لا يختلف العلماء، والباحثين، والمثقفين العراقيين وغير العراقيين على أن الميل إلى التفرد، وداء الذات المفرط كان أحد أكبر المشاكل في العراق الحديث حتى قبل اعتلاء صدام سدة الحكم في الحزب والدولة، دفعت هذا الأخير التي يعانيها بمستوى أقرب للمرض منه إلى السواء، وعلى وفق معادلة التفاعل والتعزيز بين خصائصه التي تتسم بداء الذات المفرط من جهة وخصائص المحيطين به التي تتميز بالانتهازية والشعور بالدونية من جهة أخرى، توجه إلى الإيمان إن هناك تداخلا في حاله والعراق أو بمعنى أشمل أنه يعتقد هو العراق، والعراق متجسد في صورته الرمزية، وبدأ بضوء هذا الاعتقاد يبني لشخصه وعائلته قصور، ومنتجعات، ويسيطر على الأراضي والممتلكات، ويسمع لعائلته ومعيته بإيداع ملايين الدولارات في المصارف الخارجية .... لن تشبع جميعها حاجته لتمجيد الذات فتوجه إلى تسمية الجسور، والجامعات، والمساجد، والأبراج، والمطارات، والشوارع وغيرها من الأماكن العامة والخاصة باسمه التي ضن في مرحلة من مراحل حياته أنه سيبقى ماثلا في عقول العراقيين إلى آبد الدهر رمزا للعراق.

وحصل التغيير وسقط كل ما يرمز إلى صدام من تماثيل وتسميات على الورق وفي عقول الناس وتبين أنه لم يكن على خطأ فقط، بل وكان واهما فيما يتعلق ببقائه رمزا إلى أبد الآبدين.

وتبين أن القريبين في محيطه من العراقيين البعثيين وقليل من غير البعثيين هم أيضا على خطأ يوم أكبروا ذاته بهتافاتهم صراخا يصم الآذان مع كل مناسبة يظهر فيها، وإن كان ماشيا على الطريق العام.

ويوم سكتوا خوفا من فقدان الحضوة مع أولى معالم الخطأ التي لم يتعود قبول إنتقادها قبل استشراء الداء.

تلك كانت من أكبر الأخطاء التي أسهمت بتخريب العراق وتدميره نفسيا وقيميا لخمس وثلاثين سنة مستمرة وضع أبناءه خلالها في سجن أسمه صدام، وهي أخطاء ليست هينة ينبغي أن يتنبه إليها العراقيون في الوقت الحاضر، وهم يعيشون صدمة التغيير.

ورغم أن مرحلة الصدمة من الناحية العملية لا يمكن أن يعتد بالسلوك الحاصل في وقتها، لأن كثير من الانفعالات المكبوتة عادة ما تبدأ بالخروج بطريقة غير متسقة قوامها الفوضى والتجاوز والاضطراب، بسبب غياب سلطة الخوف الضابطة التي تعود عليها الناس في مجال الضبط، والالتزام لفترة من الزمن ليست قليلة.

ومع ذلك وإن كنا نعيش مرحلة الصدمة الطبيعية المؤقتة فهناك في العراق الكثير من العلماء والمختصين، ورجال العشائر، وعلماء الدين، والمثقفين، والمنصفين لديهم القدرة والمعرفة لتجاوز معطيات وآثار هذه الصدمة، ولديهم الإمكانية أيضا لأن يبدأو هم مشوار محاربة كثير من معالم السلوك الخطأ، وبينه داء الذات المفرط في بعض النفوس غير المستقرة، التي عادة ما يتسابق أصحابها في أيام الفوضى وعدم الاستقرار لأن تستعرض قدراتها أملا في إشباع حاجتها للكسب السريع، وضغط زمن الوصول، وعليهم مسئولية تاريخية، وأخلاقية في أن لا يسمحوا من الآن تمجيد الفرد أيا كانت مقدرته، ومهما كانت أصوله، وتوجهاته، وبدلا عنه ينبغي أن يدفعوا باتجاه تمجيد العراق بلدا آمنا لجميع القوميات والمذاهب والأديان.

وبعكسه سيجدون يومأ أن واحدا مثل صدام قد يرتقي قيادة المركب يوجهه في الاتجاه غير الصحيح يبحر بهم لفترة مثل التي أبحر بها صدام، وربما أطول زمنا، يغرقهم معه في تلاطم الأمواج التي سوف لن تهدأ في العراق إلا بسيادة العقلنة والقانون والتطبيق الصحيح للعدل، والديمقراطية .

ذلك الأمل الذي  يمكن الاستفادة من الظرف الحالي للتغيير في تحقيقه بأقل الخسائر الممكنة .          

21/4/2003