في الواقع يخل بشخص القائد الميداني، ويعرضه لخطر العقاب والمراقبة التي تقلل من كفاءته كثيرا. 

ج . تعبئة جهد الدولة العسكري لأغراض الحرب 

تأسيسا على ما ورد في ( أ ، ب ) أعلاه فإن تحرك الحكومة لنشر قواتها في معركة دفاعية ضد عدو خارجي متفوق يحتمل تعاونه مع قوى معارضة عراقية في الداخل سيكون محكوما بتحديدات تدفعها إلى :

أولا. حساب التهديد القادم من شمال العراق أسبقية أولى لأسباب يفرضها الواقع وأخرى يراها صدام من وجهة نظره الخاصة بينها:

(1). تعدْ المنطقة مؤهلة للحشد الأجنبي دون الخوض بمشاكل إقليمية بالمقارنة مع مناطق الحشد الأخرى.

(2). إنها صالحة لإعادة تنظيم وتجميع الجهد العراقي السياسي والعسكري المعارض على أرض عراقية بسرعة ويسر كبيرين ودون إحراج للآخرين في المنطقة ذات الحساسية السياسية، والقومية، والطائفية عالية المستوى.

(3). إنها ساحة معارك تضيف للمهاجم نقاط تفوق كوّن منطقتها مشرفة طبيعيا.

(4). إنها قريبة من عموم المحافظات العراقية السنية التي يعدها صدام ( حسب ضنه ) خطوط دفاعية إضافية عن النظام.

(5). إنها قريبة جدا من تكريت المعقل التقليدي لصدام، ومكان الإمداد البشري الرئيسي لقواته الضاربة (الحرس الجمهوري والخاص)، والقاعدة العامة لغالبية أفراد حكومته وقادته العسكريين، والتي كوّن صدام بتعامله الخاص مع أهلها اقتران في العقل العراقي أن سقوطها سقوط للنظام . 

(6). في حدودها كركوك التي يعدها الأكراد هدفا استراتيجيا يسعون لتحقيقه مع سنوح أية فرصة.

(7). المنطقة الشمالية وظروفها وخبرة صدام الجيدة في التعامل مع ملابساتها يعدها ورقة صالحة للعب فيها بحرية أكبر وبوسائل ضغط أقوى.

وهذه الأسباب قد تدفع الحكومة وقيادتها العامة إلى تخصيص الجزء المهم من جهدها دفاعا عن المنطقة سواء بقطعات للحرس الجمهوري أو الجيش النظامي، وكذلك المليشيات الأخرى، وستعبأ على الأغلب بذات الأساليب السابقة حيث الجيش النظامي والمليشيات في خطوط الدفاع الأولى والاحتفاظ بقطعات الحرس الجمهوري في الاحتياط العام ، ضمانا للتدخل في الوقت المناسب.

ثانيا . التهديد القادم من اتجاه الكويت بأسبقية عالية لاعتبارات عدة بينها:

(1). عدم حسم الصراع بين حكومة صدام والكويت وبقاء بعض أسبابه ماثلة، الأمر الذي سيدفع الكويت إلى قبول خيار السماح باستخدام أرضها قاعدة انطلاق لأعمال الهجوم المرتقب.

(2). وجود قطعات وقوة جوية أمريكية وأسلحة مخزنة، وقواعد قادرة على استيعاب المزيد من القوات القريبة من البصرة التي يفتح سقوطها بيد المهاجم الباب أمام السقوط المحتمل لباقي المحافظات الجنوبية، أو يسهل الضغط عليها باتجاه السقوط .

(3). تبقى الكويت الأرض الرخوة بالنسبة إلى صدام، ويبقى واقعها ورقة يمكن استخدامها للتهديد بإعادة احتلالها، أسلوبا لخلط الأوراق ، أو لتحقيق بعض المكاسب التي تصلح للتساوم في أية حرب شاملة.

وهذه الأسباب تدفع لتعزيز الدفاعات الموجودة أصلا في المنطقة الجنوبية، والجنوبية الغربية بقطعات من الجيش والحرس الجمهوري في الاحتياط العام.

ثالثا. هناك تهديدات من اتجاهات أخرى تدفع القيادة العامة لأخذها بالحسبان مثل إيران التي ما زالت بعض متعلقات حربها مع حكومة العراق لم تحل عمليا، بالإضافة إلى التواجد الفعلي لبعض الجهد العسكري العراقي المعارض على أرضها حتى يومنا هذا، ومجاورتها لعديد من المحافظات الشيعية المؤهلة للقتال ضد الحكومة، إلا إن الحكومة العراقية تمتلك خبرة جيدة لفهم الموقف الإيراني الذي تحاول حكومته الابتعاد عن احتمالات التورط في التدخل المباشر في حرب خارجية (تقودها أمريكا) ضد العراق، لحسابات داخلية خاصة، وتفاديا لتشكيل سابقة قد تدفع لها ثمنا باهضا بالمستقبل.

وعلى أساس هذا التوقع ولطول الجبهة مع إيران يمكن أن تعيد القيادة العامة نشر قوات خفيفة، قادرة على التحرك السريع على طول هذه الجبهة تعززها ببعض التشكيلات من المليشيات. 

رابعا. ويمكن أن تتوقع القيادة العامة احتمالات الإنزال البحري من اتجاه الفاو، ولو بأسبقيات متأخرة، لكن ساحتها القريبة من خطوط الدفاع الجنوبية، وطبيعة أرضها غير الصالحة لقتال الدرع بشكل واسع، ومواجهتها لإيران يمكن أن تدفع القيادة العامة إلى أن تنشر فيها قوات مشاة بمستوى لا يزيد عن فرقة، معززة ببعض المليشيات، مع الاستفادة لأغراضها من الاحتياطي الاستراتيجي الموجود في المنطقة الجنوبية القريبة. 

3 . الاستنتاج 

إن حالة الاستنفار والاستعدادات الجارية فيها، وبالقدر الذي تحقق من خلالها الحكومة فوائد في مجال التهيؤ وسد النقص وفرض السيطرة وإحكام المراقبة، وتنسيق الجهد المتاح، إلا إنها من جهة أخرى يمكن أن تكون من بين الأمور التي تؤثر سلبا على المعنويات والأداء عند الاصطدام بالخصم لاحقا، خاصة إذا ما طالت فترتها لمسافة زمنية بعيدة المدى، حيث الاستنزاف المستمر للطاقة النفسية، ولحين بدء الهجوم الذي لم يجد في ساعته العسكري العراقي أي قدر من الطاقة تعينه على التصرف الصحيح عسكريا، وهذه من أهم الأمور التي قد يتم اللجوء إليها كخيار لتقليل الخسائر المحتملة للضربة السريعة الشاملة لضمان استنزاف تدريجي لطاقة العسكر الحكومي، تزداد مستوياته شدة إذا ما صاحبته توجهات إعلامية ونفسية منظمة، ومنسقة خطواتها بين الحلفاء والمعارضة، وأفراد في الداخل. 


استعدادات المعارضة العراقية للمساهمة في الحرب 

1. نشطت المعارضة العراقية عمليا بعد عام 1990، وتكونت عديد من فصائلها وتياراتها بعد هذا العام استجابة طبيعية للأزمة، والمعارضة العراقية التي تضاعفت جهودها السياسية، والإعلامية، والعسكرية بشكل ملموس بعد تلك الأزمة وجدت نفسها بعد أكثر من عشر سنوات عمل متواصل أنها في الساحة تواجه عدة معاضل تؤثر على استعداداتها العامة لخوض حرب أو المساهمة فيها من أجل التغيير بينها:

آ. تمكّن صدام من التقاط أنفاسه وبسط نفوذه، وسيطرته، وعودته لبث الرعب في نفوس العسكريين الذين يشكلون القاعدة الأساسية لتنفيذ فعل التغيير، وبمستويات تفوق ما كان موجودا قبل احتلال الكويت. 

ب. إن الطرف المقابل لها في الصراع، أي خصمها في حكم العراق يمتلك:

أولا. جهاز حزبي واسع يغطي كل مساحة العراق ( باستثناء منطقة كردستان ) فيه الأعضاء، والأنصار، والمؤيدون مستعدون لتنفيذ كافة الأوامر العسكرية، رغم معنوياتهم ومستويات أدائهم التي تدنت كثيرا في الفترة الأخيرة.

ثانيا. أجهزة أمنية كفوءة، متعددة، متداخلة ينتشر وكلائها على كل أرض العراق، قادرة على تأمين الحماية التعبوية للنظام، وعلى التعامل مع الجهد العسكري المعارض بإقتدار عال المستوى، رغم إصابتها بعدوى الفساد والأمراض الاجتماعية التي انتشرت في العراق.

ثالثا. مجموعة جيوش متعامدة عبئ الواحد منها ليكون أداة قمع قاسية ضد الشعب العراقي، وأداة مراقبة واحتواء للجيوش الأخرى، رغم هبوط معنوياتها وضعف انضباطها العسكري وتردي وضعها الإداري، وتدني مستويات أدائها العسكري ( باستثناء الحرس الجمهوري والخاص ).

رابعا. خبرة تراكمية طويلة لكوادره المعنيين بالتعامل مع الاضطرابات الداخلية، وارتباط وثيق بمصيره، وسيطرة مطلقة على وسائل الضبط السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي العراقي، وقدرة على استثمار التقاطعات الدولية لصالح استمرار بقاءه، رغم فقدانهم الكثير من الثقة، والمصداقية، وحسن التقدير.

ج . وإنها ـ أي المعارضة ـ في سعيها للمساهمة في الحرب المقبلة مع النظام عسكريا، تحتكم على:

أولا. جهد عسكري بسيط ومشتت بين تيارات وفصائل معارضة يودون جميعا الدخول في حرب من أجل التغيير، دون أستعداد أو حتى أمتلاك رؤية فنية لكيفية التنفيذ، لكنهم يسعون إلى دخولها على أسس وقواعد متباينة، وينظرون إلى الحرب المقبلة (بقيادة أمريكا ) نظرة هي الأخرى متباينة تتأسس على أصولهم الدينية، ومعتقداتهم المذهبية واتجاهاتهم الفكرية، وأحيانا على بعض المصالح الذاتية، نظرات قوامها:

(1). نظرة عملية يؤيد أصحابها الحرب والتدخل الخارجي سبيلا وحيدا إلى إنجاز فعل التغيير في الوقت الحاضر، ومستعدون للتعاون مع ذلك التدخل، بعد تقديرهم جهد المعارضة العسكري غير الكافي لإنجاز هذه المهمة على انفراد.

(2). نظرة عقائدية لا يرى أصحابها جدوى من الحرب سبيلا إلى التغيير، ولا من الأمريكان جدية في التغيير، وهم بالتالي لم يتوقفوا عند حدود عدم الاستعداد للمساهمة بل وسيتوجهوا أبعد منه إلى الشجب والاستنكار. 

(3). نظرة متشائمة يشك أصحابها بنوايا الأمريكان، معتقدين أن حربهم ليست موجهة ضد صدام ولا ضد الإرهاب، بل هي فعل استعمار مباشر، وهم يدينونها قبل مناقشة نتائجها المحتملة.

(4). نظرة الترقب، وهي النظرة الغالبة ليس بالنسبة إلى الفصائل العسكرية المعارضة، بل ولعموم العراقيين مادتها الأساسية بعد أن أعياهم التوقع والتحسب وتعليق الآمال، وهم في حالتها يقفون خارج الساحة بانتظار النتائج الأولية للحرب ليتدخلوا في جهدها العسكري المعارض أو يستمروا بموقفهم على الحياد. 

وهذه نظرات فيها من التناقض ليس القليل يصعب تجميع أصحابها في جهد عسكري موحد هو الأساس في دخول الحرب تحالفا كفوءا مع القوى الخارجية للهجوم، على الرغم من إيمانهم جميعا على ذات الهدف ـ أي التغيير ـ إلى نظام حكم جديد.

ثانيا. ضباط برتب مختلفة، وخبرات اختصاصية متنوعة يمكن أن تشكل قاعدة سليمة لجيش معارض قادر على المساهمة في الحرب، لكنهم موزعون في المهجر، وفي دول الطوق يصعب تجميعهم، وحشد طاقاتهم، ولا يرغب السياسيون المعارضون من التاسيس عليهم، على الرغم من استعداد غالبيتهم للمساهمة والخدمة في مثل هذا الجيش.

ثالثا. خيوط اتصال لعموم الفصائل العسكرية المعارضة، وللضباط في المهجر بالمؤسسة العسكرية العراقية (الحكومية) ضعيفة، لا ترقى إلى قيادة عملية التغيير على انفراد. من أجل التمهيد لتوسيع قاعدة التمرد والمشاركة في الحرب المقبلة. 

رابعا. خلايا عسكرية معارضة في الداخل قليلة للحد الذي لم تؤسس لها قاعدة قبول بين العسكر العراقي، كما إن تحرك القليل منها سري جدا، وميلها إلى المجازفة بتهيئة العسكر العراقي للوقوف في الصف المعارض أثناء الحرب محدود جدا بسبب نوع العقوبة، وطريقة التعامل. 

2. الاستنتاج

آ. تأسيسا على ما ورد أعلاه فإن واقع الجهد العسكري المعارض المطلوب منه أن يتحالف ويشارك في الحرب المقبلة عسكريا، واستخباريا ونفسيا جنبا إلى جنب مع الحلفاء، أو بدعمهم ينبغي أن يتم التوقف عند حدوده ذات الصلة بالتنظيم والتسليح والتجهيز وتبادل المعومات والخبرات وغيرها التي لا يمتلك في مجالها العسكر مستلزمات للتحرك، والمجال الوحيد هو أن تبدأ القيادة السياسية المعارضة بتشكيل نواة لهذا الجهد بمستوى قادر على التنسيق بالمرحلة الأولى ومن ثم التوسع في تجميع وتشكيل القوة القادرة على المساهمة في الحرب، والمهيأة لإعادة تنظيم المؤسسة العسكرية العراقية خلال الحرب وما بعد التغيير.

ب. هذا ورغم ما تعانيه المعارضة من قصور في جوانب أدائها العسكري إلا أن سعيها لتنظيم إمكاناتها وحشد طاقاتها المبعثرة ( طوعا من جانبها، أو بدفع من جهة الحرب الضاغطة ) سيجعلها قادرة على المساهمة في الحرب بدافعية عالية، وكفاءة جيدة، وسيؤهلها لإنجاز عديد من المهام التي تقتضيها الحرب والتي لا ترغب أو لا تستطيع القوات المهاجمة الأجنبية القيام بها مثل:

أولا. تفعيل أعمال المقاومة المنظمة لإرباك النظام، والتأثير على خطوط المواصلات والإمداد، ونصب الكمائن، ومهاجمة بعض المواقع المتفرقة ليلا.

