تأسس الجيش العراقي  في السادس من كانون عام 1921 كرمز للوطنية العراقية وأساس لاستقلال البلاد، واستمر كذلك طيلة الحكم الملكي، إذ ترجع إليه الدولة في الأزمات، وتقدر الخدمة العسكرية في مجاله أوقات الحروب والسلام، حتى ارتكب بعض ضباطه خطأ  جسيما عام 1958 يوم أقحموه في تغيير نظام الحكم بالقوة، ومن بعد ذلك التاريخ توالت أخطاء الدولة بحق هذا الرمز الوطني يوم سحبت عسكره إلى عالم السياسة، وأمرت بنقل الضابط من مدير أو قائد كفوء إلى وزير في حكومات ما بعد الملكية، رغبة منها بضمان الولاء للرئيس (العسكري) وحسن تنفيذ أوامره غير الدستورية في كثير من الأحيان، فخسرت كفاءة الضابط ولم تكسب حسن اداء الوزير أو المدير العام وأستمر الحال سجال بين الدولة شبه العسكرية، والجيش الذي بدأ يحتضر بعد عام 1968 يوم خطط له الحزب أن يكون نهاية المطاف خلية حزبية أو واجهة من واجهات الحزب المتعددة في المجتمع، لم  يكتف في مجالها بفرض التبعيث واقع لم يألفه الجيش من قبل، بل وأستبدل قادته غير العسكريين معايير الضبط العسكري بالالتزام الحزبي، وغيروا من سلسلة إصدار وتنفيذ الأوامر، ليكون:

الفصل في القرار للمسئول الحزبي بدلا من الآمر العسكري.

والحسم في المواقف الحساسة لضابط الأمن بدلا من القائد العسكري.

وفوق هذا وذاك أخل الحزبيون بالقيم والضوابط العسكرية عندما جعلوا من ضابط صف وزيرا للدفاع، ومن مدنيا لم يكمل الخدمة الإلزامية قائدا عاما.

وعندما غيروا معالم الوطنية في حياة العسكريين بجعل الولاء للحاكم الفرد أساسا للرضا والتقييم.

ومنع سكنة مناطق من القبول في الكلية العسكرية والأركان، وإطلاقها لمناطق أخرى بلا حدود.

وحالوا دون تسنم ضابط أصيل لمنصب قيادي، وفسح المجال لآخر موبوء أن يكون مرجعا.  

تلك كانت صورة الجيش العراقي الرمز السابق للإستقلال، والوطنية الذي تحول أخيرا إلى ضيعة لحاكم ظالم، وبؤرة فساد يخجل منها العسكر المهنيون، ويصفق لها الانتهازيون، ويدافع عن واقعها من يعتاش على المكارم والفتات، والفاشلون الساعون إلى التسلق بطرق ملتوية.

إنها صورة حتى يوم 9/4 / 2003 إذا ما نظرنا إليها نظرة وطنية منصفة نرى وبما لا يقبل الشك أنها تؤشر واقع مرير وصورة مشوهة تستحق التبديل الجذري تماما، أو بلغة العسكر الهيكلة وإعادة التنظيم، لا الحل والتسريح القسري الذي أتجه إليه الحاكم بريمر بشكل غريب وغير منصف.

لكنها هيكلة وإعادة تنظيم لا ينبغي أن تبدأ بطريقة خطأ يتبناها ضابط بالموصل، ربما حصل على موافقة العقيد الأمريكي بالمنطقة للتحرك ويبدأ بتأسيس قاعدة جيش موصلية أو يدعوا إليها ضابط في بغداد يحاول أستثمار الفراغ الحاصل من أجل التحرك ويسعى لتكوين قاعدة بغدادية، ولا يمكن أن تتم برؤى وإجتهاد القائد الأمريكي الذي لا يعي طبيعة هذا الجيش وأصوله، والتركيبة الاجتماعية في داخله.

إن إعادة تأسيس جيش عراقي يصلح أن يكون رمزا وطنيا لا بد وأن ترتكز على دراسات تأخذ بالاعتبار الامكانات، والأهداف، وأن يشرف على تأسيسه ضباط عراقيون يمثلون حقا الطيف العراقي الواسع.

يستفيدون من منتسبيه غير القياديين في حزب البعث.

يبدأون خطوتهم الأولى بتحديد مصير ومستقبل مئات الآلاف من الضباط وضباط الصف، والجنود. يشرعون بالتعاقد مع الراغبين المناسبين كمتطوعين آخذين في مجالهم بنظر الاعتبار الموازنة الدقيقة بين الأصول والأقوام.

إن مسألة البناء ليست سهلة بعد طول خراب، نأمل أن يكون المعنيون في جانبها عراقيون واعون حال العراق ومستقبله، تجاوزوا أمراض الذات والطائفية المقيتة، وضعوا نصب أعينهم الوطن العراق، ونأمل أن يفهما الأمريكان والحلفاء، ويفهموا معها أن تصرفهم بصدق وحيادية في موضوع الجيش هو الضامن الوحيد لاحترامهم على أرض العراق .         

20/7/2003