تحت العنوان أعلاه نشر مركز الدراسات الإستراتيجية في باريس تقريرا ورد فيه:

من أهم الأطراف التي تعمل إيران على توثيق التعاون معها هي الصين وروسيا والهند، فبالنسبة إلى الصين تمتاز العلاقات الاقتصادية بينها وإيران بقدر كبير من القوة ويكفي القول بان حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى رقم غير مسبوق وهو أربعة بلايين دولار منها 2.5 بليون دولار قيمة الصادرات الإيرانية من النفط الخام. وهناك اليوم نحو مائة مشروع إيراني – صيني مشترك أهمها مشروع إنتاج عجلات من نوع تشيري الذي تنخرط فيه شركة حكومية صينية كأول استثمار خارجي لها.

وقد توج هذا الازدهار في العلاقات الاقتصادية بين البلدين أخيرا بتوقيع مجموعة سينوبك الصينية للغاز ثاني اكبر شركة صينية في صناعة النفط اتفاقاً قيمته 100 مليار دولار لتطوير حقول النفط وشراء الغاز الطبيعي المسال من إيران .

وتحاول إيران أن تجني الفوائد السياسية لهذا الاتفاق من خلال محاولتها إرضاء الصين التي تمتلك حق النقض ( الفيتو) في مجلس الأمن ضد أي إجراء قد يتخذ بشان البرنامج النووي الإيراني.

أما بخصوص روسيا فإيران تحاول دائماً أن توسع علاقاتها معها خاصة في ظل تشابك المصالح والأهداف في منطقة القوقاز والمشروعات الاقتصادية والتبادل التجاري بين البلدين.

أما الهند فقد عملت إيران على وضع أسس للتعاون معها من خلال توقيع إعلان نيودلهي في 2003، بالإضافة إلى التعاون الاستراتيجي وتوقيع سبعة اتفاقيات أخرى التي اسست لشراكة بين البلدين.

وثمة أهداف عدة تبغي إيران تحقيقها من وراء إقامة علاقات جيدة مع الهند من أهمها انه يمثل إحدى الآليات المهمة لكسر سياسة الاحتواء الأمريكية ضد إيران. كما ترى إيران في الهند بلداً نشطاً في السياسة الدولية ويتطلع لان يكون قطباً أسيويا ينظر إليه كعامل صعب وهام في معادلة الأقطاب الدولية.

أما بالنسبة إلى الهند فهي تسعى من وراء علاقاتها مع إيران إلى ضمان مصادر الطاقة، ولهذا فقد وقعت معها اتفاقاً بقيمة (22) مليار دولار لاستيراد الغاز الطبيعي المسال في إطار عقد مدته 25 عاما ً ابتداءاً من عام 2009 كما تسعى الهند أيضا للحصول على الغاز من إيران عبر مشروع خط أنابيب بري يكلف (7) مليارات دولار سيمر عبر أراضي باكستان.


تعليق   

على الرغم من أن إيران تعول كثيراً على الفيتو الصيني الذي تنتظر أن يقف في وجه أي قرار ضدها داخل مجلس الأمن، إلا أن الصين تبدو من أكثر الدول الواقعة في مأزق بسبب أزمة الملف النووي الإيراني لأن الفيتو الصيني في واقع الحال تتحكم به عدة عوامل إستراتيجية واقتصادية ونفطية، تتداخل مع مصالحا والدول الأخرى مثل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوربي ودول الخليج ويبدو أن مأزقها يتمحور حول أي الطرفين يمكن أن تضحي به أولا ؟

هل تضحي بعلاقاتها مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، أم إنها ستضحي بإيران وبالمكاسب الاقتصادية الكبيرة الراهنة والمستقبلية ؟.

وعلى أساس هذا المأزق أو الصراع الذي توجد فيه الصين حاليا يصبح من المنطقي القول إن على إيران أن لا تعول كثيراً على الفيتو الصيني، لأن العلاقات والروابط الاقتصادية الموجودة بين الصين وإيران لم تكن أقوى من تلك العلاقات والمصالح الموجودة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ودول الخليج التي لا يمكن التضحية بها بسهولة.

كما على إيران أن تدرك أيضا طبيعة الدبلوماسية الصينية التي امتازت في التاريخ الحديث بالقدرة العالية على الإفلات من المصائد ومواقف الصراع بأقل قدر من الخسائر من أجل مصالح الصين بعيدة المدى، عليه يمكن الاستنتاج أن الفيتو الصيني سيتوقف ومهما كانت الظروف عند حدود لا تتعدى الامتناع عن التصويت كما حدث في قرار الوكالة الأخير، عندها تضمن عدم التضحية بإيران التي تحتاجها اقتصادياً وبالولايات المتحدة والاتحاد الأوربي التي تحتاجهما اقتصادياً وسياسياً وتكنولوجياً.

أما بالنسبة للهند فبالرغم من أنها تنفي تعرضها لضغوط أمريكية من اجل الموافقة على قرار الوكالة الدولية، إلا انه من المؤكد إن هذه الضغوط موجودة بالفعل والدليل على ذلك تصريحات أعضاء الكونغرس الأمريكي بان الاتفاقية التي وقعتها الهند في المجال النووي مع الولايات المتحدة والتي يلزمها موافقة الكونغرس للدخول في حيز التنفيذ قد تكون مهددة ما لم تساير نيودلهي الخطط الرامية لمعاقبة إيران على أنشطتها النووية.

أما بالنسبة إلى روسيا فإن أوراقها وهامش تحركها أقوى من تلك الأوراق التي تمتلكها الصين والهند في آن معا وقد طرحت مشروع التخصيب في أراضيها في محاولة للضغط على إيران من جهة والحصول على فرصة مناورة محسوبة للتخلص من الضغوط الأمريكية من جهة أخرى، ولها القدرة على تحقيقه على مستوى الواقع بما يرضي جميع الأطراف.  

إلا إن إيران في تعاملها مع أزمة الملف النووي لا تعول فقط على مواقف تلك الدول على الرغم من أهميتها فهي تؤسس الكثير من مواقفها على الدعم والتأييد الشعبي الواسع لمبادئ جمهوريتها، والذي يدفعها إلى التصلب في مواقفها من هذا الملف، لكنه تأييد قد يصيبه بعض التصدع إذا ما أخدنا بنظر الاعتبار أن خرقا قد جرى أخيرا لمواقف الأقليات العرقية من الجمهورية قد يحدث تصدعا ووهنا في جدارها الدفاعي الشعبي كما جرى في الأهواز أخيرا، وهو خرق ينذر بإمكانية فقدانها أي إيران لميزة الدعم والتأييد الداخلي الشامل، ويقربها من سيناريو انهيار النظام البعثي في العراق في أول مواجهة جادة مع الأمريكان وقوات التحالف الدولي.

15/2/2006