ثانيا. الحث على التمرد العشائري وقيادته في مناطق العمليات وخارجها.

ثالثا. الدفع باتجاه العصيان المدني، وتعميمه على أكبر مساحة من العراق.

رابعا. أعمال المهارشة لإرهاق المواقع الدفاعية تمهيدا لمهاجمتها وفقا للخطط العامة.

خامسا. الاتصال بالوحدات العسكرية لإقناعها من أجل الانظمام إلى الجهد العسكري المعارض.


القوات المسلحة الحكومية (الاستعداد والمهام) في الحرب

1. لم يصدر صدام أوامره بإنهاء حالة الحرب بعد انتهائها عمليا عام 1991، وأكد في توجيهاته، وأدبيات حزبه وخطط إعلامه أن أم المعارك قائمة، وعلى أساسها أبقى حالة التحسب والاستعداد لمعركة قادمة من بين الأولويات المتقدمة لحكومته. ومهام قواته المسلحة بفروعها المختلفة واستعداداتها لخوض معركة دفاعية مع طرف خارجي متفوق كما يأتي:

آ. المهام الأساسية للقوات المسلحة في الحرب المقبلة

أولا . الجيش النظامي

(1). احتلال مواضع دفاعية في مناطق التهديد، والقتال ضد قوى الهجوم المحتملة(خط دفاع أول).

(2). الاشتراك في قمع المقاومة و التمرد الداخلي في حالة نشوبها.

(3). المناورة للقيام بهجمات مقابلة على المستوى العملياتي.

ثانيا. الحرس الجمهوري 

(1). استخدام بعض وحداته وبشكل محدود لإشغال مواضع دفاعية في أماكن تشكل أهمية سوقية للحكومة.

(2). الانفتاح في أماكن التهديد المحتملة، خلف مواضع الجيش الدفاعية، لمنع وحداته من التسرب والانسحاب، والتهيؤ لتنفيذ مهام الهجوم المقابل سوقيا.

(3). إبقاء بعض وحداته قريبة من بغداد لأغراض خطة الأمن والطوارئ .

(4). التدخل الفوري ضد أي احتمالات للتمرد العسكري والشعبي.

ثالثا. الحرس الخاص

(1). تأمين الحماية المباشرة إلى صدام والعائلة.

(2). حراسة بعض الأهداف الحيوية.

(3). التدخل الفوري ضد احتمالات التمرد العسكري، والشعبي وبالتنسيق مع الحرس الجهوري.

رابعا. القوة الجوية

تعاني القوة الجوية بالإضافة إلى النقص الكبير في أعداد الطائرات الصالحة للقتال من تحديدات ستؤثر على طبيعة واجباتها في المعركة المقبلة أهمها:

(1). التفوق المطلق لقوات الخصم الجوية (سيادة جوية).

(2). التفوق الحاسم للخصم في الحرب الإلكترونية.

(3). عدم تيسر المعدات والأجهزة الفنية الحديثة للتوجيه والسيطرة الجوية، اللازمة لإدارة معركة جوية مع طرف متفوق أو القيام بأعمال القصف والإسناد القريب في ضل تدخلاته المباشرة، وبذلك ستتحدد المهام بأضيق الحدود، وبمستوى يصعب أو يستحيل تنفيذه، وإذا ما نفذ بعض منه سوف لن يؤثر على نتائج المعركة، منها:

(آ). محاولة إيجاد فرص تعبوية لإدارة معركة جوية محدودة مع القوات الجوية المهاجمة لأغراض دعائية معنوية.

(ب). محاولة تنفيذ أعمال قصف شبه انتحارية لأماكن حشد القوات المهاجمة.

(ج). قصف المدن العراقية التي يتم تحريرها وتخضع لسيطرة المعارضة العراقية في حالة تيسر فرصة تعبوية للتنفيذ.

خامسا. القوات البحرية 

وموقفها في حرب شاملة مع قوات خارجية لا يقل حرجا عن القوة الجوية، لذا ستكون مهامها صعبة وغير ممكنة، وإذا ما تيسر قدر بسيط منها سيتمحور حول الآتي:

(1). تحريك جهد بحري خفيف وسريع لمهاجمة القطعات البحرية المقابلة والقريبة من الساحل العراقي.

(2). إطلاق صواريخ ضد أهداف بحرية مهاجمة تقع ضمن المدى وتسمح الظروف الفنية بإطلاقها.

(3). مراقبة شط العرب بدوريات سريعة لرصد ومكافحة أية عمليات تسلل لعراقيين معارضين يعبرون من إيران.

سادسا. طيران الجيش 

يواجه الطيران السمتي ذات التحديدات التي تواجهها طائرات القوة الجوية وبضوئها سوف لن تتعدى مهامه في حال سنوح الفرص شبه المعدومة الآتي:

(1). التسلل لاستخدام لضرب المدن والمناطق المحررة.

(2). محاولة الاشتراك في القتال بالضد من التمرد الذي قد يحصل من قبل بعض الوحدات العراقية المقاتلة بعيدا عن خطوط التماس مع القوات المهاجمة.

سابعا. الدفاع الجوي 

الدفاع الجوي ومن وجهة النظر العسكرية يعد مشتبكا في معركة مستمرة مع طيران الحلفاء، وهو الأكثر تضررا من التفوق التقني لهم إذ سيكون شبه معطل، وسوف لن تختلف مهامه في الحرب المحتملة عن واجباته الحالية إلا في حدود ضيقة منها:

(1). التركيز على محاولة إبعاد طيران الحلفاء عن تنفيذ مهام العزل في محيط بغداد.

(2). حشد المزيد من الجهد لإسقاط أهداف جوية للحلفاء تلبية لرغبة صدام، ولرفع المعنويات.

(3). إعادة نشر بعض بطريات الصواريخ في ساحة المعركة التي يديرها الحرس الجمهوري، وتبعا لتطورات المعركة.

2 . مستوى الأداء المتوقع للقوات المسلحة

إن إمكانات القوات المسلحة العراقية (الحكومية) لإدارة معركة دفاعية ضد قوى خارجية متفوقة تسليحا، وتجهيزا، وتقنية، وتقييم مستوى أدائها بشكل دقيق يحتاج إلى أدوات ليست ميسورة في وقتنا الراهن، لكن تقييما قريبا من الواقع لتأمين غاية الدراسة المذكورة في أعلاه يمكن أن يتأسس على معياري الدافعية والمعنويات، وأخرى غيرها مثل الشؤون الإدارية، والتسليح، وبعض الجوانب الفنية التي تسهل عملية رصدها ومتابعتها عن بعد من ناحية، وتشكل أساسا منطقيا للتنبؤ بمستوى الأداء المحتمل عند الاشتباك في معركة مع قوى خارجية من ناحية أخرى، وكما يأتي:

آ . الدافعيـــة 

أولا. تلك الحالة في النفس الإنسانية التي تدفع العسكري إلى تنفيذ الأوامر الصادرة لـه والمهام الموكلة إليه بمستوى أداء يتناسب طرديا والكم المتيسر منها "أي الدافعية"(2) وهذه في القوات المسلحة العراقية قد أستبدل صدام مكوناتها الأساسية مثل الوطنية ، والشرف ، والمهنية ، والحياء العام بمكونات أخرى ذات أسس نفعية ذاتية مثل الحزبية، والمناطقية، والمكرمة، والتحسب، وتفادي الإيذاء، وبهذا الأستبدال:

(1). انتهت في نفس العسكر العراقي الرغبة بالتضحية لتحل محلها معالم التناحر، والاتكالية. 

(2). وغابت في التفكير العسكري العراقي معايير الإخلاص، والتكافل الجماعي لتحل بدلا عنهما مساعي الكسب والوصولية.

(3). وتلاشت في ذاكرتهم صورة الوطن العراقي لتحل مكانها صور مشوشة للمدينة، والمنطقة، والعشيرة، والطائفة.

(4). وبهذا الاستبدال القسري لمكونات الدافعية، لم يتبق لكثير من الضابط، وضباط الصف، والجنود من استعداد لبذل الطاقة الميسورة مضافةً إلى إمكاناتهم الفنية لإنتاج الأداء المطلوب في الموقف القتالي المحدد.

ثانيا. وفي حالتها تبقى الإمكانات محدودة، ويبقى الأداء مجردا من عوامل الدافعية، ويتجه الفعل العسكري، أو يتحور في أغلب الأحيان إلى:

(1). عمل قوامه إسقاط فرض .

(2). سعي للمحافظة على البقاء .

(3). توجه لتأمين المصالح الشخصية .

ثالثا. وهذا حال يمكن تعميمه وبشكل شبه مطلق على غالبية وحدات الجيش العراقي، والقوات الجوية والبحرية، وطيران الجيش، وقوى المليشيات المتفرقة، وقسم غير قليل من مراتب الحرس الجمهوري، ولا يمكن تعميمه على الحرس الخاص، وقيادات الحرس الجمهوري لأسباب أهمها:

(1). إحساسهم بالقرب من الحكومة، إحساسٌ أوجده النظام في عقولهم نتيجة للتعامل معهم على أساس التفضيل بالمواطنة ( من الدرجة الأولى لهم ومن بعدهم باقي العراقيين درجات أقل ).

(2). اعتقادهم بالولاء العالي للنظام الحاكم الذي كونه صدام في تفكيرهم بعد الاتجاه إلى التركيز في أسبقيات الاختيار للقبول، وإشغال المناصب، والترقيات على أساس المنطقة ( تكريت وما يحيط بها) من مناطق قريبة.

(3). شعورهم بالارتباط بذات المصير الذي أسسه صدام في نفوسهم من خلال تكرار تكليفهم بمهام داخلية مثيرة للحقد والكراهية ، والاستهداف.

(4). اقتران مصالحهم بالوجود الفعلي للنظام الذي رسخه صدام في سلوكهم بعد تفضيلهم على باقي العراقيين بالرواتب والرتب ، والجاه ، وأمور العيش الأخرى .

رابعا .الاستنتاج

بضوء تلك المفردات ذات الصلة بمعيار الدافعية يمكن الاستنتاج أن مستوياتها المؤثرة على أداء تلك القوى في حالة قتالها بالضد مع قوى خارجية متحالفة مع قوى عراقية معارضة ستكون في الغالب على النحو الآتي:

(1). الاستعداد النفسي للاندفاع إلى العمل، والقتال عند منتسبي الحرس الخاص، وقطعات الحرس الجمهوري في ظروف مواجهة متوازنة نسبيا جيدا بالقياسات العراقية ( خاصة مع بدء المعركة، أو في صفحتها الأولى ) وهو مستوى يمكن أن يتأثر سلبا في الصفحات اللاحقة لها تبعا لعديد من العوامل بينها:

(آ). المباغتة في جوانب أو أهداف لم يعتادها العسكر العراقي لما بعد حرب الخليج الثانية، والتي سيكون تأثيرها النفسي على الدافعية شديدا.

(ب). ما يتعلق بإدارة المعركة الهجومية التي ستتم على الأرجح بأساليب غير متوقعة من قبل القيادة الحكومية العراقية والتي سيكون وقعها أكثر سلبية على الدافعية، ومن ثم على الأداء العام.

(ج). سعة المعركة وشموليتها وأمدها التي ستنعكس على الدافعية وبما يضعف الأداء العام.

(د). طبيعة الأهداف السوقية، والتعبوية للمعركة التي سيحاول الخصم"الحلفاء" الإيحاء نفسيا بأنها ستكون أهداف تتعلق بمستقبل أفضل للإنسان العراقي أو لا تضره مباشرة، وفي حالتها سيفسر العقل العسكري العراقي أنه يقاتل من أجل نظام غير مضمون بقاءه، عندها ستتأثر الدافعية سلبا وسيضعف الأداء سريعا، والعكس من هذا صحيح أيضا أي إذا ما فشل الحلفاء في تبرير هجماتهم للأهداف العراقية أو أبقوها مبهمة أو تفسر أنها توجه لعقاب آني فإن فرص الدافعية ستتحسن إذا ما أستطاعت القيادة السياسية والعسكرية العراقية استثمارها نفسيا، وإذا ما توفرت لها فرص للقتال مقبولة.

وعموما يمكن التأكيد على إنه وكلما كانت الأهداف التعبوية عسكرية الطابع، بعيدة عن البنى التحتية للدولة كلما يكون وقع تأثيرها على الدافعية والأداء أكثر سلبية.

(هـ). القيادة والسيطرة، حيث اعتاد العسكر العراقي في قتاله بعد اعتلاء صدام سدة الحكم بأسلوب التنفيذ الحرفي للأوامر، وبالتوجيهات المركزية من الأعلى، والاعتياد هذا سيكبل القيادات الميدانية ويحرمها من المرونة، والمبادرة، ويدفعها إلى أن تبقى في حالة الانتظار في أحرج المواقف، وهذا حال في المعركة المتوقعة مع مهاجم متفوق كثيرا سينعكس سلبا على دافعية القادة وعلى الأداء العام خاصة إذا ما توجه المهاجم في صفحة المعركة الأولى إلى إستهداف مقرات القيادة من مستوى فرقة فما فوق وتدميرها بشكل كامل، وقطع الاتصال بين جميع المستويات القيادية مع بدء المعركة لأنه سيؤدي إلى شل حركة القطعات المدافعة، وسيثير في داخلها الحيرة، والتوتر اللذان يستنزفان جل طاقاتها، ومن ثم يضعفان دافعيتها وأدائها بدرجة كبيرة.

(2). ولنفس الأسباب المذكورة ستكون دافعية منتسبي الجيش، والقوات الجوية، والبحرية والدفاع الجوي منذ البداية الأولى للمعركة ضعيفة بالمقارنة مع مستويات دافعيتهم التقليدية، وبالمقارنة أيضا مع الحرس الجمهوري، وهي بمستواها الضعيف هذا يمكن أن تتدنى بسرعة إذا ما حقق المهاجم خرقا واسعا في عمق الدفاعات العراقية، وأعطى القوات العسكرية المعارضة حصة ملموسة في نتائج الخرق، والحسم المطلوب.

