لقد أنتهج حزب البعث في إدارته للعراق سياسة التبعيث التي أدت في نهاية المطاف إلى ندرة أن تكون هناك عائلة عراقية دون أن تحوي بين أفرادها بعثيا ولو بمستويات بسيطة، أنتظم كعملية إسقاط فرض، وفي نفس الوقت يندر أن تكون هناك عائلة عراقية قد سلمت من شرور الإدارة التسلطية، شابا معدوما أو عسكريا شهيدا أو سياسيا منفيا أو شيخا منعزلا أو امرأة مضطهدة، أو ....... الخ، وبالتالي يمكن القول يندر أن تكون هناك عائلة عراقية لم تتمنى التغيير باستثناء القلة من عائلة صدام والمستفيدين ماديا حيث الكسب غير الشرعي.

وسلطويا حيث التحكم بمفاصل القرار على كافة المستويات.

وهذا تضاد يسحبنا إلى مناقشة موضوع تفكيك حزب البعث في المجتمع العراقي كقرار اتخذ من قبل سلطة الحلفاء الحاكمة لتنفيذه في إطار حكمها العراق، وفي مجال تقييم آثاره على حاضر العراق ومستقبله لا بد من الاعتراف أن هناك من بين البعثيين أشخاص خيرين لم يؤذوا أحدا ومنعهم من تسنم منصب حكومي تجاوز على الإنصاف وإن كان الإنصاف غير موجود إبان حكم حزبهم للعراق.

وإن من بين البعثيين علماء، وأساتذة جامعات، ومختصين بعّثُوا قسرا، وعزلهم عن منابرهم، ومختبراتهم، وقاعات تدريسهم خسارة كبيرة لموضوع إعادة البناء المطلوب مساهمة الجميع في خطواته غير السهلة، وإن عزلَ حزبهم الكثير من عظماء العراق عن مسيرته لخمس وثلاثين عاما.

وإن من بين البعثيين من أستمر في صفوف الحزب تماشيا مع الوقت، وطلبا للرزق، وسعيا إلى الأمن، وإن كان توفر الرزق والأمن نسبيا في مجتمع أُفقرَ تماما، وخرقت حصانة أهله إلى أبعد الحدود.

بالإضافة إلى ذلك هناك بعثيين عقائديين ملتزمين فعلا بأهداف الحزب ومبادءه التي لا يرقى الشك على طبيعتها، ولم تسجل في صفحاتهم أية شوائب يتحملوا وزرها مثل غيرهم من الوصوليين والإنتهازيين. 

إن القرار المذكور وأي قرار يتخذ في أي مجتمع من المجتمعات البشرية لا ينظر إليه نظرة أحادية من جانب واحد، أي زاوية الربح المطلق، أو الخسارة الشاملة، بل ولابد من النظر إليه من زاويا عدة على أساسها يحسب مقدار الربح وكم الخسارة، وهذا معيار لو تم تطبيقه على مسألة موضوع اللا تبعييث نرى وببساطة انه قرار مكاسبه تتركز على إنهاء سلطة البعث على المجتمع العراقي بعد أن جربت الفشل والتخريب طويلا، ويقطع أوصاله تنظيميا، إذ يحول دون سيطرة كوادره المتقدمة وقياداته على مقاليد الأمور ثانية بحجة تمكنها العلمي والمهني، كذلك يعطي تقديرا قيميا لمن أصر على عدم الانتساب إلى الحزب وفضل البقاء بعيدا عن سطوته وإن تعرض للجوع والتنكيل، وكذلك لمن ترك الحزب في مرحلة من المراحل وأصر على التنحي جانبا رغم المخاطر الكبيرة.

كما إنه خطوة للتعامل مع السلوك الخطأ تعد ضرورية لمعاقبته بغية السعي إلى عدم تكراره في مجتمع لم ينضج بعد.

لكنها ومن الجانب الثاني أي كم الخسارة علينا أن نعترف أن في القرار إجحاف لحقوق البعض سيبقون جانبا بسبب مشاعر الإجحاف.

وإثارة لمشاعر العدوان عند البعض الآخر سيحملون السلاح بالضد من النظام الجديد.

مع خسارى غير قليلة لخبرة أولئك العلماء والباحثين والرجال الخيرين إذا ما بقوا خارج سياقات البناء الذي سيكون في مجاله العراق بحاجة إلى كل الكفاءات والأيدي النظيفة.

وهذه خسارة وإن ينظر إليها البعض مقبولة في المراحل الأولى للتغيير وإعادة البناء، لكنها ليست كذلك على مستوى المستقبل القريب والبعيد في آن معا.  

إننا كعراقيين من الطبيعي أن نختلف في تقيمنا لآثار القرار على أساس شمولنا وأقاربنا وأصدقائنا بتحديداته ومقدار خسارتنا الشخصية بتطبيقاته، لكن المنطق يفرض علينا الاعتراف به أمرا لم يأت به الأمريكان من جعبتهم بل هو واقع جاء به الثوريون عام 1958 يوم عزلوا رجالات الحكم الملكي مع أول جمهورية في العراق.

وأعتمده البعثيون عام 1963 بانقلابهم الأول في 14 رمضان بالنسبة لأتباع قاسم والقوميين والشيوعيين.

وعادوا لتطبيقه بتطرف عام 1968 وما بعده لمن لم يكن موال لهم بضوء سياسة التبعييث.

عليه يحق لنا التساؤل عن ماهية هذا الاستغراب من موضوع تنحية قادة حزب أسهموا بانتمائهم له في تدمير العراق، ويحق لنا أن نسأل البعثيين الذين لم يكونوا من بين الأشرار، ألم يحن وقت الاعتراف بالخطأ ودفع ثمن ارتكابه في عراق نأمل أن يكون بعيدا عن الغش والانتهازية المقيتة.        

11/6/2003