التهيئة النفسية في القتال لأغراض أمنية .

عــــام 

1. يُهيأ الجندي لأن يَقتلُ في المعركة، وأن يحمي نفسه فيها من القتل من جانبين:

أ. الأول مادي يتعلق بالتدريب والتسليح والتجهيز، والخطط.

ب. الثاني نفسي ذو صلة بتوفير القناعة للقتل، وتقليل أثر الشعور بالذنب من كثر القتل، والدعم المعنوي لزيادة التحمل، والصبر، والمطاولة التي تتطلبها المعارك في ميدان مليء بالتعب والإرهاق وفنون القتل.

على هذا الأساس أوجدت الجيوش دوائر مختصة بالعمل النفسي والمعنوي، وأعطتها دورا في التأهيل والإدامة لا يقل عن أدوار يقوم بها المعنيون بالتدريب، والتسليح والتجهيز، وغيرهم، بعد أن أصبح موضوع التأهيل النفسي مجالا مهما من مجالات علم النفس، وتخصص يحتاج العمل والتعامل معه إلى معرفة، وخبرة واختصاص.


ضرورات التهيئة النفسية 

2. إن التهيئة النفسية مسألة مطلوبة في حالة التدريب وظروف القتال التقليدي، وإذا ما كانت المعركة في داخل البلد بين جيشها وشرطتها من جهة، والعاصين من بعض أبنائها، والدخلاء بملاذات بين أهلها من جهة أخرى كما هو جار منذ العام 2003 حتى الآن عام 2007 في القتال على الأرض العراقية فإن التأهيل، والتهيئة النفسية سيكونان من بين الضرورات الملزمة، لأن العدو المطلوب قتاله في ميدان الاحتراب الداخلي لم يكن من أبناء دولة أجنبية يسهل على الجندي المهاجم تحويل مشاعر العدوان تجاهه بمجرد إصدار أوامر القتال، بل أبن بلد أو شخص قادم من الخارج يعيش معه أو قريبا منه، أو حتى يتواجد في محيطه تحت تهديد السلاح، عليه يصبح فعل القتال أحيانا مشكلة تثير التأنيب الشديد للضمير.

ثم إن القتال كما هو حاصل حاليا لم يكن بين جيشين، ولم يكن الإرهابيون يتحصنون في مواضع دفاعية يجري الهجوم عليها بسبل الهجوم التقليدية، بل وعلى العكس من ذلك يتملصون من المواجهة المباشرة، ويأخذون من الدور والأماكن السكنية قواعد لهم، ويحاولون إشراك الصبية، والنساء بهدف زيادة الخسارة بين المدنين واستثمارها للضغط والدعاية والإعلام، وهذا أمر يجده الجندي المحارب معقدا بسبب الحاجة إلى الفرز بين الأهداف المتاحة من أمامه، وفرز من هذا النوع في وضع التوتر، والخسارة، والتعب، تتطلب هدوءً، وسيطرة عالية على الانفعال، وحيادية يلزم تأمينها عند التهيؤ النفسي قبل الشروع بالقتال.

3. ولأن المطلوب مقاتلتهم بهدف إخراجهم من كفة الصراع أو تقليل تأثيرهم على العملية السياسية الجارية تمهيدا لفرض الأمن والاستقرار في البلاد كما هي الغاية المفترضة من القتال الحالي هم في الغالب عراقيون، ومن مناطق محددة، لذا يحتم منطق القتال معهم في أن لا تتأسس الغاية على توسيع هامش القتل لإحداث أكبر قدر من الخسارة بالطرف المقابل سعيا لإجباره على قبول شروط المتفوق فيها كما هي فلسفة القتال في الحروب التقليدية، لذا يقتضي هذا النوع من القتال جملة أمور ضرورية أهمها:

أ. ضبط أعصاب لا تتطلبها الحروب الأخرى بنفس المقدار.

ب. تحذير من الإفراط في القتل، ومحاولة تجنبه جهد الإمكان لأنه يثير الآخرين بالضد، ويوسع قاعدة الاقتتال.

وتلك متطلبات لا يمكن تأمينها بإصدار الأوامر فقط، ولا بتعميم التوجيهات فحسب، بل وبجميعها مع جهد منظم للتهيئة المعنوية المسبقة، والمتابعة النفسية الميدانية للوضع المعنوي في الميدان. 


المتطلبات النفسية للقتال الداخلي 

4. إن القتال في الداخل، وموروثات الثأر والطائفية التي يعاني منها المجتمع العراقي في الوقت الحاضر تتطلب من المقاتل والقيادة العسكرية سلوكا قتاليا يعتمد الآتي:

أ. تقليل الأثر الجانبي له أي القتال، أو بمعنى أوضح أن لا يثر المقاتل في قتاله العشيرة التي يتواجد في أرضها المطلوب مقاتلته لأن في إثارتها غير المبررة فرصة لدفع البعض من أبنائها للدخول طرفا في القتال.

ب. أن لا يُعطي القتال معنا دينيا يثر الطائفة التي يتواجد المسلحون والإرهابيون في محيطها، لأن إثارتها ستدفع الشباب غير المتحضر إلى أن يكونوا وقودا رخيصا إلى نارها التي تبقى بسببها مستعرة إلى عديد من السنين.

ج. وتتطلب كذلك العقلانية وبعد النظر في التصرف مع المحيط ، والسكان، والبيئة وهذه لا يمكن تأمينهما إلا من خلال خطط للتهيئة النفسية المسبقة تجنب المنفذين الانزلاق بالخطأ، وتقلل الآثار والخسائر الجانبية جهد الإمكان، مع عدم استثناء الجهد النفسي الذي لا بد وأن تقوم به القوات المسلحة في قتالها الحالي والمستقبلي للتأثير على الأعداء بهدف التقليل من اندفاعهم، وعلى الأهالي المحيطين لتحييدهم أو كسبهم إلى صفها.


الخاتمة 

1. إن التهيئة النفسية المقصودة في هذه الورقة تتعلق بجملة خطوات أهمها.

أ. جهود إفهام الضابط، وضابط الصف، والجندي المقاتل الطبيعة الخاصة للقتال الدائر بعده قتالا ليس عاديا، والكيفية المناسبة لتعاملهم مع الأهالي، والتهدئة اللازمة في المواقف الصعبة التي يواجهونها في ميدان قتال تتداخل في الأهداف لكلا الطرفين المتقاتلين.

ب. الشرح الواجب تقديمه إلى عموم المقاتلين قبل الشروع بعملياتهم عن عدوهم الإرهابي سواء ما يتعلق بأفكاره السلفية التكفيرية، أو بأساليبه التدميرية في القتال حيث الرغبة الكامنة في عقله المتخلف في إحداث أكبر عدد ممكن من الخسائر بين العراقيين لأسباب تعود في معظمها إلى أفكار خاطئة، ومعالم سلوك مريضة لابد وأن يسهم العسكري العراقي في تخليص مجتمعه من شرها، ويمهد الطريق إلى حياة أفضل سيعيشها مستقبلا مع باقي العراقيين. 

2. إن تلك الجهود الخاصة بالتهيئة النفسية يمكن أن يقوم بها القائد في موقف محدد، ويمكن أن يقوم بها آمر الوحدة في بعض الحالات، ويتحمل المسؤولية الأكبر في مجالها آمر السرية، والفصيل إذا ما أدركوا جميعا أن البندقية وحدها لا تحل مشاكل القتال في ساحة داخلية أكثر تعقيدا، وخطرا من سوح القتال الأخرى.  


                              بغداد  1/2/2007