الانتخابات العراقية بطريقة القائمة الواحدة وأثرها على الانتقال إلى الديمقراطية

المقدمــــــة

ركزت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 9/4/2003 على الانتخابات كإحدى الوسائل المتاحة لتطبيق الديمقراطية، على الرغم من الاختلاف في وجهات النظر بشأن الإسراع في تطبيقها والأسلوب الملائم للتطبيق، ومع ذلك فقد جرت الانتخابات لأكثر من مرة بطريقة القائمة الواحدة التي وإن قدمت فرص لكتل وأحزاب أن تحقق أفضلية على أخرى ديمقراطيا، لكنها بالنتيجة لم تحسم موضوع الأحقية في تشكيل الحكومة وطبيعة إدارة الدولة من قبل قوائم الأغلبية البرلمانية على وفق المعايير الديمقراطية، الأمر الذي حتم اللجوء إلى التوافق أسلوب لتوزيع المسئولية الخاصة بإدارة الدولة والمجتمع وبطريقة لم تضمن الانتقال السليم إلى الديمقراطية كما هو جار في المجتمعات الأخرى، هذا من جهة ومن جهة أخرى أُبقي النقاش المثير قائما في البرلمان وبين الأحزاب والكتل والشخصيات السياسية منذ إتمام الإنتخابات الأخيرة بطريقة القائمة المغلقة وحتى وقتنا الراهن حول قانون الإنتخاب، وسبل تنفيذه، والطريقة الأفضل لمجتمع عراقي ينتقل إلى الديمراطية في ظروف التوتر وعدم الإستقرار، وهذه متغيرات أثارت المزيد من الإنتباه والتساؤل حول الطريقة المناسبة لشكل النظام الانتخابي الذي يلائم الوضع العراقي الحالي والمستقبلي... ومن هنا ظهر الاهتمام بمحاولة دراسة نظم الانتخابات المتبعة في الدول، وطبيعة الانتخابات العراقية التي جرت، والاثار التي ترتبت للاعتماد على نظام القائمة الواحدة المغلقة، ومن ثم إعطاء نظرة مستقبلية للنظام الأنتخابي الاكثر ملائمة للوضع العراقي.

وعلى وفق تلك الأهتمامات أنقسمت الدراسة إلى أربعة مباحث:

أهتم المبحث الأول بمحاولة إيجاز وصفي لأشكال النظم الانتخابية المعتمدة "الشائعة" في عموم  المجتمعات.

وفي المبحث الثاني تناولنا طبيعة الانتخابات العراقية التي جرى تنفيذها.

وشمل المبحث الثالث الانعكاسات المترتبة لطريقة الأنتخابات المتبعة على العملية السياسية، وعملية إعادة البناء.

وفي المبحث الرابع تم تقديم رؤية مستقبلية للحل المناسب إلى الوضع العراقي.   


المبحث الأول : نظم الانتخابات الشائعة

هناك أكثر من نظام للانتخابات جرى، ويجري العمل بموجبها في دول العالم، تحاول جميعها حل المشكلة المتعلقة بالتمثيل وتسمية المرشحين الفائزين في نيل أصوات الناخبين أي تمثيلهم، ومع ذلك فقد أختلف الفقه حول الطبيعة القانونية لها -أي الانتخابات- وبمستوى أدى إلى ظهور ثلاثة اتجاهات متمايزة:

1. الاتجاه الأول الذي يرى في الانتخاب حق من الحقوق الذاتية للأفراد.

2. الاتجاه الثاني الذي يعتقد أن الانتخابات وظيفة اجتماعية أو وظيفة من الوظائف العامة.

3. أما الاتجاه الثالث فانه يدمج بين الاتجاهين السابقين فيرى في الانتخاب اختصاص دستوري يجمع بين الحق والوظيفة.([1])

 ومهما يكن من أمر فقد درج على أن يعطي الناخبون أصواتهم للمرشحين الذين يعتقدون أنهم الأنسب لتمثيلهم أي أن يصوت الناخبون لشخص واحد من بين عدة أشخاص يتنافسون على مقعد نيابي واحد وفي حالتها يوصف التصويت على إنه فردي أي أن يضع كل ناخب في بطاقة تصويته اسماً واحدا (أي أن بطاقة تصويته تتضمن اسماً واحداً فقط ) 

أو أن يصوت الناخبون لعدة أشخاص ينتظمون في قائمة واحدة في نفس الوقت ([2])، عندها يكون التصويت على أساس القائمة، وفي حالتها تكون المنطقة الانتخابية واسعة بحيث ينتخب عنها عدة نواب وليس نائبا واحداً. ([3])، وفيما يأتي عرض يوضح كلا النظامين:

 

المطلب الأول: النظام الفردي للانتخابات

يتطلب التصويت الفردي أن تكون المنطقة الانتخابية صغيرة ومتساوية "نسبياً" بحيث ينتخب عنها نائب واحد، أي أن الناخبين يجب أن يختاروا نائبا واحدا فقط من بين عدة مرشحين، إذ يتماثل عدد الدوائر الانتخابية مع عدد النواب المطلوب تمثيلهم ([4]) هذا وإذا كان الانتخاب الفردي يتم وفقاً لنظام الأغلبية فانه يجري أما على دور واحد لا تكون فيه إعادة، فيما إذا كان المطلوب أغلبية بسيطة أي إذا حصل المرشح على اكبر عدد من أصوات الناخبين الصحيحة، وهنا يقال أن الانتخاب يجري بأكثرية الأصوات وذلك دون النظر إلى مجموع الأصوات التي حصل عليها بقية المرشحين في الدائرة.

أو أن يجري على دورين في نظام الأغلبية المطلقة.. وهو ما يطلق عليه بنظام الانتخاب الفردي على دورين، وفي حالته لا تنتهي العملية الانتخابية منذ الدور الأول بل قد يستدعي أجراء انتخابات لمرة ثانية، أي إعادة الانتخابات لتحديد الفائز بمقعد النيابة في الدائرة علما أن الأغلبية المطلوبة تختلف إذ يجب أن تكون مطلقة في الدور الأول (أي على نسبة تفوق الـ 50%) وعندما يحصل احدهم على هذه النسبة يعتبر فائزاً وتنهي الانتخابات في الدور الأول، ولذلك سمي نظام الانتخاب الفردي على دورين بنظام الانتخاب بالأغلبية المطلقة، في حين يتطلب الدور الثاني الحصول على الأغلبية النسبية. وغالبا ما تجري الانتخابات بين المرشحين الأول والثاني حسب ترتيب المرشحين تنازليا تبعا لنسبة ما حصل عليه كل منهما من الأصوات الصحيحة، ويستبعد بقية المرشحين من دخول انتخابات الإعادة ويكتفي في هذا الدور تحديد الفائز الحاصل على الأغلبية النسبية. ([5]). 

1. تقييم الانتخاب الفردي على دور واحد

إن نظام الانتخاب الفردي على دور واحد يلاءم في الغالب تلك الدول التي يوجد فيها حزبان قويان أو أن إتباعه سيؤدي حتماً إلى ظهور نظام حزبين سياسيين كبيرين تنحصر بينهما اللعبة السياسية، ويلائم كذلك الدول التي يسود شعبها القدر الكافي من التجانس، وعلى الرغم من ذلك فان هذا النظام لا يلغي وجود أحزاب أخرى صغيرة بجوار الحزبين الكبيرين ليس بوسعها الوصول إلى السلطة، يسميها البعض أحزابا سياسية لا أحزاب حكم. ([6]) هذا ويتميز نظام الانتخاب هذا بعدة مزايا أبرزها:

  • الاستقرار الحكومي.
  •  سهولة العملية الانتخابية بالنسبة للناخب.
  • التقليل من حدة الصراعات السياسية.

 لكن البعض يؤكد وجود عيوب لهذا النوع من الانتخاب قوامها:

  • فيه قدرا من الغبن "اللا عدالة" بالنسبة إلى الأحزاب التي لا تأتي في المرتبة الأولى أو الثانية أي أحزاب الأقلية في أستلام المسؤوليات التنفيذية. 
  • يشكل نظاما بدائيا لتمثيل الرأي العام فلا يظهر سوى تياران في الرأي يمثلان الحزبين الكبيرين الأمر الذي يترتب عليه حجب فرص الأحزاب الأخرى في الإعلان عن نفسها. ([7]) ويعد نظام الانتخابات الفردي بالأغلبية على دور واحد سمة من سمات النظام السياسي في بريطانيا التي تعد موطن تطبيق هذا النظام والبلد الأم له.  

