الغالبية العظمى من أبناء الشعب العراقي خاصة في تلك المناطق التي لم تشهد استقرارا أمنيا منذ أن حصل التغيير في نيسان 2003 وحتى وقتنا الراهن والقريبة منها أو المجاورة لها كانت قلقة من المشاركة في الانتخابات بعد أن وصل التهديد بالقتل والتصفية بشكل مكتوب وشفوي مباشر في بعض الأحيان إلى بيوت الناخبين، وهم المعنيين بإعادة بناء العراق مجتمعا حرا ديمقراطيا يتمتعون في ربوعه بالعدل والمساواة. والحكومة العراقية المؤقتة كانت هي الأخرى قلقة من احتمالات تطور الأحداث في يوم الانتخابات إلى الحد الذي يعيق حصولها في بعض المناطق أو يقلل نسب الحضور في مناطق أخرى وهي المعنية بالضبط والسيطرة وتهيئة الأجواء المناسبة للانتخاب الذي يمهد منطقيا إلى الديمقراطية. وكثير من السياسيين العراقيين ومؤيديهم كانوا كذلك قلقين من أن تذهب جهودهم سدا فيما إذا لم تشهد الساحة الانتخابية حضورا يفوق النصف على اقل تقدير يمكن أن يعطيهم الشعور بشرعية التمثيل وهم الداعين إلى إقامة الديمقراطية واحترام رأي الأغلبية. ومن المنطقي أن تكون القوات متعددة الجنسيات وحلفائها هم أيضا قلقين لأنها ليست بعيدة من ساحة الانتخاب وهي الاحتياط القريب لقوات الجيش العراقي وقوات الأمن الداخلي في السيطرة على ساحات ومراكز الانتخاب التي تمهد نتائجها عمليا إلى ترسيخ خطوات الديمقراطية كما هو معلن ومكتوب. والقلق انفعال طبيعي ومشروع في ظروف التوتر وعدم الاستقرار، ومع ذلك أي بوجود القلق الذي يعيق عادة فعل الذهاب إلى المركز الانتخابي وتحمل المخاطرة في كثير من الأحيان تصرف العراقيون بطريقة عملية لم تكن متوقعة إذ تهيأ البعض منذ الصباح الباكر وبادروا بالذهاب في المقدمة ليسجلوا بذهابهم والجهد الإعلامي والأمني الميسور مبادرة أسهمت في تجاوز مستوياته عند الآخرين الذين سارعوا بالتدريج إلى الذهاب والانتخاب أفرادا وجماعات بطريقة أشعرتهم بالوطنية العراقية ودفعت بهم إلى الإحساس بطعم الحرية، وتقدير الذات، والتفوق على التردد الداخلي لأول مرة منذ حوالي نصف قرن من الزمان.

إن التوجه الجماهيري الجيد للاقتراع وأي كانت نتائج التصويت يدلل على أن مشاعر الوطنية التي تصدعت في زمن صدام يمكن أن تتعافى أو بدأت في أن تتعافى في الزمن الذي يليه، وإن التهديد الذي كّون القلق والخوف في النفس العراقية لم يعد كافيا للحيلولة دون قيامها بما تراه مناسبا لها وللبلد الجريح، ويدلل أيضا أن الغالبية العظمى من العراقيين لم تتوقف عند السعي إلى السلام ونبذ العنف، بل وكانت في سلوكها متحدية للإرهاب.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذا الإقبال غير المتوقع رسالة إلى الذين سيفوزون بالاقتراع مفادها أن العراقيين في معظمهم قد فهموا اللعبة السياسية وهم لسوا بعيدين عن ساحتها، وإن الصوت الذي أعطي لهم اليوم ليس حكرا لهم، بل ويمكن أن يتحول إلى الغير في المستقبل المنظور، والمحك في ذلك صدق النوايا، ونزاهة السلوك، وجدية التنفيذ، وإن انتخابهم تشريف لا ينبغي أن يفهم مكسبا لتوزيع المناصب والثروات أو مجال للمحاصصة على أسس غير منطقية. والأهم منها جميعا إن ما حصل من إقبال يوم الانتخابات يشكل فرصة لأمل معقول في مستقبل أفضل نتمنى أن لا يكون بعيدا من الآن.

د. سعد العبيدي                                                 30/1/2005