(3). سيشكل مستوى الأداء المتدني لقوات الجيش، والبحرية، والقواعد الجوية البعيدة عن بغداد في وسط وجنوب العراق عبئا على الحكومة، في مجال المراقبة، والهجمات المقابلة التعبوية، أو لتحريك أخرى للاشتباك في حالة التمرد خاصة إذا ما أندفع المهاجم لتوجيه الفعل العسكري المخصص لهذه القوات بالطريقة التي تشعرها أنها ليست هدفا للهجوم.

وأن يبتعد عن تحميلها خسائر بالأرواح.

وأن يخصص جهد نفسي مكثف لمنتسبيها مع بداية المعركة يدفعهم إلى اتخاذ موقف الحياد أولا، ومن بعده المشاركة في الجهد المعارض ضد الحكومة خطوة ثانية.

ب. المعنويات

أولا. تلك المشاعر العامة بالرضا والثقة بالنفس والميل للإنجاز التي تؤثر على سلوك المقاتل ودافعيته في تنفيذ الواجبات المكلف بها رغم الضغوط والمصاعب (3)، وهي حالة يمكن الاستدلال عليها قبل الصدام المسلح ( المعركة ) من خلال المؤشرات التي تبين مديات وحدة الجماعة ( روح الجماعة) ومقادير تماسكها، وطبيعة نظرتهم إلى آمريهم وقادتهم، وكذلك مستويات إحساسهم بالرضا عن أنفسهم وعن المهام والواجبات التي ستوكل لهم، وتلك العناصر المكونة للمعنويات وعلى ضوء المتابعة العامة لأوضاع القوات المسلحة العراقية في وقتنا الراهن تشير إلى الآتي:

(1). إن وحدة الجماعة قد ضعفت كثيرا في عموم القوات المسلحة، وخاصة في الجيش، واقل منه في الحرس الجمهوري والحرس الخاص بسبب أساليب التعامل غير الصحيحة لحزب البعث وصدام مع العسكر، التي أوجدت بالمحصلة نوعا من الذاتية، والشعور بالفردية المفرطة، وهو تعامل كان مقصودا للحيلولة دون اتفاق جماعي في القيادة، أو المؤسسة العسكرية على القيام بفعل مضاد للحكم، وهذا الشعور انعكس بطبيعة الحال على التماسك المطلوب للمحافظة على قدر مقبول من المعنويات، خاصة بعد أن توجه غالبية الضباط القادة، والأعوان، وضباط الصف، والجنود نتيجة لتدخل صدام المباشر في إدارتهم وإذلالهم إلى إتباع أسلوب معين في تنفيذ الأوامر العسكرية يحققون من خلاله أكبر قدر من المكاسب الشخصية، وبأقل الخسائر الممكنة، وبالتكرار وتقادم الزمن:

ترسخّت الفردية سلوكا شائعا بين العسكر العراقي، وأدت إلى أن تفقد المعنويات بشكل عام التكافل والتشجيع والطمأنة وتوزيع الضغوط كمكونات لديمومتها.

(2). إن الروابط والعلاقات الإنسانية قد ضعفت في المؤسسة العسكرية بدرجات كبيرة بسبب الاتجاهات الفردية المذكورة، وشدة العقاب الموجه، وأسلوب التعامل الخطأ الذي دفع العسكر بكافة رتبهم إلى :

(آ). بذل كل ما في وسعهم لتوزيع الخطأ على الآخرين تفاديا لعقاب محتمل.

(ب). بذل كل جهد ممكن لإدعاء الصواب (التجاوز على حق الغير) للفوز بالكسب المحتمل(المكرمة).

(ج). التقليل من شأن الغير، وتوزيع الاتهامات كلما سنحت الفرصة بذلك بغية التسلق السريع إلى المناصب الأعلى، لتحقيق مكاسب أكثر.

(د). قيام البعض بالتجسس على البعض الآخر ضباطا ومراتبا، للتخلص من عواقب الشك، والاتهام.

وهذه مع ممارسات كثيرة أخلت بهذا العامل كأحد المكونات الأساسية للمعنويات .

(3). وفي مجال النظرة إلى القادة والآمرين فهي الأخرى قد تأثرت سلبا منذ الحرب العراقية الإيرانية وما بعدها، حتى يومنا هذا عندما:

(آ). بدأ التعيين بمناصب القيادة على أساس القرابة، والطائفة، والحزبية، والمنطقة معايير بديلة عن الإخلاص، والكفاءة، والمهنية، والولاء للوطن.

(ب). توجه البعض من أولئك الآمرين إلى الاتجار بالمنصب، واستغلاله للأغراض الخاصة.

(ج). تبدل مفاهيم الإمرة والقيادة من القدوة، وتحمل المسؤولية، والإيثار، وغيرها خصائص إيجابية إلى المداهنة، وضعف الضمير، وعدم تحمل المسؤولية.

(4). وموضوع الرضا الذي يتعلق منه بالفرد العسكري عن ذاته فقد شهد ترديا ملموسا منذ الأيام الأولى لتحوير مهام العسكر من طابعها الوطني إلى توجهاتها الخاصة لحماية الحاكم الفرد، وقمع المجتمع، وبأساليبه التعسفية في التعامل معهم، لكنه ترديا لم يبلغ حالة الشعور بالذنب بعد أن أدت الظروف القاسية وطول الفترة الضاغطة إلى تنشيط آليات التبرير للخطأ في العقل العسكري لخلق التوازن المطلوب لاستمرار الحياة بقدر مقبول صحيا.

وما يتعلق منه بالرضا عن المهام والواجبات التي ستوكل لهم، فإنه من المتوقع إن يكون بأقل مستوياته، لأن معايير الرضا قد تصدعت بدرجة كبيرة بعد أن أثبتت كل التجارب السابقة:

(آ). إن الحروب التي قاتل فيها العسكر كانت غير مبررة وذات طابع شخصي مشبوه.

(ب).إن إدارة صدام وقيادته والمقربين إليه لغالبية المعارك كانت كارثة بالمفاهيم العسكرية الصحيحة.

(ج). وإن تنقل العسكر من حرب إلى أخرى هوس مصاب به صدام شخصيا.

ثانيا. الاستنتاج

إن التقدير النسبي للمعنويات وعلى ضوء عناصرها المذكورة وظروف العمل والتعامل، وأساليب الشد العقلي التي يستخدمها صدام وقادته مع عموم القوات المسلحة خلال مرحلة الاستنفار الحالية للتهيؤ للمعركة تدفع إلى الاستنتاج بأنها كالآتي:

(1). معنويات الحرس الجمهوري والخاص معقولة عند الضباط، وأقل منها عند ضباط الصف والجنود، وهي في حالتهم جميعا مشوبة بقدر ليس قليل من القلق الذي قد يتطور مع التطورات السلبية للمعركة في جانبهم إلى توتر شديد يضعف المعنويات، ويربك إمكاناتهم على الاستمرار بالقتال خاصة في حالة تكبدهم خسائر كبيرة بالأسلحة والمعدات وبعناصر قيادتهم، وفي حالة إحساسهم أن جهد الهجوم موجه نحوهم، وبظروف عمل صعبة يحقق فيها المهاجم والمعارضة تفوقا عليهم بنسب تزيد كثيرا عن النسب القياسية للدفاع، كذلك إذا ما تعرضت هذه الوحدات إلى فترة طويلة من القصف التمهيدي المرهق عصبيا.

(2). معنويات الجيش بوجه عام ضعيفة، وغير مستقرة يسهل دفعها باتجاه الانهيار إذا ما توفرت بعض الظروف التعبوية المناسبة مثل إرباك وقطع خطوط التموين، وعزل القواطع والمواضع الدفاعية الواحدة عن الأخرى، وتهيئة خطط لعمليات نفسية تعبوية منظمة. 

(3). إن القوات الجوية والبحرية وطيران الجيش والدفاع الجوي التي تتحرك وتقاتل اعتمادا على الوسائل الفنية ستكون معنوياتها في المعركة المحتملة ضعيفة، يشوبها قلق بدرجة عالية بسبب توقع تكليفها بواجبات يعدها المنفذون انتحارية من وجهة النظر العسكرية لعدم وجود أي توازن بين أسلحتهم، ومعداتهم وما موجود عند خصمهم في الميدان، وكذلك بسب الخشية من العقاب القاسي في حالة الفشل في التنفيذ، وهذا المستوى من المعنويات يزداد تدهورا في حالة تدمير ما تبقى من المعدات الفنية التي تعتمدها تلك القوات في تنفيذ بعض المهام تدميرا كاملا منذ الصفحة الأولى للمعركة.

(4). إن المعنويات التي تعد مبدءا من مبادئ الحرب تؤثر وتتأثر بالدافعية (4)، والتقييم الوارد في مجالها أعلاه يعزز الاستنتاجات ذات الصلة بالدافعية المتوقعة في المعركة كما مذكور آنفا.

ج. عوامــل أخـــرى 

أولا. إن الأداء العسكري يتأثر بالإضافة إلى الدافعية والمعنويات بعوامل أخرى مثل التسليح، والتجهيز، والتدريب، والضبط، والشؤون الإدارية، والقيادة والسيطرة ، وهي عوامل لم تتسق مستوياتها أو وجودها في القوات المسلحة العراقية، إذ أن تسليح وتجهيز الحرس الخاص وشؤونه الإدارية واكتمال ملاكاته على سبيل المثال تأتي في المقدمة، يقترب منه الحرس الجمهوري، بينما تشكو وحدات الجيش من نقص في موجود ملاكاتها من الضباط وضباط الصف المطوعين، وكذلك من الفنيين، والمعدات الفنية، ووسائل التدريب.

ثانيا. أما من ناحية التسليح فإن الحرس الجمهوري والخاص يتسلحان بالأسلحة الأحدث (بمقاييس العراق) بالمقارنة مع ما موجود عند الجيش من أسلحة انتهت أعمار بعضها الافتراضية، ودخلت الأخرى معامل التصليح عدة مرات، هذا وما موجود عن الأسلحة ينطبق أيضا على النقلية الآلية، إذ تعاني غالبية وحدات الجيش من نقص كبير في سيارات الاركاب والسيارات القتالية، ومن قدم وعدم صلاحية الموجود منها، حدودا تضطر فيها استئجار سيارات مدنية عند التنقل في كثير من الأحيان، بينما لا نجد مثل هذه الحالة في الحرسين المذكورين، الأمر الذي يؤثر سلبا في الدافعية ومن ثم على المعنويات والأداء في آن واحد.

ثالثا. أما في الجانب الإداري وما يتعلق منه بالتغذية فإنها عند الحرس من الدرجة الأولى، وفي الجيش عادة ما تكون من الدرجة الثانية، ومتوسط الرواتب عند الحرس الخاص هي الأعلى للضباط والمراتب يليها الحرس الجمهوري، ومن ثم القوات الجوية فالدفاع الجوي، وأخيرا الجيش التي تكون الفروقات بين متوسط رواتب منتسبيه، وتلك القوات كبيرة نسبيا.

وعلى وجه العموم فأن وحداته أي الجيش تشكوا من مشاكل إدارية، ومن عدم كفاية الراتب، وكذلك عدم ملائمة بعض التجهيزات، ومن ظروف عمل وأساليب تعامل غير مناسبة.

رابعا. وهناك من بين العوامل التي ستكون مؤثرة بشكل كبير على الدافعية والمعنويات والأداء ما يتعلق بالتجهيزات الفنية اللازمة لإدارة المعركة، فهي في القوات المسلحة العراقية قد توقفت الحداثة في مجالها عند حدود ثمانينات القرن الماضي عدا بعض الاستثناءات المحدودة في الدفاع الجوي، والسلاح الكيماوي، والاستخبارات، والصواريخ التعبوية، وهي وإن تم الحصول على بعضها من مصادر خارجية، أو تصنيع بعضها الآخر في الداخل، فإن كفاءتها ومقدار ملاءمتها لمعركة مع طرف هو الأكثر تفوقا في العالم من الناحية التقنية، وكذلك مقادير يسرتها ( الجهاز/ الملاك ) لسد الحاجة، وإمكانية تعويض الفاقد منها ليست في صالح القوات المسلحة العراقية، وأية مقارنة في مجالها مع الطرف المهاجم ستبين تفوقا لـه يزيد عن (50 ـ 1 ) في أحسن الأحوال (5).

وهذه مقارنات عادة ما تجري في العقل العسكري العراقي بعيدا عن تقادير الموقف الرسمية وحصولها يشعر العسكر المدافع بتوقع الخسارة الفادحة في المعركة قبل بدئها.

وتوقع من هذا النوع يكفي لتعميم الإصابة باليأس، وتقييد الدافعية وإضعاف المعنويات، وبالتالي تدني مستوى الأداء.

3. التقييم العام لأداء القوات المسلحة ( الاستعداد للقتال) 

إن عوامل التسليح والتجهيز والشؤون الإدارية، والفنية إذا ماوضعت حقائقها مع معايير الدافعية والمعنويات المذكورة، ومع النقص البين في التدريب والتدني في مستويات الضبط، وظروف العمل غير المواتية فإن التقييم العملي لأداء القوات المسلحة العراقية سيكون ضمن الآتي:

أولا. بالنسبة للجيش وبضوء حسابات أدائه السابق سيقدر أدائه المتوقع في معركة شاملة مع طرف خارجي بأقل من الوسط بكثير، وهو مستوى افتراضي عند ساعة إعلان الحرب يمكن أن يقل، أو يتدنى بسرعة كبيرة في الحالات التالية: 

(1). إذا ما أستخدم المهاجم أساليب الشد والإرهاق العصبي لعموم وحداته فترة طويلة نسبيا تسبق الهجوم.

(2). إذا ما استلم منتسبوه "الجيش" بعض من مؤثرات الحرب النفسية من الجهد العسكري المعارض بشكل مباشر. 

ثانيا. وعلى نفس الأساس إذا ما تم وضع تلك المعايير مع مفردات تدريب وتسليح الحرس الجمهوري والخاص جيدتي المستوى، وشؤونهما الإدارية المقبولة، ودرجات الضبط المعقولة لمنتسبيهم فإن تقييم أدائهما الأقرب للواقع وبحسابات الأداء العراقي سيقدر بدرجة الوسط، وهو كذلك مستوىً افتراضيا، يعتمد على طبيعة المعركة ونسب تفوّق الطرف المقابل فيها، لكنه تقدير يمكن أن تقل مستوياته وبسرعة عالية نسبيا في حالة:

(1). استمرار الخصم بإدامة زخم المعركة باتجاههم حتى خروجهم منها.