 

2. تقييم الانتخاب الفردي على دورين 

من أهم سمات هذا النظام الانتخابي هو أن يؤدي إلى سيادة نظام التعددية الحزبية، وهي أما أن تكون تعددية معتدلة حيث تتكتل الأحزاب وتتحالف كما حدث في عهد الجمهورية الثالثة، والخامسة في فرنسا منذ عام 1962 حيث وجدت محاولات للتكتل في جبهتين الأولى يمينية والأخرى يسارية، وإما ترفض هذه الأحزاب التكتل والتحالف وتعمل كل منها في استقلال عن الأخرى. ([8])

 

المطلب الثاني: نظام الانتخاب بالقائمة

 يسمى هذا النظام بنظام الانتخاب بالقائمة أو نظام الانتخاب المتعدد الأعضاء نظراً لتعدد المرشحين المطلوب انتخابهم، وفي هذا النظام يقدم كل حزب من الأحزاب السياسية في كل دائرة انتخابية قائمة بأسماء المرشحين الذين عادة ما يكون عددهم مساويا لعدد النواب المراد انتخابهم في تلك المنطقة، كما ويجوز لحزبين أو أكثر الاشتراك في تقديم قائمة انتخابية واحدة تشمل مرشحين منتمين إلى الأحزاب المشتركة في تقديمها ([9]) ويتطلب هذا النظام تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية كبيرة واسعة النطاق، وإلى التقليل من عدد الدوائر إذ لم يتطابق عددها مع عدد النواب.

ويثير الانتخاب بالقائمة عدة تساؤلات يتعلق بعضها بمدى الحرية التي يعطيها النظام الدستوري للناخب إزاء هذه القوائم، ويتعلق بعضها الآخر بمدى موقف النظام الدستوري والسياسي من مسألة التمثيل العادل لجميع الاتجاهات السياسية في الدولة، أي بمدى موقفه من نظام الأغلبية ونظام التمثيل النسبي.

هذا وإذا ما كان نظام الانتخاب القائم على أساس الأغلبية يتسم بالوضوح والبساطة (*) فان نظام التمثيل النسبي يتسم بالتعقيد من حيث توزيع المقاعد النيابية بصفة عامة.([10])

ذاك من جهة، ومن جهة أخرى فقد وجد أن الأخذ بنظام الأغلبية (بنوعيه) لا يؤدي إلى تمثيل الاتجاهات المعارضة (أحزاب الأقلية) في البرلمان إلا بصورة غير مباشرة وتقريبية، فمنطق هذا النظام أن يفوز بالمقعد النيابي من يحصل على أكثرية الأصوات، بحيث إن الأصوات التي أعطيت لمعارضيه، ومهما كانت أهميتها، لا يعتد بها أي لا تمثل في البرلمان، إلا انه قد يخسر الحزب الفائز بأغلبية المقاعد النيابية في المعركة الانتخابية بعدد من الدوائر الانتخابية في البلاد، الأمر الذي يمكّن المعارضة (أو الأقلية) من التمثيل في البرلمان، إلا انه تمثيل لا يتناسب بصورة دقيقة مع عدد الأصوات التي حصلت عليها في كل البلاد، ولهذا قيل إن نظام الأغلبية لا يؤمن للمعارضة إلا تمثيلا تقريبيا وغير مباشرا، ولتلافي هذا العيب وجد حلاً منطقياً يكمن في إعطاء كل حزب عدداً من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات من خلال اعتماد نظام التمثيل النسبي. ([11]) الذي يفترض التصويت على أساس القائمة، لان هذا النوع من التصويت يتطلب وجود عدة مقاعد نيابية في الدائرة الانتخابية والتي ستوزع على المرشحين بنسبة الأصوات التي سيحصلون عليها. ([12]). هذا ورغم أن نظام التمثيل النسبي قد يبدو بسيطاً ومنطقياً إلا انه يتضمن الكثير من الصعوبات والتعقيدات في تطبيقه، كما مبين في الآتي: 

 

1. التمثيل النسبي الكامل

يحدد قانون الانتخاب هنا، بعد أن يأخذ بنظر الاعتبار عدد الناخبين في البلاد والعدد التقريبي لأعضاء المجلس النيابي المزمع انتخابه، عدداً معيناً من الأصوات يقابله مقعد نيابي واحد، وعليه فان أية قائمة من القوائم المتنافسة في المناطق الانتخابية تحصل على عدد من الأصوات يساوي هذا العدد الانتخابي الموحد (انه واحد بالنسبة لجميع المناطق الانتخابية في البلاد) فإنها تفوز بمقعد نيابي واحد أو بمضاعفاته، أما بقية الأصوات التي لا تعادل مقعدا نيابيا على صعيد الدائرة الانتخابية الواحدة (أي لا تساوي العدد الانتخابي الموحد) تحسب للحزب على الصعيد القومي بحيث يعطى عددا من المقاعد النيابية يساوي عدد المرات التي سيتضمنها مجموع ما سيبقى له من أصوات العدد الانتخابي الموحد، وعليه فان توزيع المقاعد في ظل هذا النظام سيكون على الصعيد المحلي (المناطق الانتخابية) وعلى الصعيد القومي أيضا..([13]) ومن مجموع المقاعد النيابية التي يحصل عليها كل حزب محليا وقوميا يتكون مجلس النواب، ولهذا السبب لا يمكن تحديد عدد النواب الذي سيتكون منه المجلس النيابي بصورة دقيقة قبل الانتخابات لأنه قد لا  يدلي كل الناخبين بأصواتهم، كما ستكون هنالك أصوات غير صحيحة، ومع ذلك هناك مآخذ على هذا النظام بينها: 

أ. إن النواب المنتخبون على صعيد قومي لا يمثلون أية منطقة انتخابية في البلاد.

ب. إن كل حزب سيضع في قائمته القومية التي ستنتفع من الأصوات المتبقية عددا من المرشحين يمثلون أهم أعضاء هذا الحزب دون النظر إلى عامل الملائمة والكفاءة، مما يؤدي إلى وجود عدد من النواب لا يتغيرون أبدا، وعدد من غير المناسبين.

ج. ثم إن هذا النظام يشجع على تعدد الأحزاب طالما انه شبه مؤكد إن مجموع الأصوات التي سيحصل عليها كل حزب في كل الدوائر الانتخابية في البلاد حتى لو أنها لا تؤهله للحصول على مقعد على صعيد المنطقة الانتخابية ستعطيه بعض المقاعد على الصعيد القومي إلا إذا تم اشتراط إن الأحزاب التي لم تحصل على مقاعد على الصعيد المحلي فإنها لا يمكن أن تستفيد من مجموع ما حصلت عليه على الصعيد القومي، إلا إن هذا الشرط يخل بمبدأ التمثيل النسبي الكامل. ([14]) لذا تلجأ بعض الدول إلى إجمال جميع عمليات توزيع المقاعد النيابية على صعيد المناطق الانتخابية فقط.   

2. التمثيل النسبي التقريبي

لتوزيع المقاعد النيابية داخل الدائرة الانتخابية الواحدة هناك طريقتان : طريقة الباقي الأقوى وطريقة المعدل الأقوى، وهما لا يؤديان إلى نفس النتائج.

أ. توزيع المقاعد النيابية بين القوائم بطريقة الباقي الأقوى 

في هذا النوع من التوزيع يتم تحديد عدد النواب لكل منطقة انتخابية، وعدد أعضاء المجلس النيابي قبل إجراء الانتخابات، ومن ثم فان توزيع المقاعد النيابية بين القوائم المتنافسة وفقا لهذه الطريقة يتضمن إيجاد عدد انتخابي معين تعطى على أساسه المقاعد النيابية للقوائم التي نالت من الأصوات ما يعادل هذا العدد أو مضاعفاته، وهذا العدد يطلق عليه اسم خارج القسمة الانتخابي (وهو يساوي عددا معينا من الأصوات") وبما إن عدد الأصوات التي تحصل عليها كل قائمة لا يمكن أن يكون مساويا بالضبط لخارج القسمة الانتخابي أو لمضاعفاته وبالتالي سيبقى لكل قائمة عدد من الأصوات.. عليه فان المقاعد النيابية المتبقية ستعطى للقوائم التي تملك اقوى باقٍ من الأصوات بصورة تنازلية. ([15]) 

وما يؤخذ على هذه الطريقة أنها تحابي الأحزاب الصغيرة على حساب الأحزاب الكبيرة ثم إنها تؤدي إلى نتائج غير عادلة في حالة بقاء عدة مقاعد نيابية معلقة بعد العملية الأولى. 

