كانت أم قصر الناحية العراقية المحاذية لأرض الكويت أول الأهداف العسكرية للحرب الخليجية الثالثة ، وأول مكسب ملموس يتحقق ضمنها على أرض الواقع، إذ أفرز لها الحلفاء قوة من رتلهم المتجه إلى الشمال بحدود لواء مدرع مدعوم بقوات خاصة حقق تماس مع الدفاعات الموجودة فيها منذ الساعات الأولى لدخول القوات البرية الحرب، وتجاوزها الحدود الفاصلة بين العراق والكويت، وقد أثارت هذه المدينة التي بنيت ميناء عراقيا رئيسيا، الكثير من التحليلات الخاصة بالهجوم والدفاع، وكذلك السيطرة ونوع المقاومة، حيث تلمس المراقبون أن مساحة المدينة المحدودة، وطبيعة الأرض الصحراوية المحيطة تصلح لقتال الدرع الذي يتفوق في مجاله الحلفاء كثيرا، بما لا ينسجم وفترة القتال التي دارت في داخلها لعدة أيام، وهي الفترة التي رأى فيها البعض ضعفا لأداء قوة الحلفاء التي أخذت على عاتقها الهجوم على هذا المرفأ العراقي الحيوي، ورأى البعض الآخر شدة المقاومة التي أبداها المدافعين سببا لذلك فيما عدها القريبون من قوات التحالف إجراءات طبيعية للتعامل مع هدف في داخله العديد من السكان المدنيين.

لكن الأمر لم يكن تماما كما هي الرؤية التي ذكرت، بل وعلى الأغلب أمر له علاقة مباشرة بأسلوب قتال كلا الطرفين المتواجدين في ساحة المعركة، وطبيعة أهدافهم من إدارتها.

فالحلفاء على سبيل المثال يقاتلون تحت عبئ التحسس العالي للخسائر في الأرواح، ليس في جانبهم الذي تعني الكثرة فيه استثارة مشاعر الضد بين الأمريكيين الذين يؤيد غالبيتهم الحرب حتى هذه اللحظة، وما يمكن أن يتسببه في إعادة موروث فيتنام على سطح ذاكرتهم القريبة ، بل وكذلك الخسارة بين السكان المدنيين العراقيين التي تعني كثرتها إثارة للرأي العام العالمي الذي لم يحقق فيه الحلفاء الأغلبية حتى وقتنا الراهن.

الأمر الذي جعل الحلفاء يتقدمون ببطئ على أرض هذه المدينة رغم أهميتها الاستراتيجية كميناء يشكل قاعدة تموين أساسية لقواتهم التي تتوغل داخل العمق العراقي، وأهميتها النفسية كأول مدينة عراقية مؤشرة على الخرائط العالمية تسقط في يدهم وهم في الطريق إلى بغداد . واستمروا في تباطئهم حتى تأكدوا من إنهاك المدافعين وعزل العسكر فيهم عن فدائيي صدام، فتقدموا نحو مركزها وأنهو الأمر بأقل الخسائر في الأرواح.

وجعل القيادة الحكومية العراقية تغالي في وضع العسكر بين المدنيين، وتنصب الأسلحة على سطوح منازلهم والإيعاز إلى أولئك المقاتلين من فدائيي صدام، ومنتسبي الأمن، وحتى البعض من العسكر للقتال باللباس المدني الذي يزيد من تعقيدات الفرز والتمييز في جانب الحلفاء.

وفي التقييم العام لما جرى لهذا المرفأ العراقي الحيوي يمكن القول أن الحكومة قد خسرت موقعا مهما لإمداداتها، قاتل فيه العسكريون العراقيون قالا جيدا رغم عدم تكافؤ قدراتهم مع العدو في ساحتهم، وخسارتها هذه أعطت الحلفاء منفذا على الخليج يسهل إمداد قواتها المتجهة إلى بغداد على المدى القادم.

وخسارة أم قصر أثرت بشكل مباشر على نتيجة المعركة التي كانت تدور في قضاء الفاو الميناء الآخر للعراق على الخليج العربي إذ أنهتها بوقت قياسي لأن المنطقتين ترتبطان في ساحة معركة تكاد أن تكون مشتركة، وبإسناد ناري يكاد يكون من نفس المصدر.

كما إن النتيجة التي تحققت في هذه المدينة أحرجت الإعلام الحكومي العراقي كثيرا بعد أن فشل في جعلها معركة نفسية يثبت من خلالها شدة المقاومة الشرسة وبمستوى  يمكن تعميمه على باقي مدن العراق، أملا في تكوين مشاعر تحسب وقلق عالي عند الحلفاء يمكن أن ترهقهم معنويا.

لكنه وبعد أن كرر عدة مرات وجود المقاومات في داخلها أنسحب تماما إلا في قليل من الاستثناءات خاصة بعد رسو باخرة محملة بالمعونات الإنسانية على أرصفتها.

أنسحاب من ساحتها الإعلامية أي النفسية بطريقة سجلت كثيرا من النقاط في غير صالحه ، وهو يعاني أصلا من مصاعب في تسجيل النقاط.

كما إن إدارة معركة أم قصر بذلك البطء، والحساسية أدخلت عموم الفضائيات العربية طرفا فيها، إذ كانت في معظمها (عدا الكويتية) تنقل الصورة من جانب واحد فتفسر البطء على سبيل المثال عدم قدرة على الاقتحام.

والحذر من التقدم خوف وتردد.

وتفسر أيضا رمي البنادق الخفيفة المتفرق مقاومة شعبية شديدة.

وأسر مقاتل من فدائيي صدام بلباس مدني تعامل سيئ مع السكان المدنيين.

وهكذا الأمر حتى تفاجئت أن المدينة انتهت بأقل الخسائر الممكنة في الجانبين، وأن الميناء عاد في أغلبه إلى العمل بأطقم عراقية عندها انسحبت هي الأخرى من ساحتها، لكنها لم تحاول الاعتراف بخسارتها في كم النقاط ، لأنها تحركت إلى مواقع أخرى من الجبهة تحاول فيها أن تمارس ذات التضليل.

إن معركة أم قصر وإن لم تكن من المعارك الكبيرة من وجهة النظر العسكرية إلا إنها ليست كذلك من الناحية النفسية، فقد أرادها الحلفاء مؤشرا على حسن الأداء، والرغبة في تقليل الخسائر، ومكسب على الأرض مهم جدا.

وأرادها الجانب الحكومي العراقي مجالا آمنا لتوجه إليه العديد من البصريين التي تحاصرهم نيران الحرب من كلا الجانبين حتى اليوم الثاني عشر.

فكانت أولى المعارك العسكرية ذات الأبعاد النفسية في هذه الحرب الدائرة .

      

4/4/2003