(2). تكبدهم خسائر عالية خاصة بمستوى القيادات.

(3). فقدان الاتصال مع مقراتهم العليا، ومع بعضهم البعض.

(4). تكّون قناعات في داخلهم أن قتالهم عن شخص صدام بات غير ذي جدوى.

ثالثا. أما بالنسبة للقوة الجوية وطيران الجيش التي يصعب تحريك طيرانها للأسباب المذكورة، فإن قدرتهما على تنفيذ أية مهام لدعم وإسناد الجهد العسكري الحكومي تكاد أن تكون معدومة، ولهذا السبب ولعدم تيسر المعدات الفنية (التوجيه والسيطرة) القادرة على تفادي تأثيرات الحرب الإلكترونية للخصم، فإنهما سيعدان ومن وجهة النظر العسكرية خارج المعركة، وأدائهما بضوئها سيكون متدن جدا رغم احتمالا ت وجود بعض حالات الأداء الفردي المتميزة لكنها غير ذات جدوى لتعديل متوسط الأداء العام من الناحية المنطقية والإحصائية.

رابعا. وما ينطبق على القوة الجوية وطيران الجيش يمكن تعميمه على القوة البحرية مع فارق بسيط في احتمال قدرة البحرية على استخدام زوارق خفيفة وصواريخ ( سطح / سطح ) أو ( أرض / سطح ) ولو بشكل محدود جدا، ومع ذلك فإن مستوى أدائها المتوقع في أية معركة دولية سوف يبقى رديئا. 


اتجاهات الجهد المعارض للتعامل مع الواقع العسكري للحكومة 

1. إن تباين تدرجات المعنويات والدافعية واختلاف مستويات الأداء القتالي كما هو متوقع بين الجيش، وتشكيلات الحرس الجمهوري والخاص، وباقي القوات، سيكّون أوضاعا على الأرض مع بداية المعركة وأثنائهاغير اعتيادية، ويسهل استثمارها من قبل الجهد العسكري المعارض " إن وجد، وإن سمح له بأن يكون موجودا في ساحة المعركة" لأنه جهد سيواجه وبنسب أحتمالات عالية واحد أو أكثر من المواقف التعبوية للمدافعين: 

آ. الإنهيار الجزئي للدفاعات الحكومية

أي عدم قبول بعض القطعات للدخول في معركة لحماية موضعهم الدفاعي في قاطع معين يتعرض للهجوم، وهذا يعني فقدان السيطرة على المنتسبين من قبل القادة والآمرين الذين قد يتصرف العديد منهم نفس التصرف العام لمنتسبيهم، وفي حالتهم سيكون الموقف سلوكا عائما للمنتسبين بالاتجاهات الآتية:

أولا. الدخول إلى المدن القريبة وبأعداد كبيرة لأغراض الراحة والطعام والتفتيش عن وسائل لنقلهم إلى ذويهم أو الاحتماء فيها إذا ما توقعوا إجراءات ردع قاسية من قبل القيادة العامة.

ثانيا. التغلغل مع قوات أخرى في الخلف سواء تلك التي تمسك مواضعا دفاعية في العمق، أو التي تتخذ وضع المعركة( الانفتاح) لأغراض الهجوم المقابل، أو القدمات الإدارية في الخلف.

ثالثا. السير على الطرق العامة بأعداد كبيرة باتجاه بغداد ومدن الوسط والشمال.

ب . التسرب إلى الخلف خلال القصف التمهيدي للمهاجمين

يضعف القصف الجوي والمدفعي الشديد المعنويات، ويثير القلق ويقلل من قدرة الآمرين على فرض السيطرة مما يدفع أعدادا قليلة من المراتب ( تزداد تزايدا طرديا مع شدة القصف ومرور الوقت) بالشروع في التسرب إلى الخلف، وتسربهم هذا سيكون على الأغلب ليس بعيدا عن الموضع الدفاعي، وليس إلى المناطق التي تتواجد فيها الوحدات والقدمات الإدارية، بل سيقتصر على المناطق المشجرة، والبساتين، ( إن وجدت) وإلى ما تبقى من الأهوار ( إذا ما كانت المعركة قريبة منها) التي تساعد على الاختباء، وكذلك إلى المناطق السكنية القريبة إن تيسرت، وسيحاول البعض القليل التوجه إلى ذويه أو أقاربه المتواجدين في المنطقة القريبة.

ج. انتشار حالة الهلع العام في عموم الدفاعات العسكرية

وفي هذه الحالة ستعم الفوضى، وتتقلص القدرة في السيطرة على العسكريين الذين يتوجهون لترك مواضعهم الدفاعية بأعداد كبيرة تبدأ بالتزايد مع المرور الهائل للجموع في الوحدات الخلفية حتى يتكون موقف قوامه:

أولا. السير بأكثر من اتجاه يبعدهم عن خطوط الدفاع الأمامية. 

ثانيا. صعوبة السيطرة عليهم أو توجيههم إلا بعد الابتعاد عن منطقة الخطر.

ثالثا. استعداد الكثير منهم إلى استخدام القوة ضد من يقف في طريقهم .

رابعا. إحساسهم بالإحباط الشديد وبمشاعر العدوان ضد الحكومة. 

د . التمرد الموضعي

قد يلجأ " وبإحتمالات قليلة جدا تبعا لتطورات الموقف ورغبة الحلفاء" بعض الأمرين من الجيش بالدرجة الأولى ومن بعدهم البحرية، ومن ثم القوة الجوية بدرجة أقل، ومن مستوى آمر فوج / كتيبة / لواء / قاعدة جوية / قاعدة بحرية إلى إعلان التمرد على الحكومة، والسعي إلى العمل بأحد الاتجاهات الآتية:

أولا. الالتحاق إلى القوات الأجنبية المهاجمة.

ثانيا.الالتحاق بالجهد العسكري المعارض إن وجد.

ثالثا. الترقب فترة محدودة من الوقت على أمل الاتفاق مع وحدات عسكرية أخرى لتوسيع قاعدة التمرد، والتوجه لصياغة عمل عسكري من أجل الانفراد بالتغيير إذا سمح به الخصم.

هـ. الانسحابب القسري (غير المنظم) لبعض وحدات الجيش تحت ضغط المعركة واحتمالات دخولها بمواجهات جانبية مع قطعات الحرس الجمهوري الموجودة خلفها والتي ستتحسب لمثل هكذا مواقف.

2. إن كل الاحتمالات المذكورة واردة بدرجات متفاوتة إذا ما تعرضت المواضع الدفاعية إلى خسائر كبيرة ، وإذا ما واجه المدافعون تعبا وإعياء ومللا وإحباطا ونقصا حادا بالعتاد والأرزاق. وهناك احتمالات أخرى قد تحدث بشكل فردي أو بصيغ الجماعات الصغيرة مثل الهروب إلى جانب الخصم، واللجوء إلى الدول المحيطة، وقد تكون هناك حالات (محدودة جدا) للانتحار، وإيذاء النفس، والاعتداء أو إيذاء الغير. وهذه جميعا تؤدي إلى الارتباك وإضعاف الجانب الحكومي، وتوفر فرص جيدة لتقوية الجهد المعارض الذي ينبغي أن يسعى لأن يكون له دور واضح في المساهمة بالجهد القتالي، هذا وإذا ما تم له ذلك ستتوفر له فرص لتحقيق بعض أهدافه من خلال: 

آ. الإعلان المسبق وبوسائل الإعلام العالمية والمعارضة قبل بدء الهجوم عن تسمية الجهد العسكري المعارض، والإشارة عن دور لـه في الهجوم المرتقب.

ب. أن يكون لهذا الجهد مقرا معلوما، وإدارة تعبر عن غالبية الفروع والاختصاصات المهمة في القوات المسلحة.

ج. أن يشكل هذا الجهد مفارز للعمليات النفسية التعبوية للتعامل مع المواقف المحتملة المذكورة في أعلاه.

د. أن يكون للجهد العسكري تنسيق مع قوات الهجوم، وكذلك مع قوات المعارضة غير العسكرية.

هـ. توحيد القوى العسكرية الميسورة والمليشيات المعارضة في قيادة واحدة ترتبط لأغراض الحركات بمقر الجهد العسكري المعارض.

و. يفضل تحويل صيغة الجهد العسكري المعمول بها قبل الهجوم إلى صيغة قيادة عسكرية أثناء الهجوم، على أن ترتبط هذه القيادة بالقيادة السياسية للمعارضة العراقية.

ز. أن يتوجه الجهد العسكري المعارض( القيادة العسكرية) إلى الإسراع بالعمل ميدانيا في الجوانب التالية:

أولا. إيجاد صيغة تنسيق أو علاقة مع الجهد المعارض غير العسكري.

ثانيا. إدامة الصلة مع البعض من آمري التشكيلات والوحدات، والضباط بالرتب العالية نسبيا قبل بدء المعركة وأثنائها، سعيا لتوجيههم بالضد من الحكومة، وبما يخدم العمل العسكري من أجل التغيير.

ثالثا. الإبقاء على الجهد البحري الخفيف على وجه الخصوص، وكذلك على الجهد الجوي في الجنوب أو في المناطق المسيطر عليها، ومحاولة استخدامهما بالضد مع توفير عامل دعاية قوي لتغطية هذا الاستخدام وإن كان تأثيره المادي محدود بطبيعته. 

رابعا. توجيه الرسائل الميدانية للآمرين وبالأسماء الصريحة عن طريق الإذاعات الميدانية الموجهة، ووسائل الحرب النفسية المتاحة لزيادة الشك في ولائهم، ولاستمالتهم إلى الصف المعارض.

خامسا. إن استمرار الضغط على قطعات الحرس الجمهوري وتكبده خسائر كبيرة في أسلحته ومعداته وقادته، وقطع اتصالاته مع قيادته العليا وصدام، سيؤدي إلى إصابته بالارتباك ومن ثم الانهيار، خاصة إذا ما تم التعامل مع منتسبيه إعلاميا، وميدانيا بأساليب بعيدة عن الشك والاتهام والتجريح التي عادة ما تنشط في ظروف الشد والتوتر.

 سادسا. إن الجهد العسكري للدفاع عن النظام اتجاه قوى خارجية متحالفة مع معارضة عراقية منظمة يعد وعلى ضوء التحليل المذكور أعلاه ليس بالمستوى الذي يحقق للحكومة غايتها في صد الهجوم وحسم الموقف سريعا وبأقل الخسائر في هيكلها، رغم احتفاظه ببعض الخصائص الفريدة في جوانب القيادة والسيطرة التي تجمع كل الجهد العسكري المتاح للدولة عند رأس النظام يعاونه قصي في الوقت الحاضر، والذي يعطيه مرونة عالية للمناورة والتحرك لإدارة المعركة الدفاعية والسياسية في آن معا. 

لكن مثل هذه الخاصية التي لا تتوفر عند المعارضة العراقية كطرف مقابل ستؤدي إلى نتائج سلبية بالنسبة للنظام في حالة غياب الرأس ومن بعده الذي يلي في المسؤولية، سواء بالتخلص منهم كأهداف عسكرية مهمة مع الصفحة الأولى للمعركة، أو بعزلهم تماما من خلال قطع ااتصالاتهم الفنية والعضوية مع الجهد العسكري، وهذه من بين المهام الرئيسة للجهد السياسي المعارض في تنسيقه الأهداف السوقية مع الحلفاء المهاجمين. 

 

الأجهزة الأمنية في حالة الحرب( طبيعة المهام، وفاعلية الإنجاز) 

1. يدير صدام أمنه الشخصي وأمن عائلته ونظام حكمه بآلية معقدة تتبادل فيها عديد من الأجهزة، والقوات الأدوار والمهام، يتحمل فيها الحرس الخاص مهام الحماية، وجهاز الأمن الخاص مهام التوجيه والوقاية، وتسند إلى قوات الحرس الجمهوري مهام الردع، وإلى الدوائر الأمنية مهام التقصي والوقاية، وهي آلية ترتكز أساسا على تنسيق وتعاون الأجهزة الأمنية الرئيسة:

آ. جهاز الأمن الخاص .

ب. جهاز المخابرات .

ج. مديرية الأمن العامة .

د. مديرية الاستخبارات العسكرية العامة . 

2. ترتبط تلك الأجهزة من الناحية الفنية بمجلس الأمن القومي ( رئيس الدولة ) ومن الناحية التنفيذية بالسكرتير، وبإشراف مباشر من قصي صدام حسين.

3. تنفذ واجباتها العامة في مجال ( المعلومات، المكافحة، الأمن الوقائي) والخاصة لحماية أمن النظام بضوء الصلاحيات المخولة لها من الرئاسة، وسوف تستمر بذلك مع التركيز في ظروف الاستعداد والحرب على المهام التالية:

آ. مضاعفة الجهد والاجراءات المتعلقة بأمن صدام، والعائلة أسبقية أولى بالنسبة لجهاز الأمن الخاص والحرس الخاص.

ب. مراقبة القوات المسلحة للحيلولة دون القيام بتمرد.

ج . تزويد القوات المسلحة بالاستخبارات السوقية والتعبوية اللازمة لإدارة معركتها.

د . المشاركة الميدانية في الشروع بتنفيذ خطط الأمن الخاصة بالطوارئ.

هـ . تشكيل مفارز التدخل في أماكن الاضطراب والمناطق التي تخرج عن السيطرة.

و . احتواء الشارع العراقي للحيلولة دون حدوث الاضطراب.

ز . تنفيذ عمليات الإرهاب والتقييد الفكري ( العمليات النفسية ) على المستوين العسكري، والشعبي لإبقاء حالة الخوف من النظام قائمة.

ح . تنفيذ خطط الطوارئ الأمنية خاصة ما يتعلق منها بأعمال الحجز والاعتقال الوقائي، والاحتواء الطائفي والعشائري.

4. يعول النظام على الأجهزة الأمنية في بعض الجوانب ذات الصلة بديمومة الحكم والمحافظة عليه في حالات الحرب وعدم الاستقرار، وفي مجاله سيكون لها دور ميداني لمكافحة التمرد المحتمل والسيطرة على أية تداعيات للموقف على ضوء خبرتها في التعامل إبان انتفاضة عام 1991 وكأسبقية أولى في الجوانب الآتية:

آ. تحريك شبكة الوكلاء المعتمدين في كافة المحافظات العراقية، خصوصا تلك التي في الوسط والجنوب، وتحديد سبل ووسائل التوجيه والسيطرة، وتعبير المعلومات حسب الموقف في دائرة العمل.