ب. توزيع المقاعد النيابية بين القوائم بطريقة المعدل الأقوى

لتلافي العيوب التي تعاني منها الطريقة الأولى تم اللجوء إلى طريقة المعدل الأقوى لتوزيع المقاعد النيابية بين القوائم، فالقائمة التي تملك أقوى معدل من الأصوات هي التي تعطى المقعد المعلق بصورة نهائية، وهذه الطريقة تقتضي كما في الطريقة الأولى التعامل على اساس خارج القسمة الانتخابي وعلى أساسه تتم عملية توزيع القوائم، ويعطى المقعد المتبقي بصورة نهائية إلى القائمة التي حصلت على اقوي معدل، وإذا بقي مقعد أخر فتتم إعادة العملية مرة أخرى وبنفس الأسلوب إلى أن يتم توزيع جميع المقاعد النيابية في الدائرة الانتخابية ([16])

وللانتخاب بالقائمة ثلاث طرق تختلف باختلاف مقدار الحرية التي يتمتع بها الناخبون في تغيير القوائم الانتخابية وهي كما يأتي:

أولا : طريقة القوائم المغلقة

تقضي هذه الطريقة بان لا يكون للناخبين إلا حق التصويت بالرفض أو القبول على القوائم التي تقدمها الأحزاب دون أن يكون لهم حق تغيير ترتيب أسماء المرشحين في القائمة أو حذف قسم من الأسماء الواردة في تلك القائمة وإبدالها بأسماء واردة في قوائم أخرى.

ورغم أن هذه الطريقة تساعد على ألزام الناخبين بالتقيد بالمبادئ والمعتقدات السياسية وعدم التأثر بالأهواء والمؤثرات الشخصية إلا أنها طريقة تحد من حرية الناخبين وبالذات المستقلين كما أنها تؤدي إلى تشويه إرادة الناخبين لان من يختار قائمة معينة بسبب ثقته ببعض الأشخاص سيكون صوت لكل من تتضمنه هذه القائمة حتى وان احتوت على أسماء لأشخاص لا يؤيدهم أو لا يثق فيهم. ([17]) 

ثانياً : طريقة التصويت بالأفضلية

لا تختلف هذه الطريقة من حيث عيوبها ومزاياها عن سابقتها إلا بحق الناخب في تغيير ترتيب أسماء المرشحين في القائمة التي يصوت لها.([18])

ثالثاً : طريقة المزج

يستطيع الناخب في هذه الطريقة تكوين قائمة خاصة به من خلال حرية اختيار المرشحين المدرجة أسماؤهم في جميع القوائم الانتخابية، فيكون لكل ناخب حق التصويت لإحدى القوائم الانتخابية، مع حقه في حذف بعض مرشحيها وإضافة مرشحين من القوائم الأخرى .. وتعد هذه الطريقة أفضل من الطريقتين السابقتين لأنها تضمن حرية الناخبين في التصويت إلى من يثقون به من المرشحين دون إن يكونوا مقيدين بالقوائم الانتخابية، ومع ذلك يؤخذ على هذه الطريقة بأنها تجعل الانتخاب يقوم على أساس الاعتبارات الشخصية دون الالتزام بالمبادئ السياسية ([19])

 

المبحث الثاني : طبيعة الانتخابات العراقية

تشكلت الأحزاب العراقية في مراحل زمنية متباينة وفي ظروف سياسية مختلفة، إذ نجد أن البعض منها قد تشكل في المرحلة الملكية من حكم العراق وبعضها إبان الجمهورية لما قبل وصول حزب البعث إلى الحكم عام 1968، وبعضها القليل خلال حكمه، والبعض الآخر قد تم تشكيله في الحقبة الزمنية التي نشطت فيها المعارضة العراقية بالضد من حكم حزب البعث وصدام حسين بعد ثمانينات وتسعينات القرن الماضي.

وبوجه العموم فإن الأحزاب والكتل السياسة العراقية قد تجاوزت المئات بعد الإحتلال والتغيير في 9/4/2003 لكن الأكثر تداولا وشهرة بين الجمهور العراقي منذ بداية الدولة العراقية الحديثة وحتى إجراء الإنتخابات نهاية عام 2005 هي الحزب الشيوعي العراقي، وحزب البعث العربي الاشتراكي، والاستقلال، والدعوة، والديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الوطني الديمقراطي، والمجلس الإسلامي الأعلى، والحزب الإسلامي، والمؤتمر الوطني العراقي، وحركة الوفاق، والائتلاف الوطني العراقي، والفضيلة، والحركة الإشتراكية العربية، وحزب كادحي كردستان، والحركة الديمقراطية الآشورية، والجبهة التركمانية العراقية، وحزب الإخاء التركماني، وغيرها الكثير ([20]) التي أعادت نشاطها أو تشكيلها بعد الحرب وإتمام عملية التغيير، وقد عملت جميعها حتى الدينية (*) منها تحت شعار السعي إلى تحقيق الديمقراطية عن طريق الانتخاب، لكن واقع التغيير الذي جرى على يد قوات الاحتلال، وظروف التشظي غير المعقول للقوى والأحزاب السياسية دفعها "أي قوات الإحتلال" إلى تحميل المسئولية الإنتقالية إلـى سبعة أحـزاب / حركـات / تكتلات عدت فاعلة هـي ( المجلس الإسلامي الأعلى، حزب الدعوة، الحزب الديمقراطي الكردستاني، الاتحاد الوطني الكردستاني، حركة الوفاق العراقي، المؤتمر الوطني العراقي، الحزب الإسلامي العراقي) وأضافت لأغراض التوافق الطائفي المؤقت شخصيتين سياسيتين هما نصير الجادرجي وعدنان الباججي حيث أعاد الأول إنبعاث الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يتزعمه والده كامل الجادرجي، وشكل الثاني تجمع الديمقراطيين المستقليين، لتصبح تسعة قوى وزعت عليها آنذاك المسئولية والمكاسب المتحققة حصصا، أوجدت خاصية المحاصصة في إدارة الدولة والمجتمع. ومع ذلك فإن تجربة العمل الحزبي لخمس سنوات من بعد التغيير كانت كافية لتحديد بعض المآخذ على عموم الأحزاب العراقية التي أرست قواعد انتخاب بطريقة القائمة الواحدة "المغلقة" سعيا من بعضها للمحافظة على فرصة متاحة للاستحواذ من أهمها:   

          

1. ركزت غالبيتها بإستثناء الحزبين الكرديين " الأتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني" والحزب الشيوعي وحركة الوفاق على العامل الطائفي في إيجاد قواعد جمهور([21]) وإن رفضوا الإقرار بذلك، إذ يتبين من تركيزها هذا: 

أ. إن الأغلبية الساحقة من الأعضاء ينتمون إلى طائفة معينة.

ب. تقتصر غالبية القيادات على أبناء هذه الطائفة.

ج. تنبع معظم التصرفات والتحركات من اهتمام طائفي بحت.

د. ترمي العديد من المواقف المتخذة إلى تكتيل الطائفة وتشجيع تعصبها الطائفي، ثم الادعاء بأنه انعكاس وتجسيد لاتجاهات الطائفة.

هـ. عدم بذل أي مجهود حقيقي فعال لتخطي الطائفية، وعدم المساهمة في إيقاف التحريض على التعصب الطائفي إلا في حدود ضيقة.

و. السعي لإقناع أبناء الطائفة بان وجود الكتلة / الحزب ضرورة لحماية مصالحهم والمحافظة على بقائهم، مما يرسخ المفهوم الطائفي.

إن اختيار طريقة الانتخاب على أساس القائمة الواحدة جاء تعبيرا عن تلك الطائفية المغلفة لغالبية الأحزاب باستثناء المذكورة في أعلاه حيث استفادت بشكل كبير من المشاعر الدينية التي استثيرت في المجتمع العراقي بشكل واسع لمرحلة ما بعد التغيير، وجرى الحشد الجماهيري والدعاية الانتخابية بالتأسيس على جوانبها "الطائفية" وباستغلال الموروث الثقافي للطائفة، وبالنتيجة كونت الدعاية الانتخابية معالم صراع طائفي استثمرته القوائم الانتخابية  لدفع الجمهور باتجاه الانتخاب تأسيسا على طائفية القائمة، وقد نجحت بالفعل في كلا الاتجاهين الطائفيين الرئيسين في العراق أي الشيعي والسني في آن معا.


2. إن اغلب الأحزاب العراقية " مع استثناءات محدودة" ليس لها قاعدة وطنية شاملة، أي ليست ذات صلة عقائدية وثيقة بالجماهير، إذ لوحظ بعد التغيير:

أ. كثرة تنقل العراقيين بين الأحزاب تبعا لإعتبارات العلاقة المناطقية والمعرفة الإجتماعية وتقديرات الأستفادة الخاصة، حتى إن أي منها بأستثناء الحزبين الكرديين المذكورين لم تستطع أن تكون جمهور أنتخابي يرجح تفوقها في أي منطقة من العراق إذا ما جرت الأنتخابات بطريقة أخرى غير القائمة المغلقة.

ب. تقاسم الأحزاب الدينية للولاء الجماهيري تبعا للمدن والمناطق والتقليد المرجعي، حتى إن هذه الأحزاب أسست دعايتها الأنتخابية نهاية عام 2005 على الرموز والمفردات الدينية أكثر من أستنادها على البرامج والمعايير الوطنية التي بقيت ضعيفة وغير قادرة على تكوين فعل جماهيري وطني ضاغط. 

ج. ضعف تأثير الأحزاب العلمانية وكذلك الأحزاب ذات التمثيل الجماهيري الطبقي مثل الحزب الشيوعي العراقي الذي تتشكل قاعدته في المعتاد من العمال والفلاحين والفقراء بسبب ما تعرض له من ضغوط في العراق منذ تأسيسه، وبسبب فشل تجربة الأتحاد السوفيتي بداية تسعينات القرن الماضي من جهة، والعودة الواسعة إلى الدين عاملا للتعامل مع المشاكل المستعصية في عموم المجتمعات الإسلامية من جهة أخرى.

 إن الملاحظات المذكورة في أعلاه تعني أن البعض غير القليل من الأحزاب "الموجودة" لا تعد أحزاب توحيد وصهر واندماج، وتعني كذلك أن صلتها بالقاعدة الجماهيرية الواعية القادرة على رسم خطوات سيرها الديمقراطية ليست فاعلة مما دفعها إلى التوجه صوب الطائفة وسيلة للحث على حشد الأصوات لصالح القائمة، ودفعت بالكثير من العراقيين القلقين بسبب تنامي الإرهاب الطائفي الى التقرب من الطائفة في الدفاع عن آمالهم التي أستغلت جيدا من قبل القائمة الأنتخابية المغلقة في تحقيق غايتها في كسب اصوات الطائفة، دون أن يحقق الجمهور "الذي منحها صوته" غايته في الاستقرار والتغيير إلى المجتمع الديمقراطي التقدمي الآمن.

 

3. كما أن معظم الأحزاب العراقية لا يزال ينوء تحت رواسب القبلية الإقليمية، وإن العديد من المشرفين عليها من زعماء الإقطاع السياسي أو الطائفي، ونشاطها ينحصر في إقليم معين، وهذا واضح بالنسبة إلى غالبية الأحزاب الفاعلة إذ يتحدد نشاط الكردية منها على سبيل المثال في إقليم كردستان على الرغم من محاولات للامتداد إلى باقي مدن العراق الأخرى خاصة بغداد وتلك القريبة من حدود الإقليم الجغرافية، لكنها ومع قوة الزخم التي امتلكتها بعد التغيير يمكن الإشارة إلى أن نفوذها وانتشارها مازال محصورا في محافظات الإقليم الثلاثة،  وينطبق هذا الأمر على الأحزاب الأخرى ذات التوجه الديني إذ يتركز نشاط الشيعية منها في وسط وجنوب العراق، وأقل منه في باقي المحافظات الأخرى التي يتواجد فيها شيعة بنسب تقل عن السنة، والسنية منها في مثلث الجزيرة "وسط وشمال الوسط العراقي" وأقل منه في باقي المحافظات الأخرى التي يعيش فيها سنة بنسب تقل عن الشيعة، وهذه تحديدات وخصائص أدركت تأثيراتها الأحزاب المعنية فتوجهت إلى فرض الانتخاب بالقائمة الواحدة التي لا تعطي مجالا للناخب في أن يختار الأصلح وإنما الأقرب إلى ولاءه ونهج تفكيره الذي يتمثل بالطائفة خاصة بعد أن انحازت العشيرة في ولائها إلى الطائفة دون الوطن، وباتت قاعدتها الرئيسية في الدعاية والتحشيد لكسب الأصوات بالاستناد إلى المفردات الطائفية والتمني بالثواب الإلهي.

 

4. هناك بعض من الأحزاب تخضع لبعض الشخصيات المتنفذة، حتى أصبح الحزب أشبه بشركة خاصة أو مكتب استقبال لها. إذا ما أخذ بالاعتبار:

أ. أن الحزب يستمد قوته من شخصية زعيمه أكثر مما يستقيها من قوة عقيدته وأعماله.

 ب. إن معظم رؤساء الأحزاب خاصة التي تكونت بعد التغيير هم الذين أسسوا  أحزابهم ووضعوا دساتيرها وتربعوا على كرسي الرئاسة فيها.

ج. هناك أحزاب فيها زعيم الحزب هو الحزب كله، وهناك أحزاب كونها شخص أو شخصان ثم راحا يبحثان عن الأعضاء، وكثير ما كانت أفكار الحزب ومواقفه وآراؤه من صنع الرئيس وحده خاصة لمرحلة ما بعد التغيير.

د. إن عديد من الأحزاب العراقية "مع بعض الاستثناءات القليلة جدا" عُرفت بتربع أشخاص على قيادتها، وصبغت بصبغة عشائرية، وهذه خاصية سلبية لا تتيح لمرشحها بمفرده إمكانية الحصول على الأصوات الكافية في منطقة انتخابية محددة فيما أذا أتيحت إلى إفراد مصلحين ووطنيين معروفين إلى الترشح بالضد منه ضمن محيطها، عليه سعت غالبية هذه الأحزاب إلى صيغة القائمة الواحدة التي تقدم جملة مرشحين يندفع الناخب إلى انتخابها بضوء ولاءه للطائفة والقومية التي تمثلها أو معرفته بشخص واحد من بين أعضائها.   

هـ. إن بعض الأحزاب والمؤسسات السياسية ذات غايات لا واقعية أو بعيدة عن الواقع لأنها:

 أولا. ترفع شعارات لا تجد لها أرضا خصبة لتطبيق في المجتمع.

 ثانيا. تنادي بمبادئ لا تتفق مع المرحلة الحرجة التي يجتازها الوطن.

ثالثا. يتجاوز بعضها على حقيقة أن العمل السياسي نضال مستمر ومعركة شاقة وحركة لا تهدأ والتصاق دائم بالواقع، ويلاحظ بدلا من ذلك التنقل بالراي مع أو ضد تبعا للإنتماء الطائفي، والمحاباة في المواقف لبعض الدول تبعا للعلاقات والدعم، وكثرة التنقل في الإنتماء بين الأحزاب.

 

إن تلك الغايات غير الواقعية في ظروف العراق الذي يتميز أبناءه بخاصية عدم الرضا عن الموجود، وصعوبة الاقتناع بما مطروح تضع مصاعب أمام ممثل الحزب والحركة الذي يخوض الانتخاب بمفرده في دائرة انتخابية محددة قد يتفوق عليه فيها أبن المنطقة المعروف باستقامته وقوة حججه إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن العديد من كوادر الأحزاب الفاعلة هم من المقيمين خارج العراق لفترة زمنية طويلة الأمر الذي قد يضع بعضهم خاصة الذين اخفقوا في مسؤلياتهم الوظيفية التي تسلموها في السنوات الأولى للتغيير في حالة الحرج في مقابل شخصيات عرفت بمعاناتها وصمودها وعلاقاتها الجيدة مع أبناء الدائرة الانتخابية عند الترشيح الفردي في منطقة انتخابية ما، فكانت القائمة الواحدة طريقة  يتجاوز فيها المعني معالم الحرج هذه لأن الاختيار لم يكن على أساس الفرد وسمعته ومواقفه ومقدار فائدته للدائرة أو المنطقة.   

 

5. إن كثرة الأحزاب وتعددها وتفرق القادة السياسيين على مسمياتها الكثيرة، ومصاعب تقديم الحلول لمطالب الجماهير الأساسية، أضعف من قدرات قياداتها في التأثير لحماية المجتمع من الأفكار غير الملائمة لمرحلة إعادة البناء، وقلل من التفاعل الجماهيري المطلوب مع القيادة لتنفيذ مطالبها "الأساسية" إذ يلاحظ كثرة النقد الموجه للقادة السياسيين لعموم الأحزاب، وإتساع هامش العزوف عن العمل والتعامل مع عديد من الأحزاب حتى أقفلت بعضها الأبواب، وهذه مؤشرات أدرك وجودها قسم من القادة السياسيين بعد أقل من سنتين لما بعد التغيير، وأدركوا بسببها عدم ضمان وقوف الجماهير معهم في حالة الترشيح فرديا، فكانت القائمة الواحدة سبيلا للاستفادة من قوة دفع الطائفة كبديل لقوة الحزب غير الفاعلة جماهيريا.