ب.تنسيق الواجبات الخاصة بهم "أي الوكلاء" سواء ما يتعلق منها بجمع المعلومات أو رصد تحركات واتجاهات الجهد المعارض، والتغلغل بين الجمهور الثائر(في حالة التمرد) ومحاولة تشكيل جماعات بثياب ثورية وبأعداد كثيرة، لحرف التمرد، أو الانتفاضة " في حالة الحصول" بالاتجاه الذي تريده الحكومة وكذلك شق الصفوف.

ج. تنفيذ الخطط الموضوعة للتوغل والعمل في صفوف المعارضة العراقية التي تعمل ميدانيا.

د . تنفيذ خطط الحرب النفسية التعبوية خاصة ما يتعلق منها ببث الإشاعات، والدس، ونشر الأقاويل والحكايات، وتوزيع المنشورات، وتنفيذ العمليات الخاصة للأغراض النفسية مثل التفجيرات، والاغتيالات وغيرها.

5. فاعلية الأجهزة الأمنية لإنجاز مهامها في الحرب

إن قدرات الأجهزة الأمنية لإنجاز مهامها العامة تعد جيدة بالوقت الحاضر، وكذلك الخاصة في حماية أمن النظام ، لكن تقييم مستوى فاعليتها لإنجاز تلك المهام في الحرب لا يقتصر فقط على:

الولاء العام للنظام الذي يعد جيدا.

ولا على تدريب وتأهيل الكادر الذي يُقيم بالجيد أيضا.

ولا على تجهيزاتهم ومعداتهم، وآلياتهم ودعم الحكومة لهم التي تعد جيدة هي الأخرى بالمقارنة مع باقي الأجهزة ووضع العراق. 

رغم أنها جميعا لم تبلغ مستوياتها قبل حرب الخليج الثانية، خاصة في الجوانب التقنية التي حاولت الحكومة تعويض القصور فيها عن طريق التقدم إلى الأمام من الناحية النوعية حيث التعزيز المستمر للكادر العامل بعناصر تكريتية وبنسب كبيرة، وإجراء أكثر من غربلة بين المنتسبين لزيادة درجة الولاء التي تصل مستوياتها في الوقت الحاضر لمستوى ضباط الحرس الجمهوري وتقترب من الحرس الخاص .

إلا أن التقييم الدقيق لفاعليتها في الإنجاز يقتضي إدخال عوامل أخرى أهمها:

آ . قدرات الخصم التقنية والتدميرية للتعامل مع هذه الأجهزة.

وهذه محسومة للطرف المقابل الذي يمتلك من الوسائل التقنية المتقدمة وذات القدرات العالية في تعمية وشل وسائلها، ومعداتها الفنية، الأمر الذي سيجعلها تتجه إلى التعامل بالأساليب التقليدية واليدوية لإدامة بعض أعمالها، وهذا يؤثر سلبا على فاعليتها لتنفيذ مهامها.

كذلك يمتلك ذلك الطرف قدرة هائلة على تدمير قواعدها وبناها التحتية، ومنشآتها، وسجلاتها، الأمر الذي سيضطرها إلى الانتقال إلى مقرات بديلة مهيأة مسبقا( وهي عرضة للتدمير أيضا) أو إلى أخرى تعد على عجل نتيجة للتعرض إلى الخسائر، والاحتمال الثاني هو الأكثر ترجيحا، وحدوثه سيؤثر سلبا على فاعلية الإنجاز. 

ب. درجة استهداف تلك الأجهزة في المعركة.

إذا كان الطرف المقابل قد خطط لحرب شاملة بالضد من الحكومة فسيعني هذا وضع تدمير تلك الأجهزة عن طريق ضرب مقارتها ووسائلها الفنية، وأماكنها البديلة من بين أولويات خطط معركته، وتنفيذها سيؤدي إلى:

أولا. إضطراب خطط الأمن والحماية والقيادة والسيطرة.

ثانيا. إضعاف جهد المراقبة والمتابعة وإدامة المعلومات.

ثالثا. كسر الحاجز النفسي بينها وبين الشعب العراقي الذي سيرى بتدميرها فرصة للتحرر من القيد، ومجالا للتخلي عن التأييد، وربما مناسبة للتوجه إلى الجهد المعارض. 

وهذه من الركائز الأساسية لمهام تلك الأجهزة واضطرابها أو الخلل في مجالها سيؤثر سلبا على مستوى الأداء والفاعلية، وقد يمهد لعملية الانهيار.

ج. موقف الشعب العراقي من الأجهزة الأمنية.

إن الشعب العراقي وبغالبية شرائحه "غير القريبة من الحكومة" الاجتماعية، ومستوياته الثقافية، وتعدداته القومية والدينية والطائفية يحمل في ذاكرته الكثير من مفردات الكره، والبغض، وكذلك الحقد والعدوان على تلك الأجهزة ومنتسبيها، وهذه المشاعر قد تتسبب في دفع البعض لتطويق حركة تلك الأجهزة، وربما المساهمة في نهب وتدمير موجوداتها مع أول علامات الخسارة وفقدان السيطرة، وتطويقها قبل السقوط الكامل للنظام يعني من الناحية العملية:

أولا. شل حركة شبكة الوكلاء المنتشرين بين المجتمع سواء بإستهدافهم عضويا، أو بإجبارهم على تغيير سكنهم نتيجة الضغط والتهديد.

ثانيا .القيام بهجمات فردية، أو جماعية على المقرات السرية لتلك الأجهزة والموجودة بين الأحياء السكنية، أو عرقلة أعمالها بعديد من الوسائل والأساليب. 

ثالثا. دلالة القوى المعارضة المنظمة على تلك المقرات والوكلاء، وتزويدها بالمعلومات المطلوبة عن أنشطتها.

وتلك أمور في حالة حدوثها ستؤثر على معنوية الكوادر وعلى دافعيتهم للعمل وبالتالي على فاعليتهم لإنجاز المهام المطلوبة منهم. 

6. الاستنتاج 

تمتلك الأجهزة الأمنية إمكانات وخبرات واستعدادات جيدة بالمقارنة مع القوات المسلحة، وأجهزة الدولة الأخرى للتعامل مع حالة الحرب والاضطراب، ستحاول الحكومة استثمارها بأقصى الحدود، وهو استثمار تعتمد مستويات نجاحه أو فاعليته على الطرف المقابل، ونتائج معركته معها من جهة، ومع القوات المسلحة من جهة أخرى. هذا وبضوء تلك القدرات، والاستعدادات فإنه من المتوقع أن تتمتع هذه الأجهزة بقدرة على المطاولة، ومرونة في العمل مع متغيرات الظرف، وتطورات المعركة تفوق نسبيا ما لدى فروع القوات المسلحة كافة. 

أما معنويات منتسبي تلك الأجهزة، ودافعيتهم للعمل قبل بدأ المعركة بشكل عام جيدة بمقارنة مستوياتها عند القوات المسلحة، كما إن خوفهم من العواقب في حالة الخسارة، واحتمال التغيير سيدفع العديد منهم إلى مضاعفة الجهد وإلى القتال في مقراتهم بكفاءة وإصرار قد يبقس بعضهم أخر قائمة المستسلمين أو المنهارين. 

7. اتجاهات العمل المعارض للتعامل مع الواقع الأمني

إن طبيعة المهام الموكلة للأجهزة الأمنية في الحرب، ومستويات الدافعية والمعنويات لمنتسبيها في المعركة المحتملة تلقي على عاتق المعارضة العراقية في حال مشاركتها مسؤولية كبيرة في مجال التعامل الميداني مع عناصرها وشبكاتها خاصة في الجوانب التالية:

آ. الاتفاق والتنسيق الفوري مع قوى التحالف للسيطرة على مقرات قوى الأمن الداخلي والعمل على إعادة تنظيمها لمستوى المدن والأقضية والنواحي المحررة، مع بذل الجهد للمحافظة على موجوداتها وقاعدتها المهنية جهد الإمكان.

ب. الإبقاء على هيكلية الشرطة المحلية، والمرور، والانضباط العسكري في المناطق المحررة مع تنسيب آمرين جدد لبعضها إذا اقتضت الضرورة، وتكليفها بمهام الأمن وفرض السيطرة.

ج. تشكيل غرفة عمليات لأغراض الأمن الداخلي من قوى المعارضة والعسكر الملتحقين بها، ومن بعض قيادات الوحدات التي تعلن تمردها على النظام.

د. تنسيب ضباط من المعارضة لإدارة الأجهزة الأمنية في المنطقة المحررة على أن تكون أولى مهامها الكشف عن الوكلاء والمتعاونيين، والمنتسبين المكلفين بالعمل خلف الخطوط.

هـ. الاستعانة بمنتسبي الأجهزة الأمنية المفصولين والمحالين على التقاعد لتمشية أمورها ولحين تهيئة الكادر المناسب لسد النقص والتعزيز. 


الجهاز الحزبي (البعثي) في الحرب  

1. عبئ الجهاز الحزبي لأن يكون داعما للأجهزة الأمنية في عملها لحماية الأمن وفرض الاستقرار، وكذلك سندا للقوات المسلحة في أشغال بعض مواضع الدفاع، وبضوء هذه التعبئة أصبحت للحزب منظمات (قواعد) تنتشر في جميع أنحاء العراق(عدا منطقة كردستان)، تؤدي واحبات التبعييث وفرض الأمن، وبصيغ تنظيم غيرت مفهومه من الحزب الشعبي إلى المليشيا المسلحة التي سوف تكون مهامها في الحرب المحتملة الأتي:

آ . تشكيل سرايا خاصة لتنفيذ بعض الواجبات الميدانية المهمة.

ب.الاشتراك بالقتال في المدن وخارجها من خلال خلايا الحزب شبه العسكرية.

ج. تشكيل مفارز لمكافحة المتسللين والقوات الخاصة من قوى الهجوم التي تعمل في العمق.

د. مشاركة قوى الأمن والانضباط العسكري في لجان تعمل على شكل مفارز لمكافحة التسرب إلى الخلف من القوات المسلحة. 

هـ.تنفيذ بعض المهام النفسية في إطار السيطرة العامة على المجتمع مثل رصد الإشاعات المعادية، وبث الأخرى التعزيزية الداعمة، والتقييد الفكري العام .

و. إدامة وجوده التنظيمي قوة عسكرية أمنية في الاحتياط العام للحكومة.

2. مستوى الاستعداد الحزبي لتنفيذ المهام في المعركة المحتملة. 

حزب البعث الحاكم تركيبة غير متجانسة اجتماعيا وفكريا في الوقت الحاضر، إذ أنه وبعد مجيء صدام إلى الموقع الأول في السلطة غير كثيرا من تركيبته التي تشكو أصلا من ضعف التجانس والابتعاد عن أهداف الحزب العامة، وقيامه بالتعامل مع أعضاءه وقيادييه بأساليب التفريق والترهيب أديا إلى أن يفقد هذا الحزب صفته الأيديولوجية السياسية، في الوقت الذي لم يُطور مهنيا ليكتسب مواصفات العسكر في الضبط والالتزام رغم اقترابه منهم من نواحي التنظيم والتدريب والمهام، كذلك أثقلته سياسة التبعييث بكم هائل من الانتهازيين والوصوليين، وأتعبته اتجاهات التدجين والطائفية، ومع حالة التردي هذه تدنت مستويات أداءه كثيرا، وهبطت دافعية ومعنويات منتسبيه، واقترب سلوك أعضاءه من سلوك عامة العراقيين كلما نزل المعنيون في هيكله التنظيمي باتجاه قاعدة الهرم الحزبي من الأعضاء والأنصار والمؤيدين.

3. استجابة الحزبيين المتوقعة إلى تطورات الحرب.

إن استجابة الحزبيين إلى الحرب ستختلف باختلاف أهداف الحرب ونتائجها، وكذلك باختلاف المناطق التي ينتمي ويتواجد فيها أولئك الحزبيين، وهي على وفق الواقع المذكور ستكون في الاتجاهات المحددة في الآتي وبأحتمالات عالية:

آ. سيكون بعثيو الوسط والجنوب (القواعد) أكثر قلقا وترقبا، وأقل أسفا على غياب النظام من أقرانهم في شمال الوسط والشمال العربي "مثلث الجزيرة" وأشد تأثرا بدعاية الحلفاء والمعارضة وبحربهم النفسية.

ب. ستشهد المنظمات الحزبية حالات تخلف عن الالتحاق بمستويات تفوق الفترات السابقة.

ج. قد يتوجه صدام وعند تيسر الوقت والأتصال، وعلى أساس الشك بالولاء إلى تكليف بعض قواعد الحزب في الوسط والجنوب بمهام خارج مناطقهم، وقد يطعم قياداتهم من كوادر الحزب المتقدمة من شمال الوسط والشمال، وهذه في حالة حصولها ستزيد من قلق الحزبيين لكنها ستحد من قدرتهم على المناورة للهروب.

د. ستحاول قواعد الحزب وقياداته الوسطية من تغيير بعض أساليبها في التعامل مع الشارع العراقي بقصد كسبه إلى صف الحزب كتوجه عام، وإلى مداهنته بهدف تفادي الانتقام كمسلك خاص.

هـ. سيترك غالبية البعثيين مقرات الحزب وأماكن الواجبات مع أول إحساس بالخسارة، وسيحاول عديد منهم اللجوء إلى العشيرة كنوع من الحماية المؤقتة. 

4. اتجاهات الجهد المعارض للتعامل مع الجهاز الحزبي .

إن أداء الحزبيين غير الحسن سيزداد تدنيا وبسرعة كبيرة إذا ما تدخلت المعارضة بالجوانب الآتية:

آ . التدمير الكامل لمقرات الحزب من مستوى قيادة شعبة فما فوق.

ب. قطع الاتصالات بكافة أشكالها بين القيادة، والقاعدة.

ج. أختيار بعض من قادة الحزب الميدانيين من غير المتهمين بجرائم، والمجازفة بضمهم إلى النشاط المعارض (ولو مؤقتا)، وتكليفهم بمهام إبعاد القواعد الحزبية عن التماس بالمعارضة أسبقية أولى، ثم استمالتهم لتأييد الفعل المعارض وكشف وكلاء الأجهزة الأمنية أسبقية ثانية.

د. إعداد بطاقات أمان خاصة للبعثيين تطمئن من يبتعد عن الحزب والحكومة وتدعوهم للبقاء في بيوتهم.

هـ.منع إي عمليات قصاص أو انتقام بالضد من البعثيين، واطلاق حريتهم أسوة بباقي المواطنين في المناطق المحررة، مع الاحتفاظ بالحق القانوني لمحاسبة الخطأ بعد اكتمال التغيير وتحقيق الاستقرار.


القوى الأخرى الداعمة في الحرب المحتملة

1. يحتفظ النظام بقوى، ومؤسسات شبه عسكرية (مليشيات) لأغراض دعائية وأمنية حمايوية لها مهامها الخاصة في تعزيز الأمن ودعم الجهد الحربي ، هي:

آ. الجيش الشعبي

وهو الجانب العسكري لحزب البعث يتكون غالبيته من أعضاء الحزب وأنصاره ومؤيديه، وبعض المستقلين، يحتفظ بمقرات ووسائل اتصال وعناصر قيادة وسيطرة ، وتنظيم على شكل قواعد بأسلحة خفيفة، وبعض الرشاشات المتوسطة والثقيلة، وأسلحة مقاومة الطائرات التقليدية.

ب. جيش القدس

تشكيل خليط من بين العسكر ( ضباط وضباط صف ) وأعضاء في الحزب الحاكم منحوا رتبا عسكرية، وأفراد تطوعوا لأسباب مادية وآخرين طوعوا قسرا، وهو من حيث التنظيم والقيادة والسيطرة ، أكثر فاعلية من الجيش الشعبي وأقل من الجيش التقليدي، سميت واجباته المعلنة بتحرير القدس، وتحددت واجباته الأساسية بتعزيز الأمن الداخلي.

ج . فدائيو صدام 

تنظيم شبه عسكري، لـه قيادة وهيئة ركن، ومقرات ووسائل اتصال، وتسليح خفيف، تأسس في أعقاب الانتفاضة من أعمار الشباب تطوعوا، وطوعوا من بين منتسبي حزب البعث أو أبنائهم، تدربوا تدريبا خاصا بالتعامل مع الاضطرابات الداخلية والمداهمات الخاصة ، ومنحوا رواتب جيدة وصلاحيات واسعة، بدأت بالانحسار التدريجي إثر الخلافات الدائرة في العائلة الحاكمة بين قصي وعدي على وجه الخصوص.

د. الشرطة

أولا. تعبئ الحكومة مديريات الشرطة، والمكافحة، والمرور، والطوارئ لتساهم بالجهد الحربي إضافة إلى مهامها الأساسية في فرض الأمن والسيطرة، وعلى الرغم من أن دورها في مجاله عادة ما يكون محدودا إلا أنها يمكن أن تكلف بالمهام الآتية:

(1). مضاعفة عدد الدوريات الراجلة والسيارة لفرض الهيمنة على الشارع.

(2). تخصيص جزء من جهدها لأغراض حراسة بعض الأهداف الحيوية.

(3). متابعة موضوع الهاربين والمتسربين بالتنسيق مع الحزب، والانضباط العسكري. 

(4). تحريك بعض قواتها إلى المدن التي تشهد اضطرابات للمساهمة بأعمال القمع

ثانيا. تعاني الشرطة كأحدى قوى الأمن الداخلي المذكورة عديد من المشاكل في معداتها وتجهيزاتها، وآلياتها، وشؤونها الإدارية، وفي مستويات ولاء منتسبيها، ومعاناتها هذه جعلتها الأقل دافعية، والأضعف مستوى للمعنويات، ودفعت إلى أن يكون أدائها المتوقع في الحرب رديئا.

لكن وضعها هذا هيأ فرص للأستفادة منها من قبل قوى المعارضة في حال تسليمها الحكم في المناطق المحررة أو بعد أنتهاء الحرب مباشرة، وبنسب إخلاص عالية، وبأقل ما يمكن من جهود إعادة التنظيم .

2. إن المهام التي ستكلف بها تلك القوى الداعمة "عدا الشرطة" في الحرب المتوقعة ستكون متشابهة لها جميعا وتنحصر في:

آ . احتلال مواضع دفاعية في أماكن التهديد الأقل خطورة.

ب. السيطرة على الشارع والحيلولة دون حصول حالة تمرد.

ح . احتياط لتعزيز قوى الدفاع.

د . القيام بالهجوم المقابل على العشائر، والتجمعات السكانية التي تبدأ بالتمرد والانتفاض إدا ما سمح الموقف القتالي بذلك. 

3. الاستعداد العام لتلك القوى في القتال

إن مستوى المعنويات والدافعية لمنتسبي هذه القوى ضعيفة، وبدرجات تقل عن مستوياتها في الجيش النظامي، وكذلك مستوى إنضباطهم وأدائهم القتالي، والتي سيعتمد تأثرها السلبي سريعا على طبيعة المعركة ومدى استهدافهم في صفحتها الأولى، وعموما فإن المتوقع وعلى ضوء ظروفهم وملابسات تطويعهم أن دافعيتهم، وأدائهم القتالي في المعركة سيمر بعدة مراحل هي:

آ . المرحلة الأولى: مع بداية التمهيد للمعركة سيكون الأداء عبارة عن ردة فعل، واستعراضية مبالغ فيها على مستوى الشارع في المدينة، والتجمعات السكانية التي يعملوا في محيطها.

ب. المرحلة الثانية: بعد أيام من البداية ومع أول معالم خسارة سيعقب ردة الفعل المذكورة حالة من الترقب أو التبلد الانفعالي.(6)

ح. المرحلة الثالثة: أي تطور بالمعركة بالضد من الحكومة ولصالح الجهد العكسري الحليف ستنتهي حالة التبلد، وسيندفع غالبية المنتسبين إلى التخلي عن المهمة والغياب سريعا من ساحة القتال. 

د. المرحلة الرابعة: التمزق والانهيار، إذ أن مشاعر القلق والتوجس واضطراب القناعات في نفوس أولئك المنتسبين ستؤدي بعد المرحلة الثالثة (التخلي عن المهمة) إلى حالة من الفوضى والتمزق ثم الانهيار، وانهيارهم المتوقع هذا مع أول تماس بقوى الهجوم سيدفعهم إلى إتباع أفرادهم لأكثر من سبيل تبعا لأصولهم ومعتقداتهم ومستوياتهم الثقافية وموقفهم الفعلي من النظام، وكذلك حالتهم النفسية ، والسبل المحتملة آنذاك ستكون:

أولا. عودة الغالبية إلى البيت انتظارا لتطورات الموقف.

ثانيا. التخلي عن المقرات، وعدم تنفيذ الأوامر تزداد نسبته مع تطورات الموقف إذا ما كانت في غير صالح الحكومة وصدام.

ثالثا. مبادرة البعض ( الأقل ) إلى التوجه الفوري للعمل الانفرادي بالضد من الحكومة بدوافع التشفي والانتقام.

رابعا. توجه البعض الآخر للتفتيش عن فرص الانضمام إلى الجهد المعارض تكفيرا عن ذنب، أو تفاديا لعقاب، أو لدوافع الكسب والتحصيل وتحقيق النفوذ.

4 . اتجاهات العمل المعارض للتعامل مع القوى الداعمة

آ. إن المليشيات التي تعمل لأغراض الأمن الداخلي أو لدعم الجهد العسكري في الدفاع وقتال المدن، لم تصل إمكاناتها الفنية والمعنوية إلى المستوى الذي يؤهلها إلى تنفيذ المهام بكفاءة معقولة وبخسائر مقبولة، وهذا سيؤدي إلى تعرضها إلى موقف حرج يتيح الفرصة للجهد المعارض إلى استثماره باتجاه إخراجها من المعركة مبكرا أو باتجاه الاستفادة من بعض قدراتها لأغراض العمل بالضد من الحكومة، خاصة إذا ما تم التركيز على:

أولا. عزلها بالنيران عن القوى العسكرية العاملة في منطقتها.

ثانيا. توجيه جزء من الجهد لضرب مقراتها الرئيسية.

ثالثا. إيقاف أية توجهات إعلامية بالضد من أفرادها ، وحشد جهد إعلامي ونفسي تعبوي لحثيم بالابتعاد عن الحكومة ، ومن ثم استمالتهم للالتحاق بالجهد المعارض .

رابعا. إعداد بطاقات أمان خاصة بهم ـ تعبر عن طمأنتهم في حال تركهم لمواضعهم أو تخليهم عن المهام المكلفين بها.

خامسا. عرض صور أو تسجيلات لبعض منتسبيهم فـي وسائل الإعلام والعمليات النفسية التعبوية "عند تيسر فرص فنية لذلك" تعبر عن التعامل الطبيعي معهم وعن توجههم للالتحاق بالجهد المعارض.
سادسا. إعداد منشورات خاصة بفدائي صدام لتحذيرهم من إيذاء المواطنين، وترغيبهم بنفس الوقت للعودة إلى الصف الوطني في حال تركهم تلك القوات. 

ب. إن قوى الأمن الداخلي بحالها المذكورة ستكون مهيأة أكثر من غيرها من باقي القوى للاستخدام من الجهد المعارض خاصة إذا ما تم أخذ الآتي بنظر الاعتبار:

أولا. المحافظة على سلامة مقراتها ومنشئاتها وهيكليتها جهد الإمكان.

ثانيا. عدم المساس بضباطها وأفرادها، بل ودعوتهم للقيام بواجباتهم الاعتيادية فور الأنتهاء من العلمليات العسكرية القتالية.

ثالثا. إشعارهم بعدالة التعامل في الظروف الجديدة، لإبعاد غير المتزنين منهم عن الدخول في دوامة المغالاة بالقسر والانتقام تعويضا لذنوبهم القديمة.

رابعا. تبديل المدراء بالمستويات القيادية العليا بآخرين من ضباط المعارضة أو المتقاعدين والمفصولين لأسباب سياسية أو من بين ضباطهم الذين يتمتعون بسمعة مهنية جيدة، ويحملون درجات في القانون جهد الإمكان.

خامسا. السعي للحصول على معدات وأجهزة فنية حديثة من الدول الداعمة للمعركة، وتوزيعها على مقراتها في المناطق المحررة ( إذا ما كانت الحرب طويلة الأمد) لتسهيل قيام هذه الدوائر بواجباتها من جهة، ولإشعارها بالاهتمام الذي سيقربها من الجهد المعارض بدرجة كبيرة من جهة أخرى.

سادسا. الأخذ بالاعتبار حساسية الموقف في الأيام الأولى لأنتهاء القتال التي ستدفع بعض قوى المعارضة المتواجدة على الأرض لفرض منتسبيها على إدارات هذه المؤسسات وبما يخل بالتوازنات ويهدد بالاضطراب، الأمر الذي يتطلب أن يكون التنسيب من الجهة السياسية المعنية بإدارة الحكم أو المعارضة التي تنسق مع قوات الهجوم، وبحسابات مهنية دقيقة.


الشارع العراقي في الحرب المحتملة

1. إن ردود فعل الشارع العراقي اتجاه الحرب المحتملة وطبيعة استجابته إلى تطوراتها ستكون محكومة أولا بأهداف الحرب ونوايا المهاجم وكما يأتي:

آ. الحرب الشاملة لإطاحة النظام 

عند الإعلان عن أهداف ودوافع والنوايا الفعلية للهجوم مع بداياته على أساس مساعدة العراقيين على التغيير وإقامة الديمقراطية، وتعزيزه واقعا فعليا على الأرض المحررة سيؤدي حتما إلى تقليل درجات الخوف والتوتر، وسيزيد من نسب المجازفة بالعمل المنظم ضد بقايا الحكومة، وستتغير النظرة السلبية إلى الهجوم الخارجي، وإلى الأمريكان التي تحتل النظرة السلبية حيزا ليس قليلا بالضد منهم في الذاكرة العراقية. وستكون الاستجابة لنسبة غير قليلة من العراقيين تتمحور حول واحدة أو أكثر من الأستجابات الآتية:

أولا. استعداد لتأييد الهجوم كلما سنحت الفرصة لذلك وبطرق ووسائل مختلفة.

ثانيا. انتظار وصول القوات المهاجمة لإبداء الدعم والتأييد بشكل علني وشامل.

ثالثا. التهيؤ للإنظمام إلى الجهد العسكري المعارض بدرجة كبيرة.

رابعا. بروز توجهات لتنظيم الصفوف سياسيا من خلال الألتحاق بالقوى السياسية المعارضة الموجودة أو بتأسيس أخرى على نفس الغرار.

خامسا. العيش في هدوء الصدمة المفاجئة عند حصول التغيير لفترة زمنية قد تطول أو تقصر تبعا لردود فعل الحلفاء والقوى السياسية العراقية المشاركة، وأساليب التعامل مع الواقع العراقي، والشخصية العراقية. 

ب. الحرب المحدودة لمعاقبة النظام

عندما تكون أهداف الحرب لا تختلف كثيرا عن تلك الأهداف التي نفذت إبان حرب الخليج الثانية، أو المعارك والضربات التي أعقبتها في العشر سنوات الماضية، فأنها سوف لن تكون قادرة على تغيير قناعة العراقيين بأنها حرب لأغراض خاصة لا علاقة لها بالحد من قدرات صدام ومن دعمه للإرهاب، وحصولها سيترك آثارا سلبية في عديد من المجالات أهمها:

أولا. إضعاف علاقة المعارضة بالمجتمع العراقي في الداخل.

ثانيا. زيادة العداء الشعبي ضد الأمريكان والحلفاء.

ثالثا. مضاعفة قدرات صدام على السيطرة ومد النفوذ.

رابعا. زيادة شدة التطرف في النفس العراقية.

2. كما إن ردود فعل الشارع العراقي في الحرب ستكون محكومة وبالإضافة إلى ما ذكر في أعلاه بطبيعة العراقيين وبالكم الهائل من المكبوتات الانفعالية المؤلمة في نفوسهم، وبتركيبتهم الاجتماعية والقومية والطائفية، وبمقدار النفوذ الحقيقي الذي كونته الحكومة في مناطقهم، وغيرها عوامل ستجد قوات الهجوم والمعارضة العراقية بتنظيماتها الحالية مصاعب في مواجهتها، وهي في الطريق إلى التغيير وحسم الموقف سياسيا وعسكريا وأمنيا إذا لم تضعها بالحسبان، وتخطط على أساس احتمالاتها لكيفية التحكم بانفعالات الشارع العراقي، وتوجيه تفاعله مع الأحداث بما يخدم الاستقرار والتغيير إلى الديمقراطية.