 

6. هنالك هوة سحيقة بين مبادئ تعلنها بعض الأحزاب والعمل السياسي في الساحة المطلوب تحقيق تلك المبادئ في محيطها، وقد عرف عن غالبيتها " خاصة تلك التي تأسست في مرحلة ما بعد التغيير" القفز من على المبادئ بطريقة الانتهازية والوصولية والتلون من أجل الوصول إلى غاية الاقتراب من الحكم والمساهمة فيه والاستفادة من ميزاته، عليه باتت وكأنها تلبس لكل حالة لبوسها وتجهد نفسها لإيجاد المبررات، وهناك كتل "مجموعة أحزاب" تنادي بشعارات واحدة وتلتقي حول مبادئ واحدة ومع ذلك فهي أبعد من أن تتوحد لتكوين فعل التأثير المناسب بل، وعلى العكس من ذلك نجدها تتصارع مع بعضها، حتى يتحول الصراع بينها أحيانا إلى إنقسام وأبتعاد وأجنحة متعددة، وكان هذا أكثر وضوحا بعد الأنتخابات الأخيرة التي شهدت فيها غالبية الكتل من صراعات داخلية مثل كتلة الإئتلاف العراقي التي تميزت فيها مواقف الفضيلة والصدريين بالإختلاف، وكذلك الحال بالقائمة العراقية، والتوافق وغيرها.

وهذه حالة ضعف تنظيمي وعقائدي يتم تعويضها بقوة دفع الطائفة، وبالتأسيس على القائمة الواحدة طريقة في ضمان التأييد وكسب الأصوات.   


7. ليس لبعض الأحزاب حديثة التشكيل برامج عملية مدروسة يمكن المباشرة بتنفيذها عند المشاركة في الحكم، إذ تكتفي بإذاعة المبادئ العامة وحشو دساتيرها وبياناتها بها([22]). فعلى سبيل المثال إن العديد منها ترفع شعار حرية الاقتصاد دون أن تحدد مفهومها لهذه الحرية التي لم تعد مطلقة في الدول الرأسمالية نفسها، ولا تضع دراسة عن كيفية تطبيق هذه الحرية في عالم آخذ بالنمو ومقبل على الإنماء، وإنها تنادي بفرض الأمن والاستقرار دون أن تحدد المنهج العملي لتطبيق الأمن في عموم البلاد، وكذلك نوع الاستقرار المطلوب تطبيقه، وكيف تستطيع الأحزاب والأجهزة الأمنية المخترقة تحقيقه؟ وما هو البرنامج الأمني الذي وضعته لهذا الغرض؟ ([23])


هذا وإن المرحلة التي أعقبت التغيير تميزت بالتشظي والانقسام الذي فرض تعدد الكتل والأحزاب، وتميزت بالضبابية في العلاقة مع الاحتلال والأهداف التي يمكن وضعها في التعامل معه ومستقبل البلاد، على هذا الأساس كانت غالبية البرامج التي وضعتها الأحزاب السياسية متشابهة وتقليدية لا تثير الناخب أو تكسب وده للتصويت إلى صالحها، وعليه أستعيض عنها ببرامج أكثر شمولية تمتد إلى الطائفة والقومية، تقدمها القائمة الواحدة بقدرة تأثير تفوق كثيرا إمكانية تقديمها عن طريق ممثل الحزب في المنطقة المحددة.    

 

8. لم تتمكن بعض الأحزاب من إعداد الحزبي الصالح، المثالي في أقواله وأفعاله، وتعاملاته، الذي يشعر من حوله بأنه قدوة في سلوكه وأخلاقه، الحزبي الذي يعتنق عقيدة حزبه ويحترم عقيدة الآخرين، الذي يدافع عن مبادئه بحجة المنطق وجدلية الفكر لا بقوة السواعد ومسارب العدوان، الحزبي الذي يؤمن بان لا فضل لحزبي على أخر إلا بمدى ما يقدمه للوطن من البناء، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن النظرة الشاملة لعموم الأحزاب يجد الناظر أن المسافة شاسعة بين قائد الحزب/الحركة/الكتلة وبين الباقين في قيادته العليا وبينهم من جهة وجمهور الحزب تسلسلا حتى المستويات الدنيا من جهة أخرى، وهذا واقع يحول دون حصول كوادر الأحزاب من غير القيادة العليا، وربما القائد الأعلى على فرص كسب الأصوات التي تؤهلهم الفوز بكرسي في البرلمان فكانت القائمة الواحدة تغطية جيدة لهذا الفارق بالكفاءة والسمعة التي مكنت الكثير من الفوز بالانتخاب من خلال قوة الدعم التي قدمها شخص القائد الأعلى في الحزب أو الكتلة.

 

المبحث الثالث : الآثار السلبية لانتخابات القائمة الواحدة على العملية السياسية وإعادة البناء .  

مازال البرلمان العراقي الذي أُنتخب أعضاءه بطريقة القائمة المغلقة الواحدة قائما، ومازالت الكثير من المصاعب والعقبات في طريق تشريع بعض القوانين مثل قانون الأنتخاب والأحزاب، والنفط وغيرها ماثلة، والكثير من أخطاء أعضاءه حد الإتهام بالإنحياز، والإرهاب، والفساد، وتزوير الشهادات قائمة، يعود قسم منها إلى التردي في مستوى النضج السياسي والحضاري لبعض الأعضاء، وإلى وصول أعضاء غير مؤهلين، وكذلك إلى انتقال إمراض المجتمع إلى داخل قبة البرلمان، وحصلت هذه في معظمها بسبب طريقة الانتخاب بالقائمة الواحدة التي تكفلت في إيصال المذكورين، وحتمت وجود كتل وسياقات عمل عرقلت المسيرة وحالت دون المساهمة الجادة في قيادة البلاد إلى بر الأمان، وبوجه العموم يمكن إيجاز المترتبات على الانتخابات بطريقة القائمة الواحدة ذات الأثر السلبي على إعادة البناء الديمقراطي ومن ثم على العملية السياسية وإعادة بناء العراق بالآتي:

1. انتقال صيغة الطائفية في العمل والتفاهم من القائمة خارج قبة البرلمان إلى كتلته في الداخل، وهو انتقال وسم بعض أعمال البرلمان وقسم من نقاشاته وقراراته بالطائفية في أحيان ليست قليلة، بعد أن أعتقد البعض بأن أسلوبه هذا يحقق المنفعة الإستراتيجية إلى الطائفة وأعتقد المقابل بضرورة الوقوف بالضد للحيلولة دون تحقيق الطرف الآخر للمنفعة أو تقليل الخسارة إلى طائفته جهد الإمكان، وهذه مشاعر وأساليب عمل حتمت أن ينتقل النقاش لمشاريع قوانين مهمة إلى غرف الكتل الخاصة للحصول على توافقات بشأنها لا تخلوا في بعض الأحيان من مساومات قد قد تضر بمصلحة البلاد.


2. إعاقة شبه متعمدة لسير عمل البرلمان والعملية السياسية إذ أن التفضيل الواضح لمصلحة الكتلة والحزب على المصالح العليا للوطن والسعي إلى تعزيزها سلوكا على أرض الواقع نَمّى اتجاهات التناحر بين الكتل في البرلمان وكذلك في مجلس الوزراء حتى أضحى البعض يعارض طروحات ومقترحات وتوجهات البعض الآخر قبل أن يطلع على تفاصيلها في بعض الأحيان، وهذه معارضة أعاقت أو عطلت العديد من المشاريع التي يفترض تشريعها لتثبيت أسس إعادة البناء والانتقال إلى الديمقراطية، ودفع البرلمان بداية عام 2008 على سبيل المثال إلى التصويت بطريقة الحزمة كما حصل في موضوع الميزانية وقانوني العفو والاقاليم.


3. وصول أشخاص غير أكفاء إلى سدة الحكم والبرلمان، وآخرين لا يمتلكون المؤهلات اللازمة([24])، ووجودهم هذا وتقصيرهم في المشاركة وتحمل المسؤولية جعلهم يغالون في التمسك بالأصول الطائفية كنوع من التعويض عن القصور في الجوانب المهنية، وبالتالي أصبح وجودهم عامل هدم وتعويق في وقت تحتاج فيه البلاد إلى أعلى الكفاءات للمساهمة في إعادة البناء.