ومع كل الترسبات السلبية، والتناقضات غير المنطقية التي تركتها أنظمة الحكم المتعاقبة في النفس العراقية فإن تفاعل الشارع مع الحرب وتطوراتها ( بافتراض منحاها باتجاه التغيير) سوف يتمحور في الآتي:

آ. بقاء الغالبية في حالة السكون القلق انتظارا لانجلاء الموقف، خاصة في الأيام الأولى لبدأ الحرب التي سيحاولون رصد أهدافها العسكرية والسياسية القريبة.

ب. عند تحقيق مكاسب من قبل الجيش المهاجم فإن كفة التمرد على النظام ستزداد احتمالاتها بسرعة عالية، وخاصة في المناطق القريبة من ساحة المعركة.

ج. عند التقدم أكثر في الدفاعات الحكومية، والسيطرة على المزيد من المناطق المأهولة، فإن سكان تلك المناطق سيتوجهون بعدة ااتجاهات أهمها:

أولا. تسارع البعض من غير المتعلمين على وجه الخصوص إلى الانتقام وتصفية الحسابات.

ثانيا. الخروج إلى الشوارع للتظاهر هستيريا بالضد من صدام، وتأييد الهجوم.

ثالثا. اندفاع البعض من غير الملتزمين إلى السطو على المخازن والمؤسسات الحكومية، والأهلية، ونهبها وتخريبها.

رابعا.سيحاول البعض من رؤساء العشائر المدعومين أو المعينين من الحكومة تجميع أكبر عدد من الأفراد والأقارب والنزول إلى الشوارع بالأسلحة بقصد استعراض القوة والتفتيش عن دور جديد.

خامسا. سيتوجه العسكريون خاصة المتضررين ومن الأعمار الوسط والشابة إلى عرض خدماتهم في الجهد العسكري الجديد.

سادسا. يبادر البعض من المحسوبين على الحكومة ( أعداد قليلة) إلى ترك مناطقهم والانتقال إلى أخرى ضمن سيطرتها ،أو غير معروفين فيها.

3. إن ردود الفعل المتوقعة سوف لن تقتصر على العرب من العراقيين وعشائرهم، بل وستشمل الأكراد الذين سيفكر بعضهم باستثمار الظرف للسعي من أجل الدعوة لتعزيز حق الاستقلال، والبعض الآخر باستغلال الفرصة لتوسيع ومد النفوذ خاصة غلى كركوك، رغم أن ردود فعلهم في مجالها تعتمد على عاملين:

آ. نوايا وخطط الأمريكان والعامل الدولي في هاتين المسألتين الحساستين، وهي نوايا يلتقطها الأكراد الذين تعاملوا مع الأمريكان والعامل الدولي في قضيتهم بسرعة تفوق كثيرا أقرانهم في المنطقة، وهي في الغالب ستكون في غير الاتجاه الذي يفكر به البعض من الأكراد لعدم مساعدة الموقف الدولي والإقليمي على السماح لهم بتحقيق أية مكاسب ملموسة في مجالهما في الظروف التي ستعقب الحرب.

ب. والعامل الآخر يتعلق بالأرض التي سينطلق منها الهجوم على القوات الحكومية، فإذا ما كان من كردستان، فإن ذلك سيعطي الأكراد فرصة أكبر للتحرك والمناورة، وربما المساومة على مكاسب ذات صلة بتلك المسألتين ولو بعد حين.

أما إذا كانت جهة الهجوم جنوبا فإن ردود فعلهم ستقتصر أولا على الاستنفار للدفاع عن احتمال قيام صدام باستهداف منطقتهم، ومن بعده احتمال المشاركة بعمل عسكري ضد الحكومة منسقا مع الفعل الهجومي في الجنوب ( إذا ما طلب منهم الأمريكان ذلك) .

4. إن النظرة الدقيقة إلى استجابة العراقيين للحرب تبين أنها سوف لن تتوقف عند حدود المناطق التي يحقق فيها المهاجم مكاسب على الأرض فقط بل ويمكن أن تكون هناك بعض ردود الفعل المحتملة في أماكن أخرى، خاصة، إذا ما تأكدوا أن تجربة عام 1991 سوف لن تتكرر هذه المرة، وإن ردود الفعل المتوقعة ستختلف طبيعتها وتتدرج شدتها تبعا لعوامل الجغرافية، والبيئة الاجتماعية، والنفوذ الحكومي والتأثير الديني، والتوجه العشائري المذكورة، و كما يأتي:

آ. إن المنطقة الجنوبية التي تشمل البصرة والناصرية والعمارة والكوت والسماوة ستكون أكثر المناطق العراقية تأثرا بأحداث الحرب ( إذا ما بدأت معاركها من الجنوب ) وأكثر استجابة لاتجاهات التمرد والانفلات والاضطراب العشائري.

ب. تليها مناطق الوسط التي تشمل الديوانية، وكربلاء، والنجف، والحلة، وديالى ومن المنطقة الشمالية كركوك، التي سيعيش أهلها حالة ترقب وانتظار ما ستسفر عنه الأحداث وردود الفعل للمدن المذكورة أعلاه، ليستجيبوا لها بدرجة تقل شدتها عن ما يستجيب المذكورين في أ أعلاه.

ج. وتأتي بالدرجة الثالثة الموصل، والرمادي، وأطراف بغداد، وأقضية ونواحي وقرى صلاح الدين التي سيتوجه أهلها على الأغلب إلى الاستفادة من انجلاء الموقف والتصرف تبعا لضعف وغياب السلطات الحكومية الضابطة، وستكون مواقفهم مختلفة عن باقي مواقف المدن المذكورة على الأغلب.

د. وفي المستوى الأخير سيتوجه أهالي بغداد (عدا مدن الثورة، والشعلة، والحرية التي قد تظهر فيها محاولات للتمرد مبكرا) إلى البقاء في موقف الفرجة إلى حين إنجلاء الموقف.

هـ. أما تكريت فسيعيش أهلها معالم قلق شديدة وهم في حالة الصراع بين الالتزام بمد الحرب بالرجال والتأييد، وإيواء المطلوبين من جهة، والتوجس من الانتقام من جهة ثانية، لكنها قد تشهد أحداث وردود فعل بالضد لاحقا إذا ما تعرض الحرس الجمهوري والخاص إلى نكسة كبيرة في بداية المعارك، وتكبد على إثرها خسائر فادحة تؤدي إلى تسرب منتسبيه إلى مدينتهم، وهم يحملون مشاعر الإحباط.

و. وبالدرجة الأخيرة ستأتي المحافظات الشمالية الكردية التي سوف لن تشهد ردود فعل غير اعتيادية، وعموما ستكون معظم ردود فعلها موجهة ومسيطر عليها من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وبما يدعم جهد الحرب بالضد من صدام. 

5. الجهد المعارض في التعامل مع الشارع العراقي 

آ. إن القتال على الأرض العراقية لجيوش أجنبية ( أمريكية على وجه الخصوص) سوف لن يتوقف نجاحه على مساحة الأرض المكتسبة أو على عدد      المدن والقصبات المحررة، ولا على نسبة الخسائر التي سيتكبدها الجانب الحكومي، ولا على مقتل صدام في أحد مراحل القتال، بل وعلى مدى تحقيق غاية القتال الأساسية التي ينبغي أن تتمثل:

بتغيير نظام الحكم، وإقامة العراق الديمقراطي التعددي بأقل ما يمكن من الخسائر، والخسائر المقصودة هنا لا تتعلق بالأرواح البشرية فقط، ولا بالدمار الحاصل للبنى التحتية فحسب، بل وبجوانب أخرى سياسية واجتماعية ونفسية قد تظهر آثارها خلال مراحل القتال وتطوراتها أو بعد التغيير بفترات زمنية متفاوتة منها على سبيل المثال:

أولا. إضطراب العلاقة مع بعض الجيران العرب مثل سوريا، وغير العرب مثل إيران.

ثانيا. التسلل التركي إلى داخل حدود العراق وإقامة أمر واقع والمساومة على أساسه لأهداف استراتيجية تتعلق بالفدرالية ومسألة كردستان العراق.

      وغيرها في نفس المجال يمكن أن تثير الشارع العراقي بالاتجاه غير المناسب.

ب. كما إن ردود الفعل في الشارع العراقي قد لا تتوقف عند تلك الانفعالات وأنواع السلوك المذكورة في أعلاه، بل وقد تظهر أخرى قبل الوصول إلى بغداد، أو بعده بقليل لأسباب لا تعود إلى طبيعة المجتمع العراقي فقط، وإنما إلى النتائج الثانوية للثورات وحروب التغيير، والصراعات الجانبية على المكاسب ومد النفوذ لرفاق الكفاح التي تنعكس سريعا على الشارع وتؤدي إلى ردود فعل خطرة على حاضر العراق ومستقبله مثل: 

أولا. الإحساس العام بعدم قدرة الإدارة (المعارضة) على ملأ الفراغ السلطوي، مما يؤدي إلى تفشي اضطرابات تفوق خسائرها البشرية الخسائر التي دفعها العراقيون إبان حكم صدام . 

ثانيا. عدم الاقتناع بأحقية الإدارة الجديدة في تمشية الأمور قبل اكتمال تنفيذ مهام فرض الأمن والاستقرار أو في المرحلة التي تسبق الانتخابات، وتحديد شكل نظام الحكم، مما يؤدي إلى تفشي نوعا من المقاومة الداخلية بالضد من الوجود الأمريكي، أو الإدارة التي تتهم بمحاباته.

ثالثا. استمرار حالة العداء المتبادل التي ستنشأ في مراحل القتال الأولى إلى ما بعد التغير بين المستفيدين من السلطة السابقة، والمتضررين بسببها لمستوى إثارة توتر وعدم استقرار . 

ج. هذا بالإضافة إلى بعض التداخلات التعبوية للقتال التي تحتم إشعار الشارع العراقي أن الإدارة الجديدة تتمتع بمواصفات مثل القوة، والحزم، والأهلية، والانسجام، والدعم الدولي، والتأييد الداخلي، التي تغير من القناعات والأفكار السلبية وتحد من احتمالات الخطأ والانحراف. وهذه تتحقق بنسبة كبيرة جدا إذا ما استطاعت المعارضة أن تقنع الطرف الدولي بتشكيل حكومة مؤقتة تبدأ مهامها مع بداية الحرب وتقود البلاد إلى مرحلة التغيير، وبأسلوب قيادة ينسجم وتطورات الحرب.

د. إن إدارة الجهد المعارض في الحرب وأي كانت صيغها عليها التحرك والعمل في جميع الاتجاهات لضمان السيطرة على الانفعال المتوقع للشارع ومن ثم توجيهه بالاتجاه المرغوب لدعم الواقع الجديد وبأقل الخسائر. خاصة في الجوانب التالية:

أولا. العمل في المناطق المحررة ومنذ الأيام الأولى بصيغ المؤسسات والابتعاد جهد الإمكان عن التعامل بالأساليب الثورية التي ستدفع إليها بعض الفصائل المعارضة لأسباب أيديولوجية، أو لأغراض تحقيق المكاسب الذاتية.

ثانيا. من بين الاستجابات المحتملة ( وحسب تطورات الموقف العسكري ) هي التوجه الجماهيري للتمرد على الحكومة وحدوث انتفاضة جماهيرية، وحدوثها سيفرض واقع جديد وربما شخصيات معارضة جديدة وطروحات جديدة، وهذا يتطلب من الإدارة المعارضة أن تضع خطط مسبقة للتعامل مع احتمالاتها تأخذ بالاعتبار:

(1). التدخل غير المباشر بتوجيهها ،أو تهيئة أشخاص ممن لهم علاقة بانتفاضة عام 1991 لقيادتها.

(2). تخصيص جهد إعلامي ونفسي ميداني مكثف لتخفيف الانفعال من جهة ولتوجيهه بالاتجاه المطلوب من جهة أخرى.

(3). الإيعاز إلى قوى الأمن الداخلي في المدينة والمنطقة بتشكيلتها الحكومية لممارسة مهامها في فرض الأمن والسيطرة، مع محاولة تعزيزها بأفراد من المعارضة (عند تيسرهم) أو من المتعاونين مع الجهد المعارض من أبناء المنطقة ، كما إن تنسيب ضباط جدد لإدارتها سيضيف لها دعما يساعدها على إنجاز مهامها في مثل تلك الظروف الصعبة.

(4). توزيع بعض من الجهد العسكري المعارض على الأماكن الحساسة والمهمة مثل الجسور، ومفارق الطرق، ووسائل الاتصال، ودوائر الدولة، وأجهزة الأمن، خاصة في الأيام الأولى لتحريرها.

(5). تكليف القيادة العسكرية الموجودة في المنطقة التي لا تقاوم أو التي تلتحق بالجهد المعارض لأن تخصص بعض من قدرتها للغرض المذكور.

(6). إذا ما كانت للإدارة الجديدة ( المعارضة) قوى عسكرية فاعلة ولها دور في الحرب يصبح من المناسب القيام باستعراضات بسيطة لبعض وحداتها في المدن التي يجري تحريرها. 

ثالثا. إن من بين الأمور التي يمكن أن تضعف الإدارة المعارضة والمحتمل حدوثها بنسب ليست قليلة انتشار الفوضى وأعمال الانتقام والتخريب والأخذ بالثأر، والمجالات المتاحة للمعارضة للتقليل منها هي:

(1). الدعوة السريعة إلى عودة الجيش وإعطاءة دور في فرض السيطرة.

(2). الاتصال الفوري برؤساء العشائر في المنطقة ودفعهم لتحمل مسؤولية توجيه رجالهم بعيدا عن تلك الأعمال.

(3). التبليغ غير العلني لكوادر حزب البعث وضباط الأجهزة الأمنية مراجعة مراكز خاصة للقيادة العسكرية المعارضة في المنطقة لتأمين حمايتهم.

(4). إن من بين دوافع الفوضى والتجاوز هو العوز والحاجة التي عانى منها غالبية العراقيين فترة طويلة، وللحد من وجودها دافعا لإرتكاب الخطأ، وأعمال النهب ينبغي أن تضع المعارضة خطة للإغاثة الفورية بالتنسيق مع الجهد الدولي المتاح ، وفي الأيام الأولى للتحرير، ويفضل أن يشار إلى بعض تفاصيلها بالوسائل الإعلامية والنفسية الميدانية بهدف تكوين أمل لتغيير السلوك الخطأ. 