4. إن المجيء إلى الحكم والبرلمان عن طريق الأنتخاب بطريقة القائمة الواحدة دفع بعض الكتل اللجوء إلى المعايير الطائفية في تحديد صيغ مشاريع ومقترحات دون النظر إلى مصالح العراق، وهذا وإن أسهم في الإعاقة والتعطيل بسبب الجهد والوقت المبذول للحصول على التوافق فإنه أرسى أو عزز من التوجه الطائفي وأبعد المسافة النفسية بين الكتل ومن ثم الطوائف، وزاد من مصاعب فرض الأمن وإعادة البناء([25]) 


 5. إن صيغة القائمة الواحدة التي أوصلت عدة كتل ذات أبعاد طائفية إلى البرلمان سهلت لدول المحيط الإقليمي والدولي النفوذ واستمرار العمل في الساحة العراقية بعد أن دعمت هذه الكتلة أو تلك، واستسهلت هذه الكتلة وتلك الحصول على الدعم اللازم لتحركها في الطريق لتعزيز النفوذ، وبهذه العلاقة النفعية أسهمت الكتل جميعا في تعقيد المسألة بدلا من المساهمة في حلها وإلى المستوى الذي أقتنع فيه الشارع العراقي بأن الخلاف بين الكتل هو أساس المشكلة والاحتراب في العراق وحله في البرلمان كفيل بتهدئة الشارع غير الآمن. 


6. لقد رافق الانتخاب بطريقة القائمة الواحدة نوع من التعصب الحزبي الطائفي والقومي الذي زاد من أسباب الشقاء والانقسام، وبوجوده تحولت الحزبية إلى طائفية جديدة والى قبلية وعشائرية جديدة وأصبح الحزبي في الكتلة يتعصب لكتلته ويتخيل أنها وحدها المنقذة من الوضع الذي آل إليه العراق اليوم، وهي وحدها الحامي النزيه للوطن، وهي وحدها القادرة على التطوير والتغيير. وكان من نتيجة كل ذلك إن تفاقمت حالات الحقد والكراهية بين العراقيين، وانصرف كثير منهم إلى أمور غير ملائمة كانوا في غنى عنها، ودخلوا في معارك جانبية أنهكت قواهم ولم يستفد منها إلا الإرهاب وقوى التخلف الفكري والاجتماعي والسياسي المرفوض منطقيا.


7. إن نظام الكتل الطائفية / القومية التي برزت إثر الانتخاب بطريقة القائمة الواحدة أسهم مع غيره من عوامل أخرى بالحيلولة دون بروز القائد السياسي المقبول على المستوى الوطني،  الذي يمكن أن يجتمع حوله العراقيون للعبور بهم إلى ضفة الأمان، وبدد في ذات الوقت من قدرة المجتمع العام لإنتاج قوة الدفع الموحدة التي يمكن أن تساعدهم على العبور إلى تلك الضفة بعد أن أصبحت وبسبب طريقة الانتخاب المتبعة بعض الجماعات أو الفئات وحدها فاعلة في الميدان، وأصبحت كل جماعة أو فئة أو طائفة تعد نفسها مجتمعا قائما بذاته لا تربطه بالمجتمعات الطائفية أو الفئوية الأخرى إلا روابط واهية تفرضها فكرة الاستمرار في التعايش وصيانة المصالح الآنية المتقلبة. وعلى هذا الأساس كانت النتيجة المنطقية لهذا الوضع الاجتماعي كما يأتي:

أ. تحولت الحياة السياسية في البلد، والمسائل المصيرية منها على وجه الخصوص إلى عمليات ضغط لإنتاج العنف أو التهديد باللجوء إلى القوة الذي بدأته القاعدة وبعض التنظيمات المتطرفة المسلحة، وعززته بعض الكتل بما أوتي لها من دعم خارجي ونفوذ محلي، تمارسها بالتناوب إزاء بعضها البعض دفاعا عن مصالحها الخاصة أو مصالح زعمائها.

ب. إن التقسيم الطائفي للكتل وبالطريقة التي لم تنتج الأغلبية المطلقة والحاجة لها أسلوبا في السيطرة وإدارة شؤون البلاد، ونوع الخلافات الموجودة، وعدم الثقة بين الجميع أوجد طريقة التنازل عن بعض المصالح، والمساومة على البعض الآخر في تعبير المشاريع وسن القوانين التي قد تنتفع منها جماعة دون أخرى وبمستوى يزيد المسافة والشقاق بين الجماعات.   

ج. إن الوصول إلى الحكم والبرلمان عن طريق الدفع الطائفي وتكوين الكتلة الطائفية قلل من دور الفرد ومن فاعلية آرائه ومواقفه الفكرية والعلمية أحيانا ([26])، إذ وجد البعض من العلماء والأساتذة والمتخصصين والأطباء والمهندسسن والفنيين وغيرهم من خارج الكتلة أنهم في موقف الرفض في بعض المواقف، وخياراتهم محدودة، حتى أنحسر تأثيرهم "دورهم" في عملية إعادة البناء بعد أن دفع الكثير منهم ثمنا حيث (الاغتيال، والعزل، والتسقيط، والتهميش، والهجرة والتهجير) أو الرضوخ والاستسلام من خلال التوجه لوضع الحال رهن الإشارة وأحيانا تحت السيطرة غير المباشر من اجل تامين لقمة العيش والحفاظ عليها. 

د. إن النظام الانتخابي الذي أوجد الكتلة أستوجب تحركها لتقوية وجودها ومد نفوذها في جسم الدولة ومؤسساتها، وقد نجحت بقدر ملموس أدى إلى تصدع  حال الدولة بمفهومها الحديث، وحَرفَ من دور أجهزتها العصرية حتى تحول بعض منها إلى آلة أو مؤسسة تعمل لحساب بعض الزعماء والكتل دون الالتفات إلا بأقل ما يمكن إلى خدمة المواطنين وتسهيل سير حياتهم وأمنهم كما هو مطلوب، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن وزارات ودوائر ومديريات قد حولها مسئوليها إلى واحات للطائفة والكتلة والحزب، ومجال لتحقيق بعض المكاسب إلى أفرادها عن طريق المقاولات والتعيين والإيفاد وغيرها. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى بعد أن قويت الكتلة وأتسع مجال تأثيرها أضطر الأفراد والمؤسسات والدول إلى الاتصال بها والتعامل معها بطريقة أضعفت الدولة وأخلت بمعايير هيبتها.

هـ. إن نظام الكتل خلال عملية الانتخاب بطريقة القائمة الواحدة وما بعدها أوجد توازنا هشا مبني على المصالح الذاتية ليس بين الطوائف فقط بل وكذلك بين المناطق، والمؤسسات والمناصب الحكومية العليا، وأمتد إلى مستوى العشائر والعوائل التي فرضت زعامتها بقوة نفوذها، وسيمتد إلى الأقاليم عند إقرارها، وهذا يعني إذا ما وجدت حالة تتعرض فيها مصلحة من المصالح الفئوية للطائفة والمنطقة والإقليم والعشيرة إلى الخطر"وهي موجودة في الوقت الحاضر، وستكون كذلك في المستقبل" سينجم عنها قدر من التوتر، وإضطراب التوازن الذي قد يفضي إلى صدامات تمد من فترة اللا استقرار، لصعوبة الحسم من جهة وكذلك التسويف الذي يتأسس على التسارع إلى التهدئة على أساس ديمومة المصالح الذاتية كأحد الضرورات الملحة لديمومة التوازن الهش من جهة أخرى، خاصة وإن المؤشرات السياسية الدولية والإقليمية تبين أن التوازن الهش الذي لا يتيح الفرصة لأية فئة من الفئات التي يتكون منها المجتمع العراقي أن تحسم الأمر لصالحها على حساب الغير بصورة دائمة بسبب عدم امتلاكها أو عدم السماح بامتلاكها مستلزمات القوة التي تؤهلها الاستيلاء على السلطة السياسية في البلد واحتكارها، ولهذا ستبقى معايير (الاتفاق، التوافق، التهادن، المسايرة) "التوازن الهش" ضرورة من الضرورات الحتمية لتأمين السير بخسائر أقل لفترة زمنية قد تمتد حتى وصول المناسب من الأحزاب والأفراد إلى البرلمان العراقي وبطريقة غير القائمة الواحدة التي أتبعت في آخر انتخاب.

9. فقدان العلاقة الترابطية بين الناخب والمنتخب " عضو البرلمان" إذ أن القائمة الواحدة قدمت أعضاء برلمان لعموم العراق، فخسرت المدينة والقضاء والناحية والمنطقة من يمثلها ويعرف مشاكلها ويتابع أوضاعها وحاجاتها من بين أبنائها الذين انتخبتهم لتمثيلها مباشرة.   