رابعا. إن الإجراءات المكتوبة والمعلن عنها لتهدئة الناس وطمأنتهم سوف لن تكون نافعة لوحدها في ظروف الخوف والتوتر، الأمر الذي يقتضي من قادة المعارضة والمسؤولين في مفاصل قياداتها أن يسلكوا سلوكا بعيدا عن القسر والانتقام، ويتوجهوا إلى الطمأنة التي تكون مطلوبة في مثل تلك الظروف.

خامسا. إن المعارضة في جانبها العسكري والإداري ستكون بحاجة إلى المزيد من الأفراد مع كل يوم حرب وتقدم باتجاه إطاحة النظام، ولسد هذه الحاجة يمكن فتح مركز للتطوع في كل مدينة أو قضاء يتم تحريره، والمركز يأخذ على عاتقه الاختيار والتوزيع، بالتنسيق مع الجهد العسكري والإدارة العليا. 


الجهد الإعلامي والنفسي المعارض في الحرب المقبلة

1. إن المعارضة التي ستدخل الحرب بالضد من حكومة صدام لا تمتلك إدارات لفرض الضبط، وليست لديها مؤسسات للتوجيه والسيطرة، لكنها تمتلك أدوات ووسائل إعلام وكوادر جيدة يمكن استثمارها لتلك الأغراض، ولأخرى تسهل لها إدارة المجتمع وتقليل الخسائر بأقل الحدود الممكنة، وفرصها في العمل في هذا المجال تتحدد بمستويين:

آ . المستوى السوقي ( الاستراتيجي) 

وفي مجاله يتطلب أن تتوجه وسائل الإعلام المعارض موحدة ( صحف، فضائيات، إذاعات) إلى التعامل مع الموقف الجديد على وفق الاعتبارات التالية:

أولا. إقترن الوجود الأمريكي (قوى الهجوم) في العقل العراقي ( العام ) بالإمبريالية وبالانحياز لأعداء الأمة، وغيرها مفاهيم غذى النظام بها المتلقين العراقيين عقود من الزمن، وفجأة سيجدون "أي العراقيين" أنفسهم بالمواجهة معهم "أي الأمريكان" بأوصاف أخرى تقترب من المخلصين والمنقذين، وهذا تناقض معرفي قد يفضي إلى أستجابات عنف تحتاج السيطرة على مخرجاته الإنفعالية إلى جهود إعلامية كبيرة ومنسقة يمكن أن تسهل عملية التعامل معه حقيقة لا يمكن التجاوز على وجودها في الوقت الذي سيعقب عملية التغيير على أقل تقدير.

ثانيا. تغيير الخطط والبرامج الإعلامية الموجهة لأن تلبي حاجة المرحلة إلى:

(1). مساعدة المجتمع العراقي لقبول صيغة التحالف مع قوى هجوم خارجية لتغيير النظام.

(2). إيجاد قناعات في المحيط الإقليمي للعراق بمسألة مساعدة الحلفاء لتغيير نظام الحكم، وبوجود قوات أجنبية على الأرض العراقية بشكل مؤقت. 

(3). زرع الأمل في المناطق المحررة، وباقي أنحاء العراق بحياة أفضل ما بعد التغيير.

(4). وحدة الفعل المعارض من أجل التغيير.

(5). إبراز قوة الإدارة الجديدة(المعارضة) وسلطتها في فرض النظام وبما يطمئن المواطن العراقي.

(6). تهيئة المجتمع العراقي لمرحلة ما بعد التغيير.

ثالثا. التنسيق فيما بين جميع وسائل الإعلام المعارض لتنفيذ ما ورد في (أولا) أعلاه (جهد الإمكان) وفي هذه الحالة يفضل تشكيل مجلس مركزي للإعلام المعارض يضم رؤساء تحرير الصحف التي تعمل فصائلها في الجهد المعارض المتحالف من أجل التغيير.

رابعا. التحرك لإيجاد فرص للتنسيق مع الإعلام الدولي الصديق.

ب. المستوى التعبوي 

إن المستوى التعبوي يعني العمل في الميدان، والتعامل مع تطوراته إعلاميا ونفسيا (7) تعاملا موقفيا أي آنيا لأسباب بينها:

أولا. كون التغيرات في ساحة المعركة سريعة ومتلاحقة، وتقتضي ضرورات استثمار نتائجها لتأمين الغاية إيصالها إلى الخصم فورا وبأسلوب يهدف التأثير سلبا على معنوياته وأداءه القتالي، وكذلك إلى الصديق بأسلوب آخر بغية تعزيز وضعه المعنوي وزيادة دافعيته للإنجاز.

ثانيا. ينشغل المقاتل في ساحة المعركة بأمور القتال وفي حالته قد لا يجد متسعا من الوقت لاستلام وسائل العمل السوقي (صحف، إذاعة، تلفزيون)، في حين يكون مجبرا في بعض الأحيان لاستلام الوسائل التعبوية، أو يجد نفسه في دائرة تأثيرها عندما تلقى عليه المنشورات من الأعلى أو عن طريق المدفعية، أو عندما توجه إليه الإذاعات الميدانية نداءات مباشرة. 

ثالثا. إن الفعل المعارض ضد الحكم القائم في بغداد وإن كان عسكري الطابع إلا أن استكماله بالشكل الصحيح والفاعل يحتاج الكثير من الجهد الإعلامي والنفسي الميداني مثل:

(1). تهيئة من يقوم بعمل عسكري ضد مواطنيه وربما ضد أفراد عشيرته لا تقتصر على تزويده بالسلاح فقط، بل وتقتضي الضرورة أن يهيأ بطريقة يقبل على وفقها كل العقبات، ويستطيع من خلالها تجاوز كل قيود الموروث الاجتماعي.

(2). إن العسكري العراقي (الحكومي) الذي سيقاتل قوى الهجوم الأجنبية، وكذلك مواطنيه من المعارضين كأعداء في الميدان مع بداية الحرب، قد يتحول في مرحلة لاحقة إلى موقف معاكس يُطالب فيه وفي لحظات حرجة أن يدير سلاحه بالضد من النظام وكذلك بالضد من رفاق الأمس ، ولكي يكون توجيه هذا السلاح بالاتجاه الصحيح وذات تأثير فاعل، يتطلب جهدا قريبا من وجوده في الميدان، ويتأسس على معلومات آنية ميدانية.

(3). إن معلومات العسكريين العراقيين عن المعارضة ناقصة وربما مشوشة بسبب الطوق المحكم الذي كان يفرضه النظام على المجتمع العراقي، ونتيجة لتطورات الموقف قد يجدون أنفسهم بمواجهة هذه المعارضة وما زالت في ذاكرتهم آثار من ذلك التشوش، الذي يحتاج جهدا فوريا قريبا لمحوه ومن ثم تحويله إلى وضوح يساعد على الاندفاع للتعاون مع المعارضة وبالضد من النظام.

(4). إن النظام ومهما تكبد من خسائر، فإنه سيستمر بالتعامل مع تطورات الموقف بأساليب متنوعة، وهو في تنظيم مؤسساته العسكرية شُعب، وأقسام للعمليات النفسية مثل ( وحدة الطب النفسي في الرشيد العسكري، وشعبة العمليات النفسية في التوجيه السياسي، ورف الحرب النفسية في طيران الجيش، وأقسام للعمل النفسي الميداني على مستوى الفيالق ) وكذلك في الأجهزة الأمنية مثل ( الشعبة النفسية في جهاز المخابرات، وقسم الاستخبارات النفسية في مديرية الاستخبارات العسكرية العامة)، وهذا يتطلب رصد وتحليل كل توجهاتها وأنشطتها في أثناء القتال وتحليل من هذا النوع يكون على وفق معطيات نفسية وبشكل مستمر.

(5). إن الخروج السريع للمكبوتات من العقل العراقي الذي كان مقيدا لأكثر من ثلاثين عاما بعد الإحساس بضعف ضوابط القيد إبان القتال سيؤدي إلى تعميم حالة الفوضى والاضطراب، وهي حالة نفسية يمكن أن تنتقل سريعا بالعدوى لغالبية العسكر العراقي والمجتمع إذا لم يجر التحسب لها نفسيا باتجاه التخطيط لتبديد تلك الانفعالات مع صفحة القتال الأولى للحيلولة دون انطلاقها على شكل اضطراب من ناحية، والردع السريع للكف منها عند حصولها من ناحية أخرى.

رابعا. إن الحكومة العراقية وقيادتها العسكرية وعلى ضوء خبرة الحرب مع إيران، وحرب الخليج الثانية مع الحلفاء تتحسس كثيرا من وسائل وأدوات الحرب النفسية التي تصل إلى المقاتلين، وبضوء هذا التحسس ينبغي أن يركز الجهد النفسي الإعلامي التعبوي على:

(1). التقليل من قيمة وقدرْ رأس النظام .

(2). الإشارة إلى نقاط ضعف القادة العسكريين المهمين.

(3). إثارة الشك بولاء بعض القادة الميدانيين.

(4). التعريف بالأخطاء العسكرية التي تسببت في تدمير العراق.

(5). التعريف بحجم الخسائر والانكسارات.

(6). استمالة الضباط والمراتب إلى جانب المعارضة. 

2. إن الجهد الإعلامي النفسي التعبوي الذي يعتمد المعطيات النفسية التطبيقية يمكن أن يكون فاعلا وفي كافة صفحات القتال إذا ما تيسرت أدواته اللازمة لتحقيق الاتصال بالاتجاه الصحيح والتوقيت الدقيق مثل مضخمات الصوت فائقة القدرة، والإذاعات والأجهزة اللاسلكية الميدانية، وحاويات وقنابل الدعاية، وأجهزة المذياع الصغير.

3. إن العمل الإعلامي النفسي التعبوي ولكي يكون مؤثرا لا بد وأن يتم التهيؤ لـه بوقت مبكر ومن خبراء قادرين على توظيف أدواته مثل ( المنشورات، والنداءات ، وبطاقات الأمان، والإشاعات) توظيفا يؤمن غاية التقليل من فاعلية الدفاعات الحكومية.


الخاتمة 

1. إن هذه الدراسة التي أشير في بدايتها للحاجة إلى المعلومات الاستخبارية الدقيقة لدعم وتعزيز وقائعها واستنتاجاتها ، أخذت منحى التحليل والاستدلال الذي عادة ما يكون ملائما لتناول مواضيع معقدة مثل موضوع العراق، والتنبؤ بردود الفعل والاستجابات التي ستنجم عن الأحداث ذات الصلة بأزمته، وبقدر مقبول وملائم لتقريب الصورة لمتخذ القرار (السياسي) وللقائد العسكري الميداني.

وهي كذلك أخذت بالاعتبار أن تكون عناوينها مادة أساسية يمكن إدامتها، بما يستجد من معلومات، وفي أية مرحلة من مراحل العمل العسكري والسياسي وحسب حاجة المعارضة لذلك.

2. إن فقرات الدراسة وموادها التي تم استعراضها فتحت الباب إلى تساؤلات واستفسارات عديدة يتطلب القتال مع عدو مثل صدام الإجابة السريعة عليها وبصيغ الدراسة والبحث، وتجميع الاستخبارات، سعيا لتوفير أرضية معلومات علمية شاملة لمتخذي القرار من السياسيين المعارضين وإلى القادة العسكريين المعارضين وهم في الطريق إلى قتال لم يعهده العراقيون من قبل، وأهمها في الوقت الحاضر:

آ. الفراغ السياسي والأمني المحتمل في العراق، وأساليب التعامل مع حالاته .

ب. خطط الأجهزة الأمنية الحكومية للتسلل إلى الجهد المعارض وكيفية متابعتها.

د. اتجاهات البعض من قوى المعارضة للتسابق في استغلال الفرص، واستثمار الفوز لأغراضها الذاتية، وكيفية الحد من تلك الاتجاهات .

هـ. معايير الإدارة المدنية وتوصيفها لما يلائم المناطق المحررة .

و. إجراءات الإغاثة المطلوبة في كل مراحل القتال.

ز. سبل الحد من أعمال النهب والتخريب.

3. إن المقترحات الواردة في الدراسة يمكن أن تكون دليل عمل للجانب المعارض، إلا أن سبل تطبيق بعضها على أرض الواقع يبقى معتمدا في أغلبه على الطرف الأخر في معادلة القتال من أجل التغيير"أي الجانب الحليف" والمديات التي وضعها حدودا للتعاون مع الجهد العراقي المعارض في الميدان، ونوايا المستقبلية في شكل التعامل مع العراق ما بعد التغيير.

4. لقد بينت هذه الدراسة أن أي عمل عسكري للحلفاء في العراق يتطلب نجاحه بأقل الخسائر التعاون والتنسيق مع جهد عراقي عسكري في الميدان، وهو تعاون إذا ما أريد لـه أن يكون مجديا في مجال العمليات العسكرية، والإعلامية، والنفسية، والإدارة المدنية، وفرض السيطرة ينبغي أن تسبق جهوده التنظيمية فعل الشروع بالهجوم، خاصة وإن مثل هذا الوجود سيشكل فائدة كبيرة بسبب معرفته الجيدة في البيئة التي ستجري فيها الحرب، وكذلك لإتقانه فنيات العمل التعبوي، وقدرته على فهم أساليب الطرف المقابل وخططه في القتال.


المصادر

1. سعد العبيدي (2000) التخريب القيمي في الجيش العراقي، ومعطيات الخرق المتعمد لحقوق الإنسان، مؤتمر حقوق الإنسان، لندن.

2. الجنرال جان بيريه ( ب. ت) الذكاء والقيم المعنوية.

3. مدخل إلى علم النفس العسكري، كراسة تجريبية الرقم 34، إصدار مديرية التطوير القتالي 1985، دائرة التدريب، بغداد.

4. روبرت ماغنيس (1987) روحية المقاتل، ترجمة مديريه التطوير القتالي، بغداد.

5. تقدير أفتراضي مبني على ما ينشر في الدوريات العسكرية والإعلام العسكري عن التطور الحاصل في الجوانب الفنية والتقنية.

6. الأسعافات النفسية الأولية في الحرب، كراس رسمي الرقم 421 ، إصدار دائرة التوجيه السياسي 1976، وزارة الدفاع، بغداد.

7. العمل النفسي الميداني، أستخدام الدعاية في الحرب النفسية، العدد 1، 1988 إصدار دائرة التوجيه السياسي، وزارة الدفاع، بغداد.


ملاحظة: قدم هذا البحث إلى المؤتمر الوطني العراقي المعارض في شهر كانون الأول عام 2002