 

المبحث الرابع : آفاق الحل المستقبلي

1. إن نظام الانتخاب بطريقة القائمة الواحدة وكما مبين في أعلاه نظام لم يكون ملائما لواقع العراق ومطالب التغيير إلى الديمقراطية، إذ وبالإضافة إلى ما ذكر آنفا أنتج أسلوبا لإدارة الدولة والمجتمع ضاعت أو تشتت فيه المسئولية إذ خرج أكثر من مسئول في كتلة معينة أو ائتلاف معين يتحجج أو يضع اللوم على طريقة الائتلاف والمحاصصة في تشكيل الحكومة لما يتعلق بالإخفاق، كما إن تجربة ما بعد الانتخاب برهنت على فشل هذا النظام في تطوير الحياة السياسية، بعد أن تمخضت إثر تطبيقه الكثير من معالم الفشل بسبب عجز البرلمان عن القيام بمهماته والحيلولة دون تشكيل أكثرية برلمانية متجانسة، إضافة إلى بعثرة الرأي العام وتضليله. فبسببها وجد نوع من عدم الاستقرار الحكومي وإن تحسن بداية عام 2008، وكذلك عدم الفعالية البرلمانية، ولهذا فان المناسب للعراق بعد التعثر الحاصل إثر الأنتخاب بطريقة القائمة المغلقة، هي الطريقة الفردية في الانتخاب، والتي إذا ما أديرت بشكل صحيح ستسهم في تجاوز السلبيات المذكورة، وستؤسس حوافز للتنافس على خدمة البلد وتطويره من خلال إيصال أغلبية، أكثر قدرة لأتخاذ القرار وتشريع القوانين، واسهل سبيلا في أختيار الحكومة وتوزيع المسؤوليات.


2. إن الطائفية والعرقية هما اكبر آفات العراق ولا يمكن التخلص من آثارها الكارثية على حاضر العراق ومستقبله إلا بمشاركة أوسع لأحزاب ليبرالية لا طائفية، ومستقلين كفوئين مخلصين قادرين على تجاوز الرواسب التي حصلت خاصة في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، والتي يمكن أن تساعد في أنتاج أفكار وإتجاهات تلزم برفض الطائفية والعنصرية وتنشر ثقافة التسامح، وتشرع قوانين تعزز هذا الرفض، تنقذ العراق من توجهات الإرهاب والإعاقة القادمة من الخارج ومن بقايا التركة الاجتماعية السياسية الثقافية النفسية غير السوية.

كما إن التجربة بطريقة القائمة المغلقة برهنت على عدم قدرة أي حزب من الأحزاب في القائمة "الكتلة" من تحقيق الأغلبية البرلمانية التي تمكنه من تولي الحكم وحده، ووضع برنامج عمل نابع من رؤياه في التعامل مع المشاكل القائمة، والانصراف إلى تنفيذه، وبرهنت أن تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب الوزارية من خلال الكتلة أفقد مجلس الوزراء التجانس أو الإنسجام، وفقدانه أتاح الفرصة لبعض الأحزاب المؤتلفة في الحكومة فرصة التهرب من المسؤولية، ملقية تبعة كل فشل على الحزب أو الأحزاب المتحالفة الأخرى، لذا يمكن القول أن السعي لتكوين تجانس معقول في ظروف العراق الصعبة يمكن أن تأتي في تغيير طريقة الانتخاب إلى الطريقة الفردية.   

 

الخاتمــــــة  

مر العراق بعد التغيير بتجربة انتخابية تحددت بالتنسيق والتعاون بين الأحزاب الفاعلة التي تحملت مسئولية المشاركة في إدارة الدولة والمجتمع من جهة والجانب الأمريكي "المحتل" من جهة أخرىن وتمخضت عن صيغة الانتخاب بالقائمة الواحدة المغلقة التي أسهمت بوصول البعض من أعضاء البرلمان غير المناسبين إلى قبته حيث إتهام بعضهم بعدم أمتلاك تأهيل دراسي، وبعضهم بأرتكاب أعمال إرهابية، وبعضهم الآخر بالفساد، حتى يمكن الإشارة إلى أنه وعلى الرغم من وصول البعض من الوطنيين والجيدين إلى البرلمان لم يستطيعوا بسبب وجود أولئك غير المناسبين من التأثير الحاسم في توجيه المسيرة بما يصلح لتشريع القوانين المناسبة لإعادة البناء وإرساء قواعد الديمقراطية، وهذه معالم قصور، وفشل يمكن أن تتكرر في العراق في الدورات الانتخابية المقبلة إذا لم تتبدل الصيغة إلى الانتخاب بالطريقة الفردية الملائمة في مجتمع مثل العراق يعاني أضطربا، وعدم أستقرار لأنها طريقة تكفل عرض  المناسب والمعروف من أبناء المنطقة والمدينة والقرية أمام الناخب ليقرر ويتابع ويحاسب في الوقت الذي يرى فيه الضرورة قائمة لتوجيه اللوم والحساب دون أن تتدخل الكتلة والحزب للدفاع بطريقة التعنصر والتحزب التي حرمت الجمهور من ممارسة دوره في تصحيح مسيرة الديمقراطية.  

إن تجربة أكثر من خمسة سنوات من الحكم والانتخاب وتوزيع المسئولية وبالقياس على أساس النتائج المتحققة تؤكد حصول قصور وإعاقة وفشل في أكثر من مجال يقتضي أولاً الاعتراف بوجوده ومن ثم السعي لتجاوزه بعدة وسائل وأساليب بينها طريقة الأنتخاب الملائمة "الفردية" لواقع وظروف العراق، القادرة على زيادة الروابط بين الناخبين والمنتخبين وعلى دفع المواطن العراقي إلى تحمل المسؤولية الوطنية والمشاركة بفاعلية في التصحيح، وتعزيز خطوات الديمقراطية وإعادة بناء العراق وطن للجميع.     

 

[1] إبراهيم عبد العزيز شيحا،( النظم السياسية:الدول والحكومات (الإسكندرية، منشأة المعارف، 2003) ،ص 268. 

[2] منذر الشاوي، القانون الدستوري، (بغداد: مطبعة شفيق،1967)،ص  135. 

[3] المصدر السابق،ص 136. 

[4] المصدر السابق ،ص 136. 

[5] إبراهيم عبد العزيز شيحا، مصدر سبق ذكره ، ص 289. 

[6] المصدر السابق ،  ص 287 . 

[7] المصدر السابق، ص 288. 

[8] المصدر السابق، ص ص 290 -291. 

[9]  د.شمران حمادي، النظم السياسية (بغداد، مطبعة الإرشاد، الطبعة الرابعة 1975)، ص32

* إن نظام الأغلبية يمكن إن يتمشى مع أسلوب التصويت الفردي كما يمكن إن يتمشى مع أسلوب التصويت على أساس القائمة. فالمقاعد النيابية المخصصة لدائرة انتخابية معينة (ولتكن ستة مقاعد) تعطى للقائمة التي حازت على اكبر عدد من الأصوات في هذه الدائرة الانتخابية، ونفس حال الأغلبية ذو الدورين إذ يشترط إن تكون الأغلبية مطلقة في الدور الأول ونسبية في الدور الثاني. لمزيد من التفاصيل ارجع إلى منذر الشاوي، مصدر سبق ذكره، ص 138-141.

[10] إبراهيم عبد العزيز شيحا، مصدر سبق ذكره، ص ص 295. 

[11] منذر الشاوي، مصدر سبق ذكره، 143. 

[12] إن التصويت الفردي يفترض إن يخصص مقعد واحد لكل منطقة انتخابية وبالتالي فانه لا يتمشى مع نظام التمثيل النسبي لأنه لا يمكن تجزئة هذا المقعد النيابي الواحد بصورة نسبية بين عدة مرشحين بحيث يأخذ الأول ثلثيه ويأخذ الثاني ثلثه.. راجع :  منذر الشاوي، مصدر سبق ذكره ،ص 143. 

[13] ولتقريب الصورة نفرض أن قانون الانتخاب في إحدى الدول حدد العدد الانتخابي الموحد بعشرين ألف صوت وقد تم تقسيم الدولة إلى أربعة عشر منطقة انتخابية. ونفرض أن هنالك ثلاثة أحزاب متنافسة تطرح ثلاث قوائم متنافسة في جميع المناطق الانتخابية، وقد حازت قائمة الحزب أ في منطقة انتخابية معينة على 50000 صوت فتعطى مقعدين نيابيين لان كل مقعد يساوي 20000 صوت (وهو العدد الانتخابي الموحد الذي حدده قانون الانتخاب قبل إجراء الانتخابات) بقيت لهذا الحزب 10000 صوت غير مستعملة تقابل جزءا من مقعد نيابي (للحصول على مقعد نيابي يجب الحصول على 20000 صوت) لذلك في ظل التمثيل النسبي الكامل تضاف هذه العشرة آلاف صوت التي بقيت للحزب عن المنطقة الانتخابية إلى ما سيبقى له من الأصوات في المناطق الانتخابية الأخرى. ولنفرض أن ما سيبقى لهذا الحزب (أي لقوائمه التي تنزل في جميع الدوائر الانتخابية في الدولة ) من الأصوات غير المستعملة يساوي 105000 صوت، عليه ستجمع هذه الأصوات لحسابه وهو ما سيؤدي إلى نيل هذا الحزب خمسة مقاعد أخرى ينالها هذه المرة على صعيد الدولة بمستوى كلي أي على الصعيد القومي ) فضلاً عن المقاعد النيابية التي حصل عليها في كل منطقة انتخابية. المصدر السابق،ص ص 144-145         

[14] المصدر السابق ،ص 146.

[15] على سبيل المثال هنالك دائرة انتخابية خصص لها خمسة مقاعد نيابية، وكان هنالك ثلاث قوائم متنافسة في هذه الدائرة (أ، ب، ج). وبعد إجراء عملية التصويت حصلت أ على 48 ألف صوت وحصلت ب على 37 ألف صوت وحصلت ج على 15 ألف صوت.. وللحصول على خارج القسمة يتم جمع الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة والتي تساوي 100 ألف ثم يتم تقسيم هذا العدد الأخير على عدد المقاعد النيابية المخصصة للدائرة الانتخابية والتي حددت مسبقاً بخمسة مقاعد فيكون هنا خارج القسمة 20 ألف صوت فإذا ما كان عدد الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة مساويا لخارج القسمة الانتخابي هذا (20 ألف صوت) أو مضاعفاته فإنها ستحصل على مقعد نيابي واحد أو أكثر .. وفي المثال أعلاه ستحصل القائمة أ على مقعدين ويبقى من الأصوات التي حصلت عليها 8 آلاف صوت.. والقائمة ب تحصل على مقعد واحد مع باقي من الأصوات 17 ألف صوت والقائمة ج لا تحصل على مقعد لان الأصوات التي حصلت عليها وهي (15 ألف) اقل من معدل القسمة المطلوب وهو (20 ألف ) بقي إذن توزيع المقعدين المتبقين للدائرة الانتخابية والتي ستتم وفقا لما بقي لكل قائمة من الأصوات وترتيبها بصورة تنازله، فما بقي للقائمة ب هو 17 ألف وما بقي للقائمة ج هو 15 ألف و للقائمة أ هو 8 ألاف.. فتعطى القائمة ب مقعد نيابيا أخر وللقائمة ج المقعد النيابي الأخر حسب التدرج. لان اقوي باقي هو للقائمة ب تليها القائمة ج. منذر الشاوي، مصدر سبق ذكره ص ص 148-149. 

[16] إذا كانت هنالك ثلاث قوائم متنافسة في دائرة انتخابية خصص لها 5 مقاعد. وقد حصلت القائمة أ على 48 ألف صوت والقائمة ب على 37 ألف صوت وج على 15 ألف صوت، عليه فان خارج القسمة الانتخابي يتم من خلال جمع  ما حصلت عليه كل القوائم والذي يساوي 100 ألف صوت وتقسيمه على 5 فتكون النتيجة ( 20 ألف صوت ) وهو خارج القسمة الانتخابي .. وعلى هذا الأساس تحصل القائمة أ على مقعدين والقائمة ب على مقعد واحد والقائمة ج لا تحصل على شيء.. أما المقعدان المتبقيان فيتم توزيعهما مرة ثانية على هذه القوائم المتنافسة ويتم البدء بالمقعد المتبقي الأول فيعطى لكل قائمة والنتيجة أن القائمة أ تحصل على ثلاث مقاعد مقابل 48 ألف صوت (فالمعدل هو 16 ألف صوت لكل مقعد)، والقائمة ب لها مقعدان مقابل 37 ألف صوت (فالمعدل هو 18 ألف وخمسمائة صوت، والقائمة ج لها مقعد واحد مقابل 15 ألف صوت (فالمعدل هو 15 ألف صوت لكل مقعد) .. وعليه سيعطى المقعد المتبقي الأول إلى القائمة ب لأنها صاحبة اقوي معدل مقارنة مع القوائم الأخرى والذي هو (18500 صوت).. وبهذا سيكون قد تم توزيع أربعة مقاعد بصورة نهائية على أساس أن للقائمة أ مقعدين والقائمة ب مقعدين والقائمة ج لاشيء.. وبقي المقعد المتبقي الثاني (إذ تم توزيع المقاعد الأربعة من أصل خمسة مقاعد للدائرة الانتخابية) لذا سيتم إعادة العملية مرة أخرى فيكون للقائمة أ  3 مقاعد مقابل 48 ألف صوت (فالمعدل هو 16 ألف صوت لكل مقعد) والقائمة ب ثلاث مقاعد مقابل 37 ألف صوت (فالمعدل هو 12.3الف صوت لكل مقعد) والقائمة ج  مقعد واحد مقابل 15 ألف صوت (فالمعدل هو 15 ألف صوت لكل مقعد) . لذا فان هذا المقعد (الخامس) سيعطى نهائيا هذه المرة إلى القائمة أ لأنها تملك اقوي معدل من الأصوات وهو 16 ألف صوت مقارنة بالقوائم الأخرى. لمزيد من التفاصيل ارجع إلى منذر الشاوي، مصدر سبق ذكره، ص152.  

[17] د.شمران حمادي، ، ص33 سبق ذكره،ص32. 

[18] المصدر السابق،ص33. 

[19] المصدر نفسه ،ص32. 

[20] لمزيد من التفاصيل عن طبيعة وتاريخ هذه الأحزاب يمكن الرجوع الى : عادل غفوري خليل،احزاب المعارضة الوطنية في العراق (بغداد:منشورات المكتبة العالمية ،الطبعة الاولى ،1984)،ص ص 99-147.

* اثار تزايد قبول الحركات الدينية قواعد العملية الديمقراطية ،كما افرزتها التجربة الغربية، والذي تمثل في اسهامها في تجربة التعددية الحزبية وفي مشاركتها في العملية السياسية  وخوضها ا لتجربة البرلمانية تساؤل حول مدى التواؤم بين الدين والسياسة ؟ للحصول على اجابة هذا السؤال يمكن الرجوع الى : د.ثناء فؤاد عبد الله، الدولة والقوى الاجتماعية في الوطن العربي(بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية،الطبعة الاولى ،2001) ،ص ص 335-343.

[21] لمزيد من التفاصيل حول الطائفية وجذورها في الوطن العربي عموماً انظر :خليل عثمان، جذور الطائفية في الوطن العربي: ثلاث اجزاء على موقع البي بي سي ،6 ،9 ،د17/ابريل /2006

http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_4894000/4894616.stm

[22] انظر صباح ياسين،تفكيك البنى الحزبية العراقية في إطار المشروع الأمريكي،مجلة المستقبل العربي،السنة السادسة والعشرون،العدد 300،شباط 2004.

[23] لاحظ : برامج الاجزاب السياسية تعّرف اكثر على الاحزاب السياسية...لمَ نصوت وكيف ننتقي ، ( بغداد، التحالف المدني للانتخابات الحرة،15/كانون الاول/2005) .

[24] يذكر هنا انتوني كوردسمان (ان احداً من القادة والساسة الحاليين والمحتملين المشتركين في العملية السياسية لا يملك حقيقة خبرة سياسية ولا احد منهم مارس ابداً الحكم او أدارهيئة سياسية كبيرة .. لا احد يعرف اين سيكونون غداً او من سيبرز كزعيم او ماذا ستكون الاحتمالات الممكنة للإخفاق السياسي .. ليس ثمة اساس تاريخي لثقة عامة . انتوني كوردسمان،تحليل الانتخابات في العراق :الجانب الاخر من الحكاية ،مجلة المستقبل العربي،السنة السادسة والعشرون ،العدد 301 ،اذار 2004 ،ص 29. 

[25] لمزيد من التفاصيل عن مشكلات ومعوقات الوحدة الوطنية في العراق انظر: د.جاسم يونس الحريري، الوحدة الوطنية ، من ملف العراق الى اين ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 305 ، السنة السابعة والعشرون ، تموز 2004، ص ص 56-58 

[26] قامت الديمقراطية في الغرب أولاً على تحرير الفرد من الكنيسة ، ثم من جماعته بالولادة حتى نقل ولائه الى الجماعة الوطنية دون غيرها وهو امر لم يحصل في وضعنا العراقي فلا يزال الفرد يلوذ بعائلته وعشيرته وطائفته للحصول على الدعم والمساعدة في مختلف نواحي الحياة وهو ما ادى الى تغليب الولاءات الجزئية على مصلحة الدولة وهو خطأ ناجم  عن استيراد النظام الديمقراطي دون فهم الفلسفة الفردية التي يقوم عليها. راجع غسان سلامة ، نحو عقد جديد بين الدولة والمجتمع ، السنة السابعة والعشرون ، العدد304،حزيران2004 ن، ص 29.